تور وينيسلاند واللغة المشحونة والمنحازة للقاتل ضد الضحية

هذه رسالة تحليلية لتقارير منسق عملية السلام في الشرق الأوسط تور وينيسلاند، المنحازة إلى الجلاد ضد الضحية، وإلى جانب السلطة القائمة بالاحتلال ضد من يعانون من جرائم هذا الاحتلال. ومن الضروري تركيز الخارجية الفلسطينية على خطورة هذا المبعوث، والاحتجاج بشكل متواصل ضد انحيازه الأرعن إلى أن يتم طرده، كما حدث مع زميله النرويجي الخطير تيري رود لارسن.
سأرتكز في هذا التحليل على ما جاء في بيانه الذي ألقاه عن بعد أمام أعضاء مجلس الأمن يوم الاثنين 21 أغسطس 2023. ثم ألفتُ الانتباه عما غاب عن التحليل عمدا، وهي جريمة أخرى تضاف إلى انحيازه المكشوف. ولكثرة ما أثرت مسألة اللغة في تقاريره وانحيازه إلى جانب القتلة، بدأ ستيفان دوجريك المتحدث الرسمي للأمين العام ونائبه فرحان حق، يضيقان ذرعا بأسئلتي ويقولان: اتصل بمكتبه في القدس ليعطيك الجواب. وليسمح لي القراء أن أدخل في بعض التفاصيل المهمة.

يحمل وينيسلاند مسؤولية التصعيد، ليس على ما ترتكبه إسرائيل من جرائم لا حصر لها، بل على «انسداد الأفق السياسي الذي يعالج القضايا الجوهرية»

يقول في الجملة الأولى من إحاطته: «السادة أعضاء مجلس الأمن، أطلعكم اليوم على الاتجاهات المقلقة التي رأيناها في الأشهر الأخيرة والمستمرة في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة. فقد قُتل وجُرح فلسطينيون وإسرائيليون في أعمال عنف شبه يومية – بما في ذلك قبل ساعات فقط من هذه الإحاطة عندما قتل هجوم إطلاق نار إسرائيلية في الضفة الغربية».


نلاحظ الانحياز من الجملة الأولى حيث المساواة بين الضحية والقاتل، عندما لم يحدد أسباب وجود الاتجاهات المقلقة. ثم يضيف أن هناك قتلى وجرحى من الطرفين (وكأنهما متساويان في العدد والعدة) ثم ينكشف بطريقة فجة وسافرة عندما يعلن عن مقتل إسرائيلية هذا الصباح في الضفة الغربية، من دون أن يحدد أنها مستوطنة من كريات أربع أكثر المستوطنات توحشا وعدوانية، والمقامة على أرض الخليل. ثم ينهي الجملة بـ»الضفة الغربية» من دون أن يضيف كلمة المحتلة لأن هذه الكلمة تعطي المبرر القانوني والأخلاقي للعملية لتندرج تحت بند المقاومة المشروعة. وانظروا الفرق بين ما قاله وما كان يجب أن يقول، لو أن الجملة صيغت بطريقة صحيحة سياسيا: «قتلت مستوطنة إسرائيلية من مستوطنة كريات أربع المقامة على أرض الخليل في الضفة الغربية المحتلة». ونلاحظ أيضا أن أول ذكر للقتل والقتلى كان من الجانب الإسرائيلي. ويضيف وينيسلاند: «وبينما اتخذ الطرفان بعض الإجراءات نحو استقرار الوضع على الأرض، تستمر الخطوات الأحادية الجانب، بما في ذلك نمو المستوطنات وهدم المنازل، وكذلك العمليات الإسرائيلية في المنطقة (أ)، والنشاط العسكري الفلسطيني وعنف المستوطنين». المساواة بين الطرفين متواصلة، حيث اتخذا إجراءات متساوية نحو الاستقرار، لكن الذي عكر الاستقرار الخطوات الأحادية التي قام بها الطرفان، فكلاهما مذنبان، بدءا بممارسة إسرائيلية أطلق عليها: «نمو المستوطنات»- نلاحظ هنا أنه استخدم كلمة نمو (Growth) التي تعني التمدد الطبيعي البطيء مثل نمو الطفل، وابتعد عن المصطلح الصحيح وهو القرار المتعمد بتوسيع المستوطنات (Expansion ) وهو المصطلح الدقيق، وشتان بين المصطلحين. وعندما ذكر النشاط العسكري الإسرائيلي في الأرض المحتلة سماها فقط «عمليات في المنطقة (أ)». وهو ما يوحي ضمنا بعدم وجود عمليات في منطقتي (ب) و(ج)، أو أنها عمليات مشروعة ولا تضر بالاستقرار. ولنلاحظ كذلك أنه استعمل كلمة عمليات من دون أي صفة، فلا نعرف أهي عمليات عسكرية، مداهمة، اعتقالات، قتل. أما عندما انتقل إلى الجانب الفلسطيني فكان واضحا تماما حيث قال: «نشاط عسكري فلسطيني». فالواقعون تحت الاحتلال يمارسون نشاطا عسكريا. أما ما يقوم به المستوطنون فهو عنف فقط. لنضع الكلمات الثلاث بجانب بعضها بعضا: عمليات (للجيش الإسرائيلي)، نشاط عسكري (للفلسطينيين)، عنف (للمستوطنين). ودعنا نسأل أي إنسان: أي من المصطلحات أخطر واقوى؟ لا شك في أن المصطلح الأعنف ألقاه على رؤوس الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال الذين لا يملكون جيشا ولا معسكرات تدريب ولا طائرات ولا مدفعية ولا صواريخ ولا قاذفات ولا أباشي ولا قبة حديدية. لكنهم يمارسون نشاطا عسكريا. فكيف يمكن أن تركب هذه المعادلة؟

نتابع هذا التقرير الخطير والمنحاز إلى الظلم

«لقد أدى عدم إحراز تقدم نحو أفق سياسي يعالج القضايا الجوهرية التي توجه الصراع إلى ترك فراغ خطير ومتقلب ملأه المتطرفون من جميع الأطراف». هنا يخلط وينيسلاند المتطرفين الصهاينة الذين يريدون أن يمحوا الوجود الفلسطيني ويقتلعوا أي أثر للفلسطينيين على أرض آبائهم وأجدادهم، ويدعون علنا إلى قتل المئات بل الآلاف منهم، مع المتطرفين الفلسطينيين الذين يريدون أن يسببوا ألما للإسرائيليين، كي يقنعوهم بأنهم غير قادرين على هزيمتهم مهما فعلوا ومهما تجبروا. فسموتريتش وبن غفير يوضعان في السلة نفسها مع كتيبة جنين وعرين الأسود الذين انتظروا طويلا العدالة والحقوق، فلم يأت منها شيء فاضطروا للمقاومة المشروعة على طريقة «مكره أخاك لا بطل» وأن يمتشقوا ما أتيح لهم من أسلحة بدائية ليسددوا ما أمكنهم التسديد، حتى لا يكون نهر الدم الدافق من الجسم الفلسطيني فقط، وحتى لا يكون الرد عليه بيانات وزارة الخارجية الفلسطينية التي تكرر بطريقة مملة «نحمل إسرائيل المسؤولية المباشرة والكاملة» عن كل مذبحة ترتكبها. يحمل وينيسلاند مسؤولية التصعيد، ليس على ما ترتكبه إسرائيل من جرائم لا حصر لها، بل على «انسداد الأفق السياسي الذي يعالج القضايا الجوهرية»، أي المسؤول عن التصعيد هم الفلسطينيون لأنّ الأفق السياسي مسدود أمامهم وإسرائيل إذن مضطرة أن ترد. ولو فتح الأفق السياسي الذي يعالج القضايا الجوهرية (والتي لا نعرف ما هي، ولم يدلنا وينيسلاند عليها) لتوقف التصعيد فورا وعاش الناس معا في حب ووئام وراحة وسلام.
بالأرقام
بعد تلك المقدمات، تحدث وينيسلاند بالأرقام عن أعداد القتلى والجرحى من الجانبين، فذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي قتلت 16 فلسطينياً، من بينهم خمسة أطفال، وإصابت أكثر من 190 فلسطينياً، بينهم ست نساء و137 طفلاً، خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، ثم يفسر أسباب سقوط القتلى فيشير إلى «المظاهرات والمواجهات وعمليات التفتيش والاعتقالات والهجمات»، كما يشير إلى القتلى الإسرائيليين الأربعة، ثم انتقل للحديث عن الاستيطان فعمليات الهدم بما فيها مدرسة عين سامية. ثم أوضاع السلطة المالية وأوضاع غزة الإنسانية. غاب وينسيلاد عن الساحة أكثر من شهر، وأصدر آخر بيان (وليس إحاطة) في 3 يوليو حول اجتياح مخيم جنين، ولكنه انتفض من سباته ليصدر بيانا قويا يدين الإرهاب الفلسطيني غير المبرر في قتل الحارس في تل أبيب يوم 5 أغسطس، ويلحقه ببيان كذلك يوم 8 أغسطس عند قتل مستوطنين في حوارة قائلا، قتل مدنيان، أب وابنه، واصفا هذه العملية بالإرهاب أيضأ. أما عندما استهدف المستوطنون يوم 4 أغسطس بلدة برقة وقتلوا بدم بارد الشاب الشهيد قصي جمال معطان فذلك عنف يستحق الشجب. وذكر أن إسرائيل اعتقلت اثنين من المهاجمين، ما يشير إلى أنها دولة قانون، علما أنهما أطلقا من السجن بعد أيام.
وأود في النهاية أن أشير إلى أن وينيسلاند في تقاريره يغيّب عددا كبيرا من المسائل المهمة وأهمها: لا يأتي على ذكر الأسرى وإضراباتهم عن الطعام، ولا يذكر الاعتقال الإداري ولا عدد المعتقلين، ولا يشير إلى اعتقالات الأطفال ومحاكمتهم في محاكم عسكرية، ولا يشير إلى احتجاز الجثامين ولا لجدار الفصل العنصري، ولا يذكر كلمة واحدة عن تهويد القدس وتغيير المناهج، ولا إلى معاناة الفلسطينيين على الحواجز التي تصل إلى المئات. لم يذكر ولا في أي تقرير شيئا عن المداهمات الليلية وعدد المعتقلين شهريا، ولا يذكر الغرامات الباهظة التي تفرضها قوات الاحتلال على الفلسطينيين. ولم يتطرق أبدا لجريمة إجبار أصحاب البيوت المقرر هدمها أن يهدموها بأنفسهم، أو سيدفعون أثمانا باهظة إذا قامت جرافات الاحتلال بهدمها. ولم نجد ذكرا في كلام وينيسلاند عن إحراق أو تكسير المستوطنين لآلاف الأشجار المثمرة التي تعتبر ثروة الفلاحين خاصة الزيتون. في النهاية هذا الموظف أعطى غطاء مهما لما ترتكبه إسرائيل من جرائم، لقد أصبح بقاؤه في فلسطين عبئا ومصدر ضرر وتبريرا لكل ما ترتكبه إسرائيل. أما آن الأوان أن تبلغ السلطة الأمين العام غوتيريش هذه الجملة البسيطة: تور وينيسلاند شخص غير مرغوب فيه. (Persona non Grata).

عن القدس العربي

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *