

تهدف الدراسة إلى إجراء مسح وتحليل لتأثير مراكز الفكر والرأي على صناعة القرار في إسرائيل، والسعي للإجابة على سؤال مركزي يتعلق بماهية تأثير مراكز الفكر والرأي الإسرائيلية، والذي يتفرع عنه عدة أسئلة تتعلق بكيفية تأطيرها نظريًا ومفاهيميًا، وإمكانية رصد تأثيرها المباشر وغير المباشر. وذلك بواسطة إجراء مسح للأدبيات المنشورة والمتعلقة بموضوع البحث، مع الرجوع إلى المصادر الأولية المتوفرة كالإحصاء الإسرائيلي، ومن خلال تحليل مضمون المواقع الرسمية (على الشبكة العنكبوتية) لأبرز مراكز الفكر والرأي في إسرائيل. وبالاستناد على نظرية فوكو حول علاقة السلطة بإنتاج المعرفة. تجادل الورقة بوجود تأثير مباشر وغير مباشر لمراكز الرأي رغم تعقيد عملية صنع القرار وصعوبة رصد هذا التأثير. قسمت الورقة إلى خمسة مباحث وخاتمة، تبدأ بالتأطير النظري والمفاهيمي لمراكز الفكر والرأي، وتنتقل بعدها إلى تناول آلية صنع القرار في إسرائيل، ومن ثم البحث بأنواع المراكز وتمويلها، وأخيرًا رصد التأثير المباشر وغير المباشر للمراكز الإسرائيلية. حيث رصدت الدراسة عدة مجالات للتأثير المباشر وغير المباشر، لتستنتج وجود تأثير للمراكز على عملية صنع القرار نتيجة لتزايد الاستناد على العقلانية، وبأنّ لمراكز الرأي دورًا في عدة جوانب تتعلق بإدارة السكان (البيوسلطة) من بينها الجانب السياسي، الأمني، الاقتصادي، الاجتماعي، والثقافي الأيدلوجي.
مصطلحات البحث: مراكز الفكر، مراكز الرأي، الاستعمار الاستيطاني، المعرفة، السلطة، البيوسلطة، صناعة القرار.
مقدمة:
اتخاذ القرارات يعتبر جزءًا أساسيًا من عملية تسيير حياة الأفراد والمجتمعات، ومع التطورات التي شهدها العالم ما بعد عصر الحداثة والتحول باتجاه العقلانية، وتغير شكل نظام الحكم في بعض الدول من سلطوي فردي إلى الشكل الديمقراطي، أصبح اتخاذ القرارات عملية مركبة ومعقدة تشارك فيها عدة جهات ولا تقتصر على شخص الحاكم. فقد لعبت مراكز الفكر والأبحاث دورًا بصناعة القرار في بعض الدول عقب الحرب العالمية الثانية، وازداد دورها وتأثيرها منذ سبعينات القرن العشرين، ليصبح لها دورٌ فاعلٌ في استشراف المستقبل والتخطيط له، ووضع الحلول والمقترحات والسيناريوهات لمواجهة المعضلات أمام صانعي القرار. ينطبق الأمر ذاته على الكيان الصهيوني، الذي برز فيه دور مراكز الفكر والرأي كمصدر من مصادر المعرفة الاستعمارية الهادفة لتعزيز منظومة التحكم والسيطرة الصهيونية.
يؤطر Haass لمراكز الفكر على أنّها مؤسسات تهدف إلى توليد فكر جديد لصناع القرار. كما تسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف من بينها توفير خبراء للعمل الحكومي، وتأمين حيز وتفاهم مشترك لصانعي السياسات، علاوة على تثقيف المواطنين، وأيضًا توفير فريق ثالث يقوم بالوساطة بين طرفين متنازعين.[1] يجادل كل من Guazansky و Lindenstrauss بأنّ الدور الأساسي للمراكز البحثية هو تحديد المشكلات وتحليلها وتقييمها، وتقديم الاقتراحات والتوصيات لتحسين كيفية التعامل معها. وأحيانًا، كما هو شائع في أمريكا الشمالية – وإن كان ذلك أقل في أوروبا الغربية وإسرائيل – لتوفير منصب مؤقت للأشخاص الذين ينتظرون تولي المنصب مع تغيير الحكومة، أو “وظيفة ثانية” للمسؤولين المغادرين.[2] لكننا سنجد (في السطور اللاحقة) أدوارًا أخرى لم يتطرق لها Haass أوGuazansky وكذلك Lindenstrauss، تتجاوز الدور السياسي إلى الدور الاجتماعي والأمني والاقتصادي والثقافي.
بحثت عدة أدبيات في موضوع مراكز البحث[3] الإسرائيلية. حيث يقوم حسان بتعريفها مع تأطيرها نظريًا (بشكل موجز)، وتطرق للجذور التاريخية لنشأتها، وأهميتها، مع تعداد لأنواعها.[4] فيما تناولت خطاب دور مراكز الفكر الإسرائيلي في الغزو الفكري للدول العربية.[5] وبحث الشهواني في أنواع المراكز، وتمويلها ودعمها، وتأثيرها على السياسة الأميركية.[6] بينما اهتم أبو عامر بمراكز البحث في إسرائيل من حيث السياسات والأهداف والتمويل.[7]
برز من بين الأدبيات أطروحة الدكتوراه لهبة العزب، والتي تناولت فيها دور مراكز الفكر الإسرائيلية في صناعة السياسة العامة، مع دراسة حالة معهد السياسة والاستراتيجية الذي يتبع مركز هرتسيليا متعدد المجالات ومدرسة “لاورد” للحكومة والدبلوماسية، ويشرف على عقد مؤتمر هرتسيليا السنوي منذ العام 2000، ويتناول المناعة القومية لإسرائيل. تجري العزب مقارنة بين السياسات الحكومية المعتمدة للتعامل مع ظاهرة “معاداة السامية” وتوصيات المعهد، لتستنتج وجود توافق كبير بين توصيات المعهد في مؤتمراته وقرارات الحكومة.[8] علاوة على ذلك؛ وفي ورقة منشورة باللغة الإنكليزية مستلة من أطروحتها للدكتوراه تتناول كيفية قياس تأثير المراكز مع ذكر لأنواعها.[9]
تناولت مناد (كدراسة حالة) تأثير مراكز الفكر في إسرائيل على صياغة الاستراتيجية الأمنية.[10] فيما تعرضت العالول لنشأة مراكز الأبحاث الإسرائيلية وتعريفها وكذلك تصنيفها.[11] وكذلك صوافطة الذي بحث في نشأة المراكز، والسياسات الحكومية لدعم البحث العلمي، ومن بينها موضوع التمويل.[12] أمّا بدر فيبحث في الدور الذي تقوم به مراكز أبحاث العلوم الإنسانية في إسرائيل، مع استعراض أبرزها.[13]
يشير العسيري إلى صعوبة قياس تأثير مراكز البحث بسبب تعقيد عملية صناعة القرار في إسرائيل، ولذلك يتناول تعريف المراكز ونشأتها، ومكانتها، وأنواعها، وأهم الأقسام البحثية في الوزارات الإسرائيلية.[14] ويعدد كل منAsadollah وMryan و Ejazi مراكز الأبحاث وأفرعها وتقسيماتها وتخصصاتها.[15] فيما تناولت أمين دراسة حالة مركز هرتسيليا ودوره في صنع القرار، مع ذكر لمواضيع المؤتمرات السنوية التي يقيمها المركز.[16] أيضًا؛ ركز شعبان في مقالته على تعريف مراكز الأبحاث ومصادر تمويلها وأهميتها.[17] بينما أجرى السيد مقارنة بين مراكز الأبحاث الإسرائيلية والعربية.[18] فيما تناول عبد الحي تقييم الباحثين لدور مراكز الأبحاث في محاولة للإجابة على سؤال تأثير مراكز الأبحاث من عدمه، ومن خلال تتبع وزنها في القرار السياسي.[19]
تظهر مراجعة الأدبيات وجود ثغرة معرفية، تتمثل بافتقار معظم الأدبيات للتأطير النظري[20] واقتصارها على التأطير المفاهيمي، علاوة على وجود خلط في بعض الأدبيات بين دور وتأثير مراكز الفكر والأبحاث غير الحكومية، ودور دوائر وأقسام التخطيط في الوزارات الإسرائيلية. والأهم من ذلك هو تركيز معظم الأدبيات على حصر وتعداد مراكز البحث ومجالات عملها دون الخوض في تأثيرها على صنع القرار، فمعظم الأدبيات التي تمت مراجعتها والمعنونة بمراكز الأبحاث ودورها في صناعة القرار تنتهي إلى تعداد هذه المراكز، وميزانياتها وتوجهاتها، مع تطرق هامشي لدورها في صناعة القرار. بل إن بعض الأدبيات لا تتعرض لصنع القرار وإنما تنتهي إلى إجراء مقارنة بين مراكز الأبحاث الإسرائيلية والعربية أو الغربية. قسم كبير من الدراسات السابقة يتناول تأثير المراكز الإسرائيلية بعبارات عامة فضفاضة، دون ذكر أمثلة محددة لدور هذه المراكز، أو كيفية وماهية التأثير (وهذا ما تهتم به هذه الدراسة). ناهيك عن وجود خلط في بعض الدراسات بين دور مراكز الفكر في تحليل ودراسة الاستراتيجيات الإسرائيلية، وبين صياغة واقتراح هذه الاستراتيجيات.
تتمظهر الإشكالية فيما يتعلق ببحث دور المراكز في صناعة القرار بوجود رأيين متناقضين للباحثين، أحدهما يقول بوجود تأثير محدود في مقابل من يدعي بوجود تأثير ملموس.[21] تنطلق هذه الورقة من الافتراض بوجود تأثير لمراكز الرأي على صناعة القرار في إسرائيل، وبالتالي تهدف الورقة إلى إجراء مسح وتحليل لتأثير مراكز الفكر والرأي على صناعة القرار في الكيان الصهيوني، من خلال طرح سؤال مركزي مفاده: ما هو تأثير مراكز الفكر والرأي على صناعة القرار في إسرائيل، يتفرع عنه عدة أسئلة من بينها: ما هو التأطير النظري والمفاهيمي لمراكز الرأي، وما هو التأثير المباشر وغير المباشر لمراكز الفكر والرأي الإسرائيلية. وذلك بواسطة إجراء مسح للأدبيات المنشورة والمتعلقة بموضوع البحث، مع الرجوع إلى المصادر الأولية المتوفرة كالإحصاء الإسرائيلي، ومن خلال تحليل مضمون المواقع الرسمية (على الشبكة العنكبوتية) لأبرز مراكز الفكر والرأي في إسرائيل، حيث تم رصد 45 مركزًا[22].
تجادل الورقة بوجود تأثير مباشر وغير مباشر لمراكز الرأي على صناعة القرار في إسرائيل، رغم تعقيد عملية صنع القرار وصعوبة رصد هذا التأثير، والذي يرتبط بعدة بعوامل من بينها نوع المركز وتمويله. ولإثبات هذه المجادلة تم تقسيم الورقة إلى خمسة مباحث وخاتمة، يتناول أولها التأطير النظري والمفاهيمي لمراكز الفكر والرأي بالاستناد على ميشيل فوكو ونظريته حول علاقة السلطة بالمعرفة، ومن ثم يتم تناول آلية صنع القرار في إسرائيل بهدف موضعة مراكز الرأي في هذه العملية، ولننتقل بعدها إلى البحث في أنواع المراكز وتمويلها، ونختم بالمبحث الخامس الذي يهتم برصد التأثير المباشر وغير المباشر لمراكز الفكر والرأي.
يمكننا القول بوجود عدة عوائق تحول دون توسع الدراسات السابقة في رصد وتناول ماهية وكيفية تأثير مراكز الفكر والرأي على صنع القرار، من أبرز هذه العوائق تمحور عمل هذه المراكز حول تغيير الأفكار والسياسات، وهذا لا يحصل بشكل تلقائي في الأنظمة السياسية متعددة الأحزاب (كما في الحالة الإسرائيلية)، والبيروقراطيات الحكومية، حيث يحتاج ذلك إلى وقت طويل أحيانًا قد يمتد إلى سنوات، ومن هنا تظهر صعوبة رصد تأثير هذه المراكز على صناعة القرار. من ناحية أخرى؛ لا نجد في معظم التقارير الصادرة عن أعمال مراكز الأبحاث أي ذكر لكيفية أو ماهية تأثيرها على صناعة القرار، (من مجموع 45 مركزًا بحثت فيهم هذه الدراسة لا نجد سوى 3 مراكز[23] تذكر في تقاريرها كيف أثرت في صناعة القرار).
ما سبق ذكره؛ وبالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بطبيعة النظام السياسي الإسرائيلي وعملية صنع القرار وكذلك التمويل، وأيضًا سرية بعض الأبحاث الصادرة عن مراكز الأبحاث بسبب علاقتها بالجانب الأمني، وغيرها من الأسباب، تضع عائقًا أمام البحث في تأثير هذه المراكز.
المبحث الأول: إطار نظري ومفاهيمي:
المطلب الأول: إطار مفاهيمي:
تعود أصول تسمية مراكز الفكر (think tank) إلى غرفة محصنة كانت تعقد فيها اجتماعات القيادة العسكرية المشتركة في البنتاغون بالولايات المتحدة، باعتبارها موقعًا آمنًا لتبادل المعلومات. في البداية تم تعريب المصطلح ك “دبابة الفكر”، في دلالة للمكان المحصن الذي تتخذ فيها القرارات العسكرية الاستراتيجية، ثم تم تعريبها لاحقًا كمراكز الفكر والرأي.[24] بحسب بعض الباحثين، لا يوجد تعريف واحد مقبول لمراكز الأبحاث.[25] لكن أصول البحث العلمي تفرض علينا تبني تعريفًا إجرائيًا لمفهوم مراكز الفكر، وهذا ما سنتناوله في السطور القادمة.
تدعي Stone بأنّ مصطلح مراكز الفكر (think tank) قد شاع استخدامه في الستينات لوصف مجموعة من المتخصصين الذين يجرون دراسة مكثفة لقضايا السياسة العامة، حيث يعرّف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP مؤسسات الفكر والرأي على أنّها: “المنظمات العاملة على أساس منتظم في البحث وتقديم المشورة في أي مسألة تتعلق بالسياسة العامة، وهي الجسر بين المعرفة والسلطة في الديمقراطيات الحديثة”.[26]
يعتبر البعض أنّ المؤسسات الفكرية عبارة عن “منظمة (منظمات) النخبة التي تعتمد على خبرتها وعلاقاتها الوثيقة مع صانعي السياسات لتعزيز المصالح السياسية والاقتصادية للشركات والجهات الخيرية”. ووفقًا لـ Keskin and Halpern تعمل مراكز الفكر “كمؤسسة تجمع بين قادة الأعمال والمسؤولين الحكوميين وخبراء السياسة والمحامين والصحفيين كوسيلة للتوصل إلى اتفاق، وحل الخلافات المتعلقة بمقترحات سياسية محددة، فيما يتعلق بنخب الطبقة الحاكمة”.[27] ولذلك يعرّف Savage مؤسسات الفكر والرأي بأنها “الآلية الفكرية لشبكة مغلقة من النخب المؤسسية والمالية والسياسية. وبالتالي لديها الموارد والقدرات لممارسة تأثير على صنع السياسة العامة”.[28]يتوافق هذا التعريف مع ما ذهب إليهحسان من كونها “تجمع وتنظيم لنخبة متميزة ومتخصصة من الباحثين، تعكف على دراسة معمقة ومستفيضة لتقدم استشارات أو سيناريوهات مستقبلية، يمكن أن تساعد أصحاب القرارات في تعديل أو رسم سياستهم بناء على هذه المقترحات في مجالات مختلفة”.[29]
يعرّف قاموس أكسفورد مراكز الفكر بأنّها: “مؤسسات بحث أو منظمات أخرى تقوم على تقديم النصيحة والأفكار في القضايا الوطنية الاقتصادية، من خلال مجموعات متعددة الأنساق المعرفية أو خبراء مختصين”، لكن وبحسب مصطفى فإن هذا التعريف عامٌ وغير منضبط، حيث ظهرت تعريفات أخرى تركز على البنية الإدارية والتنظيمية، من حيث كونها غير ربحية ومستقلة، فيما ركزت تعريفات أخرى على مجالات عمل المراكز، هل هي اقتصادية أم اجتماعية أم سياسية.[30] وهذا ما نجده في تعريف معجم التراث الأميركي بأنّها “جماعة أو هيئة منظمة تقوم بأبحاث متعمقة لحل المشكلات، خصوصًا في مجالات التكنولوجيا والمجالات الاستراتيجية أو الاجتماعية أو السياسية أو التسلح”.[31] فيما اهتم البعض بتعريفها بناءً على المهام التي تقوم بها كـ “غيلنر” الذي يرى بأنّ مهمتها هي إنتاج الأفكار، وعقد لقاءات واجتماعات، ونشر أفكار، وتجنيد النخب لمراكز البحث.[32]
يوجد تركيز في التعريفات السابقة على نوعية منتسبي مراكز الفكر، والمهام التي يقومون بها، وربما هذا ما دفع McGann إلى تعريفها بناء على الجهة المستفيدة أو المستهدفة، وبأنّها “المنظمات التي تولد بحثًا موجهًا نحو السياسات، وتحليلات، ومشورة بشأن القضايا المحلية والدولية في محاولة لتمكين صانعي السياسات والجمهور من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن قضايا السياسة العامة”.[33]
يبرز لدينا تعريف Britannica على أنّها “مؤسسة أو شركة أو مجموعة منظمة للبحث، متعددة التخصصات، وذلك بهدف تقديم المشورة بشأن مجموعة متنوعة من قضايا السياسات من خلال استخدام المعرفة المتخصصة وتفعيل الشبكات. تختلف مراكز الفكر عن المؤسسات الحكومية، والعديد منها منظمات غير ربحية، ولكن قد تقدم خدماتها للعملاء الحكوميين والتجاريين على حدٍ سواء، غالبًا ما تتضمن المشاريع المقدمة لعملاء الحكومة تخطيط السياسة الاجتماعية والدفاع الوطني، فيما تشمل المشاريع التجارية تطوير واختبار التقنيات الجديدة والمنتجات الجديدة، ومصادر تمويلها تشمل الأوقاف والعقود والتبرعات الخاصة ومبيعات التقارير والأوراق البحثية”.[34] يمتاز هذا التعريف بجمعه بين نوعية القائمين على المراكز، ومهامها، والجهات المستفيدة منها، علاوة على الجهة الممولة لها. إلا أنّه كالتعريفات السابقة يهمل كيفية تأثيرها، وطبيعة الإنتاج الفكري لهذه المراكز.
بناءً على الثغرات الموجودة في التعريفات السابقة، تقترح هذه الورقة (وبالاستناد على التعريفات السابقة) تبني تعريف مراكز الفكر والرأي كـ”مؤسسات تجمع نخبة من المفكرين والباحثين والمتخصصين وأصحاب الخبرة في مجالات عدة، تتلقى تمويلها من الحكومة أو القطاع الخاص أو كليهما، وتقدم خدماتها لكلا القطاعين، تستهدف صنَّاع القرار والرأي العام، وتؤثر فيهما بشكل مباشر أو غير مباشر في القضايا الداخلية والخارجية، ينصبُّ اهتمامها على توصيف الواقع بواسطة أوراق الحقائق أو الأوراق المفاهيمية، وتحليله من خلال أوراق تحليل السياسات، والسعي للتنبؤ بالمستقبل من خلال وضع السيناريوهات بواسطة أوراق تقدير موقف أو التقارير والتقادير الاستراتيجية، علاوة على اقتراح البدائل للتغلب على أي خلل أو معيقات في أداء السلطة، وتقوم بتسويق هذه الأفكار والبدائل من خلال وسائل الإعلام التقليدية والحديثة وكذلك المطبوعات وبعقد الندوات والمؤتمرات”.
المطلب الثاني: إطار نظري:
هناك علاقة بين إنتاج المعرفة وممارسة السلطة والحكم، فبحسب فوكو “السلطة تنتج المعرفة (وليس فقط بتشجيعها لأنها تخدمها أو بتطبيقها لأنها مفيدة)، وأن السلطة والمعرفة تقتضي إحداهما الأخرى؛ وأنه لا توجد علاقة سلطة بدون تأسيس مناسب لحقل معرفة، وأنه لا توجد معرفة لا تفترض، ولا تقيم بذات الوقت علاقات سلطة”.[35] يمكننا استخدام تنظير فوكو للعلاقة بين ممارسة الحكم وإنتاج المعرفة كتأطير لإنشاء مراكز الفكر والرأي في العصر الحديث.
بحسب فوكو، ساهم التحول في العصر الحداثي نحو العقلانية في زيادة الاهتمام بإنتاج معرفة تهتم بإدارة السكان (البيوسلطة)، حيث أنّ إدارة السكان الناجعة تعني زيادة الإنتاج ومراكمة الثروة، ولذلك وجه إنتاج المعرفة إلى علوم الحياة، والعمل والإنتاج ،[36] “ومن هنا ينبغي (عند دراسة القرن التاسع عشر) فهم موضوع الإنسان والعلوم الإنسانية التي تحلله ككائن حي، وفرد عامل، وموضوع متكلم، على أساس ظهور السكان كعلاقة بين القوة (السلطة) وموضوع المعرفة”.[37] حيث تؤطر المعرفة لفن الحكم وإدارة السكان.
ارتبطت نظرية فن الحكم منذ القرن السادس عشر بتطور الجهاز الإداري للممالك الإقليمية (بمعنى ظهور الأجهزة الحكومية). كما ارتبطت بمجموعة من التحليلات وأشكال المعرفة التي بدأت بالتطور في نهاية القرن السادس عشر وازداد نطاقها في القرن السابع عشر، حيث أنّ معرفة الدولة بمختلف عناصرها وأبعادها وعوامل قوتها، سمي بالتحديد “الإحصاء” (statistics)، أي علم الدولة”.[38] فبحسب فوكو “فن الحكم هو عبارة عن الجهد المبذول لترشيد ممارسة السلطة، على وجه التحديد من حيث المعرفة المكتسبة من خلال الإحصاء”.[39] وبالتالي فإنّ معرفة الدولة يمكن توظيفها في تكتيكات الحكم.
يتطلب الحكم بفعالية الاحتكام إلى العقلانية، حيث يكون تكوين المعرفة (الدراية) بالحكم غير منفصل عن تكوين معرفة بجميع العمليات التي تدور حول السكان بالمعنى الأوسع لما نسميه “الاقتصاد”. وفي الوقت نفسه، كشكل من أشكال التدخل الحكومي في مجالي الاقتصاد والسكان، ضمن شبكة مستمرة متعددة العلاقات بين السكان والإقليم والثروة، ليتم الانتقال في القرن الثامن عشر من نظام تهيمن عليه هياكل إدارية منبثقة عن النظام السلطوي (الملكي) إلى نظام تهيمن عليه تقنيات الحكم يدور حول السكان، وبالتالي حول ولادة الاقتصاد السياسي.[40] ومن ثم فإنّ “الاقتصاد السياسي هو الشكل الرئيسي للمعرفة”.[41]
يجب على من يحكم أن يعرف العناصر التي تمكن الدولة من الحفاظ على قوتها، أو كيفية تطوير قوتها، حتى لا يسيطر عليها الآخرون أو تفقد وجودها بفقدان قوتها، وهذه المعرفة بالأشياء التي تشكل واقع الدولة أطلق عليها الإحصائيات. والتي تتضمن معرفة الحالة “بالقوى والموارد التي تميز دولة ما في لحظة معينة. على سبيل المثال: معرفة السكان، وقياس كميتهم، ومعدل الوفيات، والولادة؛ حساب فئات الأفراد المختلفة في الدولة وثرواتهم؛ تقييم الثروة المحتملة المتاحة للدولة، والمناجم والغابات، إلى آخره؛ تقييم الثروة المتداولة، والميزان التجاري، وقياس آثار الضرائب والرسوم، كل هذه البيانات، وأكثر من ذلك، تشكل الآن المحتوى الأساسي لمعرفة الحاكم”، ….، و”كان من الضروري أيضًا التفكير في جهاز إداري لم يكن موجودًا بعد ولكن سيكون من الممكن أن نعرف بالضبط ما يحدث في المجال في أية لحظة، جهاز إداري لا مجرد وكيل لتنفيذ أوامر الحاكم، أو لزيادة الضرائب والثروة والرجال الذين يحتاجونهم، ولكن في نفس الوقت سيكون جهازًا للمعرفة، وهنا مرة أخرى، كأحد الأبعاد الأساسية لممارسة القوة (السلطة)”.[42]
ما سبق ذكره يؤطر نظريًا لفكرة إنشاء مراكز للفكر تزود الحكام بمعرفة تمكنهم من فن الحكم الناجع وإدارة السكان (البيوسلطة)، يمكننا القول وفي ظل الأنظمة الديمقراطية لا يقتصر استهلاك المعرفة المنتجة بواسطة مراكز الفكر على الحكام أو صناع القرار، وإنما يتعداه إلى عموم المحكومين الذين يمارسون دورًا غير مباشر في تسيير الحكم، وذلك بواسطة انتخاب من يرونه مناسبًا لتحقيق السياسات والأهداف التي يبغون تحقيقها، والتي تبلورت في أذهانهم من خلال المعرفة التي أنتجتها مراكز الفكر. فبحسب أبو عامر تؤثر مراكز البحث على صناعة القرار الإسرائيلي من خلال وسيلتين، الأولى: التأثير المباشر على الحكومة. والثانية: التأثير على الرأي العام، الذي يؤثر بدوره على الحكومة.[43] وهذا ما تستنتجه أيضًا العالول.[44]
المبحث الثاني: آلية صنع القرار:
نحتاج للتعرف على آلية وعملية صنع القرار في إسرائيل من أجل تتبع دور مراكز الفكر في هذه العملية. يُعرّف صنع القرار على أنه فعل الاختيار من بين البدائل المتاحة في ظل وجود حالة من عدم اليقين.[45] يجادل الجندي بوجود تأثير للقوى البنيوية والمؤثرات الطبيعية على عملية صنع القرار في إسرائيل، بالإضافة إلى تأثير العوامل الخارجية، تتضمن القوى البنيوية شخصية رئيس الوزراء، كذلك تأثير نظام التمثيل النسبي في الانتخابات، والتحالفات السياسية علاوة على برامج الأحزاب وأيدلوجياتها. فيما يندرج تحت العوامل الخارجية تأثير قوى الأمن والعسكر داخل إسرائيل، المستشارون ومراكز الفكر، جماعات المصالح كـ (الحريديم، الصهاينة المتدينيين، الهستدروت)، العلاقة مع الولايات المتحدة، العلاقة مع اليهود في “الشتات”.[46]
يعتبر العسيري النموذج الإسرائيلي من أصعب النماذج في عملية صنع القرارات، وذلك بسبب تنوع العوامل والمتغيرات التي تتعلق بعملية اتخاذ القرارات السياسية.[47] يتفق Freilich مع العسيري والجندي، مدعيًا بأنّ عمليةصنع القرار الإسرائيلي تعاني من عدة مؤثرات سلبية من بينها البيئة الخارجية، والعوامل الهيكلية المحلية، وعلى رأسها التسييس الشديد لعملية صنع القرار النابعة من نظام التمثيل النسبي الانتخابي، وما يترتب عليه من حاجة للحكم من خلال حكومات ائتلافية.[48] بحسب Eiland هناك سببان لضعف إطار صنع القرار في إسرائيل، الأول يتعلق بالهيكل السياسي لإسرائيل، والثاني ناجم عن الغياب الواضح للنظام، فالنظام الانتخابي في إسرائيل والطريقة التي يتم بها تشكيل الحكومات ثم سقوطها يخلق حالة دائمة من عدم اليقين السياسي.[49] وهذا بدوره يؤثر على اتخاذ القرارات. يؤكد محارب على أنّ طبيعة النظام السياسي تفرض نفسها في عملية صناع القرار بالكيان الصهيوني، حيث يتميز النظام بكثرة الأحزاب، فمنذ قيام دولة إسرائيل لم يتمكن أي حزب من تشكيل الحكومة بمفرده وكان الائتلاف بين الأحزاب هي الطريقة السائدة لتشكيل الحكومة.[50]
يتطلب معرفة كيفية تأثير مؤسسات الفكر والرأي على صناعة القرار التعرف على كيفية صنع القرار في إسرائيل. يشير Mryan & Ejazi إلى وجود عدة نماذج لصنع القرار من أبرزها نموذج الفاعل العقلاني Rational Actor Model,، حيث يتم اتخاذ القرارات على أساس منطقي وعقلاني. ونظرية تعدد الاختيارات Poliheuristic Theory، وهي مبنية على الاختيار بين عدة قرارات عقلانية. وأخيرًا نموذج التفكير الجماعي Groupthink،وهي مبنية على مجموعة قرارات صغيرة متجانسة ومتماسكة.[51]
يجادل محارب بهيمنة “النموذج الوظيفي” في عملية صنع القرار بإسرائيل، والذي يتضمن الاعتماد في عملية صنع القرار على مؤسسات الحكم[52]، ويشير محارب إلى حدوث تحول عقب حرب 1973 بعد تفجر خلاف بين المستوى السياسي والعسكري حول المسؤولية عن “الفشل” الاستخباراتي في الحرب، يؤشر لهذا التحول تقرير “لجنة غرانات” التي شُكلت للتحقيق حول هذا الفشل، حيث انتقد التقرير اعتماد الحكومة على مصدر وحيد في المعلومات وتقدير الموقف وهو جهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، وقد أوصت اللجنة بضرورة إصلاح هذا الوضع من خلال إنهاء هذا التفرد.[53]
بحسب محارب ساهمت عوامل أخرى (عدا عن الفشل في 1973) في إحداث تحولات في آلية صنع القرار، من بينها خسارة حزب العمل لانتخابات الكنيست سنة 1977، وصعود حزب الليكود إلى سدة الحكم، مما وضع حدًا لاحتكار حزب العمل تعيين رئيس الأركان وكبار الضباط. علاوة على ذلك أحداث حرب لبنان سنة 1982 وما رافقها من انقسام بالرأي العام الإسرائيلي حول أهداف الحرب. يجادل محارب بأنّ العوامل المذكورة دفعت قادة وباحثين من صلب المؤسستين الأمنية والسياسية إلى طرح موضوع كيفية صنع القرار في الكيان الصهيوني، وضرورة وجود مؤسسة مدنية مستقلة عن الجيش تتولى تقويم الأمن.[54]
يستشهد محارب بالباحثين الإسرائيليين أورن براك وغابي شيفر اللذان يجادلان بأنّ عملية صنع القرار تتم في إسرائيل بواسطة نموذج “الشبكة الأمنية”، وهي شبكة غير رسمية تمتلك نفوذ وتأثير على السياسة والمجتمع والاقتصاد والثقافة والقرارات المهمة، يتعاون أفراد الشبكة فيما بينهم بشكل غير رسمي، حيث يتوزع أفرادها (ومعظمهم ضباط متقاعدين) على المجال السياسي من خلال الانتماء للأحزاب السياسية، وخوض الانتخابات على قوائمها، (يشير الجندي إلى أنّ الضباط الكبار المتقاعدون يشكلون في المتوسط ما يقارب 10% من أعضاء الكنيست).[55] وفي المجال الاقتصادي حيث يشغل العديد منهم مناصب إدارية عليا في الشركات والمؤسسات الاقتصادية وفي مقدمتها شركات الهاي تك، (يؤكد الجندي على ذلك بإشارته إلى أنّ الضباط المتقاعدين يشكلون ثلاثة أرباع المدراء التنفيذيين في مختلف المجالات الاقتصادية(.[56] أمّا في مجال الثقافة والإعلام فيتوزع أفراد هذه الشبكة على وسائل الإعلام كخبراء ومحللين ومراسلين للقنوات والمحطات، وفيما يتعلق بجانب التعليم والأبحاث يترأس أفراد من الشبكة مراكز أبحاث ومعاهد علمية، كمعهد الأمن القومي بجامعة تل أبيب، والمعهد الدولي ضد الإرهاب في المركز المتعدد المجالات بهرتسيليا، وكذلك مركز بيغن- السادات بجامعة بار إيلان.[57]
يتضح لنا مما سبق بأنّ التحول من “النموذج الوظيفي” إلى نموذج “الشبكة الأمنية” ساهم في تعزيز دور مراكز الفكر في عملية صنع القرار، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار بأنّ دور هذه المراكز محكوم بعدة عوامل من بينها نوع المركز ومجال عمله، وهذا ما سنتناوله في السطور اللاحقة.
المبحث الثالث: أنواع مراكز البحث:
يوجد عدة تصنيفات لمراكز الفكر، يوضح لنا تصنيف ونوع المركز مجال ومدى تأثيره، حيث يتم تصنيف مراكز الرأي بناء على عدة معايير من بينها: معيار التوجه السياسي (ليبرالي، اشتراكي)، مجال الاهتمام، التمويل، أساليب العمل، الانتماء (حكومي، غير حكومي، أيدلوجي حزبي).[58] بحسب حسان يوجد عدة أنواع من المراكز ذات التوجه: الصناعي، التكنولوجي، الزراعي، والتربوي، والتي يمكن تقسيمها إلى مراكز متخصصة في حقل علمي واحد كمراكز الطاقة، أو مراكز فكر متنوعة التخصصات كمراكز بحوث التاريخ.[59]
يدعي الباحث الإسرائيلي يحزقيل درور بوجود أنماط مختلفة لمراكز الأبحاث، أولها: أقسام تحليل السياسات policy analysis unit وهي مراكز بحث داخل الوزارات، وثانيها: مؤسسات البحث المتقدمةInstitutions for advance studies والتي تعمل على إنتاج المعرفة الخالصة، وثالثها: مراكز العقول الموثوق بها Brain trust وهي مجموعة صغيرة من الباحثين يقدمون الرأي لأصحاب القرار. وأخيرًا مراكز البحوثThink tanks التي تعمل في أبحاث السياسات وتحليلها وتطويرها.[60] بحسب مصطفى يصلح تقسيم درور قديمًا، أمّا في الوقت المعاصر فلا يشترط تفرغ الباحثين لتكوين مراكز بحث، على الأغلب لا تتبع مراكز الأبحاث حزبًا معينًا وإنما تدافع عن أيدلوجيا تنسجم مع حزب قائم على الساحة.
يصنف (K. Weaver) مراكز الفكر ضمن ثلاثة مجموعات، بناء على عملها وطريقة تجنيد الموارد للقيام بعملها، أولها: مراكز بحثية وهي بمثابة جامعات بدون طلاب، تضم باحثين من المؤسسات الأكاديمية، تمول من القطاع الخاص، وتتميز عن البحث الجامعي بكون أبحاثها تطبيقية ولها علاقة مباشرة بصانع القرار. ثانيها: مؤسسات التعاقد البحثي وفيها باحثين من مؤسسات جامعية يعملون بموجب عقد مع الوزارات أو القطاع الخاص، وبالتالي الجهة الممولة هي التي تحدد الأجندة البحثية. ثالثها: مؤسسات المرافعة (Advocacy tank) والتي تخدم أيدلوجيا أو مجموعة مصالح باحثين أكاديميين ومن خلفيات مهنية مختلفة، له تأثير غير مباشر على التوجهات الأيدلوجية مثل (مركز الاستراتيجية الصهيونية)، الذيينشر أيدلوجيا اليمين الإسرائيلي.[61]
يذهب بدر إلى تصنيف المراكز بحسب مجال اهتمامها، فيقسمها إلى تسعة أقسام، (الأمن/ الأمن والسلام/ التخطيط الاستراتيجي والسياسات عامة/ القضايا الاجتماعية/ الفكر/ الاقتصاد/ التعليم/ التاريخ/ تعزيز التعايش).[62] فيما صنفها حسان وكذلك العسيري إلى أربعة قطاعات (بناء على الانتماء)؛ أولها: القطاع الجامعي (مثال: يافا، ترومان). وثانيها: القطاع الخاص أو المستقل (مثال: فان لير، المركز الإسرائيلي للديمقراطية). وثالثها: القطاع الحكومي (مثال: أقسام ووحدات في الوزارات). ورابعها: مراكز فكر تابعة للأحزاب (والتي تهتم بإجراء استطلاعات رأي).[63][64]. فيما اكتفى الشهواني بتقسيمها إلى ثلاثة أقسام: الحكومية والجامعات والقطاع الخاص.[65] وهنا يجب الانتباه إلى إسقاط بعض الباحثين[66] التصنيف على أساس الانتماء (حكومي، غير حكومي) والخلط بين المراكز الحكومية وغير الحكومية والجامعية.
يمكننا القول بإمكانية تصنيف مراكز البحث والرأي بطريقة أخرى، بناء على مدى تأثيرها على صناع القرار، حيث يمكننا تصنيفها إلى ثلاثة أنواع، أولها: المراكز ذات التأثير المباشر، وتتجسد بشكل أساسي في المراكز التابعة للدولة (كقسم الأبحاث في الكنيست، البنك المركزي) وأقسام البحث في الوزارات والأجهزة الأمنية (وخصوصًا الدفاع والخارجية) وكذلك المراكز التابعة للأحزاب. وثانيها: المراكز ذات التأثير غير المباشر، وهي المراكز التي تهتم بالجانب الفكري والتاريخي والأيدلوجي وقضايا الهوية والتراث (مثال: الحاخام نسيم، تابنيكين، يعاري، إسحق بن تسفي). وثالثها: المراكز التي تجمع بين التأثير المباشر وغير المباشر، حيث تهتم بالقضايا الفكرية وفي الوقت ذاته بقضايا سياساتية (مثال: معهد فان لير).
المبحث الرابع: التمويل:
يستدل البعض على وجود تأثير كبير لمراكز الفكر على صناعة القرار بتخصيص ميزانيات ضخمة لها،[67] فلولا أنّها تلعب دورًا مهمًا لما تم تخصيص هذه الميزانيات. حيث يظهر لنا من خلال تتبع الأرقام المنشورة بواسطة مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي وجود اهتمام من الحكومة الإسرائيلية بالإنفاق على البحث العلمي. فقد بلغ الإنفاق “الوطني” على البحث والتطوير المدني في عام 2020 مبلغ 76.2 مليار شيكل (أي ما يقارب 23 مليار دولار)، وذلك يعادل 5.4٪ من الناتج المحلي الإجمالي. [68]وهي تعتبر النسبة الأعلى بين دول العالم (يليها كوريا بنسبة 4.8%، ثم الصين تايبيه “تايوان” 3.6%، السويد 3.5%، ثم الولايات المتحدة 3.4%)، وذلك بحسب تقرير .OECD [69]
تذهب معظم الميزانيات المخصصة للبحث إلى تمويل الأقسام والمؤسسات البحثية الحكومية. إذ بلغ الإنفاق على البحث والتطوير في المعاهد والمؤسسات والوحدات البحثية الحكومية في عام 2016 حوالي 1,417.4 مليون شيكل، حيث خصص ما يقرب من 2.6٪ من الإنفاق الوطني على البحث والتطوير المدني. 63.9٪ من النفقات كانت في المكاتب الحكومية ومعاهد البحث، و 31.0٪ في المنظمات الخاصة غير الهادفة للربح و 5.1٪ في المنظمات العامة غير الهادفة للربح. تم تمويل 37.1٪ من أنشطة البحث والتطوير في المعاهد من خلال الدعم الحكومي و 23.8٪ من خلال مبيعات الخدمات والعقود والمنح البحثية. وفي السنوات الأخيرة، حدث انخفاض كبير في نسبة الدعم الحكومي للبحث والتطوير (61٪ في عام 2009) وزيادة في الخدمات والعقود والمنح البحثية (17٪ عام 2009). جدير بالذكر أنّ معاهد البحث (في سنة 2016) لديها 1702 تعاون بحثي مع مؤسسات في إسرائيل وخارجها. وقد تم توظيف 2732 شخص بمجال البحث والتطوير في معاهد البحث، منهم 2141 أكاديمي.[70]
خصصت الحكومة الإسرائيلية جزءًا من ميزانية البحث والتطوير لتمويل الجامعات الإسرائيلية، والتي ذهب معظمها لتمويل أبحاث في مجال العلوم الطبيعية، فقد بلغ الإنفاق على الأبحاث الممولة بشكل خاص في الجامعات الإسرائيلية في عام 2019 ما قيمته 2.58 مليار شيكل، وقد بلغ الإنفاق على القوى العاملة – رواتب ومنح دراسية – 1.313 مليار شيكل (50.9٪ من إجمالي الميزانية الخاصة)، وكانت المصروفات الأخرى في الميزانية الخاصة على: المعدات والمواد والخدمات المخبرية – 24.9٪ (643 مليون شيكل) والنفقات العامة والمتنوعة – 22.4٪ (579 مليون شيكل) والتحويلات بين المشاريع – 1.8٪ (47 مليون شيكل). تم جمع 50.4٪ من الميزانيات من قبل باحثين من العلوم الطبيعية والرياضيات، 17.6٪ الهندسة والعمارة، 9.2٪ من العلوم الإنسانية، 8.1٪ من الطب، 7.6٪ من العلوم الاجتماعية، 3.9٪ من الزراعة، 0.9٪ من القانون، و 2.2٪ من دراسة ميدانية غير معروفة. فيما تتصدر الجامعة العبرية بالقدس في التمويل البحثي الحكومي بواقع 22.4٪، يليها جامعة تل أبيب 22.1٪، 14.7٪ معهد وايزمان للعلوم، 13.3٪ التخنيون “معهد إسرائيل للتكنولوجيا”، 10.8٪ جامعة بن غوريون في النقب، 9.0٪ جامعة بار إيلان، 5.0٪ جامعة حيفا و 2.6٪ من جامعة أرييل.[71]
لا يقتصر تخصيص الموازنات للبحث على القطاع الحكومي، وإنما نجد مساهمة في ذلك من القطاع الخاص، الذي يستثمر في المجالات التي يتوقع أن تجلب له عائدًا، فبحسب دائرة الإحصاء الإسرائيلية في سنة 2019 بلغت المصروفات في الشركات العاملة على البحث والتطوير العلمي 82,732 مليون شيكل، ذهب منها للصناعة 21,365 مليون شيكل، والهاي تك 17,612 مليون.[72]
يؤشر توزيع الميزانيات في القطاعات البحثية المختلفة على طبيعة المعرفة التي تسعى السلطة الحاكمة لإنتاجها، فكما نلاحظ من خلال تحليل أرقام دائرة الإحصاء الإسرائيلي، تخصيص الجزء الأكبر من الميزانيات الحكومية لقطاع العلوم الطبيعية، وتخصيص جزء أقل للعلوم الإنسانية والاجتماعية (9.2%+ 7.6%). وهنا يجب أن نشير إلى عدم وجود تمييز في الأدبيات المنشورة بين ميزانيات مراكز الفكر والرأي وميزانيات البحث العلمي في العلوم الطبيعية، إذ يتم إيراد الأرقام المخصصة من الحكومة لتمويل البحث والتطوير على أنها مخصصة جميعًا لمراكز الفكر. علاوة على ذلك يصعب حصر موازنات وتمويل مراكز الرأي، فجزء كبير منها يأتي عبر التبرعات الخارجية (غير المرصودة من دائرة الإحصاء الإسرائيلية)، والتي تصل في بعض المراكز إلى ثلاثة أرباع موازنتها، فعلى سبيل المثال 79% من مصادر تمويل بتسيلم في سنة 2020 كان من دول أجنبية.[73]
المبحث الخامس: تأثير مراكز الفكر والرأي:
يصعب الحكم بتأثير المراكز وذلك بسبب صعوبة القياس والرصد، ويعود ذلك إلى الطبيعة المعقدة لعملية صنع السياسة العامة، التي يشترك فيها فاعلون كثر.[74] أيضاً؛ تتم عملية صنع السياسات واتخاذ القرارات في دوائر مغلقة، وبالتالي ليس من السهل معرفة من هو الأكثر تأثرًا أو من كان لديه تفضيل لاتخاذ قرار معين أو تبني سياسة معينة، وكذلك من الصعب قياس تأثير مراكز الفكر بالنظر إلى طبيعة عملها، حيث يصعب قياس تغيير الأفكار والمعتقدات، كون هذه العملية لا تحدث بين عشية وضحاها، فهي عملية طويلة الأجل قد تستمر لعدة سنوات.[75]
يشير Meyers إلى وجود انقسام بين الباحثين حول مدى تأثير مراكز الرأي، بين من يرى بوجود تأثير محدود لها، ومن يدعي بتأثيرها المباشر على صنع القرار.[76] يفسر عبد الحي سبب هذا الانقسام من خلال تناوله تقييم الباحثين لمدى تأثير مراكز البحث في إسرائيل، منطلقًا من وجود رأيين، أولهما يقول: بتأثيرها المحدود، بسبب طبيعة النظام السياسي البرلماني (الأحزاب تتحكم بالقرار)، والنظام الانتخابي النسبي الذي يضعف فرص انتخاب نخب فكرية، وكذلك وجود مطبخ سياسي (كابينت) يتولى بلورة السياسات، بالإضافة إلى أن الدعم المالي محدود مقارنة بدول أخرى (هذا يخالف ما أشرنا إليه سابقًا في تصدر إسرائيل دول العالم في نسبة الإنفاق على البحث والتطوير)، كما لا يوجد إعفاء ضريبي لمراكز الأبحاث أو للمنح التي تتلقاها، مما يساهم بدفع مراكز الأبحاث المرتبطة بالجامعات باتجاه الإنتاج الأكاديمي أكثر من التطبيقي، علاوة على وجود أقسام للتخطيط في الجيش والوزارات.[77] أمّا الرأي الثاني فيقول: بوجود دور كبير لها في صناعة القرار، بالاستناد على وجود مراكز أبحاث حكومية مرتبطة بالجامعات تتلقى تمويلًا كبيرًا، علاوة على وجود مسؤولين كبار كانوا في مراكز الأبحاث أو بالعكس.[78]
يدعي Brownstein بوجود انحياز قوي ضد التخطيط في صنع القرار بإسرائيل (خصوصًا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية مع استثناءات محتملة للزراعة والدفاع)، وبأنّ إدارة السياسة الخارجية مبنية على مفهوم “إطفاء الحرائق اليومية”، وذلك لعدة أسباب من بينها شعور المسؤولين أنّ إسرائيل واقعة تحت رحمة قوى خارجية. علاوة على عدم وجود إجماع سياسي على بعض المواضيع مثل الموقف من المناطق المحتلة سنة 1967، وأيضًا الاعتماد على التكتيك بدل الاستراتيجية.[79] يضاف إلى ذلك وجود موقف سلبي من بعض المسؤولين تجاه الأكاديميين (البحث العلمي) الذي يتم تصويرهم كأشخاص يعيشون في بروج عاجية، ويفتقرون للخبرة العملية.[80]
تحاج العزب بفشل المؤسسات الفكرية بالتأثير على السياسة بشكل كبير على الرغم من الثقافة الديمقراطية الإسرائيلية، وأهمية المناقشات السياسية، وحقيقة أن لدى إسرائيل، بالنسبة للفرد، نسبة أعلى من مؤسسات الفكر والرأي مقارنة بالولايات المتحدة.[81] فيما يذهب يحزقيل درور بعدم وجود تأثير لمراكز الأبحاث على صانع القرار السياسي في إسرائيل، وهذا ما ينتقده مصطفى عبر الإشارة إلى أنّ إدعاء درور قد يكون صحيحًا إذا نظرنا إلى الفترة الزمنية.[82]
سبق وأشرنا إلى ما طرحه محارب (ويؤكده النعامي)[83]، من حدوث تحول بعد “الفشل” الإسرائيلي في حرب 1973، تمظهر هذا التحول في توصيات “لجنة غرانات” الداعية إلى إشراك مؤسسات غير المؤسسات الحكومية “أمان” في تقدير الموقف. وكذلك حصول تحول من تبني “النموذج الوظيفي” إلى نموذج “الشبكة الأمنية”، والذي يتضمن مشاركة المؤسسات المدنية ومراكز الأبحاث في صناعة القرار. كمؤشر على هذا التحول نجد تأسيس مراكز كمعهد أبحاث الأمن القومي (INSS) (أنشأ بعد حرب اكتوبر 1973)، والذي يهدف (بحسب صفحته التعريفية) إلى المساهمة في الخطاب العام والمناقشة الحكومية للقضايا الاستراتيجية الرئيسية، وتقديم توصيات سياسية لصانعي القرار وقادة الرأي في إسرائيل. حيث يقدم المعهد خدماته لكبار المسؤولين العسكريين والحكوميين والاستراتيجيين المستقلين كجزء من جلسات الإحاطة المغلقة والمحاكاة والاستشارات، كما يجتمع رئيس المعهد بانتظام مع رئيس الوزراء، والرئيس، ووزير الدفاع، ورئيس الأركان وآخرين. وهو مصدر رئيسي للمعرفة للمنظمات السياسية اليهودية في جميع أنحاء العالم، ويساعد في تشكيل الرأي العام الدولي تجاه إسرائيل، مما له أثر على صانعي القرار.[84]
تجادل هذه الورقة بوجود تأثير للمراكز يترواح بين التأثير المباشر وغير المباشر مع الأخذ بعين الاعتبار وجود مراكز رأي تجمع ما بين التأثير المباشر وغير المباشر، وفيما يلي التفاصيل:
المطلب الأول: التأثير المباشر:
يَصعُب رصد التأثير المباشر لمراكز الأبحاث والرأي على صناعة القرار للأسباب التي سبق ذكرها، إلا أنه يمكننا رصد تأثير مباشر في عدة مجالات من أبرزها: المفاوضات والحل السياسي، “التعايش”، التطبيع، الرقابة الشرطية، مشاريع القوانين، السياسات الاقتصادية، إحكام السيطرة على القدس، التخطيط. وفيما يلي التفاصيل:
1) المفاوضات والحل السياسي:
يتجسد التأثير المباشر في المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين والحل السياسي المرتبط بعملية السلام التي انتهت بتوقيع اتفاق أوسلو، حيث صرح عضو الكنيست يوسي بيلين في سنة 1998 أنه “بدون الشروط التي أوجدتها هذه المنظمات (مراكز البحث)، لم نكن لنحقق اتفاقيات أوسلو والتفاهمات حول اتفاقية دائمة”.[85]
بدأ كل شيء بلقاء بين كارييه راد-لارسون (تيري رود لارسن) مدير معهد الأبحاث النرويجي “فافو” ويوسي بيلين كرئيس لمجلس إدارة معهد الأبحاث الإسرائيلي أي.سي. أف. (الذي تم تأسيسه بواسطة حزب العمل استعدادًا لعصر السلام)، بادر لارسن في الاجتماع بطرح إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، في نهاية الاجتماع أوصله بيلين بالأستاذ الجامعي والمستشرق في جامعة حيفا يئير هيرشفيلد، لمزيد من البحث حول الموضوع.[86] أثمرت وساطة لارسن عن عقد لقاء بين هيرشفيلد وأحمد قريع “أبو علاء” (أحد مهندسي اتفاق أوسلو)، وقد دار اللقاء الأول بينهما على أرضية مناقشة ورقة بحثية بعنوان “عوائد السلام في الشرق الأوسط” كان قد قدمها قريع للمفوضية الأوروبية، ووصلت إلى الأميركيين والإسرائيليين وقتئذ، وكان هذا اللقاء الأول بين هيرشفيلد وقريع والممهد لما عرف فيما بعد بمفاوضات أوسلو.[87]
لا يقتصر دور المراكز على المساهمة في التوصل إلى اتفاقيات “سلام” وإنما يتعداه إلى توفير حلول وبدائل تتعلق بمستقبل العلاقة مع الفلسطينيين. إذ شكلت الأفكار التي قدمها “ارنون سافير” من جامعة حيفا في مؤتمر هرتسيليا الأول سنة 2000، حول المعضلة الديموغرافية، الأرضية للانسحاب (الانفصال) أحادي الجانب عن قطاع غزة فيما بعد.[88] ولذلك يعتبر شافير الأب الروحي لخطة الانفصال فقد اعتمد شارون على أفكاره لتنفيذ الخطة.[89] علاوة على ذلك تبنى مؤتمر هرتسيليا سنة 2001 (وكذلك سنة 2008) اقتراحًا يقضي بتبادل الأراضي ضمن المفاوضات مع الفلسطينيين.[90] تلقف رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت هذا المقترح وطرحه في مفاوضاته مع الرئيس محمود عباس سنة 2008.[91]
يمكننا الاستشهاد بمفهوم “تقليص الصراع” كمثال إضافي على توفير حلول وبدائل، روج لهذا المفهوم الباحث الإسرائيلي ميخا غودمان في كتابه المعنون: “مصيدة 67” الصادر بالعبرية سنة 2017، تبع ذلك إصداره مقالة في مجلة ليبرال العبرية سنة 2019 بعنوان: “ثماني خطوات لتقليص الصراع”. حيث أعلن نفتالي بينيت بعد توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية سنة 2021 عن تبنيه لهذا المفهوم في تعامله مع الفلسطينيين.[92] يتضمن مفهوم تقليص الصراع خطة مكونة من ثماني خطوات، اعتمد غودمان في وضعها على دراسات صادرة عن مراكز وأقسام أبحاث، كمعهد دراسات الأمن القومي، وقسم التخطيط بالجيش الإسرائيلي، وكذلك ورقة مقدمة من منظمة “قادة لأمن إسرائيل”.[93]
يوجد مثال إضافي لتأثير مراكز البحث في مجالات المفاوضات، حيث يدعي غرشون باسكين (مدير المركز الفلسطيني الإسرائيلي للبحوث والمعلومات) بمشاركة المركز (كقناة خلفية) في مفاوضات مع حركة حماس من أجل إطلاق سراح الجندي الأسير جلعاد شاليت، وذلك عبر التواصل مع غازي حمد أحد قيادات حماس في قطاع غزة.[94]
2) “التعايش”:
تهدف بعض المراكز إلى تعزيز ثقافة “التعايش” بين الفلسطينيين والإسرائيليين كمركز بيرس للسلام، الذي وضع ضمن أهدافه “تعزيز ازدهار دولة إسرائيل وتمهيد الطريق لحياة مشتركة وسلام دائم بين جميع مواطنيها، وبينها وبين جاراتها”.[95] كذلك “المركز اليهودي العربي للسلام” في جفعات حبيبة الذي ينظم اجتماعات بين الطلاب (الفلسطينيين والإسرائيليين) في المدارس الثانوية، بهدف “تغيير الصور النمطية الذهنية مقابل دعم الحوار الثقافي”. كما يقدم المعهد تدريبًا للمعلمين حول “المساواة والتعددية والمواطنة الفعالة”.[96]
يبرز معهد هاري ترومان التابع للجامعة العبرية في مجال العمل من أجل “التعايش” السلمي، بالإضافة إلى نشر الأبحاث يقوم المعهد بتخصيص منح دراسية للباحثين المحليين والدوليين، لمرحلة ما بعد الدكتوراه والدكتوراه وكذلك طلاب الماجستير، من أبرز مشاريعه ما أسماه “مشروع صور باهر” بالتعاون مع بلدية القدس بهدف “تعزيز” الحالة المجتمعية والاجتماعية للمجتمعات العربية في المدينة، يقوم المشروع على العمل المجتمعي المكثف في مناطق كصور باهر بالقدس، من طلاب الخدمة الاجتماعية في الجامعة العبرية الناطقين باللغة العربية، ويعالج مشاكل مثل: التسرب من المدرسة، والخلل الأسري، والزواج المبكر، والعنف داخل الأسرة. يضاف إلى مشاريع المعهد مشروع تدريس اللغة العربية والثقافة، الذي أطلقه بهدف النهوض بالسلام من خلال تعريف طلبة الجامعة العبرية على الثقافة العربية، حيث يقوم الطلاب العرب في قسم الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية بتعليم الطلاب اليهود باللغة العربية، جوهر المشروع ليس فقط ممارسة اللغة العربية ولكن أيضًا بناء جسور التفاهم والثقة والصداقة بين الطلاب اليهود وزملائهم الطلاب العرب. أيضًا من أعمال المعهد إقامة مدرسة بين الأديان، حيث يلتقي الطلاب اليهود والمسلمون والمسيحيون ويدرسون معًا مقاطع من الكتاب المقدس والقرآن والتوراة، ويناقشون السلام والوحدة في هذه النصوص ثم يربطونها بالحياة اليومية.[97]
يندرج تحت المراكز الداعية للـ “تعايش” مراكز تهتم بتعزيز فرص نموذج حل الدولتين كمركز بيرس للسلام (الذي سبق ذكره)، وكذلك المركز الإسرائيلي-الفلسطيني للأبحاث والمعلومات.[98] وفي نفس السياق يمكننا الإشارة إلى مراكز بحث ومؤسسات حقوقية (مثل مركز بتسيلم) يصدر تقارير وأبحاث تستخدم فيها حقوق الإنسان كمدخل، وتحث على التعايش والتعاون الاقتصادي، وتحرص فيها على عدم خرق إسرائيل للقانون الدولي، حتى لا يتم نزع الشرعية الدولية عنها ووصمها بصفة دولة فصل عنصري (أبارتهيد).[99]
3) التطبيع:
قامت عدة مراكز بعقد نشاطات هدفها تعزيز التطبيع مع الدول العربية، وفي مقدمتها مركز بيرس للسلام الذي حرص على استضافة العديد من المطبعين العرب، وإشراكهم بمحاضرات وندوات عن أهمية التطبيع وبناء علاقات سلام. وهنالك من المراكز من يذهب إلى أبعد من ذلك ويضع ضمن أجندته العمل على إقامة تحالفات مع دول الجوار كالمركز الإسرائيلي للدراسات العسكرية في زخرون يعقوب.[100] في هذا السياق، تقدم بعضها (كمثال: ميتفيم) توصيات لوزارة الخارجية حول الإمكانيات المتاحة لإقامة علاقات مع الدول العربية، بالتوازي مع المشاركة بجلسات إحاطة لأعضاء الكنيست ومختلف الوزارات الحكومية حول الشؤون الخارجية.[101]
برز المركز الأكاديمي في القاهرة المتفرع عن المجمع الإسرائيلي الوطني للعلوم والآداب في جهوده لتعزيز التطبيع، إذا أنّ المركز يعرّف مهمته الرئيسية بتقوية الروابط بين الجامعات في مصر وتلك الموجودة في إسرائيل والباحثين من البلدين، الحاصلين على منح دراسية لزيارة مصر وإسرائيل، ومساعدتهم في الحصول على مواد مكتبية وأرشيفات حول موضوعات بحثهم وتعزيز البحث المشترك.[102]
لم تكتف بعض المراكز بتقديم توصيات تعزز التطبيع بل اتجهت نحو ممارسة دور مباشر في الاتصال مع دول عربية لا تقيم علاقات مع إسرائيل، كالاتصالات بين مركز أبحاث سعودي يترأسه أنور العشقي (سفير السعودية السابق في الولايات المتحدة) ومعهد القدس لبحث السياسات الذي يترأسه دوري جولد (مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية)، بهدف تطبيع العلاقات بين الدولتين، وبناء تحالف ضد إيران.[103] يضاف إلى ذلك مساهمة مؤتمر هرتسيليا في التطبيع، والذي حضر فعالياته وزراء وسفراء وشخصيات عامة من الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية وسوريا وقطر.[104] أيضًا ما قام به معهد الدراسات الآسيوية والإفريقية في نتانيا، من خلال تسهيل تدريس الطلبة الأفارقة بإسرائيل، بهدف كسب تعاطف 25 ألف طالب أفريقي درسوا في إسرائيل.[105]
4) الرقابة الشرطية:
تمارس بعض المراكز البحثية ما أسماه مصطفى بدور الشرطة المعرفية، فعلى سبيل المثال؛ تقوم حركة إم ترتسو “إذا أردتم” (المتفرعة عن مركز الاستراتيجية الصهيونية)، بملاحقة التوجهات غير الصهيونية في الجامعات الإسرائيلية، وخصوصًا في كليات العلوم الإنسانية.[106] وذلك من خلال تتبع الإصدارات والنشاطات الأكاديمية للأساتذة الجامعيين، والتشهير بأي نشاط ينتقد ممارسات الاحتلال الصهيوني.
يبرز لدينا في تتبعنا لتأثير المراكز في مجال الرقابة الشرطية دور معهد مراقبة وسائل الإعلام الفلسطينية، الذي يهتم بدراسة المجتمع الفلسطيني من خلال نظام الإعلام والثقافة والتعليم التابع للسلطة الفلسطينية، عرض المركز تقاريره في الكنيست الإسرائيلي عدة مرات، كما شارك في مداولات “لجنة الخارجية والأمن” حول موضوع رواتب الأسرى بتاريخ 15/2/2018، وعقب تقرير للمركز سحبت النرويج تمويلها لمركز نسوي فلسطيني تم تسميته على اسم الفدائية “دلال المغربي”، بذريعة أن هذه التسمية تمجيد لـ “الإرهاب” وتشجيع له وذلك بتاريخ (28/5/2017). كما استخدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تقرير المركز للاستدلال على وجود توجهات عنفية لدى المشاركين في رحلة السفينة مرمرة التي تهدف لكسر الحصار عن قطاع غزة، وتم اقتحامها على يد الإسرائيليين (2/6/2010). كما استخدم نتنياهو تقارير المركز للاستشهاد بوجود مؤسسات في السلطة تشجع “الإرهابيين” (10/1/2010). وقد عرضت تقارير المركز في الكونغرس الأميركي بتاريخ 25/5/2017، وقد ساهمت تقاريره باتخاذ قرار في الكونغرس بتجميد مبلغ 150 مليون دولار كان يتم منحها للسلطة، بذريعة أن السلطة تدعم الإرهابيين (الأسرى) وعوائل الشهداء (1/3/2008). علاوة على تسبب المركز بضجة إعلامية في بريطانيا، بعدما نشر المركز تقريرًا عن استخدام السلطة أموال المساعدات البريطانية لدعم نشاطات “إرهابية”.[107]
كمثال إضافي على ممارسة الدور الشرطي، وجّه كل من إيتمار مركوس (مدير معهد أبحاث “نظرة على الإعلام الفلسطيني”)، وموريس هيرش (رئيس الدائرة القانونية بالمعهد)، رسالة تحذير مباشرة إلى البنوك الفلسطينية عبر رسائل SMS من أجل تطبيق قرار قوات الاحتلال، المتعلق برواتب الأسرى الفلسطينيين[108]، وجاء في نص الرسالة: “في حال استمرارك في الاحتفاظ بحسابات الإرهابيين المسجونين (الأسرى) في البنك الخاص بك، فإنك ستجعل نفسك شخصيًا، وموظفي البنك الآخرين، شركاء في الجريمة”، وأضافت الرسالة أنه في حال تواجدت حسابات للأسرى في البنوك، سواء باسمهم أو باسم مستفيد مفوض من قبلهم، فيتوجب على البنك تجميد الحسابات وتحويل الأموال الموجودة فيها إلى قائد جيش الاحتلال في المنطقة”.[109]
5) مشاريع القوانين:
ساهمت بعض مراكز الأبحاث في بلورة مشاريع قوانين عرضت في الكنيست، تحول بعضها إلى قوانين معتمدة، فقدقاد “معهد الاستراتيجية الصهيونية” الجهود لسن قانون القومية اليهودي في الكنيست، والتقطت الأحزاب اليمينية الفكرة ليتحول إلى قانون صوّت عليه الكنيست.[110] وفي مثال إضافي؛ ساهم المعهد الإسرائيلي للديمقراطية من خلال تحركاته السريعة في إنشاء مركز الكنيست للأبحاث والمعلومات، وقد أعد اقتراحًا أوليًا للدستور، كما شرع في حملة ناجحة لإلغاء نظام التصويت الثنائي[111]. علاوة على صياغة أول مشروع شامل لحل الخلاف بين الدين والدولة في إسرائيل، وطرح مبادرة لإنشاء المجلس الاقتصادي الإسرائيلي، وكذلك حث رئيس الوزراء على إنشاء هيئة خاصة لشؤون الأقليات تابعة لمكتبه، ناهيك عن تأييد إصدار سلسلة من القوانين لتعزيز الأمن القومي ومكافحة الفساد والدفاع عن حقوق الإنسان.[112]
6) السياسات الاقتصادية:
يبرز لدينا دور “المركز الإسرائيلي للتطوير الاقتصادي والاجتماعي (ICSEP)”
في تأثيره على القرارات الاقتصادية لحكومات اليمين الإسرائيلي، فبحسب صفحته كان له تأثير باتجاه زيادة تبني السياسات الاقتصادية الليبرالية والسوق الحر والتخلص من ميراث الفكر الاقتصادي الاشتراكي، وقد مدحه نتنياهو بقوله: “لسنوات عديدة ساهم (ICSEP) في توفير الأرضية الفكرية للإصلاحات الاقتصادية للأمة،…، نحن بحاجة إلى تغيير نحو أسواق أكثر حرية، ما يفعله ICSEP هو أداء هذا الدور كمحفز للتغيير، أعتقد أنه لا يمكن الاستغناء عنه”. فقد عمل ICSEP بمثابة حافز رئيسي للإصلاحات في الاقتصاد الإسرائيلي، بما في ذلك: إلغاء احتكار السوق المالية؛ قيادة حملة الخصخصة، إصلاح القطاع المصرفي والإصلاح الضريبي، تحرير مساحات كبيرة من الأراضي المملوكة للحكومة، تفكيك احتكارات مواد البناء، الدفع باتجاه خصخصة الخدمات البلدية.[113]
7) إحكام السيطرة على القدس:
تلعب بعض المراكز دورًا في تزويد سلطة الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي بأدوات تعزز من سيطرتها على القدس والتحكم بسكانها من الفلسطينيين، فعلى سبيل المثال؛تم اختيار معهد القدس لبحوث السياسات من قبل حكومة إسرائيل للمشاركة في خطة اليوبيل الحكومية للـ “تنمية” الاقتصادية للقدس، من خلال توفير قاعدة بحثية لأبحاث التكوين والتقييم لتنفيذ الاقتراح، وهذه عملية مدتها خمس سنوات بميزانية 850 مليون شيكل. تم ذلك بعد تنفيذ مشروع بحثي قام به المركز يتعلق بالإمكانات الاقتصادية، والمزايا الحضرية، والأدوات الملموسة لتعزيز القدس كمدينة حكومية نشطة وناجحة، حيث تم تبني توصيات المركز من قبل سلطة تطوير القدس (JDA). كما ساهم المركز بإصدار قرار حكومي رقم 3790 المتعلق باستثمار أكثر من 2 مليار شيكل في “التنمية الاقتصادية” للقدس الشرقية، وعقب قرار الحكومة تم اختيار المعهد من قبل وزارة القدس لإجراء التقييم والبحوث الاستراتيجية التي تشتد الحاجة إليها بالتزامن مع تنفيذ القرار، وقد وضع المركز دراسة حول زيادة نسبة النساء العربيات المشاركات في القوى العاملة في القدس (22٪) إلى نسبة مشاركة المرأة العربية في إسرائيل (35٪)، وذلك بهدف زيادة “نمو” اقتصاد القدس بمقدار 457 مليون شيكل سنويًا، وقد تم تنفيذ نتائج هذه الدراسة بقرار حكومي رقم 3790. بالإضافة إلى ما سبق؛ ساهم المركز باتخاذ قرار حكومي يتعلق ب”ترتيبات” الأراضي في القدس الشرقية من خلال إيجاد تسوية للأراضي، فمن خلال تواصل المركز مع المهنيين وصناع القرار المعنيين، تم تكليف وزارة العدل بإجراء تسجيل 50٪ من أراضي القدس الشرقية بحلول نهاية عام 2021، و 100 ٪ من تسجيل الأراضي في القدس الشرقية مع نهاية عام 2025.[114]
8) التخطيط والسياسة العامة:
ساهمت بعض المراكز في وضع خطط وبلورة السياسات في عدة مجالات من بينها: الأمن، معاداة السامية، المقاطعة BDS، وفيما يلي التفاصيل:
أ) الأمن:
ساهمت مقترحات وتوصيات بعض مراكز الرأي في تعزيز المنظومة الأمنية الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال؛ ولمواجهة ظاهرة الاسستشهاديين قام مركز يافا بإعداد دراسة حول ذلك، من خلال إجراء مقابلات (مع استشهاديين تم اعتقالهم قبل التنفيذ)، وبواسطة دراسة وصايا وتسجيلات مجموعة من الاستشهاديين، قدم المركز عدة توصيات لمواجهة ظاهرة الاستشهاديين من خلال تحليل دوافعهم، ومن ثم العمل على جانب الوعي للأشخاص والبيئة الحاضنة “المحرضة” (المسجد، المدرسة، الإعلام)، من أجل مجابهة هذه الظاهرة. كما اقترح تقديم تسهيلات حياتية وتقليل الاحتكاك (على سبيل المثال تقليل الحواجز العسكرية)، ومحاولة الوصول لحل سياسي، وأيضًا قطع الدعم المالي عن أهالي الاستشهاديين.[115]
في مثال إضافي، أوصى مركز بيغن-السادات الحكومة الإسرائيلية عقب حرب (2014) على قطاع غزة بتحسين نظام القبة الحديدية، من حيث تصحيح نظام الدفاع ومواجهة التهديدات المحتملة بقذائف الهاون. علاوة على ذلك قام بحث الجيش على الاهتمام بمواجهة قدرات المقاومة الفلسطينية فيما يتعلق بالأنفاق، من خلال تطوير تكنولوجيا تحدد أماكن الأنفاق ليتم تدميرها.[116]
ب) معاداة السامية:
تتوافق توصيات معهد السياسات العامة المتعلقة بمواجهة ظاهرة “معاداة السامية” مع قرارات الحكومة فيما يتعلق بقضايا الهوية اليهودية والمحافظة على التراث والتعليم، ومن خلال تطوير متحف “الشتات”[117] اليهودي، واستضافة زيارات يهود “الدياسبورا”، بالإضافة إلى إنشاء كرسي أستاذية في جامعات غربية من أجل نشر الهوية والثقافة اليهودية، وكذلك الأخذ بتوصيات المعهد بشن حملة إعلامية مضادة من خلال إنشاء فرع جديد في الدعاية الصهيونية يدعي “الإعلام الجديد” يهتم بوسائل التواصل الاجتماعي.[118]
ج) مواجهة حركة المقاطعة BDS:
أوصى معهد السياسات العامة بمواجهة المقاطعة من خلال توسيع وإنشاء علاقات تجارية وزيادة التعاون الاقتصادي مع الدول بهدف مواجهة حملة المقاطعة بي دي إس.[119]وهذا بالفعل ما قامت به الحكومة الإسرائيلية بالتوجه نحو دول أخرى غير أوروبية (كالصين)، فدول أوروبا تهتم بحقوق الإنسان، ولا تحظر نشاط حركة المقاطعة. وفي نفس السياق أقام مركز الأرض والإنسان سلسلة من المحاضرات في جامعة بار إيلان تتناول التهديد الذي تشكله المقاطعة الاقتصادية (BDS)، وطرق التعامل معها،[120] وقد أخذت الحكومة الإسرائيلية فيما بعد بجزء كبير من مقترحات المؤتمر.
أيضًا وبهدف كسر المقاطعة الأكاديمية، سعت بعض الجامعات ومراكز الأبحاث إلى عقد مؤتمرات علمية دولية في إسرائيل، وذلك بهدف تشجيع طلاب جامعيين وباحثين مرموقين لكسر المقاطعة الأكاديمية،[121] فقد تم عقد مؤتمر علمي دولي في الجامعة العبرية في أغسطس 2015 شارك فيه باحثين من 70 دولة ووصل عددهم إلى 400 باحث من ضمنهم 15 حاصلين على جائزة نوبل.
المطلب الثاني: التأثير غير المباشر:
يمكننا القول بوجود تأثير غير مباشر لمراكز الرأي في عدة مجالات من أبرزها: توفير رأسمال بشري، الترويج الأيدلوجي، البروباغندا[122]والدعاية، الاستشراق والغزو الفكري، توفير قاعدة معلومات، وفيما يلي التفاصيل:
1) توفير رأسمال بشري:ٍ
تهدف بعض مراكز الأبحاث إلى توفير كوادر بشرية وقيادات شابة مدربة على التحليل وتقدير المواقف والتفكير ببدائل سياساتية، وهذا بدوره يؤثر على صناعة القرار، إذ أنّ هذه الكوادر ستدير مستقبلًا مواقع مهمة، وستكون قراراتها متأثرة بطرح مراكز الأبحاث التي كانوا ينتمون لها. على سبيل المثال؛ يذكر الموقع الإلكتروني لمعهد دراسات الأمن القومي أن عددًا كبيرًا من باحثي المعهد يشغلون مناصب في الدولة أو تم تكليفهم بمهام رسمية، كأودي ديكل الذي ترأس الفريق الإسرائيلي في المفاوضات مع الفلسطينيين في محادثات أنابوليس في عهد أولمرت، وكذلك شلومو بروم الذي يشغل منصب نائب مستشار الأمن القومي لرئيس الوزراء، كما تولى مئير إلران منصب مساعد رئيس لجنة التحقيق في فينوغراد بعد الحرب على لبنان عام 2006، ويعمل عوديد عيران كمستشار في الكنيست.[123] كمثال إضافي نجد جيدي غرينشتاين (مؤسس معهد رئوت)، وفي الفترة ما بين 1999 إلى 2001 الذي شغل منصب سكرتير فريق التفاوض مع الفلسطينيين.[124]
2) الترويج الأيدلوجي:
تستخدم الأحزاب السياسية (يسار ويمين) مراكز الأبحاث للترويج لأيدلوجياتها وبرامجها السياسية، فصبغ أي سياسة أو توجه بصبغة “علمية” يكسبها تأييد شرائح واسعة من المجتمع الإسرائيلي. يضاف إلى ذلك استخدام التعليم والمناهج كأداة للترويج لهذه الأيدلوجيات، فعلى سبيل المثال يقوم مركز الاستراتيجية الصهيونية بنشر أيدلوجيا اليمين الإسرائيلي.[125] وقد مارس عدة نشاطات في عهد حكومة نتنياهو (2009-2013) بهدف نشر الأفكار الصهيونية القومية.[126] وبحسب الصفحة الرسمية للمعهد فقد حقق العديد من الإنجازات في مجال الدين والدولة في إسرائيل، وصمم برامج تعليمية في المدارس الحكومية.[127]وكذلك الأمر معهد دراسات الأمن القومي (جامعة حيفا) الذي يحمل أيدلوجيا يمينية، ويقوم بالتأثير غير المباشر من خلال إقامة مسارات تعليمية استكمالية في مجال الأمن القومي، يشارك فيها ضباط في الجيش الإسرائيلي، بالإضافة إلى إقامة أيام دراسية يشارك فيها الضباط.[128]
في نفس السياق يعملمركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية، ذو التوجه اليميني الاستشراقي، على الترويج لأيدلوجيا اليمين.[129] وكذلك “مركز أرييل” لأبحاث السياسات في مستوطنة “شعريه تكفا” الذي يروج لليمين الإستيطاني.[130]وأيضًا مركز شاليم الذي اعترفت به الحكومة كمعهد أكاديمي، ويمنح درجة البكالوريوس في العلوم الإنسانية، والذي وضع ضمن أهدافه إنتاج نخبة فكرية يمينية.[131]بالإضافة إلى معهد أبراهام هارمان لدراسة اليهودية المعاصرة الذيشارك في وضع المنهج الدراسي لليهودية المعاصرة، ووضع منهج دراسي لطلبة الماجستير والدكتوراه والبكالوريوس في الدراسات اليهودية المعاصرة، والمحرقة، والإبادة الجماعية في القرن الـ 20، كجزء من قسم تاريخ إسرائيل واليهودية المعاصرة.[132]
في المقابل نجد مركز مولاد المقرب من اليسار، والذي ساهمت أبحاثه المتعلقة بالرأي العام بتغيير الاستراتيجية السياسية لأحزاب الوسط واليسار، خصوصًا فيما يتعلق بوجود ثمن للاستيطان، ومن خلال تشجيع نموذج حل الدولتين.[133] وفي السياق ذاته مكنت مساهمات مجموعة من الباحثين العاملين في معهد فان لير من التنفيذ الناجح للإصلاحات وإدخال الأساليب الحديثة في مجالات التعليم الرسمي وغير الرسمي.[134]
3) البروباغندا والدعاية:
تمارس بعض المراكز دورًا في الدعاية الموجهة والترويج للرواية الصهيونية، فعلى سبيل المثال قام رئيس الوزراء الإسرائيلي دافيد بن غوريون، بتأسيس معهد شيلواح[135] سنة 1959 بهدف مجابهة الرواية العربية حول التهجير القسري للسكان الفلسطينيين سنة 1948، ومحاولة الترويج لهروبهم.[136]
أيضاً، تم استخدام بعض المراكز كأداة للإعلان والترويج لبعض الخطط السياسية، كإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي آرئيل شارون عن خطة الانفصال (الانسحاب من قطاع غزة) في مؤتمر معهد الدراسات الاستراتيجية- المركز المتعدد المجالات (هرتسيليا) سنة 2003.[137] وإعلان نتنياهو في مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية، التابع لجامعة بار إيلان لإلقاء خطابه المعروف بخطاب بار إيلان 2009 (الذي يقر فيه ضمنا بنموذج حل الدولتين)، ثم تراجع عنه في خطاب آخر ألقاه في بار إيلان سنة 2012.[138]
4) الاستشراق والغزو الفكري:
بحسب خطاب تهدف بعض المراكز إلى التمهيد للغزو الفكري للدول العربية، ومحاولة دراسة مكامن ضعفها وقوتها، فنجد دراسات عن مخاطر امتلاك مصر سلاح نووي، ودراسات حول تنامي قدرة العراق العسكرية. علاوة على دراسات تتعلق بالتركيبة العرقية والإثنية في الدول العربية، وحرب المياه المتوقعة في الشرق الأوسط.[139]
تهتم بعض المراكز بدراسة الأوضاع في الدول العربية، بل إن هنالك مراكز تهتم بدراسة الشرق الأوسط ككل، مثل مركز حاييم هرتسوغ لدراسة الشرق الأوسط والدبلوماسية والتابع لجامعة بن غوريون، وهو مركز مختص بالدراسات والأبحاث الشرق أوسطية في الماضي والحاضر، ويقدم منح بحثية للطلاب.[140] يغلب على هذه المراكز التوجهات الاستشراقية، علاوة على مشاركة بعضها في سرقة تراث الدول العربية، كما فعل معهد تراث بابل، الذي قام بتهريب المخطوطات العبرية والآثار من العراق.[141]
5) توفير قاعدة معلومات:
تلعب مراكز البحث التابعة للدولة (كدائرة الإحصاء وقسم الأبحاث في الكنيست)، وأقسام التخطيط في الوزارات، دورًا أساسيًا في توفير قاعدة معلومات لصناع القرار، بل إن بعضها يحتكر هذه المعلومات بذريعة خطورتها الأمنية (مثال: جهاز أمان)، بالرغم من ذلك نلمس توفير بعض مراكز الأبحاث تقارير استراتيجية وقاعدة معلومات لصانع القرار، كمؤشر المناعة القومية السنوي الصادر عن مركز هرتسيليا متعدد المجالات. وكذلك تقارير معهد القدس التي تشكل قاعدة معرفية للعديد من الخطط الحكومية المتعلقة بالقدس مثل: المخطط التفصيلي لمنطقة القدس – الوضع القانوني، وخطة مكتب رئيس الوزراء لتآكل المنحدرات الساحلية “المدينة الأكاديمية”، وكذلك الخطة الرئيسية للبنية التحتية والسلامة على الطرق للمواصلات في القدس، ومشروع المباني الخضراء التابع لوزارة حماية البيئة.[142]
الخلاصة والاستنتاجات:
ساهم التحول في شكل النظام السياسي من الأنظمة الملكية إلى الأنظمة الديمقراطية بزيادة الاهتمام بإنشاء مراكز البحث والفكر والرأي، إذ أنّ الأنظمة الملكية تستند على نظرية الحق الإلهي في الحكم، وبالتالي تنتفي إمكانية مناقشة وتقييم قرارات الحاكم الذي يدعي بأنّه يملك تفويضًا ربانيًا بالحكم واتخاذ القرار، بينما بنيت الأنظمة الديمقراطية على فكرة التشارك باتخاذ القرارات، سواء بشكل مباشر عبر الاستفتاءات، أو بشكل غير مباشر من خلال الديمقراطية النسبية التي ينتخب فيها الأفراد من يمثل تطلعاتهم، ويعمل على تنفيذها.
يمكننا الاستنتاج بأنّ التحول نحو تعزيز مكانة مراكز البحث في الغرب ومن ثم في جزء من دول العالم، ناتج عن التغير الابستمولوجي الذي شهده العالم الغربي، وتحول من تبني الوحي كمصدر أساسي من مصادر المعرفة، نحو الاستناد على العقل والعقلانية، مما ساهم في تعزيز اتخاذ القرارات على أسس عقلانية وبعد دراسة وبحث وتمحيص.
ساهم الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي في حرب 1973 بالتحول من “النموذج الوظيفي” إلى نموذج “الشبكة الأمنية”، وزيادة الاعتماد على مراكز الأبحاث في عملية صنع القرار، إلا أنّ “صدمة” 1973 وغيرها من العوامل لم تتسبب بمأسسة دور مراكز الرأي في صنع القرار، وبقي دور هذه المراكز مرتبطٌ برغبة الحكام وصناع القرار، فلا يوجد في النظام السياسي الإسرائيلي ما يلزم صانع القرار بالاستماع إلى تقديرات المؤسسات البحثية، ولا زالت التوازنات الحزبية والاعتبارات الانتخابية تلعب دورًا أساسيًا في عملية صنع القرارات داخل الكيان الصهيوني.
يتأثر صانع القرار بتقديرات وتقارير مراكز الرأي والفكر، التي يتحكم في مدى تأثيرها عدة عوامل تتعلق بتخصصها واهتماماتها ونوعها، وانتمائها، ومؤهلات القائمين عليها، علاوة على الميزانيات المخصصة لها، والجهات الممولة للبحث والتطوير، فمن يتحكم بالتمويل يحدد الأجندة البحثية، وبالتالي يتحكم بشكل المنتج المعرفي (في تجسيد لعلاقة السلطة بالمعرفة)، وهذا يقود للتحكم في ماهية وكيفية تأثير مراكز الرأي.
يصعب الجزم بمدى وماهية تأثير مراكز الرأي على صناعة الرأي وذلك لتعقيد عملية صنع القرار في الكيان الصهيوني وتعدد اللاعبين والمؤثرين، لكن يمكننا الادعاء بوجود تأثير مباشر وغير مباشر لمراكز الرأي. حيث رصدت الدراسة سبعة مجالات (تساهم في عملية إدارة السكان “البيوسلطة”) تؤثر فيها المراكز وهي: المفاوضات والحل السياسي، “التعايش”، التطبيع، الرقابة الشرطية، مشاريع القوانين، السياسات الاقتصادية، إحكام السيطرة على القدس، السياسات والخطط. فيما رصدت خمسة مجالات تؤثر بشكل غير مباشر، وهي: توفير رأسمال بشري، الترويج الأيدلوجي، البروباغندا والدعاية، الاستشراق والغزو الفكري، توفير قاعدة معلومات.
يمكننا الاستنتاج بأنّ مجالات التأثير المباشر وغير المباشر لمراكز الأبحاث تتوزع على عدة قطاعات، من بينها السياسي كالمساهمة في المفاوضات واقتراح الحلول السياسية للصراع، والقانوني باقتراح مشاريع القوانين، والأمني سواء باقتراح الخطط والسياسات أو الرقابة الشرطية، والاجتماعي الذي نجده في العمل على موضوع “التعايش”، والاقتصادي من خلال اقتراح سياسات اقتصادية، والثقافي الأيدلوجي من خلال الترويج والبروباغندا، عدا عن الجانب البيروقراطي الذي يتمثل بتوفير رأسمال بشري ومحاولة توفير قاعدة معلومات تفيد بالتخطيط.
[1] Richard N. Haass, Think Tanks and U.S. Foreign Policy: A Policy-Maker’s Perspective, US Department of State, (2002, Nov. 1). https://bit.ly/3n6KMua
[2] Yoel Guzansky and Gallia Lindenstrauss, Foreign Policy Think Tanks and Decision Making Processes, Strategic Assessment, Volume 20, No. 2, July 2017, p: 127.
[3] لا يتم التمييز في هذا الورقة بين مصطلحي مراكز الفكر ومراكز البحث، فكلاهما له نفس المدلول.
[4] كمال حسان، مراكز الفكر الإسرائيلية ودورها في النسيج الاجتماعي، قضايا أسرائيلية، العدد 24، 2006، ص: 44-56.
[5] نظيرة خطاب، دور مراكز الأبحاث الإسرائيلية في مخططات الغزو الفكري للمنطقة العربية. مجلة مركز الدراسات الفلسطينية، العدد 12، 2010، ص: 3-31.
[6] حسين الشهواني، “مراكز الأبحاث الإسرائيلية: وأثرها في صناعة القرار السياسي الإسرائيلي”، دراسات اقليمية، العدد 8 (23)، 2011، ص: 59-89.
[7]عدنان أبو عامر، مراكز البحث العلمي في إسرائيل: السياسات، الأهداف، التمويل، بيروت: نماء للبحوث والاستشارات، 2013.
[8]هبة العزب، دور مراكز الفكر في صنع السياسة العامة: دراسة حالة إسرائيل، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2015.
[9] Heba Gamal El Din, The role of think tanks in influencing policy-making in Israel. Contemporary Arab Affairs, 9:2, 2016, pp. 187-211.
[10] نهال مناد، دور مراكز التفكير الاستراتيجي (Think Tanks) في صنع الاستراتيجية العسكرية الإسرائيلية 2016-2026، رسالة ماجستير كلية الحقوق والعلوم السياسية، ورفلة: جامعة قاصدي مرباح بالجزائر، 2016.
[11]إسلام العالول، الأبحاث الصهيونية ودورها في صناعة القرار، من أكاديمية دراسات اللاجئين، 2016. https://bit.ly/3n5uMbQ
[12]أشرف صوافطة، أثر البحث العلمي على صناعة القرار السياسي: إسرائيل نموذجا، 2016. تم الاسترداد من المركز الديمقراطي العربي: https://bit.ly/3tX2RhX
[13]أشرف بدر، مراكز الأبحاث الإسرائيلية ودورها في صناعة القرار، مركز رؤية للتنمية السياسية، 2016. https://bit.ly/3u3uy8N
[14]أحمد العسيري، “مراكز الفكر والسياسة الإسرائيلية ودورها في صنع القرار”، مكاشفات، 1(1)، 2017، ص: 92-103.
[15] Seyed Asadollah, Athary Maryan and Ehsan Ejazi, The Impact of Israeli Think Tanks on Israel’s Foreign Policy (2006-2017), Journal of World Sociopolitical Studies, Vol. 2, No. 2, 2018, pp. 247-285.
[16]مباركية أمين، دور مراكز الفكر الاستراتيجي “Think Tank” في صنع القرار في السياسة الخارجية الإسرائيلية 2011\2017- المركز المتعدد الاتجاهات بهرتسيليا أنموذجا-، المسيلة: رسالة ماجستير من جامعة محمد بوضياف بالجزائر، كلية الحقوق والعلوم السياسية، 2018.
[17]خالد شعبان، “مراكز الأبحاث العربية والاسرائيلية: واقع وتحديات”. التاريخية الفلسطينية، العدد 5، 2020، ص: 48-87.
[18]تقى السيد، “مراكز الأبحاث وصنع القرار السياسي: دراسة حالة إسرائيل”، آفاق سياسية، العدد 65، 2020، ص: 42-50.
[19] وليد عبد الحي، دور مراكز الأبحاث في صنع القرار السياسية الإسرائيلي، بيروت: مركز الزيتونة، 2022. https://bit.ly/3OOUZr5
[20] فيما عدا كمال حسان ومهند مصطفى اللذان تناولا الأمر بشكل موجز.
[21] وليد عبد الحي، مصدر سابق.
[22] وهي: معهد أبحاث الأمن القومي، دراسات الأمن القومي، المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب، الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة، بيغن- السادات، معهد مراقبة وسائل الإعلام الفلسطينية، الفلسطيني الإسرائيلي، هاري ترومان، تامي شتاتينمس، ميتيفيم، هرتسيليا، معهد يروشليم، اليروشيلمي، الكنيست، دانيال أبراهام، معهد الاستراتيجات الصهيونية، شاشا، شموئيل نيمان، موشيه ديان، رئوت، طاوب، أدفا، فلورسهايمر، المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، شاليم، أبراهام هارمان، فيدال ساسون، فيدرمان، فان لير، مولاد، روابط، معهد القدس لدراسات السوق، الإسرائيلي للتطوير الاقتصادي والاجتماعي، هاتمان شالوم، هنريتا سالد، كوهين، بن غوريون، الحاخام نسيم، تابنيكين، يعاري، اسحق بن تسفي، جبعات حبيبة، اليهودي العربي، مركز بتسيلم، مركز بيرس للسلام والانتاج.
[23] وهي: معهد مراقبة وسائل الإعلام الفلسطينية، معهد القدس لبحث السياسات، المركز الإسرائيلي للتطوير الاقتصادي والاجتماعي (ICSEP).
[24] مباركية أمين، مصدر سابق، ص: 29.
[25] Teve Troy, Devaluing the Think Tank. National Affairs, Winter 2012, p: 77.
[26] Diane Stone, Think Tanks and Policy Advice. Retrieved from Paper prepared for the Asian Development Bank Institute Symposium: “How to Strengthen Policy-Oriented Research and Training in Viet Nam”, 31 August 2005, p: 2. https://bit.ly/3yVSlue
[27] Seyed Asadollah, Athary Maryan and Ehsan Ejazi, op. cit., p: 252,
[28] Ibid, p: 252.
[29] كمال حسان، مصدر سابق، ص: 45.
[30] مهند مصطفى، مصدر سابق، ص: 200.
[31] أحمد العسيري، مصدر سابق، ص: 94.
[32] مهند مصطفى، مصدر سابق، ص: 202.
[33] James Mcgann, Think Tanks and Policy Advice in the US: Academics, Advisor and Advocates, New York: Routledge, 2007, p: 11.
[34] Stella Ladi, think tank, Britannica, 2015. https://bit.ly/3A4XvVL
[35] ميشيل فوكو، المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن. بيروت: مركز الإنماء القومي، 1990.
[36] Michel Foucault, Security, Territory, Population, Lectures At College De France 1977-1978. New York: Palgrave Macmillan, 2009, p: 78.
[37] Ibid, p: 79.
[38] Ibid, p: 100.
[39] Ibid, p: 101.
[40] Michel Foucault, op. cit., p: 106.
[41] Ibid, p:
108.
[42] Ibid, p: 274.
[43] عدنان أبو عامر، مصدر سابق، ص: 84.
[44] إسلام العالول، مصدر سابق، ص: 36.
[45] Seyed Asadollah, Athary Maryan and Ehsan Ejazi, op. cit., p: 251.
[46] كريم الجندي، صناعة القرار الإسرائيلي: الآليات والعناصر المؤثرة، ترجمة: أمل عيتاني. بيروت: مركز الزيتونة، 2011، ص: 11.
[47] أحمد العسيري، مصدر سابق، ص: 93.
[48] Charles Freilich, National Security Decision-Making in Israel: Processes, Pathologies, and Strengths, Middle East Journal Vol. 60, No. 4, Autumn 2006, p: 636.
[49] Giora Eiland, The Decision Making Process in Israel, INSS, 2007. https://bit.ly/3ngZmPT
[50] محمود محارب، سياسة إسرائيل النووية وعملية صنع قرارات الأمن القومي فيها، بيروت: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013، ص: 74.
[51] Seyed Asadollah, Athary Maryan and Ehsan Ejazi, op. cit., p: 252.
[52] على سبيل المثال فيما يتعلق بالقرارات الأمنية: رئيس الحكومة، لجنة الوزراء لشؤون الأمن، ديوان رئيس الحكومة الذي يحوي مستشارين مختصين، السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، سكرتير الحكومة، ومجلس الأمن القومي “أسسه نتنياهو سنة 1999″، وكذلك وزير الدفاع ورئيس الأركان.
[53] محمود محارب، مصدر سابق، ص: 97.
[54] المصدر نفسه، ص: 99.
[55] كريم الجندي، مصدر سابق، ص: 97.
[56] كريم الجندي، مصدر سابق، ص: 96.
[57] محمود محارب، مصدر سابق، ص: 106-109.
[58] مباركية امين، مصدر سابق، ص: 34.
[59] كمال حسان، مصدر سابق، ص: 50.
[60] مهند مصطفى، مصدر سابق، ص: 200.
[61] مهند مصطفى، مصدر سابق، ص: 202.
[62] أشرف بدر، مراكز الأبحاث…، مصدر سابق.
[63] كمال حسان، مصدر سابق، 52-54.
[64] أحمد العسيري، مصدر سابق، ص: 96.
[65] حسين الشهواني، مصدر سابق.
[66] على سبيل المثال نظيرة خطاب.
[67] وليد عبد الحي، مصدر سابق، ص: 10.
[68] دائرة الإحصاء المركزية، الإنفاق الوطني على البحث والتطوير المدني في عام 2020، 2021. (بالعبرية). https://bit.ly/3xNmytC
[69] OECD, Gross domestic spending on R&D, OECD data, 2022. https://bit.ly/3nWKA0O
[70] دائرة الإحصاء المركزية، مسح البحث والتطوير في معاهد البحث “2016”، 2019. (بالعبرية). https://bit.ly/3NnvjRd
[71] دائرة الإحصاء المركزية، البحث والتطوير في الجامعات في إسرائيل: الإنفاق على البحث الممول بشكل خاص “2019”، 2020. (بالعبرية) https://bit.ly/3A4zGxf
[72] دائرة الإحصاء المركزية، النفقات والاستثمارات في الشركات العاملة في مجال البحث والتطوير، 2019. (بالعبرية). https://bit.ly/3HPFa0V
[73] بتسيلم، عن بتسيلم، المركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، 2022. https://bit.ly/3yUncra
[74] هبة العزب، مصدر سابق، ص: 13.
[75] Heba Gamal El Din, op. cit., p: 198.
[76] Hannah Meyers, Does Israel Need Think Tanks? Middle East Quarterly, Winter 2009, pp. 37-46
[77] وليد عبد الحي، مصدر سابق، ص: 6-9.
[78] المصدر نفسه، ص: 10.
[79] Lewis Brownstein, Decision Making in Israeli Foreign Policy: An Unplanned Process. Political Science Quarterly, Vol. 92, No. 2, Summer 1977, p: 266.
[80] Lewis Brownstein, op. cit., p: 277.
[81] هبة العزب، مصدر سابق، ص: 19.
[82] مهند مصطفى، مصدر سابق، ص: 206.
[83] صالح النعامي، جذور مراكز البحث المؤسساتية في إسرائيل، مركز أطلس، 2017. https://bit.ly/3uxS3HD
[84] معهد أبحاث الأمن القومي، المهمة والأهداف، 2022. (بالعبرية). https://bit.ly/3tXSN8z
[85] Yoel Guzansky and Gallia Lindenstrauss, op. cit., p: 128.
[86] عوزي بنزيمان، “مفاوضات أوسلو (قصة الاتصالات السرية التي سبقت الاتفاق)”. الدرسات الفلسطينية، العدد 16، 1993، ص: 136.
[87] أحمد قريع، الرواية الفلسطينية الكاملة للمفاوضات من أوسلو إلى خريطة الطريق 1، مفاوضات اوسلو 1993. رام الله: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2006، ص: 49.
[88] عدنان أبو عامر، مصدر سابق، ص: 143.
[89] كريم الجندي، مصدر سابق، ص: 119.
[90]محمد أبو سعدة، مؤتمرات هرتسليا والاستراتيجية الأمنية الصهيونية. المعهد المصري للدراسات، 2016، ص: 4. https://bit.ly/39UfjYY
[91] صجيفة الرأي الأردنية، أولمرت عرض على عباس خارطة لتبادل الأراضي، 18/12/2019. https://bit.ly/3Iu3pC6
[92] أشرف بدر، تقليص الصراع والتحول من “الضم الزاحف” إلى “الانفصال الزاحف” في منظومة الاستعمار الاستيطاني الصهيونية بالضفة الغربية، بيروت: مركز الزيتونة، 2021، ص: 9. https://bit.ly/3JeXxNA
[93] ميخا جودمان، مصيدة 67: الخلافات الفكرية التي تقف خلف الانقسام السياسي في إسرائيل، ترجمة الهدهد، دار النشر دافير، 2021.
[94] أشرف بدر، إسرائيل وحماس: جدلية التدافع والتواصل والتفاوض 1987-2014، بيروت: مركز الزيتونة، 2016، ص: 112.
[95]مركز بيرس للسلام والابتكار، عن المركز، 2018. https://bit.ly/3atNmYu
[96] Heba Gamal El Din, op. cit., p: 204.
[97] The Harry S. Truman Research Institute, The Hebrew University of Jerusalem, 2022. https://bit.ly/3bxcUUM
[98] IPCRI, HOME: IPCRI – Israel/Palestine Center for Research and Information, 2022. https://bit.ly/3AEjenW
[99] بتسيلم، مصدر سابق.
[100] نظيرة خطاب، مصدر سابق، ص: 12.
[101] ميتفيم، تعريف، 2022. (بالعبرية). https://bit.ly/3u3iQv6
[102] المركز الأكاديمي بالقاهرة، المجمع الوطني الإسرائيلي للعلوم الآداب، 2022. https://bit.ly/3u2dmAu
[103] Council on Foreign Relations, Regional Challenges and Opportunities: The View from Saudi Arabia and Israel, 4 Jun 2017. https://on.cfr.org/2CFhU5T
[104] محمد أبو سعدة، مصدر سابق، ص: 12.
[105] نظيرة خطاب، مصدر سابق، ص: 10.
[106] مهند مصطفى، مصدر سابق، ص: 235.
[107] معهد مراقبة وسائل الإعلام الفلسطينية، ساهمنا بالتغيير، نظرة على وسائل الإعلام الفلسطينية، 2022. (بالعبرية). https://bit.ly/3NgNd80
[108] صدر القرار العسكري المُعَدل رقم (1651)، بتاريخ 9/2/2020، مع اعتباره ساري المفعول بعد ثلاثة أشهر. ويحظر القرار على البنوك الاحتفاظ بحسابات الأسرى، وإلا فإنها تُعتبر وموظفيها شركاء في “الجريمة”، وأن عقوبة ذلك تنطوي على عقوبة قد تصل إلى سبع سنوات في السجن وغرامة باهظة.
[109] بلال ستيتي، استهداف إسرائيل لحسابات الأسرى الفلسطينيين، مركز مسارات، 2020. https://bit.ly/3Nawzqt
[110] أشرف بدر، قانون القومية الإسرائيلي (يهودية الدولة)…الدلالات وردة الفعل، مركز رؤية للتنمية السياسية، 2016، ص: 5. https://bit.ly/3zVLfXC
[111] يتضمن التصويت على رئاسة الحكومة بشكل منفصل عن قوائم الكنيست.
[112] Heba Gamal El Din, op. cit., p: 206.
[113] ICSEP, ICSEP’s impact, The Israel Center for Social & Economic Progress, 2022. https://bit.ly/3njv0vX
[114] Jerusalem Institute for policy research, Policy Impact Update. The Jerusalem Institute’s Impact, July 2019. https://bit.ly/3tGSHC7
[115] شاؤول قمحي وشموئيل ايفن، من هم انتحاريو الإرهاب الفلسطيني، جامعة تل أبيب: مركز يافا للأبحاث الاستراتيجية، 2004. (بالعبرية)
[116] Seyed Asadollah, Athary Maryan and Ehsan Ejazi, op. cit., p: 263.
[117] مع التحفظ على استخدام مصطلح الشتات والدياسبورا كون استخدامهما يعني ضمنًا ترويج الرواية الصهيونية بالحق التاريخي وتشتت “الشعب اليهودي” من أرض الميعاد.
[118] هبة العزب، مصدر سابق، ص: 207-236.
[119] المصدر نفسه، ص: 218.
[120] مركز الأرض والإنسان، المقاطعة الاقتصادية (BDS): التهديد وطرق التعامل، 2014. (بالعبرية) http://bit.ly/1EOJYAQ
[121] معهد سياسات الشعب اليهودي، وضع الشعب اليهودي (تقدير سنوي 2014-2015)، 2016. (بالعبرية). https://bit.ly/3RpozVW
[122] نشر المعلومات بطريقة موجهة أحادية وغير موضوعية تهدف للتأثير على تفكير أكبر قدر ممكن من الناس.
[123] Heba Gamal El Din, op. cit., p: 200.
[124] Yoel Guzansky, The Role and Influence of Think Tanks in the Israeli Experience, INSS, 2014. https://bit.ly/39nYqWz
[125] مهند مصطفى، مصدر سابق، ص: 202.
[126] مهند مصطفى، مصدر سابق، ص: 221.
[127] معهد الاستراتيجية الصهيونية، تعريف، 2022. (بالعبرية). https://bit.ly/3biRvyi
[128] مهند مصطفى، مصدر سابق، ص: 215.
[129] المصدر نفسه، ص: 217.
[130] المصدر نفسه، ص: 221.
[131] المصدر نفسه، ص: 223.
[132] أشرف بدر، مراكز الأبحاث…، مصدر سابق.
[133] مولاد، من نحن، 2022. (بالعبرية). https://bit.ly/3NnqGXc
[134] معهد فان لير، عن المعهد، 2022. (بالعبرية). https://bit.ly/3OVuGzN
[135] تحول اسم المعهد سنة 1983 إلى “مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” التابع لجامعة تل أبيب.
[136] مهند مصطفى، مصدر سابق، ص: 204.
[137] خالد شعبان، مصدر سابق، ص: 66.
[138] خالد شعبان، مصدر سابق، ص: 67.
[139] نظيرة خطاب، مصدر سابق، ص: 7.
[140] مهند مصطفى، مصدر سابق، ص: 220.
[141] نظيرة خطاب، مصدر سابق، ص: 12.
[142] Jerusalem Institute for policy research, op. cit..
عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات – بيروت