تساؤلات حول مكانة إسرائيل في أمريكا

الصهاينة يستنفرون لمحاصرة التحول في الرأي العام الأمريكي اتجاه إسرائيل عموما، ولدى يهود أمريكا وخصوصا بين الشباب. ويسارع قادتهم لتقديم مقترحات لمحاصرة التغيير واحتوائه، ويطالبون االحكومةً الإسرائيلية بالإسراع في بلورة مقترحات للتعامل مع الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، لا تنهي الاحتلال القائم منذ عام 1967 ، كما بات يطالب المجتمع الدولي، وإنما يقلص الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي عبر تجميد التوسع الاستيطاني وتقليص الاحتكاك بالفلسطينيين وتخفيف القيود الاقتصادية. ويطالبون رئيس الوزراء نفتالي بنيت الذي ينوي زيارة الولايات المتحدة الامريكية أواخر الصيف بتقديم مبادرة سياسية تظهر الاستعداد الإسرائيلي للانخراط في عملية سياسية طويلة الأمد ترتكز على مبدأ حل الدولتين لتخفيف وطأة المعارضة المتنامية اتجاه إسرائيل .
فيما يلي ترجمة لمقال لإريك هـ. يوفي نشرته صحيفة هارتس (2-08-2021) بعنوان ” مكانة إسرائيل في أمريكا الآن أضعف بكثير مما يبدو”
أكثر من نصف قرن من الاحتلال يوقع أخيرا بإسرائيل، وقاعدة دعمها في الولايات المتحدة آخذة في الانزلاق – على الأقل بين اليهود الأمريكيين الشباب. الأوهام لميكا غودمان مثل “إدارة الصراع” لن تساعد.
نصيحة لرئيس الوزراء نفتالي بينيت : لا تخدع نفسك. لقد ولت أيام “إدارة الصراع”. عندما يتعلق الأمر بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني ، فإن إسرائيل بحاجة إلى رؤية وخطة.
قد لا يكون ذلك واضحا لك حيث تجلس الآن. عندما تصل إلى واشنطن لزيارتك المقررة في وقت لاحق هذا الصيف ، سيكون الرئيس بايدن وأعضاء إدارته ودودين ، وكذلك قادة حزبه.
عاطفة بايدن تجاه إسرائيل حقيقية، لكن أهم سبب لاحتضانك هو أنك لست نتنياهو الكاره لأوباما والمحب لترامب، والذي يحتقره الديمقراطيون في كل مكان. وبالإضافة إلى ذلك بطبيعة الحال، فإن الرئيس وفريقه، الذين استنزفتهم المعارك الداخلية، ليسوا متلهفين لمشاكل إضافية في مجال السياسة الخارجية. ولكن وكما يعلم من هم في المعسكر الموالي لإسرائيل، فإن الأوقات العصيبة تنتظرنا.
موقف إسرائيل في أمريكا الآن أضعف بكثير مما يبدو عليه. وفي الأشهر المقبلة، عندما تستقر حكومتك وتقر الميزانية، سيكون الضغط من الأمريكيين على إسرائيل لطرح مبادرة جادة على الطاولة للتعامل مع القضية الفلسطينية.
في اليمين الأمريكي ، بالطبع ، هناك حجة مفادها أن مثل هذه المبادرة لن تكون مجدية.
إدارة الصراع أم تقليص الصراع
في مقاله بعدد تموز / آب من مجلة Commentary ، أوضح بريت ستيفنز أن تذبذب بيبي تجاه الفلسطينيين، وتأييده ومعارضته في الوقت ذاته لتسوية سلمية، كان في الواقع استراتيجية رائعة. بعد كل شيء ، أصر ستيفنز على أنه ليس هناك صفقة ممكنة، وبيبي كان يستغل الوضع السيئ على أفضل وجه. وفي طبعة 14 يوليو من صحيفة وول ستريت جورنال ، قدم ميكا غودمان حجة مماثلة.
هذا هو نهج “إدارة الصراع” ، الذي تفضله انت بينيت وحتى رئيس الوزراء المشارك يائير لابيد . وهو مصطلح آخر لعدم القيام بأي شيء حتى موعد بعيد في المستقبل. لكن هذا النهج ينطوي على مشكلة ذات شقين:
أولاً : أنه يفترض أن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني سوف يتلاشى بطريقة سحرية، وهو أمر يؤمن به اليمينيون دائمًا ولا يحدث أبدًا.
وثانيًا: أنه يفترض ، أيضًا ، أنه أثناء “إدارة” الصراع ، سيسود الوضع الراهن بطريقة ما. وهذا أيضا مجرد خيال.
وبحسب معظم الخبراء ، فإن إسرائيل تضيف 3000 مستوطن سنويًا إلى المناطق ، وهو عمل سيصبح مع مرور الوقت معادلاً للضم.
يجب أن تكون على دراية ، أيضا ، ببعض الاتجاهات المزعجة للغاية لنظرة عدد متنام من الأمريكيين لإسرائيل. فقد أظهر استطلاع أجرته جامعة ماريلاند مؤخراً أكبر زيادة تم تسجيلها خلال عام واحد بعدد الديمقراطيين الذين يريدون أن تميل الولايات المتحدة نحو الفلسطينيين. كما أظهر الاستطلاع أن المزيد من الديمقراطيين حمّلوا إسرائيل مسؤولية الحرب الأخيرة في غزة أكثر من الفلسطينيين.
وقبل ذلك في مارس، أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب أن 53 في المائة من الديمقراطيين يفضلون ممارسة المزيد من الضغط على إسرائيل لتقديم تنازلات لإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
ما يزال الدعم لإسرائيل قوياً بين الجمهوريين والإنجيليين (على الرغم من أنه أقل بكثير بين الإنجيليين الشباب) ، لكن الدعم من الحزبين الذي يمكن لإسرائيل دائمًا اعتباره كأمر مسلم به أصبح بسرعة شيئا من الماضي. وأيضًا ، باتت إسرائيل تتعرض بشكل متزايد للهجوم على وسائل التواصل الاجتماعي.
في أفضل السيناريوهات ، يتم تقديم الإسرائيليين على أنهم محتلون مذلّون ، يعطّلون حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية.
استطلاعات الرأي
أما في أسوأ السيناريوهات ، يتم تقديمهم على أنهم اشرار. وخلال شهرين فقط في الربيع الماضي ، أصدرت 152 كلية (مجموعات من أعضاء هيئة التدريس ، والأقسام الأكاديمية ، والحكومات الطلابية ) بيانات تدين إسرائيل، وتتهمها معظمها بـ “الفصل العنصري” أو “الاستعمار الاستيطاني”. ويأتي الكثير منها من مؤسسات نخبوية . وأحد هذه البيانات صدر في 12 مايوعن مجلس طلاب جامعة ييل ، وكان ذلك مهم بشكل خاص ، لأنه بعد 20 عامًا من الآن ، سيدير طلاب جامعة ييل أمريكا. وإذا كنت تعتقد أنني أبالغ في أهمية هذه البيانات، ففكر في ما يلي:
في استطلاع صدر في 13 يوليو الماضي، وافق 25 في المائة من الناخبين اليهود الأمريكيين على أن إسرائيل دولة فصل عنصري، و 22 في المائة آخرين قالوا أنهم غير متأكدين. بين اليهود الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا، قبل ثلثهم تسمية اسرائيل بدولة فصل عنصري. هل فهمت ذلك؟
شكك بعض منظمي الاستطلاعات والعديد من اليهود الأمريكيين في هذه الأرقام – كما فعلت أنا- فقد كان حجم عينة الاستطلاع صغيرا، وبدت الأرقام مروعة جدا لدرجة يصعب تصديقها. ولكي نكون منصفين ، أفادت الغالبية العظمى من المستطلعين عن ارتباط عاطفي بإسرائيل، إلى جانب آرائهم الانتقادية للسياسات الإسرائيلية. ومع ذلك ، تم إطلاق جرس الإنذار لدى يهود أمريكا. حتى لو افترضنا أن النسب المئوية مبالغ بها إلى حد ما، فقد أصيب القادة اليهود الأمريكيون بالصدمة. وتساءلوا كيف يمكن حتى لجزء بسيط من اليهود الأمريكيين أن يتبنى مثل هذه الآراء؟ فإذا كان بعض اليهود يفكرون بهذه الطريقة ، فماذا يؤشر ذلك إلى تفكير غير اليهود بإسرائيل؟
قد يكون أحد أسباب هذه التطورات حرب غزة في أيار (مايو) ، وهي من وجهة نظري حرب عادلة ، لكن وسائل الإعلام قدمتها بخلاف ذلك. وأحداث الشيخ جراح لسببين، انعدام العدالة وسوء ادارتها ، ما ألحق بإسرائيل ضرراً بالغا – ومن المتوقع اندلاع خلاف آخر هذا الأسبوع.
لكن المشكلة الأوسع قد تكون ببساطة أن احتلالًا استمر لأكثر من نصف قرن قد أوقع بإسرائيل أخيرا، وشكل المواقف والتصورات السياسية، خاصة بين الشباب اليهود وغير اليهود الذين تقل أعمارهم عن 40 عامًا ويعرفون إسرائيل فقط كقوة محتلة، وهم أقل دعما لإسرائيل من أسلافهم . فعلى الرغم من أن إسرائيل قد تكون محتلا خيرا أفضل من غيره، إلا أن كسب الدعم لأي محتل من أي نوع أمرًا يصعب تسويقه .
هل هذه التصورات عادلة للدولة اليهودية؟ ليس حقا. أو، على الأقل ، ليس كليا . لدينا في الجالية اليهودية قائمة من الحجج التي قدمناها للدفاع عن إسرائيل ضد الاتهامات بأنها محتلة قاسية للفلسطينيين. آخذين بالاعتبار الحجج الخمسة التالية.
1- أليست المشكلة الحقيقية هي رفض الفلسطينيين الذين ما تزال قيادتهم عنيدة وغير منظمة وقمعية وفاسدة؟
2- ألم يعرض الإسرائيليون في مناسبات عديدة الانسحاب تقريبًا إلى حدود عام 1967 ، ليقول لهم القادة الفلسطينيون “لا”؟
3- ألا توجد معايير مزدوجة في التعامل ؟ لماذا الغضب فقط على إسرائيل، فيما تمر الإبادة السورية دون أن يلاحظها أحد ، والمعاملة الصينية للأويغور تقابل بالصمت؟
4- لماذا الهستيريا حول الإرهاب في كل مكان في العالم باستثناء إرهاب حماس ضد إسرائيل؟
5- ألم ينسحب الإسرائيليون من الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة ليواجهوا بإطلاق صواريخ بلا توقف منها ؟ ألن يؤدي الانسحاب من الضفة الغربية إلى إطلاق صواريخ بلا توقف من تلك المناطق على قلب إسرائيل؟
هذه الحجج مقنعة. ولكل منها مقياس للصلاحية ، وكلها استخدمتها بنفسي. ولكن لماذا إذن ليست فعالة أكثر؟
يعود جزء من السبب وراء ذلك بكل بساطة إلى معاداة السامية التي تعود لكل مكان في العالم. بحيث أصبحت الصهيونية ، المرتبطة باليهود إلى الأبد وبحق، في اعقاب ذلك لعنة، وحكاية بغيضة للإمبريالية والاستغلال.
ومع وجود معاداة السامية في كل مكان حولنا، هناك خطر حقيقي من أن تصبح الثقافة المعادية لإسرائيل هي الموقف الافتراضي لليسار السياسي واليمين العنصري الأبيض.
لكن القضية الصعبة الآن سيدي رئيس الوزراء بينيت. تكمن في أنه بالنظر إلى أن معاداة السامية حقيقية، وأن الرفض الفلسطيني حقيقي ، وأن المعايير المزدوجة حقيقية ، وأن كارهي إسرائيل حقيقيون ، فهل يعني هذا أن الاحتلال لا يمثل مشكلة حقيقية للإسرائيليين واليهود في كل مكان؟
الجواب على هذا السؤال بالطبع لا. فهذا ما يعيشه الآن اليهود الأمريكيون وخاصة الشباب منهم. نعم ، البعض منهم ساذج ، والبعض الآخر جاهل ، ويمكن للكثيرين – كما يقول لهم القادة اليهود باستمرار – الحصول على تعليم يهودي أفضل، لكن كثيرون غيرهم يرون الأشياء بوضوح أكبر ويطرحون أسئلة فكرية صعبة .
يعرف هؤلاء الشباب اليهود أن إسرائيل سوقت نفسها كمنارة للديمقراطية والقيم الغربية، بما في ذلك القيم العالمية للحرية. ولما كان الأمر كذلك ، فإنهم يتساءلون : لماذا يبدو هذا العدد الكبير من الإسرائيليين مرتاحين للاحتلال وحتى مؤيدين له؟
إنهم يتساءلون : لماذا تواصل إسرائيل بناء المستوطنات ، وتخلق حقائق على الأرض تجعل من المستحيل قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة. وهم قلقون من أن قادة إسرائيل يبدون في كثير من الأحيان غير مبالين بقضايا الديمقراطية وقمع جيرانهم الفلسطينيين.
اسمح لي أن أكون أكثر وضوحا. كثير من هؤلاء الشباب اليهود يفهمون الأمن. إنهم لا يتوقعون أن تكون إسرائيل كاملة، ولا يطالبون بسياسة خارجية مفرطة في الطموح. لكنهم بحاجة للإجابة على أسئلتهم ، وهم بحاجة إلى فهم هوس إسرائيل المدمر بالمستوطنات ، والذي يقرؤون عنه كل يوم تقريبا في الصحف وعلى الإنترنت.
وهنا يأتي دورك ، سيدي رئيس الوزراء. فاليهود الأمريكيون يريدونك أن تحارب كارهي إسرائيل، ومعاداة السامية. أولئك الذين يعادون إسرائيل بشدة سيظلون معاديين لإسرائيل بشدة. ولا يمكن لإسرائيل أن تكون آمنة إلا بإقصائهم . لكنهم يريدون، أيضًا ، شيئا آخر. إنهم يريدون رئيس وزراء يعبرعن أعلى المثل العليا لإسرائيل والصهيونية بلغة واضحة. إنهم بحاجة ماسة إلى زعيم إسرائيلي يقول لليهود الأمريكيين ولجميع الأمريكيين: ان المناطق ليست إسرائيل. ونحن الإسرائيليون لا نرغب في السيطرة على الشعب الفلسطيني. نحن ملتزمون بالجلوس مع القيادة الفلسطينية والعمل على اتفاقية سلام تقوم على مبدأ الدولتين لشعبين. وإلى أن نتوصل إلى اتفاق – مهما طال الأمر – لن نوسع مناطق المستوطنات، وسنفعل كل ما في وسعنا للانفصال عن الفلسطينيين. وبعد ذلك ، بالطبع ، يريدون قائداً يتابع هذه الالتزامات.
هذا كل شيء. بسيط ومباشر. . إذا قلت هذه الكلمات ، فإن هذه الاستطلاعات ستتحسن على الفور، وستتلاشى مخاوف اليهود الأمريكيين، وسترتفع مكانة إسرائيل بين جميع الأمريكيين. يبدو أن يائير لابيد، وزير خارجيتك ورئيس الوزراء البديل يفهم هذا. فقد قال الأسبوع الماضي في حديث موجز للصحفيين، لحل مشاكل الصورة العامة لإسرائيل حول العالم ، تحتاج اسرائيل إلى”إعادة صياغة صورتها كديمقراطية ليبرالية”. وهذا صحيح تماما. لكن هناك حاجة لمزيد من التفاصيل. عندما تأتي إلى واشنطن، أحثك على اغتنام الفرصة وتقديم الإجابات التي يبحث عنها الشباب اليهود. وإذا لم تستطع فعل ذلك ، فاجعل السيد لابيد يفعل ذلك نيابة عنك.
*إريك هـ. يوفي ، حاخام وكاتب ومعلم في ويستفيلد ، نيوجيرسي ، وهو رئيس سابق لاتحاد اليهودية الإصلاحية.