ترامب يقطع الكعكة دون انتظار نتنياهو ويترك له الفتات

لنبدأ بتمرين مزدوج لتخيل موجه في واقع افتراضي بديل: ماذا كان سيحدث لو أن رئيس ديمقراطي للولايات المتحدة، بايدن أو أوباما، بإمكانكم الإختيار ، أعلن عن اتفاق لوقف إطلاق النار مع الحوثيين دون وضع مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلي بصورة الموضوع ، وأجرى محادثات مع الإيرانيين بهدف التوصل إلى اتفاق نووي، ووافق على أن يكون للمملكة العربية السعودية برنامج نووي مدني – حتى من دون الاعتراف بإسرائيل والتطبيع معها؟ وما الذي كان سيحدث لو كانت هناك حكومة أخرى في إسرائيل تحصل على هذه المعاملة من جانب واشنطن؟
لا يحتاج السيناريو الأول إلى أن نتخيله؛ يكفي أن نعود بالذاكرة إلى عقد من الزمان، إلى الحملة الصليبية التي شنها نتنياهو ضد الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما في عام 2015.
كنا سنرى رئيس الحكومة يطلق حملة عابرة للقارات، ويجري مقابلات في جميع البرامج الصباحية الأمريكية، ويلقي خطابات نارية محملة بمقارنات تاريخية مع تشامبرلين واتفاقية ميونيخ، في الكنيست، وفي الكونجرس، وفي إجتماع لإيباك ، ويثير المتاعب للرئيس من وراء ظهره في السياسة الأمريكية . ولو تصرف الرئيس ترامب بهذه الطريقة تجاه أي رئيس وزراء آخر، بينيت أو لبيد على سبيل المثال، لكان زعيم المعارضة نتنياهو قد أغرق شبكات التواصل الإجتماعي وقنواته الإعلامية بمقاطع فيديو ورسائل تتحدث عن الهواية والضعف والاستسلام، وكان سيمزقهم إرباً إرباً لتدميرهم أهم ثروة استراتيجية لأمن إسرائيل.
وفي الواقع الحقيقي ، حدث كل هذا، ولكن ليس مع أوباما أو بايدن، بل مع رئيس في البيت الأبيض، أعلن عنه نتنياهو كأفضل صديق لإسرائيل على الإطلاق . وإن سلسلة الأحداث والوقائع التي وقعت منذ الزيارة الخاطفة التي قام بها رئيس الحكومة إلى واشنطن في نهاية مارس/آذار لا تترك مجالاً للشك في أن شهر العسل هذا قد انتهى : من العرض المشترك المحرج في الغرفة البيضاوية حيث أعلن فيه الرئيس للمرة الأولى عن المفاوضات مع إيران وانهال على صديقه العزيز أردوغان، إلى وقف إطلاق النار مع الحوثيين الذي فاجأ إسرائيل تماماً، ولم يتضمن أي ذكر لإطلاق الصواريخ على مطار بن غوريون أو تل أبيب.
بالإضافة إلى سيل التقارير التي سبقت زيارة ترامب الأولى إلى المنطقة حول الاتفاقيات المرتقبة مع المملكة العربية السعودية، دون أن تكون إسرائيل في الصورة ــ لم يتبق تقريبا أي ساحة لم يظهر فيها ضوء النهار بين إسرائيل والولايات المتحدة .
وفي الأسبوع المقبل، عندما يتنقل ترامب بين قصور السعودية وقطر والإمارات، فإنه على الرغم من محاولات مكتب نتنياهو، فإنه لا يزال لا يخطط للتوقف في إسرائيل. ولا ينسى الأرشيف بالطبع كيف أن أوباما زار تركيا ومصر والمملكة العربية السعودية في عام 2009، وتجاهل اسرائيل ، وفي إسرائيل تم وُصفه بأنه صديق للمسلمين ومعادٍ لهم (لإسرائيل ) . ولكن كما يقولون في عالم التوحد، فالوضع ليس هو نفسه . لقد حقق نتنياهو مكاسب سياسية من خلال مواجهته لرؤساء ديمقراطيين، ولكن مواجهة رئيس جمهوري، وبالذات رئيس متقلب وغير قابل للتنبؤ مثل ترامب، هي لعبة خطيرة بالنسبة له وقد تكشف أنه هو المشكلة، وليس هم.
وهكذا، فإن شخصاً بنى مسيرته المهنية باعتباره سيد أميركا، الذي يفهم ويتحدث لغة أروقة واشنطن أكثر من أي شخص آخر، على وشك فقدان لقب آخر، إلى جانب “السيد أمن” الذي كان مسؤولاً في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عن أكبر كارثة أمنية في تاريخ إسرائيل . كما أن مفهوم الوزير رون ديرمر، المبعوث المقرب لكل الشؤون ، ينهار أيضاً، على ضوء فشل المفاوضات لإطلاق سراح المخطوفين ، والمفاجآت الاستراتيجية التي يظهرها البيت الأبيض واحدة تلو الأخرى، والتقرير الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست في الأسبوع الماضي، والذي جاء فيه أن ترامب أقال مستشاره للأمن القومي مايك والز لأنه حافظ على قناة تنسيق مع نتنياهو بشأن إيران .
على مدى سنوات، كان ديرمر يسوق نفسه باعتباره شخصًا يعرف كل مكون وكل تقنية خلط في المطبخ الأمريكي، ولكنه فشل على وجه التحديد في خلط وصفة ترامب 2.0 . فالرئيس الأميركي حاليا يقطع الكعكة في الشرق الأوسط دون انتظار نتنياهو ويترك له الفتات. وكل الرهانات التي وضعها هو (نتنياهو ) وديرمر على الفصيل الإنجيلي في الحزب الجمهوري تمت ازاحتها جانباً لصالح الانفصاليين من حركة “إجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى” الذين يحيطون بالرئيس هذه المرة، بقيادة نائب الرئيس فانس. وبعد أن أحرقوا الجسور مع الحزب الديمقراطي على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، لم يبق لديهم أي نفوذ يذكر للتأثير والضغط لكبح تحركاتهم في الكونجرس .
ويحاول نتنياهو وحاشيته إظهار الهدوء وعدم إظهار أجواء الطوارئ والأزمة. وتقول رسالة الوزراء على الصفحة الخاصة بهم: “إن التحالف القوي بين إسرائيل والولايات المتحدة أقوى من أي وقت مضى”، وفي الاستوديو، يتمسك الوطنيون بالحجة القائلة بأن الأمور كان من الممكن أن تكون أسوأ مع كامالا هاريس. ولكن بالنسبة لنتنياهو، العكس هو الصحيح . ترامب قادر على أن يفعل به كل ما لم يجرؤ بايدن على فعله وسيجبي منه الثمن إذا رفض أو عارض . وأي مواجهة معه لن تؤدي إلا إلى تعميق انهيار العلامة التجارية الأميركية التي كان يخطط لعرضها في الحملة الانتخابية المقبلة، وستبعد الإنجازات في إيران والسعودية التي كان يريد تسجيلها على إسمه من أجل الهروب من السابع من أكتوبر ومن الإهمال والتقصير الذي سيسجل باسمه إلى الأبد. وربما تشير سلسلة مقاطع الفيديو التي بثها بشكل يومي مع المتحدث باسمه توباز لوك على مدى الأسبوع الماضي، من بين أمور أخرى، إلى أن تراخي عناقه القوي مع ترامب يتسبب في إضعاف ثقته بنفسه.
وقد تتفاقم أزمة المصالح مع ترامب أكثر في الأسبوع المقبل، خلال زيارته للدول العربية في المنطقة، وقد تشكل الفجوات الزمنية بين الزعيمين تحدياً سياسياً وجودياً لنتنياهو وحكومته. ففي حين يريد نتنياهو وبن غفير وسموتريتش إطالة أمد الحرب في غزة إلى أجل غير مسمى، يبحث ترامب عن إنجازات في الشرق الأوسط، وبسرعة. وقد أثبت بالفعل أنه قادر على فرض وقف إطلاق النار عليهم حتى لو لم يرغبوا في ذلك. ومنذ صفقة المخطوفين في يناير/كانون الثاني، منحت الإدارة الأميركية لإسرائيل حرية التصرف في غزة، كما أن تهديدات ترامب بالجحيم ضد حماس، إلى جانب رؤية الريفييرا، منحت الحكومة اليمينية المتطرفة الكثير من العمل على خطط الاحتلال والطرد والتهجير . ولكن كما هو الحال مع المملكة العربية السعودية وإيران، فهو قادر أيضاً على إبرام الصفقة في غزة فوق رؤوسهم، ولا شك أن المليارات ستتدفق إلى جيوبه من السعوديين والإماراتيين والقطريين الذين سيرحبون به عند وصوله إلى المنطقة. وهو الوحيد القادر على وقف طبول حرب بن غفير وسموتريتش في غزة وإنقاذ المخطوفين الـ59 الذين يتخلون عنهم .
المصدر: موقع : واللا