الاسابيع القريبة حتى الانتخابات، وقبلها اعياد تشري تنطوي على احتمال تفجر بسبب تراكم عدة سياقات واحداث: استمرار التصعيد الامني في المناطق ولا سيما في شمال السامرة، والذي يوجد في ميل تفاقم؛ التوقع لبدء انتاج الغاز في طوافة كريش، حيث في الخلفية تهديدات نصر الله؛ التدهور الامني الذي قد ينشأ حول الحرم في اثناء اعياد تشري والتي يمكنها أن تؤثر على بؤر اخرى في الساحة الفلسطينية وكذا على الساحة الداخلية في اسرائيل. بالتوازي بغياب اتفاق، تواصل إيران التقدم في برامجها النووية وتمسك في ايديها الكرة لمواصلة المفاوضات. في نظرة اوسع، هجوم اوكراني مضاد قد يجبر بوتين على تصعيد الرد العسكري.

ارتفاع درجة في التوتر في المناطق

سلسلة العمليات والاحداث في الاسابيع الاخيرة، ولا سيما في شمال السامرة، في مدينتي جنين ونابلس تعبر عن ارتفاع درجة بدأت منذ منتصف السنة في المناطق. هذا التصعيد ينبع من ثلاثة عناصر: الضعف الذي يبديه الحكم الفلسطيني الذي إما يصعب عليه او لا يظهر حافزا لفرض إمرته في قسم من المناطق؛ جسارة ابناء الجيش الشاب الفلسطيني؛ وكذا تصعيد الجهد الامني الاسرائيلي الذي يؤدي الى تعظيم الاحتكاكات على المستوى الميداني ويجسد عجز أجهزة الامن الفلسطينية. يجدر التشديد على أن ضعف الحكم الفلسطيني ليس فقط نتيجة خطوات اسرائيل بل وايضا في مزايا الحكم في رام الله (الفساد، الاغتراب العميق عن الجمهور والشلل السياسي المتواصل). في الخلفية، صخب السلطة تجاه اسرائيل واتجاه ادارة بايدن على عدم قدرتها على اقناع اسرائيل بتغيير سلوكها. وذلك اساسا بالنسبة لأعمال الجيش الاسرائيلي والاقتصادات المالية وكذا ضغوط الادارة كي توقف السلطة اعمالها في الامم المتحدة، الى جانب خيبة الامل من زيارة الرئيس بايدن لعدم اعطائها اي نتائج للفلسطينيين. ووجد الامر تعبيره في اللقاءات المتوترة بين نائبة وزير الخارجية الامريكي لشؤون الشرق الاوسط بربارة ليف وحقيقة أن ابو مازن رفض لقاءها.

توتر طوافة كريش

ساحة مركزية قد تشتعل تقريبا تتعلق بالمفاوضات على ترسيم الحدود البحرية بين اسرائيل ولبنان وذلك في اعقاب تحذيرات نصر الله بان حزب الله لن يتردد في الدفاع عن حقوق لبنان إذا ما بدأت اسرائيل بإنتاج الغاز دون اتفاق. 

رغم التقدم في المفاوضات التي يديرها الوسيط الامريكي نشر في “العربية” مخطط محتمل لحل وسط تتخلى فيه اسرائيل للبنان عن السيادة على حقل قانا مقابل مردودات من شركة إنيرجي التي هي نفسها أعلنت عن انها ستبدأ بإنتاج الغاز في الاسابيع القادمة.

رغم مصلحة كل الاطراف ذات الصلة بالاتفاق على توزيع الارباح يبدو ان الكرة بقدر كبير هي في يد حزب الله. فهو يستغل النزاع كي يحسن صورته ويخرج كاسبا في كل سيناريو. سواء تحقق اتفاق تخلت في اسرائيل عن حقل قانا او اضطرت اسرائيل لان تؤجل انتاج الغاز فان نصر الله سيعرف ذلك كتراجع اسرائيلي امام قوة التنظيم.

يحتمل أن يكون نصر الله يقدر بان اسرائيل ستمتنع في فترة الاعياد وقبل الانتخابات والتوتر في المناطق عن خطوات من جانب واحد قد تؤدي الى ضعضعة الاستقرار ولهذا فهو يسمح لنفسه برفع مستوى المراهنة. تنطوي هذه الامكانية على خطر سوء التقدير من جانب نصر الله لشدة الرد الاسرائيلي.

على اي حال يبدو أن التدخل الامريكي المتزايد في الازمة الى جانب مصالح دولية ثقيلة الوزن للاعبين الاقليميين ستؤدي في نهاية المطاف الى بلورة اتفاق. ومع ذلك يحتمل أن يتأجل موعد التوقيع على الاتفاق وبالتالي بدء انتاج الغاز بسبب الصعوبة في بلورة اتفاق في هذه الفترة قبل الانتخابات في اسرائيل وفي لبنان.

مراوحة محادثات النووي في المكان 

الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى الذي يوشك على الاكتمال علق مرة اخرى في طريق مسدود في اعقاب الرد الايراني على العرض الاخير وفي اساسه المطالبة بإغلاق تحقيقات الوكالة الدولة المفتوحة ضدها المتعلقة ببقايا يورانيوم في ثلاثة مواقع. ردا على ذلك اعربت محافل امريكية واوروبية عن تشاؤمها من امكانية الاتفاق قريبا. وذلك في ضوء مصاعب جمة لدى القوى العظمى للاستجابة للطلب الايراني إذ ان معناه انهيار مبادئ نظام NPT ولا سيما في فترة تتحدى فيها روسيا وكوريا الشمالية مبادئ الميثاق. 

يؤكد الرد الإيراني المعضلة هل هذا تكتيك مساومة إيراني لنزع مزيد من الإنجازات أم أن إيران غير معنية بالاتفاق تخوفا من انسحاب امريكي متجدد منه لاحقا. فضلا عن ذلك يؤكد الموقف الإيراني ان التقدم في يدها وهي لم تحسم بعد إذ ان القوى العظمى لا تمارس ضغطا حقيقيا وتهديدا ملموسا عليها يجبرها على إعادة التفكير وتغيير سلوكها بعامة وفي المفاوضات بخاصة.

الموقف الغربي يخدم عمليا إيران ويسمح لها بمواصلة المناورة. فهي من جهة لا تحطم الاواني في المفاوضات ومن جهة أخرى تواصل العمل على مشروع نووي والتقدم فيه بلا قيود. فقد حققت إيران حتى الان 55.6 كيلو غرام يورانيوم مخصب بمستوى 60 في المئة. ويجسد التقرير عمليا الخطر في مواصلة مراوحة المفاوضات في المكان إذ انه بدون اتفاق جديد واستئناف الرقابة وطالما لا يوجد تهديد ملموس على إيران فإنها ستواصل بلا عراقيل تقريبا التقدم نحو تحقيق قدرات حافة النووي.

هجوم أوكراني مضاد 

نجح الجيش الاوكراني في هجوم مضاد في منطقة خاركوف. وهذا هو النجاح الأكبر منذ الهجوم الروسي. ورغم ذلك لا تزال نهاية الحرب بعيدة. يحتمل أن يشجع هذا على مزيد من التقدم العسكري ومع ذلك فانه كلما ازداد التخوف في موسكو من انعطافة في المعركة فقد يقرر الرئيس بوتين استخدام وسائل أكثر تطرفا لوقف التدهور وفقدان مزيد من المناطق. تعبير عن ذلك جاء في هجمة الصواريخ الروسية على محطة توليد الطاقة في شرق أوكرانيا مما أدى الى توقفات طويلة للكهرباء.

المجتمع العربي في إسرائيل

المجتمع العربي في إسرائيل يتميز هو الاخر بأجواء مشحونة، سواء باستمرار احداث الجريمة والعنف وانعدام الحوكمة أم تعميق اليأس لدى الجمهور العربي من الساحة السياسية الذي قد يجد تعبيره في تبني نسبة التصويت في الانتخابات. حتى الانتخابات قد يتعاظم التفجر على خلفية التوتر حول الحرم. وبعد الانتخابات اذا ما كانت نسبة التمثيل العربي متدنية سيتعمق التوتر بين الجمهور العربي ومؤسسات الدولة والجمهور اليهودي.

التوصيات

– قبيل الأعياد وخطر اشتعال العنف في المناطق مطلوب سياسة عاقلة في أساسها اعمال لحفظ الهدوء في منطقة الحرم.

– كل ذلك الى جانب الاعمال المركزة ضد شبكات حماس في الضفة في محاولة لمنع انتقال اعمال العنف الى كل الضفة. على الحكومة أن تعمل على استقرار المنظومة الاقتصادية الفلسطينية وحفظ التنسيق الأمني والمدني مع السلطة ونقل رسائل تحذير لحماس للامتناع عن خطوات قد تهيج المنطقة في هذه الفترة الحساسة.

– في الجانب الإيراني على إسرائيل أن تواصل الحفاظ على التنسيق الاستراتيجي الوثيق مع الولايات المتحدة على المستوى السياسي والأمني العسكري مع الحرص على الحوار الحميم والامتناع عن الخلاف العلني مع الإدارة. والى جانب ذلك على إسرائيل أن تعمل على بناء قوة لتثبيت قدرات عسكرية للتصدي للتهديد النووي. الى جانب استمرار العمل على التضييق على التموضع الإيراني في المنطقة.

– على إسرائيل أن تسعى الى استكمال الاتفاق بوساطة أمريكية على ترسيم الحدود البحرية مع لبنان وتوزيع أرباح الغاز. على إسرائيل ان تظهر تصميما على البدء بإنتاج الغاز مع استعداد لتأجيل مؤقت حتى استكمال الصفقة. في كل الأحوال على إسرائيل الا تظهر كمن ردعتها تهديدات حزب الله مما سيشجع التنظيم على تحدي إسرائيل في مسائل أخرى.

عن مركز مسارات للدراسات والبحوث

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *