تقديرات: الرد الإيراني سيكون محسوبا وهذه هي القيود التي ستكبح طهران

سأجازف بالقول إنه من الممكن خفض مستوى الخوف شبه المرعب، الذي يسيطر على قطاعات كبيرة من الجمهور في إسرائيل. صحيح أن إيران ووكلائها قد راكموا قدرات مذهلة لإطلاق صواريخ باليستية وصواريخ كروز ومسيرات متفجرة وايضا طائرات شراعية متفجرة علينا. كما انهم قد يهاجمون المستوطنات الحدودية في الجولان والجليل، وربما يحاولون أيضًا إلحاق الضرر بالمؤسسات وبشخصيات إسرائيلية ويهودية في الخارج. لكن في الوقت نفسه، هناك سلسلة من القيود الثقيلة المؤثرة على إيران ووكلائها والتي من المؤكد أنها ستحد من رغبتهم في الانتقام وتحد من خططهم التدميرية.
من المعقول التقدير، أنه على ضوء الجهود التي تبذلها إيران حاليا على الساحة الدولية والتصريحات الصاخبة لقادة الحرس الثوري وكبار السياسيين في إيران، أن طهران تنوي شن “عملية مفتوحة” ضد إسرائيل. عملية تستمر ربما يومين أو ثلاثة أيام، ويشارك فيها وكلائها وتحاول تعطيل أنظمة الدفاع والاعتراض التي نشرتها إسرائيل ودول التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة – لكنها ستكون مدروسة وموزونة وليست مدمرة للغاية.

أساس هذا التقييم هو معرفة أن إيران دولة ضعيفة، ونظامها يخشى من زعزعة استقرار سكانها . فإذا وجهت إيران ضربة مدمرة على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، فلن تكون إسرائيل بحاجة إلى بذل الكثير من الجهد ولن تحتاج إلى مساعدة الولايات المتحدة لضرب 30% على الأقل من صناعة النفط الإيرانية.

ولن تجد إسرائيل صعوبة في تدمير سدود في إيران ، ونتيجة لذلك ، لن يكون هناك جفاف فحسب ، بل سيتعين على السكان الحصول على المياه بحصص شخصية. وموانئ إيران هي عمليا المنفذ الاقتصادي الرئيسي للبلاد إلى العالم الخارجي، وهي كبيرة وأكثر عرضة للخطر من موانئ حيفا وأشدود . كما ان المنشآت النووية – ليست جميعها تحت الأرض، وأيضا منشآت الصناعة العسكرية الإيرانية، بما في ذلك مصانع المسيرات ، ليست تحت الأرض أيضًا . لهذا السبب فإن اجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، والجيش الإسرائيلي، وخاصة القوات الجوية الاسرائيلية ، لن تجد صعوبة في إلحاق ضرر للنظام يمكن أن يهدد استقراره بشكل خطير، وهذا بالطبع هو عامل الكبح الرئيسي .

عامل الكبح الثاني الأكثر أهمية هو أنظمة دفاعنا الجوي متعددة الطبقات ومثلها الدفاعات الجوية الموجودة لدى الأميركيين والحلفاء . وتشمل هذه الأنظمة الدفاعية وسائط كشف – وليس فقط رادارات – وصواريخ اعتراضية أثبتت قدرتها بشكل خيالي على التصدي لـ 99% من الهجوم الإيراني السابق في 14 أبريل من هذا العام.

وكان الغرض من ذلك الهجوم هو إرسال إشارة لإسرائيل بأن إيران لن تتردد في الدخول في حرب مباشرة. تم التقاط الإشارة في إسرائيل، لكن الأضرار التي لحقت بنا كانت صفراً. هذه المرة لن يبلغنا الإيرانيون مسبقا بما يستعدون للقيام به ومتى. إنهم يحتفظون بأوراقهم قريبة من صدورهم، ولكن يمكن التقدير أنهم يعتزمون محاولة خداع أنظمة الاعتراض بمساعدة مبدأين.

الأول، كمية كبيرة من الصواريخ والمسيرات ، والثاني، سيتم إطلاقها من جميع الاتجاهات وستشمل جميع أنواع الصواريخ قصيرة وطويلة المدى، بحيث يتعين على الصواريخ الاعتراضية أن تحدد بسرعة الهدف الذي يجب التعامل معه وبسبب كثرة الاهداف فإن الوسائل الاعتراضية، ستكون عرضة للأخطاء الامر الذي قد يسمح بوصول بعض الصواريخ وبعض المسيرات . ويجدر الإشارة الى ان هذه تبقى أنظمة اعتراض ودفاع جوي لا مثيل لها في العالم، والإيرانيون يخشون الفشل هذه المرة أيضًا.

ويجب أن نتذكر أن الهجوم المخطط له على إسرائيل لن يكون مجرد عملية للانتقام الإيراني، بل إن بقاء النظام يحتاج إلى أن يثبت لمواطنيه أن عملية اغتيال هنية المنسوبة إلى إسرائيل لا تدل على ضعفهم. و إن الفشل في الرد المخطط له لن يؤدي إلا إلى تفاقم التأثير والانطباع الذي خلفته عملية اغتيال هنيه في وسط طهران في قلوب مواطني إيران.

وهناك عامل كبح مهم للغاية وهو حقيقة أن الإيرانيين يرون تحشدًا أمريكيًا وبريطانيًا وفرنسيًا، وربما أيضًا ، من جانب بعض الدول العربية لمساعدة إسرائيل على اعتراض الهجوم .

إيران تستخلص العبر :

من المحتمل جدًا أن الإيرانيون ووكلاؤهم يخططون بالفعل للضربة بناءً على الدروس المستفادة من فشل الضربة في أبريل/نيسان. ففي ذلك الهجوم، لم يتمكن سوى عدد قليل من الصواريخ الباليستية من اختراق التشكيلات الدفاعية لإسرائيل والدول المتحالفة معها. ولكن لم تصل مسيرة أو صاروخ كروز واحد إلى هدف في الأراضي الإسرائيلية .

ضربت قاعدة نبطيم أربعة رؤوس صاروخية لصاروخ من طراز “عماد” . والرأس الحربي لهذا الصاروخ منفصل عن الجسم، وبمساعدة الأجنحة وأنظمة الملاحة المقاومة للتشويش، يقوم بالمناورة والتعرج في طريقه نحو الهدف، مما قد يجعل عمل منظومات الاعتراض صعبة للغاية . ويتم تجهيز صاروخ “عماد” بالوقود السائل لساعات طويلة، ولذلك يمكن ضربه على الأرض قبل إطلاقه. ولدى الإيرانيين صاروخ آخر أثقل ولا يقل دقة، يسمى “خيبر “. ويعتبر هذا الصاروخ من أخطر الصواريخ. ويتم تشغيله بالوقود الصلب، لذلك لا يحتاج إلى وقت طويل على الارض
للتجهيز لاطلاقه .
من المرجح أن يحاول الإيرانيون في الدفعة الأولى إطلاق صواريخ “خيبر “، التي سيتم كشفها قبل إطلاقها ، ولكن في نهاية مسارها قد تقوم بنثر رؤوس حربية مناورة نحو عدة أهداف في إسرائيل . ومن المعقول الافتراض ايضا أن يحاول الإيرانيون تضليل منظومات “حيتس 3″ و”حيتس2″ و”مقلاع داوود” كميا، على افتراض أن إسرائيل لا تمتلك كمية كبيرة من هذه الصواريخ الاعتراضية باهظة الثمن، ولكن الإيرانيين أيضا يعانون من قيود وهي عدد منصات الاطلاق .

صحيح أن إيران تمتلك نحو 2000 صاروخ باليستي بعيد المدى يمكن اطلاقها على إسرائيل، ولكن عدد منصات الإطلاق أقل بكثير الامر الذي سيحد من كمية الصواريخ الباليستية بعيدة المدى التي يمكن لإيران إطلاقها في وقت واحد . وللتغلب على ذلك، سيحاولون اشراك الميليشيات الشيعية في العراق، التي أطلقت صواريخ من الحدود السورية العراقية من مسافة 600 إلى 500 كيلومتر، إلى جانب الصواريخ بعيدة المدى التي اطلقت من إيران، وهذا يشكل إرباك للمنظومات الاعتراضية .

ستكون هذه مواجهة تقنية وتكنولوجية صعبة وقبل كل شيء معركة عقول، لكن من المحتمل أن يحاول الإيرانيون ضرب أهداف عسكرية بشكل خاص وعدم التسبب في خسائر فادحة أو دمار في الجبهة الداخلية أو في البني التحتية حتى لاتعطي اسرائيل ذريعة للرد بنفس الصورة .
متى سيحدث كل هذا؟ لا يزال الأمر غير واضح، لكن التحضير لمثل هذه العملية معقد وطويل لأسباب فنية وتكنولوجية، ويتطلب الكثير من جهود التنسيق بين إيران ووكلائها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. وللتذكير فقط، قتلت إسرائيل حسن مهداوي، قائد الحرس الثوري الإيراني في سوريا، في الأول من نيسان/أبريل، ولم تبدأ إيران بالرد إلا في 13 نيسان/أبريل. أي أنه مر أسبوعان على الاغتيال حتى ردت إيران رداً بسيطاً نسبياً مع وكلائها. هذه المرة العملية ستكون أكثر تعقيدا بالنسبة للإيرانيين.

وماذا عن حزب الله في لبنان؟
من غير المعروف ما إذا كان حزب الله سيشارك في إطلاق طائرات مسيرة متفجرة خفيفة وسريعة من التي يختص بها إلى داخل الأراضي الإسرائيلية في الهجوم الشامل . ويتبين من خطابات نصر الله ومن تصريحات شخصيات في ايران ولبنان بأن الإيرانيين لا يريدون من حزب الله أن يستخدم كامل قوة الترسانة التي يمتلكها الآن. يريد الإيرانيون أن يتمكن حزب الله، ذراعهم الاستراتيجي الطويل، من الحفاظ على قدراته حتى اليوم الذي تتعرض فيه إيران ومنشآتها النووية لهجوم كبير .
والسبب الآخر الذي يمنع حزب الله من استخدام قوته الكاملة هو الوضع العام المتردي في لبنان وخوف سكانه من أن يكون مصير بلدهم وشعبهم مثل مصير غزة. لذلك فإن حزب الله سيعمل، ولكن ربما بشكل منفصل، للانتقام لاغتيال فؤاد شكر في بيروت، وهو الشخصية العسكرية الأرفع في المنظمة.

دعت دول كثيرة في الغرب مواطنيها إلى مغادرة لبنان في أسرع وقت ممكن، ولم تطالبهم بمغادرة إسرائيل. ولم يفعلوا ذلك خوفاً من تعرض المدنيين للأذى على يد اللبنانيين، بل بسبب الضربة الإسرائيلية المضادة. وهذا يعني الكثير.
ويمكن التقدير أن الإيرانيين يعتزمون محاولة تضليل المنظومات الاعتراضية . ولكنهم مازالوا يخشون من حدوث فشل كبير هذه المرة أيضًا.

المصدر: يديعوت احرونوت

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *