حرب الغرب الاستعماري العنصري على الشعب الفلسطيني لن توقف سعيه لبلوغ حقوقه الوطنية المشروعة
أعلن رئيس القوة الأمريكية الأعظم في العالم حربا عالمية على الشعب العربي الفلسطيني، بعد فشل حربين كونيتين سابقتين – وملاحقة ما تزال تتواصل للقرن الثاني على التوالي – لاجتثاثه من التاريخ والجغرافيا .
وللتأكيد على جديته . عقد المؤتمر الصحفي الثالث خلال أربعة أيام (بحضور أركان إدارته تتقدمهم نائبته، ووزير خارجيته، ورئيس مجلس الأمن القومي) منذ بدء عملية “طوفان الأقصى “. التي نجح فيها نحو ألف من أحفاد اللاجئين الفلسطينيين الذين سبق ارتكاب حرب إبادة وجرائم حرب ضدهم وجرى اقتلاعهم من أرض وطنهم قبل خمس وسبعين عام . وتمكنوا من اختراق السور الالكتروني المنيع الأحدث – بعد أيام قليلة من تبشير رئيس وزراء المستعمرة الصهيونية نتنياهو العالم من على منبر الأمم المتحدة بالمستقبل الواعد للبشرية بمزايا الذكاء الاصطناعي. دون أن يغفل نسب الفضل الأكبر في تطوره لشعب الله المختار في أرض الميعاد. فباغته أبناء قطاع غزة المحاصرين المحرومين من أساسيات الحياة ، بتفوق العقل البشري لأبناء الجيل الرابع للنكبه الفلسطينية ، الناجين من سبعة حروب إبادة متتالية شنت ضدهم خلال أقل من عقدين. وواكبها العالم المتحضر وذوي القربى بالصورة والصوت على وسائل الإعلام واكتفوا بالمراقبة. تماما كما يفعلون الآن في حرب الإبادة الثامنة التي يواجهها أكثر من مليوني فلسطيني هم كامل شعب غزة . ولا ينجوا منها، أيضا، المحتجون من أشقائهم الفلسطينيين في القدس ومخيمات وقرى ومدن الضفة الغربية ومناطق 1948 ومخيمات اللجوء خارج الوطن المحتل .
ها هو الرئيس بايدن- المرشح لولاية ثانية – يوظف لأغراض انتخابية -كما اعتاد الزعماء الغربيون والصهاينه توظيف دماء ضحاياهم عربا ويهودا وأوكرانيين لتحقيق أهدافهم. ويعلن من البيت الأبيض المضاء بعلم آخر معقل للغرب الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في آسيا وافريقيا ، بأن الولايات المتحدة الامريكية تدعم بكل قوتها ” الرد الإسرائيلي “السريع والحاسم والساحق” ضد حماس، الشر الخالص” .
ويضيف الرئيس الجاهل بالتاريخ عموما وتاريخ الغرب وبلاده خصوصا ، بأن” هذا الهجوم يعكس “آلاف السنين من معاداة السامية والإبادة الجماعية للشعب اليهودي”. وينسى أنه ،بذلك، إنما يستحضر تاريخ الغرب الاستعماري المأفون بالعنصرية، الذي أباد السكان الأصليين في أمريكا وكندا وأستراليا ونيوزيلاندا. وأقام مستعمراته الاستيطانية فوق أنقاضهم . واستباح ثروات شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية واستعبدهم. واضطهد اليهود في أوطانهم الأوروبية منذ القرون الوسطى، وارتكب المجازر وحروب الإبادة ضدهم طوال قرون. ويتناسى أن العرب والمسلمين هم من احتضنوا اليهود وحموهم عندما تم طردهم من إسبانيا. وعاشوا بينهم منذ ذلك الحين بأمن وسلام، ونموا وتطوروا في بلادهم . فيما كان الغرب الاستعماري الأوروبي العنصري يحتقرهم ويطاردهم ويحاصرهم في معازل، ويميزهم في لباسهم لتسهيل استهدافهم. وتاريخ يهود أوروبا الذي وثقه مؤرخيهم حافل بآلاف الأدلة حول جرائم الغرب