
تبادل الضربات في قطاع غزة كان محاولة من قِبل الطرفيْن المعنييْن لاستغلال الفرصة وتدفيع الآخر الثمن. رغم أنها لم تؤدّ إلى تصعيد، لكن لابدّ أن نعتبرها مذكرة تحذير للمستقبل في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وتأثير الأمور على الساحات الأخرى.
بدأ تسلسل الأحداث بإطلاق صاروخ الجهاد الإسلامي على منطقة “ناحل عوز”، أراد التنظيم أن يرد بذلك على اعتقال أحد قادته في جنين، يوم الخميس، تمامًا مثلما فعل في أغسطس؛ في الأحداث التي قادت إلى عملية “بزوغ الفجر”. الصاروخ سقط في منطقة مفتوحة، حتى إن سكان الغلاف لم يوجهوا بالدخول إلى المناطق المحصنة. في الواقع، بسبب التغيير الذي طرأ في مناطق التحذير (المضلعات)، مواطنو “ناحل عوز” فقط تلقوا خبر الإطلاق، وعلى ما يبدو أيضًا لم يُطلب منهم القيام بأيّ خطوات.
إسرائيل ردت على إطلاق الصاروخ بهجوم مزدوج: الأول باتجاه موقع في جنوب القطاع، والذي يُستخدم مصنعا لإنتاج هياكل الصواريخ، والثاني باتجاه نفق تستخدمه حماس لنقل البضائع. في كلتا الحالتيْن، هاجمت إسرائيل أهدافًا نوعية لا تتناسب مع إطلاق الصاروخ، وذلك لكي تستغل الفرصة وتضر قدر الإمكان بقوة حماس العسكرية. كذلك ضرب مواقع حماس كان متعمدًا؛ على خلاف عملية “بزوغ الفجر”، والتي عملت فيها إسرائيل فقط ضد الجهاد الإسلامي، وفعلت كل شيء (بنجاح) من أجل إبقاء حماس خارج المعركة؛ هذه المرة وجهت النيران باتجاه حماس، بصفتها صاحبة السيادة في القطاع لكي تبذل قصارى جهدها وتمنع التنظيمات الأخرى من العمل ضد إسرائيل.
خلال إطلاق النار، حاولت حماس أن تشوش على هجمات سلاح الجو. في الفيديوهات التي نشرت، يظهر إطلاق صاروخ مضاد للطائرات غير دقيق، ولم يشكّل خطرًا على الطائرات. يبدو أنهم في حماس أيضًا أرادوا ان يستغلوا الفرصة ليخلقوا معادلة ردع جديدة، تحدّ من قدرة إسرائيل على مهاجمة القطاع؛ بل وربما حتى محاولة لاختبار فعالية بعض أدواتهم القتالية.
ما يزال تنظيم مقاومة
هذه الاحداث تعلمنا مرة أخرى عن العلاقة الوثيقة بين غزة والضفة. الجهاد الإسلامي، ورغم الضربة القاسية التي تلقاها في الصيف الأخير، يُحاول أن يرمم نفسه، من بين الكثير من الأمور من خلال العدوان المتجدد، بما في ذلك رد فعله على ما يحدث لرجاله في الضفة. من المفترض أن يحاول فعل ذلك في المستقبل أيضًا، ولأنهم في إسرائيل مصرين على فصل العلاقة الميدانية هذه، وليسوا مستعدين للسماح للتنظيم بأن يفرض نفسه على العمليات ضد “الإرهاب” في الضفة؛ هناك خطر دائم بأن يتدحرج كل اعتقال في الضفة إلى تبادل ضربات، بل وإلى عملية في غزة.
نشك في أن حماس معنية بذلك، بالضبط كما حصل في أغسطس الماضي، الآن أيضًا تفضل حماس الهدوء لهدفيْن أساسييْن: تعزيز القوة العسكرية والنفس الطويل على المستوى المدني. الأشهر الأخيرة كانت جيدة نسبيًا من الناحية الاقتصادية للقطاع، وسيما على خلفية العمل الدائم في المعابر، ودخول حوالي 15 ألف فلسطيني للعمل في إسرائيل؛ التصعيد سيمس بذلك، وسيوجه غضب المواطنين تجاه حماس.
لكن ورغم رغبتها الشديدة بالهدوء، ما تزال حماس تنظيمًا مقاومًا، ويجب أن تثبت ذلك لنفسها ولرجالها، وللفلسطينيين في الضفة الغربية أيضًا؛ لذلك فإنها مستمرة في مجهوداتها (الموجهة من غزة ومن تركيا) لشن الهجمات في الضفة الغربية، وكذلك بتسميم الأجواء في القدس. هذه النقطة جوهرية، لأنها إلى حد كبير تحمل مفتاح الواقع الذي سيكون في الجنوب في الأشهر القريبة القادمة: إذا نجحت حماس في قيادة عملية كبيرة أو إذا ما اشتعلت القدس الشرقية، مثل هذه الأحداث من شأنها أن تبدأ باعتقال روتيني أو من الصعود الاستفزازي إلى المسجد الأقصى، والتي ستدحرج الجنوب، وليس الجنوب وحده، إلى واقع متجدد من القتال.
عن أطلس للدراسات والبحوث ( المصدر: اسرائيل اليوم)