تحوُّلات بنيَة الصِّراع الإسرائيلي الفلسطينيبعد السَّابع من أكتوبر(الصِّراع الثَّقافي نمُوذجًا)
كتب: جهاد شعبان البطش ( أستاذ التَّاريخ الحديث والمعاصر جامعة القدس المفتوحة – غزة فلسطين)
يعود أصل هذا الكتاب إلى الدِّراسة العلميَّة التي تناقش تحوُّلات بنية الصِّراع بين الفلسطينيِّين والحركة الصُّهيونيَّة، ومَا سُمِّي بإسرائيل فيما بعد.. قبل وبعد عام 1948م، وأنا أعرِفُ أن البَاحث مؤلِّف هذا الكتاب قد أمضى شهورًا عديدة، وهو يُمحِّصُ ويفتشُ بالمصادر القريبة من مشكلة الدِّراسة، ويقوم بدراسة معلوماته ويحلِّلها ليصل لنتائج تكون أقرب للواقع، لكي يستفيد منها الباحثون المهتمُّون وأصحاب القرار، ولقد ساعده في ذلك ما يتمتَّع به من بنية تحتيَّة قويَّة في فهم ما يدور، وربط الأحداث بعضها ببعض إن كان ذلك واقعيًّا، فتراه يحرص على مناقشة المشكلة العلميَّة بنظام رئيسي يتفرَّع بنظم مرتبطة ببعضها البعض.. لا يبتعد عنها حريصًا على البقاء في حدود الدِّراسة الزمنيَّة والمكانيَّة وبرشاقة موضوعيَّة.
صحيح أنَّ الدراسة لا تستطيع مناقشة جميع عناصر كافَّة تحوُّلات بنيَة الصِّراع بين الفلسطينيِّين والإسرائيليِّين، لكن الدِّراسة كانت موفقة باختيار ثلاثة عناصر رئيسيَّة يمكن لها رسم لوحة واضحة المعالم لتحوُّلات بنية هذا الصِّراع، فالباحث يدرك جيدًا أنَّ الأرض والإنسان هما رحم المشروع الصُّهيوني، وأن خسارة الأرض وتهجير الإنسان يمثل نكبة للفلسطينيِّين، حيث يمكن لقارئ هذه الدِّراسة أن يجد بوضوح محدِّدات الصِّراع على الأرض بين المشروع الكولونيالي الاستعماري الصهيوني وبين الفكرة الوطنيَّة الفلسطينيَّة، وأنَّ هذا الصِّراح غير ثابت في عناصر تحوُّلاته عبر سنواته لكن الفكرة الأساسيَّة بين الطَّرفين بقيت ثابتة.
ناقشت الدراسة – بالإضافة إلى عنصر الأرض- بنية الهُويَّة، التي تمثل بخصائصها بنية شخصيَّة الإنسان، وناقش الباحث إلى أيِّ حدٍّ وصل هذا الصراع بالانتماء الوجداني والاعتزاز بالأرض، وما تُمثِّلُه من تاريخ لا يقف عند سلوك أحداث بشريَّة فقط، بينما ظلَّ هذا الانتماء حاضرًا في أذهان الفلسطينيِّين رغم جهد اليمين الإسرائيلي الذي ينبعُ فكره الأيديولوجي من الأصوليَّة الدينيَّة المتطرِّفة، والتي تناغمت تمامًا مع الأصوليَّة المسيحيَّة التي يمثلها الكثير من الإدارة الأمريكيَّة، خاصة الجمهوريُّون منهم، ولقد حرص الباحث على مناقشة خطورة قيام الطَّرَف الإسرائيلي بسرقة الموروث الثقافي، بل أوضح – وبالدَّلَالات العلميَّة المسلَّم بها- سبب اهتمام كلِّ مكونات النظام السياسي في إسرائيل بهذا الأمر، وذلك بالسَّواد الأعظم من عناصر التُّراث الفلسطيني، وأثبتت الدِّراسة – بتحليل الباحث واستنتاجه- أنَّ الإجراءات والجهود الإسرائيليَّة في هذا المجال تعتبر أحد أساسيَّات طمس ارتباط الفلسطينيِّين بهذا المكان، وهو ما تسعى إليه الصهيونيَّة العالميَّة وإسرائيل.
كما ناقشت الدِّراسة التطوُّرات والتحوُّلات التي طرأت على بنية الصِّراع بعد السَّابع من أكتوبر – وهو حدث فاصلٌ في تاريخ العلاقة الفلسطينيَّة الإسرائيليَّة على كافَّة المستويات – حيث أوضحت أبرز التحوُّلات التي برزت بعد عمليَّة طوفان الأقصى، وَمَع ذلك لَمْ تُهْمِل التَّحوُّلات التي كانت قبل هذه العمليَّة، وهذا أمر يعطي للموضوع أهميَّة خاصَّة.
يعتبر هذا الكتاب بمنزلة دراسة تنضمُّ إلى قائمة المراجع الأساسيَّة التي من خلالها تستطيع فهم مساحة واسعة من تاريخ الصِّراع الفلسطيني الإسرائيلي بكلِّ موضوعيَّة، حيث إنَّها استندت على أساسيَّات البحث العلمي الموضوعي في تناول مظاهر تحوُّل أحد أهم الصِّراعات السياسيَّة في العصر الحديث.