جولة في العقل الإسرائيلي حول اليوم التالي بعد الحرب ومستقبل غزة والمنطقة

تحتدم النقاشات داخل المجتمع الإسرائيلي والساحة السياسية الحزبية حول نتائج الحرب، وعدم تحقيق أهدافها الرئيسية، وعلى رأسها القضاء على المقاومة عسكرياً وسلطة حماس في غزة. لهذا السبب عارض بن غفير الاتفاق وانسحب من الحكومة، مشترطا ًعودته إليها بالعودة للحرب لتحقيق أهدافها. ولذات السبب، صوت سموتريش ضد الاتفاق، واشترط بقائه في الحكومة استكمال الحرب مع نهاية المرحلة الأولى من تنفيذ الاتفاق. هذا، بعد أن تعهد نتنياهو بالعودة للحرب إذا لم يتم الاتفاق في الجولة الثانية من المفاوضات.


بعبارة أخرى، إذا تم الاتفاق واستمر وقف إطلاق النار بعد 42 يوماً ، ستسقط حكومة نتنياهو نتيجة انسحاب 13 عضو كنيست من أتباع حزبي سموتريتش وبن غفير. وبالتالي، فإن نتنياهو في ورطة حقيقية، حيث تتوجه إليه أصابع الاتهام في قضية رفضه طرح بديل لسلطة حماس. تم هذا في وقت طالب سموتريتش وبن غفير باحتلال شمال وادي غزة وإعادة الاستيطان، بينما كان نتنياهو وما زال ضد ذلك.
وعليه يعلم الإسرائيليون أن بقاء حماس في السلطة يعني استمرار تهديد أمنهم، مما سيدفعهم إلى العودة للحرب عاجلاً أم آجلاً. لهذا تضعهم الأوضاع في غزة، وفق تحليل خبرائهم، أمام الخيارات التالية:

الخيار الأول: احتلال غزة وضمها لإسرائيل
هذا الخيار سيكون صعباً حتى في المناطق التي تم “تطهيرها” في شمال القطاع، حيث من المتوقع أن يعود حوالي مليون فلسطيني إلى شمال غزة. إبعادهم مرة أخرى، حتى لو كان ممكناً عسكرياً ، لن يكون بالأمر السهل على الصعيد الدولي والداخلي. لذا، لا يدعم نتنياهو هذا الخيار.

الخيار الثاني: الاحتلال والإدارة العسكرية
في هذه الحالة، تقوم القوات الإسرائيلية باحتلال القطاع بالكامل وفرض إدارة عسكرية. ستستمر إسرائيل في حرب استنزاف مع المقاومة الفلسطينية بينما تتولى مسؤولية توزيع المساعدات الإنسانية. يحمل هذا الخيار تبعات دولية واسرائيلية ثقيلة ، سواء من حيث أرواح الجنود، أو من الناحية الاقتصادية وشرعية الإجماع الإسرائيلي الداخلي. مما قد يضع إسرائيل في عزلة دولية ويمنعها من تجاوز القضية الفلسطينية عبر استمرار التطبيع مع الأنظمة العربية.

الخيار الثالث: الانسحاب والترك
يمكن أن تخرج إسرائيل من قطاع غزة وتترك الوضع كما هو دون أي تدخل مدني، وهو ما قد يطلق عليه البعض “الفوضى المتعمدة”. ستحتفظ إسرائيل بحق الدفاع عن النفس وتستمر في القيام بعمليات خاصة ضد المقاومة، لكنها لن تتعامل مع الجانب المدني من إدارة القطاع. هذا الخيار قد يتيح لحماس تنظيم صفوفها واستمرار وجودها، مما يؤثر سلباً على أمن إسرائيل.

