تداعيات ذاكرة الخراب والهدم..

لا شك أن رؤية المقاطع التي تنقلها وسائل الإعلام والتواصل المختلفة عن الآثار المدمرة التي أصابت مناطق تركية وسورية بعد الزلازل الأخيرة، تثير في النفوس الكثير من الحزن لفقدان عائلات بأكملها تحت الردم، وتشرد مئات الآلاف جراء الكارثة، ومع هذه المشاهد، تداعت إلى الذاكرة، أحداث بعيدة، عاشها أجدادنا، وتناقلتها الأمهات، من خلال أغنية شعبية، تؤرخ حسب ما ذكر الشاعر توفيق زياد، لما يعرف بهباط ” تل العدس”، وهي أغنية:

قطعوا العامريات ..مرج ابن عامر

معهن بنات الجود..وخيول أصايل

ففي عام 1912 كانت عائلات فلسطينية، يقدر عددهم بنحو 118 نسمة، يسكنون تل العدس، حيث يعملون في الزراعة، ويعيشون في بيوت عمروها منذ نحو أربعين عاما، على أرض تملكها إقطاعيون عثمانيون، ما لبثوا أن باعوها عام 1886 لآل سرسق اللبنانيين، وكان من غير الممكن إزاحة هؤلاء السكان العرب عن بيوتهم، مطلع القرن العشرين، لخدمة المشروع الصهيوني الذي كان آخذا بالتوسع على الأرض، بطرق سرية، وعبر وسطاء، لشراء أراض، وتأسيس مستوطنات لليهود فيها.

هكذا وبين ليلة وضحاها، أفاق السكان العرب عام 1912، على انفجارات في جانب من بيوتهم المتلاصقة، ويبدو أن حجم المفجر كان صغيرا، بحيث ظن السكان أن البيوت تداعت من نفسها، وهكذا هرعوا خارجين من بيوتهم، خائفين من انهيار الأسقف والجدران فوق رؤوسهم.

هذه الحادثة مهدت بعد نحو عام لبناء مستوطنة موشاف، وذلك قبل أن تنكشف قضية بيع آل سرسق لنحو 22000 دونم في مرج ابن عامر ومحيطه، في منتصف العشرينيات من القرن العشرين.

توجه السكان العرب نحو العفولة وبلد الشيخ وتوجه بعضهم نحو مدينة الناصرة.

الذاكرة الشعبية الفلسطينية، احتفظت بأغنية كان أهالي البلدات المجاورة يستقبلن بها النازحين من تل العدس، تدل على مواساتهم، وذلك بذكر ما كانوا عليه من جود وكرم، ومحاولة تضميد جراحهم بفقدان بيوتهم، باستقبالهم، والحض على إكرامهم.

تذكرت هذه الأغنية والحدث الذي خلدته، خلال متابعة تلك المبادرات الرائعة لأتراك وسوريين، في فتح بيوتهم لاستقبال النازحين ممن تهدمت بيوتهم، وباتوا في عراء كامل، بعد أن زلزل الزلزال أمانهم، وفجعهم بفقدان أعزاء من أهل وأصدقاء وجيران..

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *