حظرُ وكالةِ الأونروا.. وسياقُ مشروعٍ إستراتيجي يُنفّذ منذ عقود
أقرّ الكنيست الإسرائيلي يوم الإثنين 28 تشرين الأول/ أكتوبر 2024م بالقراءة الثالثة قرارًا ينص على حظر نشاط وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا داخل أراضي “إِسرائيل”، ويمنع القرار الوكالة من تشغيل أي مكتب تمثيلي، أو تقديم خدمات بشكل مباشر أو غير مباشر داخل المناطق الخاضعة لسيطرة “إسرائيل”. وحصل القرار على موافقة أغلبيةٍ ساحقةٍ من أعضاء الكنيست، إذ صوّت لصالح القرار 92 عضوًا، مقابل 10 أصوات معارضة له، وهم النواب العرب. كما أقر الكنسيت مشروع قرارٍ آخر في ذات السياق يتعلق بحظر اتصال الجهات الرسمية في “إسرائيل” مع الأونروا بأغلبية 87 صوتًا.
يأتي تصويت الكنيست الإسرائيلي على قرار حظر الأونروا، في ظل حرب مستعرة تخوضها “إسرائيل” منذ أكثر من عام في قطاع غزة، مستهدفه كل شيء هناك بما فيها مقرات الأونروا نفسها، التي لجأ إليها السكان المدنيون في القطاع هربًا من ويلات القصف العشوائي الذي لاحقهم إلى مدارس الوكالة، وتتحدث إحصائيات الأونروا عن استهدف “إسرائيل” ما يزيد عن 70% من مدارسها في غزة، في حين قتلت قوات الاحتلال أكثر من 207 من موظفي الوكالة في قطاع غزة. وقد اتهمت “إسرائيل” الوكالة الأممية بأنها مخترقة من قبل حماس، وأن العديد من عناصر الحركة الذين نفذوا هجوم السابع من أكتوبر هم موظفون بالوكالة، وفي حين رفضت الأونروا اتهامات “إسرائيل”، وفنّدتها عبر إصدارها لتقريرٍ مفصل بعنوان “المزاعم مقابل الحقائق“، الذي ردّت الوكالة الدولية فيه على كل المزاعم التي روّجت لها “إسرائيل” في محاولةٍ لشيطنتها، إلا أن دولة الاحتلال تمسكت ببث هذه الدعاية الإعلامية على نطاق دولي وبشكل واسع. ما دفع العديد من الدول الغربية إلى وقف دعم الوكالة مؤقتًا لحين التثبت من الادعاءات الإسرائيلية. وقد أعادت الدول الغربية دعمها للأونروا لاحقًا، في حين ما زالت الولايات المتحدة وهي أكبر داعم للأونروا على قرارها بوقف الدعم للمنظمة الدولية، متعهدة بإعادة دعم الوكالة في آذار/مارس 2025م.
وقد قوبل قرار “إسرائيل” حظر عمل الوكالة الأممية بحالة رفض دولي واسع، إذ أدانت الأمم المتحدة على لسان الناطق باسمها ستيفان دوجاريك القرار الإسرائيلي، مؤكدًا مخالفته ميثاق الأمم المتحدة، وبنود القانون الدولي الذي التزمت به “إسرائيل”، كما أرسل أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش رسالة إلى رئيس وزراء “إسرائيل” بنيامين نتنياهو يعرب فيها عن مخاوفة البالغة إزاء إمكانية تطبيق “إسرائيل” القانون الذي أقره الكنيست، مشددًا على المخالفة الكبيرة لقانون حظر عمل الوكالة المُقرّ إسرائيليًا لنصوص القانون الدولي والاتفاقيات التي التزمت بها “إسرائيل” مع الأمم المتحدة. كما أعربت دول بريطانيا والولايات المتحدة وألمانيا وتركيا وغيرها من دول العالم عن رفضها القرار، وأشارت إلى قلقها البالغ إزاء تداعياته الإنسانية، في حين أعلنت النرويج عزمها التوجه إلى محكمة العدل الدولية لطلب رأيها الاستشاري حول مخالفة القرار لنصوص القانون الدولي.
الأونروا: النشأة والمهام
أُسِّسَت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا بقرار صادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 8 كانون أول/ ديسمبر 1949م، بهدف تقديم المساعدة لما يزيد عن 700 ألف لاجئ فلسطيني هجرتهم “إسرائيل” من أماكن سكنهم إبان حرب عام 1948. وتقدم الأونروا خدماتها اليوم إلى قرابة 6 ملايين لاجئ فلسطيني هم أبناء وأحفاد من هُجروا في عام 1948. في حين تتحدث الإحصائيات عن أن ثلثي الشعب الفلسطيني هم من اللاجئين، أي ما يقرب من 10 ملايين فلسطيني تقريبًا. غير أن الأمم المتحدة حددت فترة زمنية معينة من عام 1948 لتصنّف من هجّر خلالها من الفلسطينيين وتعترف به قانونيًا على أنه لاجئ. وتركّز الوكالة عملياتها في أقاليم خمسة: هي قطاع غزة، والضفة الغربية، والأردن، ولبنان، وسوريا. إذ تقدم الخدمات التعليمية إلى قرابة 543 ألف طالب عبر إنشاء 709 مدارس، كما تقدم الخدمات الطبية إلى قرابة مليونَيْ لاجئ فلسطيني، وتقدم الدعم إلى حوالي 400 ألف شخص عبر شبكة الأمان الاجتماعي، بالإضافة إلى قرابة مليون ونصف لاجئ فلسطيني يتلقون مساعدات نقدية إنسانية في الأقاليم الخمسة، وتوفر الوكالة منح التعليم الجامعي، ومراكز الصحة الأولية، وكذلك خدمات الصحة البيئية في مخيمات اللجوء الفلسطينية، وغيرها من الخدمات الإنسانية.
برز دور الوكالة الإنساني بشكل كبير في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إذ لم يستطع المجتمع الدولي توفير هياكل غيرها قادرة إلى إيصال المساعدات الإنسانية إلى قرابة 2.3 مليون فلسطيني هم جميع سكان قطاع غزة. وقد تمكنت الأونروا عبر طاقمها الكبير والممتد في القطاع، من إيصال المساعدات الإنسانية الدولية في حالات كثيرة إلى سكان القطاع، وتوفير المأوى لمئات الآلاف داخل مدارسها، وبرغم المضايقات الإسرائيلية الكبيرة لعمل الوكالة، وتعرض طواقمها بشكل مستمر للاستهداف والقتل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، إذ تجاوز عدد القتلى من موظفي الأونروا 207 أشخاص، إلا أن الأونروا ما زالت هي الجهة الوحيدة القادرة على ممارسة العمل الإنساني في حده الأدنى داخل قطاع غزة.
الحظرُ.. وسياقُ مشروعٍ إستراتيجي
غير أن جهود “إسرائيل” في إنهاء عمل الأونروا لا تبدو بعيدة عن إستراتيجية تتبناها دولة الاحتلال منذ تأسيسها، إذ عمدت إسرائيل في حرب عام 1948 إلى تغيير ديموغرافي كبير عبر تهجيرٍ واسع النطاق للسكان الفلسطينيين من أماكن سكنهم في حدود الدولة التي سعت المنظمة الصهيونية لخلقها آنذاك وهي دولة “إسرائيل”، وتمكنت العصابات الصهيونية إبان الحرب بالفعل من تهجير أكثر من 700 ألف فلسطيني وهم قرابة 80% من مجمل السكان الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون داخل حدود ما يعرف اليوم بـ “إسرائيل”. كما سعت “إسرائيل” إلى ذات الهدف في حرب عام 1967 بعد سيطرتها على كامل تراب فلسطين، إذ هجرت قرابة 200 ألف فلسطيني آخرين آنذاك. ومازال هدف التغيير الديموغرافي قائمًا حتى يومنا الحالي، خاصة بعد صدور تقارير إحصائية نهاية عام 2023، تشير إلى زيادة عدد الفلسطينيين في حدود فلسطين التاريخية عن عدد الإسرائيليين. وقد اتبعت دولة الاحتلال في مسعى التغيير الديموغرافي سياسات خنقٍ للفلسطينيين، وحصارٍ وتضييق، وليس انتهاء بحروبٍ طاحنةٍ كما هو الحال في حربها الأخيرة على غزة، وقد أعلن زعماء “إسرائيل” بشكل واضح ومتكرر خلال حربهم الأخيرة على غزة عن نيتهم تهجير سكان قطاع غزة إلى خارج فلسطين، كما كُشف مؤخرًا عن خطط ٍأعدت قبل الحرب على غزة تهدف إلى تهجير مليون فلسطيني من الضفة الغربية إلى العراق.
