حرب على الطريقة الأمريكية: شبكة الأكاذيب التي تبيعها لنا الحكومة الإسرائيلية

“وقف إطلاق النار صامد، ومن المتوقع أن ترد إسرائيل”. وهكذا، في جملة واحدة لنائب الرئيس الأمريكي، جيه. دي. فانس، تم تحديد حدود حرية عمل إسرائيل في غزة . وإن شئتم، يمكنكم التعمق في التفسير: رد رمزي – نعم، رد فعال – لا.
لنبدأ بمصدر الرسالة: منذ شهرين، يتعامل الإسرائيليون مع عناوين الأخبار اليومية بيقين محدود الضمان – ينامون مع عناوين المساء ويستيقظون في الصباح على ما سيحدث فعلاً .
لا دليل أوضح من هذا على أن القرارات المتعلقة بأمن إسرائيل، قدس أقداس استقلالنا، تُتخذ في مكانٍ يقع في منطقة زمنية مختلفة.
في يوم الإعلان عن اتفاق إنهاء الحرب، وقبل أن يتم كشف كل تفاصيله ، كُتب هنا أنه اتفاق، بالإضافة إلى كونه مكافأةً كبيرةً للروح الإسرائيلية بواسطة إعادة المخطوفين أحياءً إلى ديارهم، فإن مشكلته الرئيسية تكمن في أنه لم يكن نتيجة مبادرة إسرائيلية، بل نتيجة قرارٍ من رئيسٍ أمريكي لفرض إرادته على إسرائيل.
لاحقًا، عندما “اكتفى” قتلة حماس بإعدام خصومهم السياسيين في الساحات، كُتب هنا أن هذا ليس مظهر منظمةٍ على وشك نزع سلاحها، والتخلي عن زمام السلطة، والإخلاء طواعيةً . منذ ذلك الحين، دفع ثلاثة جنود من الجيش الإسرائيلي حياتهم ثمنًا لإعادة ترسيخ حماس على الأرض – وعاد الجيش الإسرائيلي إلى إطلاق النار في الهواء، تعبيرًا عن الإحباط وليس عن قدرةً حقيقيةً على إلحاق الضرر بالعدو .
لا جديد في الغرب :
لاحظوا ما حدث بالأمس: واصلت حماس عرضها الكاذب كما لو كانت تحاول إعادة جثث القتلى إلى إسرائيل . في حين أن هذا العمل الوحشي يندرج ضمن ترسانة السلوكيات اللاإنسانية التي لا تكل التي تمارسها المنظمة الإرهابية (ملاحظة جانبية: “مسلحون أطلقوا النار على جنود” كان عنوان صحيفة هآرتس هذا الصباح . اليوم الذي سييم فيه ترفيع الإرهابيين هناك من مرتبة “مسلحين” إلى مرتبة “مقاتلين من أجل الحرية” ليس ببعيد ، انتظروا حتى يكتشفوا أن القتيل كان مستوطنًا).
ردًا على ذلك، دعا رئيس الحكومة ، الذي تعهد أولًا بـ”النصر الكامل” ثم صوّر الاتفاق على أنه نصر كامل ، إلى جلسة استماع طارئة. صحيح أن وضع نتنياهو الطارئ أمس كان في المحكمة وليس في غزة ، ولكن المهم هو أن وسائل الإعلام تتعاون مع هذا العرض الكاذب.
بعد جلسة الاستماع، قصف الجيش الإسرائيلي “أهدافًا لحماس”، أو كما تُسميها حركة الكيبوتس، تحديدًا في منطقة النقب الغربي: “رقصة الكثبان الرملية”. نعم، حتى الجيش الإسرائيلي، الذي التزم الصمت حيال حادثة تضرر مركبة هندسية في اليوم السابق جراء هجوم لحماس، لديه مصلحة في التعاون مع الصمت المُصطنع . إلى متى سيستمرون في إطعامنا الطعام الفاسد الذي انتهت صلاحيته في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023؟
دعونا نتوقف للحظة استراحة من منطقة الخط الأصفر في غزة ونخرج لنُنعش أنفسنا في واشنطن. في إسرائيل كانوا على يقين من أن كشف خدعة أشلاء الجثث من قسم الإنتاج الجهنمي لحماس سيجعل الأمريكيين يدركون مع من نتعامل نحن وهم .
حماس مُتنكرة :
الأمر مرتبط باعتقاد ساذج : لدى الأمريكيين مصلحة سياسية (وقد يكون لدى حاشية ترامب مصلحة شخصية أيضًا) في أن تنتهي قصة غزة نهاية سعيدة، حتى لو بذل قسم الفوتوشوب وتعديل الصور جهدًا كبيرًا لتجميل الصورة النهائية.
ماذا يعني هذا؟ سبق أن كُتب هنا : سيُطلق على إرهابيي حماس اسم “قوة حفظ السلام”، وسيطلق على حكومة حماس اسم “لجنة الرقابة التكنوقراطية”، وهما اسمان يُمثلان ذريعةً لوعودٍ جوفاء بالتفكيك ونزع السلاح.
بينما تنتظر الحكومة الإسرائيلية إذنًا للرد من البيت الأبيض، وقع الهجوم الذي أودى بحياة جندي من الجيش الإسرائيلي، الرقيب (احتياط) إيفي فيلدباوم، وأرفقت إسرائيل طلب تصريح قصف ، يُحدث ضجةً دون أي تأثير آخر، بطلب احتلال رمزي لبضعة أمتار خلف ذلك الخط الأصفر . اليوم سنعرف بالضبط ما إذا كان الأمريكيون قد أذنوا للجيش الإسرائيلي بإغلاق شرفة كردٍّ سيُنظر إليه (فقط من قِبل الرأي العام في إسرائيل) على أنه مهم جداً.
ربما لا يكون هناك أفضل من هذا. أن تكتفي إسرائيل بإعادة جميع جثث القتلى المعروفين، مع وجود نوع من الرقابة على تعزيز حماس، بطريقة قد لا تمنع تمامًا، لكنها ستؤخر كثيرًا الضربة التالية التي سنتلقاها. ربما يكون صادق كل من يقول بأنه لايمكن محو فكرة ، ولايمكن محو ايدبولوجيا .
من يدّعي أن لديه إجابةً قاطعة فهو كاذب، لكن ما لا يقل إثارةً للقلق هو صناعة الأكاذيب التي بُنيت حول الحدث. استعدنا 20 رهينة أحياءً كانت حياتهم موضع خوف شديد . هذا كثير . استعدنا – وربما سنستعيد أيضًا – جميع المخطوفين المعروف اماكن دفنهم ، وهذا أيضًا له أهمية بالغة بالنسبة للعائلات.
اتفاق جيد تحت الإكراه :
ماذا قدمنا في المقابل؟ العودة إلى سياسة ضبط النفس التي انتهجناها في 6 أكتوبر. من يقول غير ذلك فهو كاذب لأسباب سياسية . إليكم دليل على صحة الادعاءات التي طُرحت خلال عامين من القتال: أولها أنه كان من الممكن التوصل إلى هذا الاتفاق، مع وصيفات أفضل (مصر والسعودية، وليس قطر وتركيا) قبل أشهر عديدة، مما كان سينقذ أرواح عدد لا بأس به من الإسرائيليين الذين قُتلوا في الأسر خلال تلك الفترة.
ثانيًا، أنه في يوم توقيع مثل هذا الاتفاق، سيكون من المستحيل العودة إلى القتالة. على الأقل كانت هذه هي الحجة الرسمية لحكومة نتنياهو في نسف صفقات مماثلة، في حين أن الشيء الوحيد الذي تغير في المعادلة هو قرار ترامب فرض إرادته على تلميذه من اسرائيل .
الأمر الغريب ليس أن إدارة التسويق في واشنطن تعمل ساعات إضافية على تصريحات شبه عدائية لا أساس لها سوى الحاجة إلى توفير مواد “واعدة” لآلة دعاية رئيس الحكومة . بل الغريب جداً هو رد فعل وزراء اليمين في الحكومة .
أولئك الذين تباهوا في كل فرصة بإحباطهم صفقات إنقاذ مخطوفين ، يلتزمون الصمت في وجه انهيار وقف إطلاق النار . عذراً، هم لا يصمتون، لكن أفعالهم تتناسب عكساً مع صرخات الاستغاثة الصادرة عن الصرصورين .
ولاء للمنصب :
إلى جانب إثبات أنه حتى أولئك الذين يتم تصويرهم هنا على أنهم يمينيون متطرفون لا أيديولوجيا لديهم، بل شهوة للسلطة وملذاتهاة، ففي اليوم الذي سقط فيه مقاتل من جيش الدفاع الإسرائيلي من حي زيت رعنان في مستوطنة نيريا، في مجلس ماتي بنيامين الإقليمي، في غزة ، لا يسع المرء إلا أن يتساءل ليس فقط عن لامبالاتهم تجاه غزة، بل أيضاً عن قانون التهرب من الخدمة الذي كُشفت تفاصيله في وسائل الإعلام الليلة الماضية.
متى سيفهم جمهور اليمين الاستيطاني، الذي أختلف معه سياسيًا، ولكني أُقدّره تقديرًا كبيرًا لاستعداده ليكون أول من يُستدعى للاحتجاج، أنهم وقعوا ضحية لواحدة من أكبر عمليات الاحتيال السياسي في التاريخ، وأن محتالين سياسيين حوّلوهم إلى تسويق فكري ؟
حينها سيواصل وزير المالية الثرثرة حول ضمّ لن يحدث (بينما يُسرّب خطط بناء في المستوطنات إلى وسائل الإعلام على أنها “ضمّ فعلي”) وحول احتلال غزة (الذي لم يحدث، ناهيك عن الهجرة الطوعية وإعادة التوطين…)، بينما هو متمسك بمنصبه ، ووزير الحكم العنصري، المُتشبث بكرسيّه، بطلًا على المخطوفين ومشجعي كرة القدم – وكلاهما معًا سيواصلان قيادة جمهور متدين لا يزال لم يفهم كيف تعرّض للقرصة .
ستواصل حماس انتهاك الاتفاق، وستواصل إسرائيل الرد ضمن الحدود المرسومة لها في واشنطن، وسيواصل رئيس الحكومة التباهي بالنصر، وسيواصل شريكاه من اليمين الصراخ كالمعارضة، بينما يُمسكان بأبواب الائتلاف من الداخل، خشية أن يُزاحا من مفاصل السلطة. أو كما يُمكنكم تسميته: يوم عمل آخر في دولة إسرائيل الكذبة .
المصدر: واللا