ثيودوراكيس صانع موسيقى الحرية
في أثينا ، 11.4.2020 كان أخر ظهور علني للموسيقي الشهير ميكيس ثيودوراكيس, وذلك من اجل الادلاء بتصريح للمطالبة بدعم الفنانين في ظل ازمة وباء كرونا. رغم أوضاعه الصحية الصعبة و التي أدخلته الى المشفى أكثر من مرة في السنوات الاخيرة, حيث كثرت شائعات موته. الا ان تيودوراكيس مازال حيا و مازال يقوم بدوره النضالي.
ميكيس ثيودوراكيس Mikis Theodorakis موسيقي وسياسي يوناني ولد في 29. 7. 1925. يعود شغف ميكيس للموسيقى إلى صغره وكان في سن الثالثة عشرة حين كتب أول مؤلفاته الموسيقية. كان يتلقى خلال فترة نضاله السري ضد الاحتلال الفاشي الايطالي و الالماني دروسا في الموسيقى من معهد أثينا العالي وذلك بطريقة سرية. و بعدها خاض نضاله ضد القوى اليمينية التي حاولت الاستيلاء على السلطة في اليونان لذلك تم نفيه إلى جزيرة إيكاري سنة 1947 وفي سنة 1948 تم نقله إلى ماكرونيسوس حيث عذب بشدة وتم دفنه مرتين حيا.
في العام 1950 تخرج من معهد أثينا العالي للموسيقى وفي العام 1954 انضم إلى المعهد العالي للموسيقى بباريس ودرس عند اوجين بيجو و اوليفية مسيان وهما يعدان من أشهر الموسيقيين الفرنسيين. في سنة 1957 حصلت قطعته الموسيقية (Suite n° 1 pour piano et orchestre) على الميدالية الذهبية في مهرجان موسكو. اكتشف الموسيقى الشعبية اليونانية. قام بطلب من أخيه بكتابة (Lipotaktes). ألهمته أشعار يانيس ريتسوس وألف (Epitaphios) التي أعادت النبض للموسيقى التقليدية اليونانية والتي أدت إلى ثورة ثقافية في البلاد ما زالت أثارها بادية إلى اليوم.
بعد الانقلاب العسكري 1967 وضع تحت الإقامة الجبرية مع عائلته ثم اعتقل و أجبر على مغادرة اليونان في العام 1970 حيث ترأس الجبهة الوطنية. عاد ميكيس إلى اليونان في العام 1974 وأصبح محل نقد اليسار اليوناني وذلك لدعمه كونستنتين كرمناليس ومساندته لتحول بطيء وتدريجي إلى الديموقراطية.
ميكيس و فلسطين
في عام 1971 ، زار ميكيس إسرائيل لتقديم مغناة “The Mauthausen Ballad” (ماوتهاوزن أحد معسكرات الابادة التي أقامها النازيون) التي ألفها في العام 1965 عن أشعار كامبنيليس Iakovos Kambanellis (1921-2011. بعدها بوقت قصير قام بزيارة لبيروت حيث تعرض للانتقاد نتيجة لزيارته لإسرائيل و هناك التقى قيادة منظمة التحرير و قال له عرفات: “لقد قمت بعمل جيد وقمت بتأليف Mauthausen للإسرائيليين. اليهود شعب يعاني! ولكن شعبنا ، الفلسطينيون ، يتألمون أيضا! أريدك أن تكتب لنا شيئا أيضا! “
في عام 1972 ، زار ميكيس إسرائيل مرة أخرى ، لتقديم الحفلات الموسيقية. هناك التقى بنائب رئيس الحكومة إيغال آلون ، الذي طلب منه أن ينقل رسالة إلى عرفات. ومنذ ذلك الحين حاول لعب دور الوسيط غير الرسمي بين الجانبين و كان مع أولف بالمه و أصدقائه من قادة الاشتراكية الدولية من المروجين لحل الدولتين.
في عام 1981 ، زار ياسر عرفات اليونان كزعيم لمنظمة التحرير الفلسطينية. خلال إقامته في اليونان يلتقي ميكيس ويطلب منه تأليف نشيد لمنظمة التحرير ، والذي سيُقترح أن يكون النشيد الرسمي للدولة الفلسطينية ، عندما يتحقق إنشاءها الرسمي! في بداية العام المقبل (1982) ، يقبل ميكيس دعوة ياسر عرفات ويزور بيروت ، ضيفا على وزير الثقافة اللبناني و منظمة التحرير ، و يقدم في المجلس الوطني الفلسطيني عمله (اغنية لفلسطين) لكن اللحن لم يعتمد كنشيد رسمي ، يحصل التباس لدى البعض حول النشيد المعتمد ، نشيد فدائي الذي أعتمد منذ العام 1972 و هو من تأليف (فتى الثورة) سعيد المزين و تلحين الموسيقي المصري علي إسماعيل و اعاد توزيعه لاحقا حسين نازك.
يعتقد ميكيس أن على الفلسطينيين أن يتعلموا من تجربة اليونانيين ، وأن يفهموا أن العودة مستحيلة! فقد تم استيعاب حوالي مليوني لاجئ من آسيا الصغرى في اليونان في عشرينيات القرن الماضي, بما في ذلك عائلة والدة ثيودوراكيس. لكن الأكثر اثارة للاستغراب و الجدل و على العكس نسبة كبيرة من زملائه في اليسار الأوروبي اعتقاد ثيودوراكيس أن الصهيونية ليست حركة استعمارية! و أنه يدرك أن اليهود احتاجوا إلى وطن خاص بهم. “وكونه يوناني رومانسي فهو يرى البعد الرومانسي للصهيونية و حقيقة أن بني إسرائيل عادوا إلى الرحم التاريخي الذي خرجوا منه أمر جميل جدا”. في المستقبل ، عندما ينتهي الاحتلال ، سيدعم انضمام إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي. ويقول “إن أوروبا عليها التزام أخلاقي تجاه اليهود. من وجهة نظر ثقافية أيضا ، إسرائيل هي جزء من أوروبا”.
في نفس الوقت لطالما أعلن مساندته للحق الفلسطيني و ارتبط بعلاقات واسعة مع الفلسطينين, و انتقد سياسات الادارة الامريكية في المنطقة و كذلك الحكومات الاسرائيلية وقد صرح ميكس أن إسرائيل «إنها أمة صغيرة، هي أساس السوء في العالم» و في مرة أخرى قال: «اليونانيون لا يدركون بعد ما هي خطورة وأبعاد المفاهيم اليهودية المتعصبة وما ينجم عنها من سياسة عنف وبطش وهمجية. فنحن أمة عريقة لها جذور عميقة في التاريخ البشري، بينما هم يسيرون على نهج لا يخرجون منه أو يتخيلون غيره». وقد صدمت هذه التصريحات إسرائيل وحكومتها ووجهت له اتهامات بالتحريض على معاداة السامية.
تناقض في المواقف لايمكن فهمه الا في اطار التناقضات الذي يحمله حل الدولتين الذي يؤمن ثيودوراكيس انه هو الحل الممكن!