الاستعماري العنصري ضدهم. ويشكل اتفاق هافارا للنقل، أحد الأمثلة الصارخة على وحشية التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني وجاهزيته لتوظيف دماء الشعوب لبلوغ مآربه التوسعية. إذ أبرمته الوكالة اليهودية والاتحاد الصهيوني الألماني مع النظام النازي في آب /أغسطس/ 1933- قبل ست سنوات من بدء المجازر النازية – لتنسيق وتنظيم اقتلاع اليهود من المناطق الأوروبية الخاضعة لسيطرة النظام النازي، وتصفية ممتلكاتهم، وتحويل عوائدها مباشرة للمنظمة الصهيونية لإعادة توطينهم في فلسطين. حيث تضطلع بريطانيا العظمى مباشرة – بتفويض من القوى الاستعمارية الغربية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى – بإعادة هندسة فلسطين بالقوة، جغرافيا وديموغرافيا واقتصاديا وسياسيا وقانوييا ومؤسسيا، لتأهيلها لإنشاء مستعمرة استيطانية غربية يزج فيها اليهود الأوروبيين الفارين من المجازر النازية. ولتحقيق ذلك تم إغلاق الحدود الأمريكية والأوروبية أثناء المجازر لمنعهم من دخولها، بالتزامن مع تنظيم إجراءات نقلهم لإجبارهم على التوجه لفلسطين. بعد فشل الجهود لتهجيرهم إليها طوعا، والتي بدأها نابليون بونوبارت أواخر القرن الثامن عشر وفشل.وتواصلت طوال القرن التاسع عشر دون أن تحدث تقدما يذكر . فلم تزد نسبة اليهود عند صدور وعد بلفور عام 1917 باستبدال فلسطين بإسرائيل واستبدال شعبها العربي الفلسطيني بالمستوطنين اليهود عن 3% من إجمالي السكان، معظمهم أوروبيون حديثوا الهجرة . ولم تزد نسبة اليهود المنتمين للصهيونية ،آنذاك، عن 1% من إجمالي يهود العالم . فتواطأت الحركة الصهيونية لمقايضة حاجتها لإنشاء مركز استيطاني يهودي في فلسطين يخضع لسيطرتها، ويمكنها من احتكار شرعية تمثيل يهود العالم . بحاجة الحكومات الغربية لحل المسألة اليهودية المتفاقمة في أوروبا بفعل تنامي العنصرية. وجاهزيتها ،أيضا، لتجنيد الكيان الاستيطاني الصهيونى المستحدث في تنفيذ المشروع الاستعماري الغربي في المنطقة العربية الإسلامية الممتدة، المستهدفة باقتلاع حضارتها الأصيلة، وإعادة هندستها عبر تجزئتها واستبدال هويتها العربية الإسلامية الجامعة بهويات قطرية إثنية وعرقية ودينية وطائفية ومذهبية تحت مظلة شرق أوسطية تديم هيمنتها.
فأكد مجددا في المؤتمر الصحفي بأن الولايات المتحدة “تقف إلى جانب إسرائيل”. وحذر أي دولة أو منظمة تفكر في الاستفادة من الوضع المتفجر بالقول “لا تفعل ذلك”. تحت طائلة التهديد والوعيد. وندد بـ”الشر الخالص المحض” لهجمات حماس على إسرائيل، وتذرع بتقارير تشير إلى “مقتل أطفال ومقتل عائلات بأكملها ” وهو ما نفاه عدد من الصحفيين والمواطنين الإسرائيلين في أشرطة مسجلة تناقلتها وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي . ويبدو أن فريقه ضلله بصور لأهالي قطاع غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة وحشية. مستغلين انفصاله عن الواقع وتآمر وسائل الإعلام الغربية. فقال : “هناك لحظات في هذه الحياة، أعني ذلك حرفيا، عندما يطلق العنان للشر الخالص المحض على هذا العالم”، لافتا إلى أن “شعب إسرائيل عاش لحظة من هذا القبيل في نهاية هذا الأسبوع”.
واستطرد : “من خلال الأيدي الدموية لمنظمة حماس الإرهابية، التي أعلنت أن هدفها هو قتل اليهود، كان هذا عملا من أعمال الشر المطلق، حيث تم ذبح أكثر من 1000 مدني” – رغم اعتراف إسرائيل رسميا بمئات القتلى العسكريين- مشيرا إلى أن ما لا يقل عن 14 مواطناً أمريكيا كانوا من بين هؤلاء. الموتى. ويبدو أنه أغفل أنهم ضباطا وجنودا ومستوطنون في المستعمرة الصهيونية، خلافا لناشطة السلام الأمريكية راشيل كوري التي قتلتها جرافة الجيش الاسرائيلي في 16/3/2003. والأمريكي الثمانيني عمر أسعد الذي اعتقله الجيش الاسرائيلي فجرا وألقى به مقيدا وتركه يلفظ أنفاسه على قارعة الطريق في 12/1/2022 . والصحفية شيرين أبو عاقلة التي تحمل الجنسية الأمريكية وأعدمها قناصة الجيش الاسرائيلي أثناء أدائها لوظيفتها في 11/5/2022 . ثم هاجم الجيش “الأكثر أخلاقية” جنازتها على مرأى العالم ومسمعه .
وتابع بايدن بتأثر بالغ “آلاف الجرحى أحياء لكنهم يحملون معهم ثقوب الرصاص وشظايا وذكرى ما تعرضوا له. تعلمون جميعا أن هذه الصدمات لا تزول أبدا”. ولم يلفته عشرات آلاف الفتية الفلسطينيين الذين تسبب لهم جنود ومستوطني المستعمرة الصهيونية بإعاقات مستدامة تذكرهم بتجليات الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.
وقال “هذا هو الإرهاب، وهو للأسف بالنسبة للشعب اليهودي، ليس جديدا. لقد أعاد هذا الهجوم إلى السطح ذكريات مؤلمة والندوب التي خلفتها آلاف السنين من معاداة السامية والإبادة الجماعية للشعب اليهودي” . وأغفل أن أسلافه الأوروبيين هم من تسببوا بها . وأضاف “في هذه اللحظة” يجب أن نكون واضحين تمامًا: نحن نقف إلى جانب إسرائيل”. ولم يقل لماذا لم تعمل بلاده على منع معاداة السامية وجرائم الابادة، وكانت تملك القوة والقدرة والقيادة لتجنيب يهود أوروبا المحرقه التي نفذها أجداده الأوروبيون.
وأشار بايدن في المؤتمر الصحفي إلى أن .” العديد من العائلات ما تزال تنتظر سماع مصير أحبائها، ولا تعرف ما إذا كانوا أحياء أم أمواتاً أم محتجزين كرهائن لدى حماس في غزة” . وقال : “أطفال بين أذرع أمهاتهم. وأجداد على كراسي متحركة. الناجون من المحرقة اختطفوا واحتجزوا كرهائن – رهائن هددت حماس الآن بإعدامهم في انتهاك لكل قواعد الأخلاق الإنسانية. إنه أمر بغيض” وأضاف : “إنه يعيد إلى الأذهان أسوأ ما في الأمر -غزوات داعش” . ويبدو أنه نسي أن إسرائيل ودول الناتو هي التي وفرت، وما تزال، لداعش المأوى والتسليح والعلاج خلال الحرب على سوريا والعراق. وأن الولايات المتحدة الامريكية- باعتراف وزيرة خارجيتها هيلاري كلينتون في جلسة استماع مسجلة بالكونغرس – بمسؤولية إدارة أوباما عن إنشاء التنظيمات الإسلامية وتسليحها لاحتواء ثورات الربيع العربي. ويتناسى أن الإدارات الامريكية ما تزال تلجأ لخدمات داعش كلما احتاجتها لكبح جماح الشعوب العربية والإسلامية التواقة للحرية. وللضغط على أنظمة الحكم فيها لإلزامها بمواصلة القيام بالدور الوظيفي في حماية المستعمرة الصهيونية وتشريع وجودها، والحفاظ على المصالح الأمريكية والغربية .
وفي حديثه عن بضع عشرات من أسرى الحرب الصهاينة المحتجزين لدى حماس. يتجاهل بايدن أن نحو مليون فلسطيني من سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967 يمثلون 18.51% من إجمالي سكانها ، قد تم اعتقالهم لفترات مختلفة دون حرب خلال العقود الخمسة الماضية، ويعادلون في أهميتهم النسبية اعتقال 63 مليون امريكي. استشهد منهم 226 أسيرا بسبب التعذيب أو القتل العمد بعد الاعتقال، أو الإهمال الطبي. منهم 103 أسيرا استشهدوا بعد اتفاق أوسلو الذي رعته الولايات المتحدة الامريكية . ولا يستوقفه عند الحديث عن بضع عشرات من اسرى الحرب لم يمض على احتجازهم أربعة أيام . أن الأسير مريم يونس امضى في الاسر أربعين عاما ، وأن 26 أسيرا فلسطينيا أمضوا ما يزيد على ربع قرن في سجون الإحتلال . وأن نحو 5200 أسيرا ما يزالون يقبعون في سجون الاحتلال من بينهم 36 امرأة ، و 170 طفلا ، إضافة إلى المعتقلين الإداريين الذين يبلغ عددهم 1264 ، بينهم ما يزيد عن 20 طفلا ، وأربع نساء. وأنه خلال التسعة أشهر الأولى فقط من العام الجاري 2023 اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي أكثر من 5000 فلسطيني، بينهم 83 امرأة ، و678 طفلا، منهم 2350 بأوامر اعتقال إداري، 1245 أمر جديد، و 1105 أمر تجديد.
وتعهد بايدن “بضمان الولايات المتحدة حصول إسرائيل على ما تحتاجه للعناية بنفسها” .
ومثل سلفه بوش -الذي حاول دق أسفين بين الشعب الفلسطيني وقيادته الثورية عندما قال في خطابه بتاريخ 24/6/2002 أن قيام دولة فلسطينية رهن بالتخلص من قيادته التي يرأسها الزعيم ياسر عرفات الذي اتهمه بدعم الارهاب . وعندما اغتالوه وانتخب الرئيس المسالم محمود عباس، ورحبوا به لجهره بتجريم الكفاح المسلح والتعهد بملاحقة ممارسيه. وعقدوا اجتماعا في لندن في 29 / 2/ 2005 ترأسه رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير وشاركت فيه كونداليزا رايس بوفد كبير ، و23 وزير خارجية / بريطانيا وفرنسا وألمانيا، والنرويج واسبانيا وكندا سيا والصين وتركيا ومصر والأردن والكويت وعمان والإمارات وقطر والبحرين والأمين العام للأمم المتحدة والمفوض العام للاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وجامعة الدول العربية لتقديم العون للفلسطينيين في مجالات الأمن والحكم والاقتصاد. وتعهدوا بتقديم مساعدات فورية لبناء وتقوية المؤسسات الأمنية الفلسطينية بإشراف دايتون الذي شارك في الاجتماع . وبعد أقل من عقد / في العام 2014 / فشلت المفاوضات الفلسطينية- الاسرائيلية التي رعتها الولايات المتحدة الامريكية والرباعية الدولية، لرفض إسرائيل الوفاء بالتزاماتها التعاقدية وقيامها بتسريع الاستيطان وتقويض فرص حل الدولتين. ثم أعلنت رسميا معارضتها لقيام دولة فلسطينية في أي جزء داخل فلسطين الانتدابية. وجاهزيتها لتأبيد الحكم الذاتي المحدود للسكان الفلسطينيين/ دون الأراضي والموارد/ ومواصلة الاستيطان. وعندما رفض عباس ذلك، وبدأ بالتوجه للمنظمات الدولية، لم ينج من الاتهامات بدعم الارهاب ومعاداة السامية ، وتساوقت معها الإدارت الامريكية والحكومات الغربية. وامتنع بايدن من الوفاء بوعوده في الحملة الانتخابية ، فواصل تنفيذ صفقة القرن التي بدأ بتنفيذها سلفه ترامب لفرض الحل الاسرائيلي بالقوة ، وأعاد المساعدات المالية لأجهزة الأمن الفلسطينية للحفاظ على التنسيق الأمني والإبقاء على رهن حل الدولتين.
وكرر بايدن في المؤتمر الصحفي أمس ذات السناريو باتهام حماس بأنها لا تبالي بشعبها. وقال : “أن حماس لا تدافع عن حق الشعب الفلسطيني في الكرامة وتقرير المصير”. وأضاف أن “هدفها المعلن هو إبادة دولة إسرائيل بقتل الشعب اليهودي. إنهم يستخدمون المدنيين الفلسطينيين كدروع بشرية، ولا يقدمون سوى الإرهاب وسفك الدماء بغض النظر عمن يدفع الثمن”، واصفا قتل المدنيين الأبرياء بالمفجع ” .
وتابع “مثل كل دولة في العالم، لإسرائيل الحق في الرد – بل من واجبها الرد على هذه الهجمات الشريرة”، مشيرا إلى أنه أنهى مكالمته الثالثة خلال أربعة أيام مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حيث أبلغه أن الرد الأمريكي سيكون “سريعا وحاسما وساحقا” مع التشديد على سيادة القانون. وأضاف: “الإرهابيون يستهدفون المدنيين عمدا ويقتلونهم. نحن نتمسك بقانون الحرب. هذا مهم. هناك فرق”.
وأضاف ” إن الأمريكيين في جميع أنحاء البلاد يصلون من أجل كل تلك العائلات التي تمزقت، قائلًا: “جميعنا نعرف ما هو الشعور. إنه يترك ثقبا أسود في صدرك عندما تفقد عائلتك. الشعور وكأنك تُمتص”. “في. الغضب والألم والشعور باليأس. هذا ما يقصدونه بالمأساة الإنسانية – فظائع على نطاق مروع.”
وأشار إلى أن “فريقه على اتصال مستمر مع إسرائيل والشركاء العالميين، وأن الولايات المتحدة بدأت بإرسال ذخيرة وصواريخ اعتراضية لتجديد نظام الدفاع الصاروخي القبة الحديدية” وقال إنه ” وجه فريقه لتبادل المعلومات الاستخباراتية ونشر خبراء إضافيين من جميع أجهزة الحكومة الأمريكية للتشاور مع نظرائهم الإسرائيليين وتقديم المشورة لهم بشأن جهود استعادة الرهائن” وأن “الولايات المتحدة عززت وضع قوتها العسكرية في المنطقة ” وهي مستعدة لنقل أصول إضافية حسب الحاجة.
وأطلق مجددا تهديداته بالقول : “دعوني أقول مرة أخرى، لأي دولة، أي منظمة، أي شخص يفكر في الاستفادة من الوضع. لدي كلمة واحدة. لا تفعلوا، لا تفعلوا”، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي متحد ومنسق في جهوده . وبالإضافة إلى ذلك، أشار بايدن إلى “زيادة الإجراءات الأمنية حول مراكز الحياة اليهودية في جميع أنحاء أمريكا، مع تنسيق وكالات إنفاذ القانون والأمن الفيدرالية مع سلطات إنفاذ القانون المحلية.
واختتم تصريحاته بحكايته التي تكررت كثيرا عن لقائه مع رئيسة الوزراء السابقة جولدا مائير عندما كان عضوا شابا في مجلس الشيوخ، قالت له خلالها “سلاح إسرائيل السري هو أنه ليس لديها مكان آخر تذهب إليه”. وأكد على أهمية بقاء إسرائيل كملاذ ليهود العالم فقال ” على مدى 75 عاما، وقفت إسرائيل باعتبارها الضامن النهائي لأمن الشعب اليهودي في جميع أنحاء العالم، حتى لا تتكرر فظائع الماضي ” والغريب أنه بقوله هذا ، وكأنه يخلي مسؤولية حكومته وحكومات العالم عن حماية مواطنيهم اليهود ، ويعهد بها للمستعمرة الصهيونية! ويستطرد ” مرة أخرى. لا داعي للشك : الولايات المتحدة تدعم إسرائيل اليوم وغدا كما فعلنا دائما ” . وأضاف “نحن متأكدون من أن دولة إسرائيل اليهودية والديمقراطية قادرة على الدفاع عن نفسها ،الأمر بهذه البساطة. هذه الفظائع مقززة. نحن مع إسرائيل. دعونا لا نخطئ” وكأنه بات متشككا – كما غالبية يهود إسرائيل التي بات قادتها يؤكدون -على مدار الساعة منذ عملية طوفان الأقصى- على قوة دولة إسرائيل الفائقة، ومناعتها، وحصانتها ضد التفكك .
وبالتوازي مع ذلك، سارعت الدول الأوروبية -الفزعة من تآكل قوة الردع الإسرائيلي وانهيار منظومتها الأمنية والاستخباراتية المنيعة أمام المقاومين الفلسطينين محدودي التسلح- بإعلان سقوط قتلى وجرحى وأسرى من مواطنينها . والتأكيد على دعمها المطلق للمستعمرة الصهيونية ، ولحقها الكامل في اتخاذ ما يلزم لاجتثاث حماس مهما كلف ذلك. في تفويض صريح لإسرائيل بمواصلة حرب الإبادة والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني عموما وقطاع غزة خصوصا .
ولم يقتصر الأمر على الحكومات التي أضاءت أبنيتها ورموزها بالوان العلم الاسرائيلي . فقد تداعى أعضاء البرلمان الأوروبي وحشد موظفيه لوقفة تضامنية، شارك فيها سفير المستعمرة الصهيونية، واستعرضوا جميعا في مشهد درامي لافت ، بدى أقرب إلى النواح و الحزن و البكاء ، فوقف الجميع دقيقة صمت حدادا على الضحايا، وعزفوا نشيد هتكفا. ووصفوا ما يجري”بهولوكوست جديدة بحق اسرائيل و اليهود” في إشارة لذاك القديم الذي ارتكبه أجدادهم وآباؤهم للتخلص من مواطنيهم اليهود، بتهجيرهم إلى فلسطين، وفي الآن ذاته تلبية حاجتهم لقاعدة استيطانية متقدمة ، تقوم بدور الوكيل لحماية مصالحهم الحيوية.
ولا أعتقد أن أيا من شعوب العالم غير الغربي قد تفاجأ بالموقف الامريكي والأوروبي الداعم للمستعمرة الصهيونية. فالبلدان الداعمة لها – كما قال الاستاذ جوزيف مسعد- هي إما مستعمرات استيطانية بحد ذاتها، كما هي الولايات المتحدة الامريكية وكندا واستراليا . أو دولا استعمارية عنصرية أنشأت مستعمرات استيطانية للعنصريين الأوروبيين البيض كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا واسبانيا وبلجيكا الخ …وهزمتهم مقاومة السكان الأصليين . ولكون إسرائيل آخر مستعمرة استيطانية عنصرية خارج حدودهم الغرب الاستعماري ، فإنه يدعم بقاءها باعتبارها المعقل الاستعماري الاستيطاني الأخير .
وعلى الرغم من فائض القوة التي تمتلكها دولة إسرائيل النووية ، وبالرغم من وصول حاملة الطائرات الامريكية الأقوى في العالم لشواطئ فلسطين المحتلة. وهرولة المسؤولين الامريكيين والغربيين القلقين على مستقبل ومصير المستعمرة الصهيونية . فإن ذلك كله لت يمنع الفلسطينيين من مواصلة نضالهم التحرري لبلوغ حقوهم الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف ومرتكزها الحرية والعودة وتقرير المصير على أرض وطنهم .
وكما استعصت فلسطين على الزوال، رغم ما شهدته عبر تاريخها الممتد لآلاف السنين من غزوات وحروب أكسبت شعبها الصغير صلابة نادرة – واستعصى على الفناء. فرحل الفرس واليونانيون والرومان والبيزنطيون والسلاجقة. وهزم مشروع استعماري استيطاني أجنبي مشابه، نجح في ظروف مماثلة لما هو قائم حاليا في فلسطين وجوارها العربي والاسلامي. وتمكن من إقامة كيان استعماري استيطاني إفرنجي استظل، آنذاك، بالدين المسيحي / الاستيطان الصليبي / واستطال بقاءه قرابة قرنين ( 1099 – 1187 ). وعندما توفرت مستلزمات وشروط هزيمته، بات أثرا عابرا في التاريخ. واستعصت أسوار عكا على نابليون بونوبارت الذي غزا بلادا كبيرة وهزم أمما قوية، فعاد من حيث أتى .
وما يزال الشعب العربي الفلسطيني البطل على ذات التصميم لبلوغ حريته وتقرير مصيره على أرض وطنه ، وما تزال أجياله المتتابعة تقاوم الاستعمار الاستيطاني الغربي الصهيوني العنصري للقرن الثاني على التوالي .
وأثبتت عملية طوفان الأقصى، أن سعي الفلسطينيين إلى الحرية ومقاومتهم للقمع الاستعماري لا يمكن وقفهما. وأن أجيالهم الفتية -التي أنضجت حروب الإبادة المتواصلة وعيهم بموجبات الانتصار وشروطه الذاتية فصمموا على استيفائها ، ونجحوا في أول تجربة للعبور إلى وطنهم المحتل، وكسر أسطورة الجيش الذي لا يقهر ، وكي وعي يهود إسرائيل بحقيقة الوجود الفلسطيني الفاعل والمؤثر على المحيط العربي والإقليمي والدولي . وباستحالة تجاوزه في اي ترتيبات لإحلال الأمن والسلام والاستقرار محليا وعربيا وإقليميا ودوليا .