وهدف التغيير الديموغرافي عبر التهجير لن يتحقق لـ “إسرائيل” طالما بقي محفوظًا للمهجّرين حقهم القانوني بهويتهم، ووجوب عودتهم إلى أماكن سكنهم التي هجّروا منها، وبوجود مؤسسات دولية تابعة للأمم المتحدة أُنشئت خصيصًا كاعتراف دولي بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، التي بحسب قانون إنشائها تختص في تقديم الخدمات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين إلى حين تحقيق حل عادل لقضيتهم، وهذا الحل العادل بحسب القرار الدولي رقم 194 ينحصر في حقهم بالعودة والتعويض. وطالما أن القانون الدولي يفرض على دول العالم وجوب الاعتراف والتعامل مع المؤسسات الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة وتيسير عملياتها، فإن تحقيق النتيجة المرجوة “إسرائيليًا” لتهجير الفلسطينيين تبقى بعيدة المنال. إذ يتوجب على “إسرائيل” بحسب القانون الدولي التعامل مع الوكالة الدولية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين الذين هجرتهم هي نفسها، وطالما بقيت الوكالة الدولية قائمة، وبقي التعامل الإسرائيلي معها قائمًا، فإن “إسرائيل” ستبقى تعترف ضمنًا بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم. وهو ما لا يتوافق مع هدف التهجير الأساسي.
إن موافقة الكنيست الإسرائيلي على قانون حظر عمل الأونروا، ينطوي على مخالفات عدة للقانون الدولي، إذ نص قرار كنيست الاحتلال على حظر عمل الوكالة داخل حدود “إسرائيل” المعترف بها من الأمم المتحدة، وامتد إلى خارج حدودها ليصل إلى القدس الشرقية، وهي مناطق محتلة خارج حدود سيادة الحكومة الإسرائيلية بحسب الأمم المتحدة. كما أن القرار الصادر عن الكنيست الإسرائيلي يخالف القانون الدولي الذي يُلزم دول العالم بضرورة تسهيل عمل الهيئات الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة، وتوفير الحصانة لموظفيها، وحماية ممتلكاتها ومنشآتها، وإعفائها من الضرائب المحلية، وضرورة التواصل مع العاملين فيها لتسهيل أعمالهم. غير أن “إسرائيل” تبدو قادرة على تحمل تبعات المخالفات القانونية الكبيرة لقرارها، وإمكانية إدانتها دوليًا، وذلك في سبيل تحقيق النتيجة المرجوة لإستراتيجية تهجير الفلسطينيين التي تتبعها منذ إنشائها. إذ تعتبر “إسرائيل” أن إمكانية إنهاء عمل الوكالة الدولية ممكنة في حال التضييق عليها، وحظر أنشطتها، ومنع التواصل رسميًا معها، وسيبدو عمل الوكالة مستحيلًا مع تنفيذ الحكومة الإسرائيلية قرار الكنيست. وبغياب الوكالة الدولية الخاصة باللاجئين الفلسطينيين عن مشهد غوثهم وتقديم الرعاية الإنسانية لهم، ستتمكن “إسرائيل” من تجاوز أحد أهم الحواجز القانونية الدولية والذي اضطرت للتعامل معه، وستمضي في مشروع حسم الصراع الذي يتبناه اليمين الحاكم في “إسرائيل”. فقضية اللاجئين الفلسطينيين هي جوهر القضية الفلسطينية، والتخلص من الهيكل المنبثق عن أكبر مؤسسة دولية خاصة بقضيتهم ويعترف بحقوقهم، سيساهم في نجاح جهود الحركة الصهيونية التي قامت على فكرة أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، وهو ما لن يتحقق بدون التغيير الديموغرافي عبر التهجير، وبجعل من بقي من الفلسطينيين في أرضهم مجرد أقلية تعيش داخل حدود دولة “إسرائيل” ذات الأغلبية اليهودية أمرًا واقعًا.
لقد تعاملت “إسرائيل” مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا على مدار العقود السابقة، واعترفت بوضعها القانوني لأهداف مختلفة، من بينها التخفف من أعباء الاحتلال وتكاليفه المباشرة الاقتصادية والتعليمية والصحية تجاه اللاجئين، تحديدًا في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما يشير الباحث الإسرائيلي، الذي يصنف نفسه كمختص بشؤون حماس وقطاع غزة، أيال عوفر.
وقد جادل عوفر في مقابلة مع صحيفة معاريف، أن تلك السياسة كانت خاطئة بالنسبة لإسرائيل “لأن الأونروا تحافظ على فكرة اللجوء الفلسطيني وحق العودة، وتمنح بطاقة لاجئ للأجيال الجديدة، وهذا ما أدى إلى تضاعف عدد اللاجئين من 600 ألف عام 1948 إلى 5.6 مليون اليوم. وبدل أن تعمل على تحسين أوضاعهم تعمل على إدامة حالتهم كلاجئين”. ولا بد من التنويه إلى أن مسألة تعريف الأونروا لنسل اللاجئين الفلسطينيين وأبنائهم على أنهم لاجئون أيضًا كآبائهم الذين هجروا عام 1948؛ هي من أبرز الخلافات التاريخية بين الأونروا و”إسرائيل”، فهي تريد أن تحصر مشكلة اللاجئين بالـ 700 ألف الذين هجروا عام 1948 فقط، وتعيد مفهمة المشكلة على أنها أزمة مشتركة لدى اليهود والعرب. فاليهود حسب زعمها، هجّروا من البلاد العربية ولجؤوا إلى “إسرائيل”، كما تحملت الأخيرة عبء توطين “لاجئيها” واستيعابهم، فعلى الدول العربية أن تفعل الأمر نفسه مع الفلسطينيين الذين لجؤوا إليها، بمعنى توطينهم، بحيث تصبح المسألة وكأنها تبادل سكان، على غرار ما حدث بين الهند وباكستان أو بين تركيا واليونان. غنيّ عن القول أن هذه السردية والطرح الإسرائيلي هو نوع من الهراء؛ لأن “إسرائيل” هي نفسها التي عملت على جلب اليهود ليستوطنوا في فلسطين، ونفذت عمليات إرهابية ضدهم، مثل حادثة الفرهود في العراق، لإشاعة الخوف بينهم من البقاء في الدول العربية، ولدفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين، على عكس قضية اللاجئين الفلسطينيين.
على أية حال، مع تصاعد فكرة حسم الصراع وإنهاء القضية الفلسطينية بدأ الاحتلال ومفكروه يرون أن الوقت قد حان للتخلص من الأونروا، التي تساهم في إدامة قضية اللجوء الفلسطيني حسب تصورهم. إذ يرى عوفر أيضًا أنه قد “لاحت فرصة ذهبية الآن لـ”إسرائيل”، إذ بإمكانها إنهاء الوظيفة التاريخية للأونروا ومعها تعريف الفلسطينيين كلاجئين. فكل من لديه عنوان سكن دائم: في الأردن، أو غزة، أو الضفة الغربية أو هاجر لأمريكا، يجب ألا يعتبر لاجئًا. فالوقت قد حان للتعامل مع جوهر فكرة الضحية الفلسطينية. أي فكرة اللجوء الأبدي الذي باسمه يستمر الفلسطينيون في قتالنا، ويرفضون تسوية أوضاعهم الحياتية في أماكن وجودهم…وهكذا يستدام الصراع من جيل إلى جيل. وكل شيء بسبب الأونروا التي تعيق السلام”. وهذا حسب زعم الباحث، وعموم الطرح الإسرائيلي الذي ينافي حقيقة الأمور وينكر جوهر المشكلة الأساسي، وهو الاحتلال واستمراره.
ومع اندلاع حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، وبدء طرح مسألة “اليوم التالي”، أخذت عدد من مراكز الأبحاث الإسرائيلية تقدم تصورات لماهية ذلك اليوم، الذي يريد الإسرائيليون أن يكون إعلانًا رسميًا عن انتهاء القضية الفلسطينية، بمكوناتها المختلفة، ولكن بمسميات أخرى.
إذ كتب الباحثان الإسرائيليان كوبي ميخائيل وغابي سيبوني ورقة منشورة لدى معهد القدس للدراسات الإستراتيجية والأمنية، نادَيا فيها بضرورة إنهاء الأونروا ضمن ترتيبات اليوم التالي الذي يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة. إذ يشير الباحثان إلى أن أي ترتيب سياسي مع الفلسطينيين لا يمكن أن يحدث دون تفكيك أهم أساسين تنبني عليهما العقلية الفلسطينية، وهما حق العودة وعدالة الكفاح المسلح. وفيما يتعلق بالركيزة الأولى يقول الباحثان إنه يجب تفكيك كل البنى التي تساهم في إدامة اللجوء الفلسطيني، الذي استحال إلى مفارقة عالمية تنص على أن وضع اللاجئ الفلسطيني خاص ودائم، ولا مثيل له في حالات اللجوء الأخرى في العالم.
ويريان أن أساس هذه الركيزة هو مخيمات اللاجئين والأونروا، اللذان لا مبرر لوجودهما، بحسب الباحثين الإسرائيليين، إلا إدامة الصراع، والحفاظ على فكرة اللجوء الفلسطينية الاستثنائية. وربما يندرج في إطار هذه الإستراتيجية ما تقوم به قوات الاحتلال من هجمات ممنهجة تطال مخيمات اللاجئين الفلسطينيين بالتدمير في الضفة الغربية منذ ما قبل السابع من أكتوبر، ولعلها تعمّقت بشكل مكثف بعده بالضفة وغزة على حدٍ سواء.
ومع مساعي دولة الاحتلال في التخلص من الهيكل الدولي الخاص برعاية اللاجئين الفلسطينيين المسمى بالأونروا، تسعى أيضًا إلى نقل ملف اللاجئين الفلسطينيين إلى متابعة المفوضية السامية للأمم المتحدة الخاصة بشؤون اللاجئين، وهي الهيئة الدولية التي تعنى بشؤون اللاجئين في العالم عمومًا، وقد أُنشئت المفوضية السامية الخاصة بشؤون اللاجئين بعد سنة تقريبًا من إنشاء الأونروا التي تختص بشؤون اللاجئين الفلسطينيين حصرًا، وتحاول “إسرائيل” استغلال صلاحيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين المتعلقة بإمكانية توطين اللاجئين في سبيل حل مشكلتهم، وهي الصلاحية غير المنصوص عليها فيما يتعلق بنظام إنشاء الأونروا، وبذلك تُتاح أمام “إسرائيل” فرصة إنهاء قضية اللاجئين عبر توطينهم في بلد ثالث. وهي المحاولات التي سعت إليها “إسرائيل” على مدار عقود مع الأونروا، غير أن الأخيرة أكدت على الدوام عدم اختصاصها في حل مشكلة اللاجئين، وأن اقتراح الحلول السياسية للقضية ليس من صلاحياتها، وأن دورها ينحصر في تقديم الرعاية لهم إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل لقضيتهم، وهو ما أشار إليه القرار 194 بضرورة عودة وتعويض اللاجئين الفلسطينيين.
الخلاصة
إن جوهر القضية الفلسطينية يتمثل في مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، والإستراتيجية التي انتهجتها الحركة الصهيونية عبر تهجير قرابة 80% من الفلسطينيين من أرضهم في حرب عام 1948 ما زالت حاضرة، وجهود دفع الفلسطينيين للهجرة عبر خنقهم والتضييق عليهم تارة، أو بالحروب الطاحنة تارة أخرى هو مشروع إستراتيجي متكامل لدولة الاحتلال. فالمشكلة الديموغرافية ستبقى حاضرة في حسابات قادة “إسرائيل”. وما قرار حظر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا إلا ضرورة لقطف ثمار مشروع تهجير الفلسطينيين، عبر إلغاء المؤسسة الدولية التي أُنشئت خصيصًا كاعتراف دولي بحجم المشكلة، وهدفت إلى غوثهم ومساعدتهم حتى تحقيق الحل العادل لقضيتهم بعودتهم وتعويضهم. ويبدو أن “إسرائيل” قادرة على تحمل تبعات المخالفة الكبرى للقوانين الدولية التي أقدمت عليها عند إقرار برلمانها “الكنيست” قرار حظر عمل الوكالة، في مقابل قطف ثمار التهجير الذي تمارسه منذ ما يزيد عن 75 عامًا، وبهذا القرار قد خطت “إسرائيل” خطوة متقدمة على طريق إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين، وحسم الصراع الذي يتبناه اليمين الحاكم في “إسرائيل”.
عن مركز رؤية للتنمية السياسية