الخيار الرابع: إدارة مدنية بديلة لحكومة حماس
إدارة تتولى مسؤولية توزيع المساعدات المدنية وإدارة الشؤون الإدارية في قطاع غزة. يمكن أن يتم ذلك كجزء من إطار شامل لنقل المسؤولية المدنية إلى طرف ثالث مثل السلطة الفلسطينية. لكن نتنياهو يعارض ذلك بموقف معلن، رافضاً دولة “حمستان” أو “فتحستان”. هنا قد يكون للضغط الأمريكي بقيادة دونالد ترامب دور في فرض هذا الخيار. ترامب وفريقه معنيون بتنفيذ خطة “صفقة القرن” مع فهمهم الجديد أن الضغط على إسرائيل يعتبر عاملاً مهما ً لإعادة تشكيل وهندسة المشهد السياسي في المنطقة العربية والإسلامية برمتها.
وهذا ينسجم مع ما يؤكده بعض المفكرين وقيادة الأحزاب في إسرائيل بمعنى أن أي حل دائم يتطلب تفكيراً أعمق واستراتيجية واضحة تتجاوز الصفقات المؤقتة. فالتعامل مع قطاع غزة وسكانه يحتاج إلى رؤية شاملة تأخذ بعين الاعتبار احتياجاتهم وتطلعاتهم نحو مستقبل أفضل، بعيداً عن دوائر العنف والتوتر المستمرة.
يلخص هذا الموقف محللون إسرائيليون بقولهم: “يجب أن ندرك أن أي حل لا يعالج الجذور السياسية والاجتماعية والاقتصادية للأزمة لن يكون سوى مسكنات مؤقتة، وسيكون الاستقرار بعيد المنال.لذا، من الضروري أن تتمتع أي إدارة بديلة لحماس في غزة بالدعم المحلي والإقليمي والدولي اللازم، لضمان تحقيق سلام مستدام وتلبية الاحتياجات الإنسانية لشعب غزة.”

خلاصة القول:
عقلاء إسرائيل يؤكدون: “أنه يتوجب على الدولة أن تقرر إنهاء هذه الحرب، حيث لا مفر من ذلك. صفقة الأسرى ليست سوى بداية النهاية، وإذا لم نخطط بالفعل لكيف سيبدو اليوم الذي يلي الصفقة، فلن يكون هناك نهاية حقيقية للحرب. عدم التمسك بخطة استبدال حماس بإدارة مدنية بديلة، ليست إسرائيل ولا حماس، يعني أننا لن نحقق هدف الحرب. وأبعد قد تسوق حماس الوضع اليوم كنصر، وسيصدق الكثير من الناس ذلك. وأبعد هذا السيناريو يمكن أن يؤدي إلى حالة من الفوضى المستمرة وعدم الاستقرار، مما يعزز من قوة حماس ويزيد من تفاقم الوضع في المنطقة. لذلك، يتعين علينا التفكير في استراتيجيات فعالة ومستدامة لضمان عدم عودة الأوضاع السابقة، والمساهمة في بناء سلام حقيقي ودائم. وهذا يتطلب تعاوناً دولياً وإقليمياً من أجل ضمان مستقبل أفضل لجميع سكان غزة وإسرائيل.”

مع ذلك، يتعلق كل هذا بموقف الإدارة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب وكذلك تغيير هذه الحكومة بآخرة عاقلة. المؤكد إذا تم فرض اتفاق لإنهاء الحرب وإتمام صفقة التبادل، فإن ذلك يعني إسقاط بن غفير وسموتريتش الحكومة، مما سيدفع إسرائيل نحو الانتخابات الأهم في تاريخها وقد يكون البديل بيمين اليمين لنتنياهو نفتالي بينيت صاحب العقيدة التوراتية الأرسخ. سيتزامن هذا مع تصادم المشروع الصهيوني في المنطقة مع المشروع التركي الإسلامي البراغماتي، الذي يعتبره الغرب وأمريكا، خصوصاً ، حليفاً لا يقل أهمية عن إسرائيل. فهل ستلعب أمريكا ورقة ضغط التوازنات لتحقيق خطتها صفقة القرن؟!!

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *