تلخيصات أوّلية لنتائج الانتخابات عن مشروع “الموحّدة”
في الحلقة الأولى وقفت عند تجربة المُشتركة وفي الثانية عند عوامل العمق وهنا أتوقّف عن “الموحّدة” وخطابها ومعاني حضورها.
ـ حتى انشقاقها من “المُشتركة” تتحمّل “الموحّدة” كامل المسؤولية عما اعترى المُشتركة من ضعف بنيوي ومن أداء فاتر على مستوى التمثيل والقيادة. لا منصور عباس ولا زملاؤه يستطيعون التبرُّؤ من “دم يوسف”. كلّهم كانوا هناك.
ـ لا يحمل انشقاقهم أي بُشرى ولا أي نهج جديد إلّا إذا اعتُبر الاستعداد الذهني والمبدئي للاصطفاف بجانب مشرّعي قانون القومية “نهجًا”. كل ما في الأمر أن مبنى القوى الذي نُشغل فيه الحلقة الأضعف يُنتج كلّ يوم ظواهر عجز وتراجع ويأس وتواطؤ وتماهٍ مع القاهرين ـ و”الموحّدة” من هذه الأصوات.
ـ “الموحّدة” هي تعبير عن إرادة واضحة لفرز المُجتمع العربيّ هنا بين “مُسلم” و”غير مُسلم” تحت غطاء الإيمان وعدمه والتدين والعلمانية ومؤيّد لمجتمع المثليات والمثليين ومناهض له ـ هذه كلها كلمات لغسل عملية الفرز الذي تقصده ـ مسلمون وغير مسلمين بقصد قاصد. نهج للإسلام السياسيّ في الإقليم وهو ليس جديدا. تمّ تجريبه هنا من قبل وها نحن نراه مرة أخرى بصيغة “الموحّدة”.
ـ معركة الإسلام السياسيّ في غالبية المواقع هي معركة للسيطرة على المجتمع لا لمواجهة السلطة. يكتفي بوضع يده على المجتمع ومقدراته ومستعدّ للتطابق ـ التواطؤ ـ مع كل سلطة بما فيها السلطة الإسرائيلية التي ستفرح كثيرا بالموحّدة وتنتدبها في قمع المجتمع والحريّات فيه باسم الدين فلا حاجة للشاباك وأقبيته وإرهابه ـ ومن ثمّ سيظلّ تفوّق اليهودي الأخلاقي والثقافي حاضرًا وسيقولون لنا كما في حال الجريمة المنظّمة والتقتيل ـ هذا أنتم وثقافتكم ولسنا نحن!
ـ الحملة الانتخابيّة لـ”لموحّدة” التي قامت على تسويد سمعة وصورة الخصم ـ وهو المشتركة حصراً وليس أي أحد في المنظومة العنصريّة ـ والانقضاض عليه بالشائعة والافتراء والكذب والتحريض قصد نزع شرعيّته تشبه حملات اليمين الإسرائيلي ضد العرب جميعا. لكن الأخطر هو أنها تعني غياب كل مسؤولية عن نتائج ذلك وعن النُدب التي تُحدثها حملة كهذه في جسد المجتمع خاصة وأن تجمعات سكانية كثيرة مشتركة. والأبعد هو أن الموحّدة بهذه الحملة إنما تؤشّر على أخلاقيات سياسية لا تعترف بخطوط حمراء ولا كوابح ـ الدين هنا يعمل معكوساً.
ـ حصر الحملة الانتخابية في خصم/شقيق/شريك الأمس القريب ومن المجتمع والبلدة والحي والشارع وبأسلوب السلطة نفسها مع العرب والصمت شبه التام عن المنظومة العنصريّة وسياساتها ليست مسألة حسابات انتخابيّة بل هو الخط والمسار. نضرب في مجتمعنا لنثبت أننا جديرون بالدخول في رقصة التانغو مع القاهرين. وهو ما دلّ عليه سلوك منصور عباس وتصريحاته في السنة ألخيرة على الأقلّ التي تهمز وتومي للسلطة أو للسيّد اليهودي أنه مستعدّ للرقصة مهما يكن الثمن. أو بكلمات أخرى فضّلت “الموحّدة” وستفضّل الرقص مع السلطة على أن تكون شريكة في مجتمع مع شركاء من داخله. فليتمزّق المجتمع المهمّ أن “نربح”!
ـ ترفع “الموحّدة” بألسن رموزها والمروّجين لها من شيوخ ودُعاة خطابًا مشتقاً من النصّ الديني وهو خطاب له سقف واطئ جدّا بكل المعاني في حدوده السياسية وفي مؤداه السياسي وتستطيع السلطة العنصرية في إسرائيل التعايش معه واستثماره ضد المجتمع العربي وقواه الفاعلة. مسائل قومية سياسية كالقضية الفلسطينية على ملفّاتها واستحقاقاتها تظل خارجه. لأن قاموس المفردات اجتماعي والعالم مرسوم على مقاساته وهكذا الرؤى. وهكذا مسألة الحريّات السياسيّة والشخصية وقضايا المرأة ـ تستطيع أن تنتظر قرنا أو قرنيْن ـ أما الهجمة على مجتمع المثليين والغيريين جنسيًا فهي مثال على ما يُمكن أن تقوم به “الموحّدة” وأتباعها تجاه هذه القضايا.
ـ رفع الخطاب الديني واستعماله في السياسة ليس جديداً. وهو يُحقق عدداً من المآرب ويسدّ عددا من الاحتياجات، ومنها: ما دمنا نؤمن بالله فالكون بخير وكل شيء يصير إلى ما يشاء ولما فيه الخير ـ غيبية باعثة على الاطمئنان. ما دمنا متديّنين فقط فسننجو بأنفسنا من إجراءات القاهرين الذين سيغضّون الطرف. كل ما نريده أن نصليّ ونقيم الفرائض لا مطالب لدينا أبعد ـ لا حق تقرير المصير ولا مناهضة العنصرية ولا إقامة دولة واستعادة الوطن والأرض ـ على العموم هذا هو العربيّ الذي تحاول السلطة الإسرائيلية أن تُنتجه. وها هي الموحّدة تفصّل المجتمع ليدخل في القالب. وأتمنى أن يفشلوا في إدخال كلّ المجتمع في الكشتبان.
ـ عملية الفرز الطائفي الديني للمجتمع كما مارستها “الموحّدة” وستمارسها ستستجلب حركات مضادة. وإذا كانت “المشتركة” على علّاتها تشكل عملية ربط وتوصيل الأجزاء فإن “الموحّدة” تفكك المجتمع ـ كمجتمع عربي فلسطيني ـ وتجعله طوائف دينية كما رسم لها العثماني في نظام الملّة وكرّسها الانتداب البريطاني والقانون الإسرائيلي لاحقاً. ومثل هذا التفكيك يكرّس العصبيات ويُغذيها نحو مزيد من توتّرات وعنف. يُشار مثلا أن هذه التوترات في المغار 2006 أحدثت ترانفسير غير معلن للسكان المسيحيين بأيدي جيرانهم الدروز. والتوترات حول شهاب الدين في العام 2000 أحدثت ترانسفير مشابها للمسيحيين بأيدي “أخوانهم” المسلمين!
ـ أنا من الذين يعتقدون بأنه لا يُمكن تحقيق أهداف نبيلة بطرق غير نبيلة وعنصرية كما فعلت “الموحّدة”. أسلوبك هو أنت. وأسلوبهم كان قبيحًا ونذلًا لا تنظّفه كل النصوص الدينية وكلّ المدوّنة التراثية وخُطب الجمعة.
ـ شخصيًا لا تخدعني الكُثرة ولا تُقنعني خاصة عندما تنحو منحى عنصريًا مستعليًا. واليمين الإسلامي هنا في حالتنا لا يختلف في شيء عن اليمين العنصري اليهودي الديني على وجه الخصوص ـ وصول الموحّدة إلى الكنيست بأربعة مقاعد لن يكوي وعيي كما لم يكوِه انتصار المشروع الصهيوني على فلسطين ولا هيمنة نتنياهو على السلطة هنا.
ـ ما أحدثه منصور عباس لحركته “الإسلامية الجنوبيّة” لم يمرّ مرّ الكرام. فقد عرفنا عن خلافات شديدة معه في كل الهيئات. أناس من صلب الحركة ومن رموزها عارضوا خطّه هذا ويُعارضونه إلى الآن. وهذا هو مصدر أمل أن الأمور يُمكن أن تتعطّل وأن مشروعه قد يتوقّف. ومع هذا فإن الضرر قد حصل وهو كبير. والآن كل العقلاء في مجتمعنا سينشغلون في البحث عن الحجر الكريه الذي رماه منصور عباس في وجدان الجماعة.