حذر إسرائيلي من تحرك الرياض لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
مقدمة:
توقف الاعلام الاسرائيلي عند المبادرة السعودية للتحالف الدولي لإقامة دولة فلسطينية وضمن جدول زمني محدد. كما تطرق في المقابل الى انهيار البعد الاستراتيجي في السياسة الاسرائيلية اقليميا ودوليا، وباعتبارها تراهن فقط على السياسة الامريكية الداعمة لها. المؤتمر الدولي الذي عقد في الرياض نهاية سبتمبر الماضي، حضره تسعون مندوبا من مختلف اصقاع العالم.
لم تخل تعليقات الكتاب الإسرائيليين من الوقوف عن الملاحظات التالية:
– بالتزامن مع خطاب نتنياهو امام هيئة الامم المتحدة (28/9/2024) والذي وجه فيه كلامه الى المملكة العربية السعودية بينما كان مقعدها شاغرا كما معظم الحضور العربي الذي قاطع الخطاب، أعلن وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحات عن اقامة ائتلاف دولي واسع من دول عربية واسلامية واوروبية غايتها التقدم فعليا نحو حل الدولتين.
– بعد شهر من اعلان بن فرحات اجتمع الاطار للمرة الاولى في الرياض يوم 30/10 لغاية بلورة جدول زمني لتطبيق حل الدولتين واقامة دولة فلسطينية، تشكل الطريق للسلام الدائم والشامل في الشرق الاوسط. شارك في الملتقى مندوبو 90 دولة ومنظمات دولية وفقا لوزير الخارجية السعودي الذي يعتبر اللقاء مجرد الانطلاقة، وأكد على قرار السعودية ترجمة القاءات والافكار الى واقع ملموس وعدم الاكتفاء بالموقف الاعلامي، بالإضافة الى السعي المشترك لحشد الراي العام العالمي في مواجهة ممارسات ومخططات اسرائيل تجاه الفلسطينيين.
– شهدت الأشهر الماضية تصاعد المواقف الداعية الى فرض الحل بدلا من انتظار حلول تأتي بها مفاوضات غير قائمة اصلا وبنوايا اسرائيلية معلنة تعارض فكرة الدولة الفلسطينية. فقد دعا وزير خارجية الاتحاد الاوروبي جوسيب بوريل الى فرض الحل دوليا.
– أفردت مجموعة الباحثين “تمرور بولليتغرافي” من معهد رايخمان والمعنية بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني، بحثا خاصا قامت به الباحثة موران زاغا بتحليل 548 وثيقة وتصريح صادرة عن كل من مصر والأردن والسعودية والإمارات وقطر والبحرين. وقد توصل البحث الى تصاعد ملحوظ في دعوة هذه الدول لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، إلى جانب الدعوات لوقف إطلاق النار، وللتدخل الدولي في الحل، وفي توفير فعلي للمساعدات الإنسانية لقطاع غزة.
– في موازاة ذلك تنبه الاعلام الاسرائيلي الى ان الربع الثاني من العام 2024 شهد قفزة نوعية في خطاب الجهات الرسمية العربية بصدد ادانة اسرائيل ولقيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وفقا للتقديرات الاسرائيلية فإن تكثيف هذا الخطاب انما يشكل اتهاما لإسرائيل ونيّتها بالحرب الدائمة والمفتوحة، ويشكل تهديدا للرواية الاسرائيلية امام المحافل الدولية.
– ترى مجموعة الباحثين في جامعة رايخمان ان التحركات العربية على الساحة الدولية وحصريا المبادرة السعودية التي تشكل نمطا جديدا قائم على تطبيق الحل وفرضه دوليا، هو امر “سيئ للغاية لإسرائيل دبلوماسيا” بل ان اسرائيل “متخلفة عن الخطاب الدولي وتعيش الماضي، وفي عزلة دبلوماسية صارخة” وبأن اسرائيل “تعيش ركودا ذهنيا قائما على نوع ما من ادارة الصراع في حين يتقدم العالم نحو لغة جديدة تقوم على الدفع نحو تطبيق الحل”. تشيرالباحثة زاغا الى حقيقة ان اسرائيل في عزلة وليس فقط من العالم العربي، بل من دول صديقة تشارك في المبادرة السعودية.
– تحذر زاغا ومعها تقديرات ومواقف اعلامية من فائض التوقعات الاسرائيلية من عودة ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، ومن الرهان الاسرائيلي على احتمالية ان ترامب سوف يساند حكومة نتنياهو في صد المبادرات العربية والدولية التي لا تتماشى مع الموقف الاسرائيلي. في المقابل ترى بأن الحل لن يتأتى من داخل السياسة الاسرائيلية لكنه لن يتحقق من دونها، بناء عليه تعترف بضرورة المبادرات “الالتفافية على اسرائيل”، ومن ضمن انماط العمل لفرض حل الدولتين اشتراط الدول العربية اية مساهمة في الحل في غزة بما فيه ارسال قوات الى جانب السلطة الفلسطينية، بضمان حل قضية فلسطين وحل الدولتين.
– اطلق الموقع الحريدي “بحدري حريديم” على المبادرة السعودية لتطبيق اقامة دولة فلسطينية مفهوم “المنزلق الخطير” لدرجة اعتباره بان المؤتمر الاستكمالي العربي الإسلامي في 11/11/2024 قد يحسم الامر بصدد دولة فلسطينية. وتخوف الموقع حصريا من الطابع التطبيقي المؤسس على جدول زمني يتم اعتماده.
– في المقابل توقفت صحيفة هارتس عند تصريحات وزير الخارجية السعودي كما وردت في مقاله في فايننشال تايمز والذي يستبعد اي تقارب مع اسرائيل قبل قيام دولة فلسطينية وعاصمتها القدس. كما ادان اسرائيل بأنها هدفها المركزي ليس كما تسوقه بأنه “دفاع عن النفس” مشيرا الى عدوانها على غزة وعلى الضفة الغربية الهادفة ضمن اهداف عديدة الى تقويض امكانية دولة فلسطينية. كما دعا الدول التي تؤيد دولة فلسطينية ان تعلن ذلك على الملأ لأنه “أوان الوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ” مشيرا الى قيام تحالف عالمي نحو وقف الحرب على غزة وتبادل الاسرى واعادة اعمارها، ضمن مساع دولية فعلية لتطبيق القرارات الدولية واقامة دولة فلسطينية ضمن إطار زمني محدد، بل ان “الدولة الفلسطينية هي شرط مسبق للسلام وليس منتج ثانوي له”.
الخلاصة:
- بتقديرنا ان قوة الموقف من وراء الائتلاف لإقامة دولة فلسطينية مردّه ايضا الى المتغيرات الاقليمية وفي النظام العالمي ورغبة الدول الاقليمية الى تبريد الجبهات وفض الصراعات فيما بينها وحصريا دول الخليج وايران، ولا يبدو ان ادارة ترامب تملك القدرة على اعادتها الى الوراء.
- وفي السياق أيضا ، تراجع دور اسرائيل وظيفيا واقليميا ، وهو ما سيجد تأثيره وتعبيرا عنه في الدبلوماسية الامريكية القادمة ، وحتى وان ابقت على التزامها الحربي والاقتصادي والدبلوماسي تجاه اسرائيل والذي هو اقوى من سياسة اي رئيس امريكي.
– بعد اكثر من عام على حرب الابادة على غزة ومخاطر جر المنطقة الى حرب اقليمية تهدد الامن القومي العربي والاقليمي، فإن اسرائيل باتت دولة معزولة اقليميا ودوليا وتفتقد الى اية استراتيجية سياسية بل تسعى للحرب المفتوحة والمستدامة، وتتعزز القناعة عربيا ودوليا بأنه لن تحل المسألة الفلسطينية الا بفرض حل الدولتين على اسرائيل.
- يتعزز الموقف العربي والدولي بأن دولة فلسطينية هي الشرط الاساس والمسبق للحل السلمي في المنطقة، ولن تتأتى من اي حل تطبيعي يتجاوزها.
- الواقع العربي الاقليمي بما فيه الفلسطيني من شأنه ان يشكل تحديا جوهريا لسياسات ترامب، فهو أمام تحديين، فمن جهة تعهده السابق بدعم الضم لمناطق فلسطينية محتلة ، قطعه للداعمين لحملته الانتخابية من اقصى اليمين المالي الصهيوني الامريكي، ومن جهة أخرى، الواقع الاقليمي المستجد والذي يختلف جوهريا عما كان عليه خلال دورة ترامب السابقة.
- من غير الواضح حتى الان ،الى اي مدى سينجح هذا التحالف الذي تقوده السعودية بما لها من ثقل، في مهمتها الصعبة، لكن من المرجح انه في حال توفرت ارادة فلسطينية – عربية موحدة سيكون بمقدارها تغيير السياسات الدولية لصالح الحق الفلسطيني والحق العربي والسلام في المنطقة.
عن مركز تقدم للسياسات