تحويل القرار الإسرائيلي وصم المنظمات الحقوقية بـ “الإرهاب” إلى فرصة
لا يخف المسؤولون في منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية قلقهم من قرار وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس تصنيف 6 منظمات مجتمع مدني فلسطينية من بينها 3 منظمات حقوقية على أنها “إرهابية”.
قلقهم نابع من جدية وخطورة القرار وتداعياته على حركة حقوق الإنسان الفلسطينية وتقويض عملها، وهو بمثابة إعلان حرب على المجتمع المدني الفلسطيني والمؤسسات الأكثر نشاطاً وفعالية وحضوراً على المستوى الوطني والدولي.
فالقرار يعتمد على القانون الإسرائيلي الذي صدر عام 2016، ويجرّم فعلياً أنشطة هذه الجمعيات ويسمح للسلطات الإسرائيلية بإقفال مكاتبها، ومصادرة أصولها، واعتقال وسجن الموظفين فيها، ويحظر تمويل أنشطتها أو حتى مجرد الإبداء علناً عن دعم أنشطتها، وفي تجفيف منابعها كلياً.
القلق قائم من تبني الإدارة الأمريكية للقرار وتراجع الموقف الأوروبي تحت الضغط الإسرائيلي، حيث استجابت بعض الدول الأوروبية للحملة التي شنتها إسرائيل للتحريض على المنظمات الحقوقية في العام 2018.
وعلى الرغم من الموقف الأوروبي ورفض الإعلان الإسرائيلي، وتمسكه بالشراكة والعمل من منظمات العمل الأهلي، وموقفه من الاحتلال والاستيطان، إلا أنها مواقف بدون أسنان، ولم تستطع الضغط على إسرائيل لوقف الاستيطان الذي تضاعف بشكل جنوني، وظلت المواقف منذ عقود عبارة عن إدانه واستنكار.
وفي العام 2018، تأثرت المؤسسات الحقوقية بشكل كبير، وهي: مؤسسة الحق، والمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، والمنظمات الثلاثة مرت بأزمة مالية خانقة كادت تقوض عملها بشكل كبير، وهي التي تولت ملفات دورات العدوان المتتالية على قطاع غزة، ونجحت في تقديم ملفات للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم حرب على إثر العدوان الاسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014.
وقد تعرضت هذه المنظمات، ولا تزال تتعرض للضغط، ومحاولات إجبارها على التوقيع على الوثيقة الأوروبية لحظر “الإرهاب”، إلا أنها تمكنت من تخطي هذه العقبة، ويقول المسؤولين فيها ان الخطر لا يزال قائم، والضغوط مستمرة من بعض الدول الأوروبية.
وقد قدمت المنظمات نجاعة ومصداقيه في عملها ومثابرتها في المحافل الدولية الحقوقية، ومن خلال العمل الدؤوب في مجلس حقوق الإنسان الذي شكل لجنة تحقيق في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في شهر آيار/مايو الماضي.
ونص قرار مجلس حقوق الإنسان على تشكيل “لجنة تحقيق دولية مستقلة ودائمة” مكلفة النظر في الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان التي أدت إلى التوترات الإسرائيلية – الفلسطينية، وتخطى نطاق القرار الاعتداءات الإسرائيلية في شهر مايار/مايو، وإطلاق تحقيق دولي حول انتهاكات إسرائيلية لحقوق الإنسان ارتكبت في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومناطق الـ48 منذ نيسان/ أبريل الماضي، وأيضا في “الأسباب العميقة” للتوترات.
وهي المرة الأولى التي يعالج فيها مجلس حقوق الإنسان الأسباب الجذرية للتمييز العنصري الإسرائيلي الممنهج ضد الشعب الفلسطيني في الداخل وفي الأراضي المحتلة عام 67″.
وللتذكير فإن منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية شكلت، وما تزال رأس الحربة في انتفاضة حقوق الإنسان، التي بدأت بنجاحها في العام 2005، بإصدار مذكرة اعتقال ضد دورون الموج قائد المنطقة الجنوبية السابق في الجيش الإسرائيلي.
وأيضا استطاعت هذه المنظمات في نهاية العام 2009، اصدار مذكرة قبض من محكمة ابتدائية بريطانية بحق تسيبي ليفني وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة بتهمة ارتكاب جرائم حرب أثناء العدوان الإسرائيلي في العام 2008/2009، على قطاع غزة وعيرها من المحاولات.
وفي حينه أطلق الاسرائيليين على مذكرات التوقيف ضد مسؤولين اسرائيليين، “انتفاضة حقوق الإنسان الفلسطينية” لملاحقة المسؤولين الاسرائيليين.
وقد بنت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية التحالفات والتشبيك الذي تقوم به مع مؤسسات حقوق الإنسان الدولية، ونجحت بشكل كبير في خلق حالة من العمل الدؤوب والتنسيق الدائم والمستمر، والعمل بشكل مشترك لمتابعة وتنفيذ توصيات تقرير غولدستون من خلال تجهيز ملفات قانونية لملاحقة قادة دولة الاحتلال، وتقديمهم للعدالة.
إن العمل على تقديم مجرمي الحرب إلى العدالة على ما ارتكبوه من جرائم هو هدف يسعى إليه الفلسطينيون والسلطة، والحكومة وهو جزء من مسؤولياتها التي تعمل الحكومة جاهدة على الوفاء بها.
إن النتائج المترتبة على القرار الإسرائيلي قد تصل إلى حد تجميد أرصدتها في البنوك ما لم يكن هناك موقف من السلطة الفلسطينية بعدم فرض أي إجراءات على حسابات هذه المؤسسات.
الاحتلال يسعى إلى ترهيب مؤسسات المجتمع المدني من القيام أي دور ممكن أن يشكل دعما وتعزيز صمود الفلسطينيين في الضفة الغربية ما يعني مواجهة السياسات الاحتلالية خاصة في مناطق “ج”، والجرائم الاستيطانية والاعتقالات اليومية وجملة الانتهاكات لحقوق الفسطينيين، والقيام بذلك يعني الملاحقة لمنظومة العمل الأهلي الفلسطيني بشكل أكبر.
القلق قائم من أن يكون القرار الإسرائيلي مدخلا آخراً لملاحقة المزيد من منظمات المجتمع المدني الحقوقية والتنموية والخدماتية، لا سيما في الضفة الغربية التي تشتبك يوميا مع الاحتلال.
مطلوب من القيادة الفلسطينية ومؤسسات منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية العمل على خلق حالة تضامن جماهيرية محلية مستمرة مع المنظمات، وتحويل التهديد الإسرائيلي إلى فرصة وتعرية إرهاب دولة الاحتلال. والاستفادة من إنجازات هبة القدس، وتدشين حملة تضامن عالمية بواسطة جماعات ضغط اجتماعية وحملات مقاطعة سواء كانت نقابية أو أكاديمية من خلال طلبة الجامعات في جميع أنحاء العالم، ومقاطعة وفرض العقوبات الاقتصادية على إسرائيل.
في تبرير رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينت وغيره من المسؤولين الاسرائيليين الالتقاء بالرئيس محمود عباس، إنه يقاضي إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.
إن النظام السياسي الفلسطيني ما يزال قادراً على لعب دور كبير من خلال تسهيل عمل المنظمات، والتراجع عن القرارات الني اتخذت خلال السنوات الماضية بتقييد وتقويض علمها، من خلال التعديلات القانونية والشروط والقيود التي لا تتوقف.
وأيضاً الشروع في حملة دبلوماسية واسعة، والتنسيق مع الدول العربية والإسلامية وأصدقاء الشعب الفلسطيني الكثر لممارسة الضغط السياسي على بعض الأطراف الدولية والإقليمية، ووضعهم أمام التزاماتهم القانونية والأخلاقية تجاه الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
المعركة طويلة وشاقة، والجهد الكبير الذي تقوم به منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية بحاجة إبى دعم واسناد وحماية، وعدم السماح لإسرائيل بالاستفراد بها. وإشغال منظمات حقوق الإنسان بالدفاع عن نفسها في زحمة الإرهاب الاسرائيلي المستمر، ومحاولات مجرمي الحرب الافلات من العقاب وملاحقتهم جنائياً، وبدل من وصم الفلسطينيين بالإرهاب يجب العمل على وصم مجرمي الحرب في دولة الاحتلال بتهمة ممارسة الارهاب بحق الشعب الفلسطيني.