كان لليسار بصمات مهمة في مسيرة الكفاح الوطني وفي بلورة الهوية الوطنية الفلسطينية.
والمقصود هنا اليسار بمروحته العريضة والواسعة اي بما يشمل كل القوى والفعاليات المؤمنة بقيم الحرية والمواطنة والديمقراطية والعدالة.
اليسار في فلسطين مكون رئيسي من مكونات منظمة التحرير الفلسطينية التي عبرت عن الهوية الوطنية الجامعة للشعب الفلسطيني.
ولليسار الفلسطيني تاريخ طويل مليء بالكفاح الوطني ممزوجا بالنضال النقابي والاجتماعي.
اليسار هو من أفشل العديد من المشاريع والمؤامرات المحدقة بالقضية الوطنية وهو من رفع راية الحق في تقرير المصير والعودة وهو من عزز من دور الجماهير الفلسطينية بالنضال الوطني والذي توج بالانتفاضة الشعبية الكبرى.
اليسار كان عنوانا للمبدئية والتمسك بالثوابت ورفض التنازل عن الحقوق وهو من قدم الآلاف على قربان التضحية من شهداء و جرحى ومعتقلين.
يسجل لليسار انه اتقن قانون الاختلاف في إطار الوحدة ويسجل له المزاوجة ببن الوطني والديمقراطي والحقوقي.
شهد اليسار تراجعا بعد توقيع اتفاق أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية.
لعبت العوامل الدولية وخاصة انهيار المعسكر الاشتراكي وتفكك الاتحاد السوفيتي دورا هاما في هذا التراجع الى جانب الاستقطاب الحاد بين حركتي فتح وحماس اضافة الى التراجع عن الاستقلالية نسبيا لصالح احدى طرفي الانقسام لاعتبارات عديدة.
ولأن الثقافة السائدة هي ثقافة الطبقة السائدة كما يقال فقد أصبح الهم الذاتي والفئوي هو سيد الموقف الأمر الذي خلق فجوة بين قيادة قوي اليسار وبين قاعدتها من جهة وبين الجماهير الشعبية من جهة أخرى.
ولان الطبيعة لا تقبل الفراغ فمن الهام الإدراك بأن من سيملئ الفراغ ما ببن الحركتين الكبيرين اي فتح وحماس هي القوى والتيارات التي تركز علي سبل العيش وتحسين مستوى المعيشة والحالة الاقتصادية للمواطنين الذين يعيشوا تحت وطأة الفقر والبطالة بصورة غير مسبوقة .
ليس امام اليسار والقوي الديمقراطية في هذه المرحلة من خيار سوي الوحدة في إطار المشهد الانتخابي الراهن الذي يشهد حالة من التزاحم غير المسبوق بين كتل انتخابية عديدة وبين تقدم الأولية الاقتصادية عن ما عداها من أولويات علما بأن اليسار لا يملك الأدوات المالية والاقتصادية للتفاعل مع هذه المرحلة الأمر الذي سيفسح المجال لغيرة من القوي والتيارات للتأثير بالمعادلة الانتخابية الراهنة بما سيؤثر بالضرورة على الخارطة السياسية المستقبلية .
وعليه فإذا لم يتم تدارك خطورة المرحلة عبر العمل علي حشد كل القوى اليسارية والديمقراطية بما يشمل الشخصيات المستقلة والحراكات الاجتماعية المطلبية فإن هذه التجربة الرائعة ستتعرض للأفول والتلاشي بكل اسف.
وحتى بتجنب اليسار مخاطر التراجع والاندثار فعلية التحلي بالمرونة وإبداء درجة عالية من التفاهم والبحث عن القواسم المشتركة بعيدا عن التقديرات الفئوية والذاتية التي لن تفيد أحدا ولصالح الانتصار للفكرة بجذورها التاريخية وبأفاقها الرحبة خاصة بعد انكشاف مخاطر اليمين الشعوبي كما برز بتجربة الرئيس الأمريكي السابق ترامب.
لن يفيد اي قوة يسارية منفردة اجتياز نسبة الحسم او الحصول على عدد محدود من المقاعد بالمجلس التشريعي القادم بل ستكون الفائدة اعظم بكثير اذا حصلت مع غيرها من الأحزاب وبعض المستقلين وممثلي لبعض الحراكات الاجتماعية عل كتلة وازنة تستطيع أن تعكس صوت ومصالح الفقراء والمهمشين وتنتصر لقيم الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
اعتقد وأمل أن اكون مخطأ انها الفرصة الأخيرة امام قوي اليسار الديمقراطي وعلية أن لا يبددها.