جدل إسرائيل حول السوريين الدروز، استهداف البلد وتطويع النظام

تقديم:

تابعت إسرائيل غاراتها الجوية على عدة مناطق سورية بما فيها دمشق وحلب، وكان لافتا، غارة الاول من ايار/مايو على محيط القصر الرئاسي. تأتي الغارات بذريعة حماية السوريين الدروز، فيما هدد وزير الامن الاسرائيلي الرئاسة السورية مباشرة.

في التاسع من الشهر الجاري كان الترتيب أن تبدأ جولة مباحثات نتنياهو مع القيادة في اذربيجان، وكان متوقعا ان تتمحور حول التعاون الاستراتيجي بين البلدين، والملفين الايراني والتركي والسوري. الا ان نتنياهو اضطر لإلغاء زيارته، بعد منع أنقرة تحليق طائرته في المجال الجوي التركي وتسويغ ذلك بقرار محكمة الجنايات الدولية باعتقال نتنياهو.

قراءة:

– مقابل رغبة ترامب في انضواء سوريا تحت الاتفاقات الإبراهيمية واستعداد الاخيرة وفقا للتصريحات الصادرة عن الرئاسة السورية الذهاب بهذه الخطوة بشروط معينة، فإن اسرائيل قلقة في هذا الصدد ايضا حيث تعتقد ان هذا التطور هو نتاج تفاهم تركي امريكي يتجاوز حكومة اسرائيل، كما ان التقدير الاسرائيلي المعلن هو انها بصدد “نظام ارهابي يهددها مستقبلا ان لم يكن حاليا”.

– ترى اسرائيل ان التطبيع مع سوريا هدف منشود مستقبلا، الا انه في الوقت الراهن من شأنه ان يقيّد استباحة سلاح الجو لأجوائها في استهداف إيران ونفوذها. كما ان التطبيع المتعجل سيكون ثمنه فتح ملف الجولان السوري المحتل منذ 1967.

– في المقابل هناك تقديرات ترى خلافا لهذا الموقف، بأن التطبيع مع سوريا من شأنه ان يفتح الطريق للتطبيع مع لبنان وبأن الولايات المتحدة تضغط في هذا الاتجاه ايضا.

– تسعى اسرائيل الى جولة مفاوضات مستقبلية مع النظام السوري، بناء على التقديرات بأن الحكم الحالي باق. كما يأتي ضمن التقديرات بأن ما كان نافذا خلال الحكم السابق لم يعد كذلك، كما ان الرهان على العلاقة مع “الاقليات” السورية من شأنه ان يعزز العداء لإسرائيل.

– توصلت مراكز صنع القرار في اسرائيل الى الاعتراف بالواقع السوري الجديد، وضرورة التوصل الى تفاهمات عن طريق المفاوضات لكن بعد ان تخلق اسرائيل امرا واقعا في سوريا يتيح لها السيطرة لأمد طويل على المناطق التي احتلتها حديثا. بتطبيق نموذج اخر تطلق عليه “المفاوضات تحت وطأة التهديد العسكري المباشر” او التطبيع القسري تحت القصف.

– تصب هذه الاستراتيجية مع مساعٍ لتطويع النظام السوري ليحكم بشكل مركزي ويحمي مصالح اسرائيل وإلا سيدفع الثمن. وخلاصة مراكز صنع القرار في اسرائيل ، ان لا مصلحة لأمنها القومي في دويلات سورية متناحرة، قد تكون الاكثر خطورة عليها وانما هي معنية بنظام سوري قوي داخليا وضعيف خارجيا، تستطيع ابتزازه بالضغط العسكري على الدوام.

– قصف محيط قصر الرئاسة السورية يوم 1 ايار/مايو هو رسالة للنظام ورسالة لتركيا، بعدم القبول بأقل من تقاسم نفوذ مع تركيا وليس ما هو أقل من فرض امر واقع على النظام السوري بما فيه ضبط الداخل السوري والابقاء على المجال الجوي والبري مفتوحين امام الجيش الاسرائيلي. ولهذا فالرسالة تتجاوز ما هو معلن ب “حماية الدروز”

– في السياسة الاسرائيلية الداخلية، فإن تظاهرة الحرب الاسرائيلية ضد النظام السوري ولحماية الدروز انما تأتي لتخدم سياسة نتنياهو الحزبية بالسعي لضمان تأييد الدروز في اسرائيل له ولحزب الليكود وللظهور بمظهر الحريص عليهم والذي يخوض حربا نيابة عنهم.

– يندرج ذلك في إطار سياسات الضبط والهيمنة على فلسطينيي 48 مواطني اسرائيل. وهو مسعى لخلق الانطباع بأن قضية السوريين الدروز هي قضية الدروز وحدهم، في مسعى لإثارة العصبية الطائفية والهوياتية الجهوية بين فلسطينيي48، بالإضافة الى التهرب من تبعات قانون القومية الاسرائيلي من العام 2018 .

– في حزيران 2015 كتب الجنرال احتياط اودي ديكل والذي اشغل من قبل منصب رئيس مديرية التخطيط في الجيش بأنه ووفقا لتقديرات معظم المختصين فإن سوريا لن تعود الى سابق عهدها، فقد انتهت حقبة حدود سايكس بيكو. بإمكان اقليم جبل الدروز ان يشكل جزءا من تواصل جغرافي في جنوب سوريا وذلك من الشرق الى الغرب ويشمل الحدود مع الاردن وحتى هضبة الجولان وضمان دور مسيطر للاعبين الايجابيين مثل الجيش السوري الحر..”. فيما بقيت هذه الاولويات حتى سقوط نظام الاسد وبات النقاش الاستراتيجي الاسرائيلي الراهن يتمحور في دور سوريا في تقطيع اوصال وحدة الساحات وحلف الممانعة التي تمتد من إيران الى شمال العراق وسوريا ولبنان وصولا الى حزب الله.

– مع سقوط النظام السوري، بدأت إسرائيل في صياغة استراتيجية جديدة بدل الاعتماد الاقليات في سوريا نحو العمل من خلال التأثير على النظام وفقا لسياسة طويلة الامد. باحتلال اجزاء من سوريا جنوب دمشق وباتجاه الحدود الاردنية شرقا واللبنانية غربا، لفرض سطوتها على النظام السوري، واجباره على خيارات مختلفة ومتنوعة تحت التهديد.

– ترى أوساط نافذة في المؤسسة الأمنية والأكاديمية ان ما تقوم به اسرائيل من تدخل يومي قد يعيق استكمال الحل السياسي في سوريا واستقرارها ، وهم يرون ضرورة العمل بخطوات محسوبة ضمن سياسة هادفة لا تستعجل فيها الحلول في اي من الجبهات التي تحولت من جبهات مشتعلة الى “سهلة”، في سوريا ولبنان وغزة والضفة والتي باتت جميعها حروب استنزاف مكثفة.

الخلاصة:

** اسرائيل في خضم تغيير استراتيجيتها في الشأن السوري والتي بلورتها قبل عقد من الزمن وقامت على تفكيك البلاد والاعتماد على الهويات التفكيكية وحصريا الكرد والدروز، لصالح السعي لتطويع النظام في خدمة مصالحها ولتقاسم النفوذ فيه مع تركيا.

** ستبقي اسرائيل سيطرتها على المناطق التي اقتطعتها من سوريا لتشكل اداة ضغط وهيمنة على سياسة النظام السوري ليكون مركزيا وضابطاً تجاه الداخل السوري ومستضعَفا امام اسرائيل.

** المسألة الدرزية في سوريا والتهديدات التي يتعرضون لها تلعب دورا وظيفيا في خدمة السياسة الاسرائيلية التوسعية، بينما يشكل تدخلها مصدر قلق وخطر لدى معظم السوريين الدروز.

** هناك قلق حقيقي في حكومة نتنياهو من الابتعاد بين اولويات اسرائيل واولويات ادارة ترامب في المنطقة، وتسعى اسرائيل الى تسريع عملياتها في كل الجبهات الممكنة قبل زيارة ترامب للسعودية والامارات وقطر حيث سيكون الملف السوري من بين الملفات المطروحة.

** مردود اضافي للتدخل الحربي الاسرائيلي في سوريا والعبث بسيادتها هو صرف الانظار عن غزة التي تواجه اكتمال مشروع المجازر المكثفة والتهجير الطوعي والقسري .

عن مركز تقدم للسياسات

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *