بين السعودية وواشنطن.. إسرائيل تبقى خارج المعادلة

بنظر إدارة ترامب قد تعتبر الزيارة المرتقبة للرئيس ترامب إلى دول الخليج العربي ــ وخاصة المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة ــ أول إنجاز سياسي خارجي في ولايته الجديدة، ولكنها بالنسبة لإسرائيل، تشكل تطورا مثيراً للقلق ــ من النوع الذي يحمل في طياته إمكانية تراجع مكانتها الإقليمية وتآكل سيطرتها على الوعي الأميركي كمركز للمصالح الاستراتيجية من الدرجة الأولى .
عاد ترامب للعمل مرة أخرى وفق نفس النموذج الذي ميز علاقاته مع دول الخليج في ولايته الأولى : دبلوماسية المنفعة المتبادلة الصرفة – اقتصاديا وأمنيا وتكنولوجيا – دون تبجحات ليبرالية أو ديمقراطية . وحيث تتم دراسة العلاقات مع الخليج بالنسبة له من خلال عدسة “صفقة”: الأسلحة مقابل النفط، والاستثمارات مقابل الحماية الأمنية، والوصول إلى التكنولوجيا مقابل الولاء الجيوسياسي.
المصالح الاقتصادية والأمنية كمحرك رئيسي :
يشكل الجانب الاقتصادي محور الزيارة. ويتطلع ترامب إلى أن يقدم للشعب الأمريكي إنجازات اقتصادية ملموسة – اتفاقيات حول صفقات أسلحة بقيمة عشرات وحتى مئات المليارات من الدولارات، ووعود بالاستثمار في البني التحتية والتكنولوجيا الأمريكية، وأيضا مبادرات للتعاون في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي والابتكار الأمني . وبالنسبة لدول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، فإن هذه الخطوة تخدم “رؤية 2030” – التي هي مشروع ضخم للتحديث الاقتصادي والسياسي مدفوع بالرغبة في إرساء استقرار سلطوي على المدى الطويل والتقليل من الاعتماد على عائدات النفط.
توصيات إضافية :
في المجال الأمني، تسعى دول الخليج إلى تحويل التحالف التاريخي ــ المبني على مفهوم “الالتزام الأميركي” المرن ــ إلى اتفاقيات رسمية ملزمة. وتهدف هذه الجهود إلى محاولة ضمان أن تنتصب الولايات المتحدة للدفاع عنهم في حالة نشوب مواجهة مع إيران، حتى لو كان الثمن السياسي لذلك في النظام الأمريكي أخذ بالإرتفاع . ومن الناحية العملية، من المرجح أن تسفر الزيارة عن التزامات أمنية مؤقتة ــ من النوع الذي لا يتطلب موافقة الكونجرس.
خطر الانتشار النووي وتمويه التفوق الإسرائيلي :
إحدى المسائل الأكثر حساسية المطروحة على جدول الأعمال هي الخطة السعودية للتعاون النووي مع الولايات المتحدة. حيث تطالب المملكة العربية السعودية بالاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم على أراضيها ــ وهو المطلب الذي يستمد شرعيته من حقيقة أن إيران تفعل الشيء نفسه أيضاً. إن إعطاء ضوء اخضر اميركي لهذا الأمر من شأنه أن يشكل سابقة خطيرة ــ سواء بالنسبة للمفاوضات مع طهران أوبالنسبة لحوافز نشر تكنولوجيات نووية أخرى في الشرق الأوسط .
كما أن الزيادة في الطلب على التكنولوجيا المتقدمة من جانب دول الخليج – بما في ذلك الوصول إلى الذكاء الاصطناعي، والأنظمة السيبرانية، وتقنيات المراقبة المتقدمة – تخلق ضغطاً أمريكيا للموازنة بين الرغبة في تعزيز الشراكات الإقليمية وبين الرغبة في الحفاظ على التفوق العسكري النوعي لإسرائيل .ومثل هذا التوازن، الذي كان في السابق طابو تقريباً في الخطاب الأمني ​​الأميركي، يتعرض الآن للتآكل ولم يعد يُنظر إليه كخط أحمر.
إسرائيل – من شريك مفضل إلى لاعب جانبي ؟ :
إن البنية الإقليمية المتغيرة تحتوي على علامات واضحة على أن إسرائيل تفقد تدريجيا مكانتها المميزة في الساحة السياسية الأميركية. صحيح أن العلاقة بين واشنطن واسرائيل لا تزال وثيقة على المستويين الأمني ​​والاستخباراتي، إلا أنها تتحول إلى أكثر ضبابية على الساحة السياسية والدبلوماسية.
موضوع التطبيع بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، الذي تمت مناقشته على نطاق واسع في عهد الإدارة السابقة، يغيب بشكل شبه كامل عن أجندة الزيارة الحالية. وعلاوة على ذلك، ووفقاً للتقارير، طلبت المملكة العربية السعودية نفسها عدم إثارة هذه القضية علناً ــ على ضوء الحرب المستمرة في غزة وموقف الحكومة الإسرائيلية بعدم مناقشة أفق سياسي لحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وترى المملكة العربية السعودية أن حل الدولتين شرط أساسي مسبق لدفع العلاقات مع إسرائيل . في مثل هذه الحالة، لا يوجد اتفاق ولا عملية.
أيضاً موقف الولايات المتحدة تجاه قطر يعكس الخلافات مع إسرائيل. فقطر، التي تتعرض لانتقادات إسرائيلية بسبب علاقاتها مع حماس، تتمتع حاليا بمكانة شريك استراتيجي في واشنطن. وقد تعمقت هذه العلاقات خلال إدارة بايدن، وليس هناك ما يشير إلى أنه من المتوقع أن يغيرها ترامب – بل على العكس تماما.
نظرة إلى المستقبل: ديناميكيات التحالف متغيرة :
إذا كان الأمر كذلك، فإن إسرائيل تواجه واقعاً استراتيجياً جديداً ــ على رأسه تراجع تأثيرها على تشكيل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وإضعاف مكانتها كطرف له الأفضلية . والتقارب الأميركي السعودي، الذي لم يعد يعتمد على رغبة السعودية في التقرب من إسرائيل، دليل على ذلك.
في حين تضع المملكة العربية السعودية نفسها كلاعب مركزي في إدارة المصالح الاقتصادية والأمنية للولايات المتحدة في المنطقة، بقيت إسرائيل إلى حد كبير ” ثروة ” ذا قيمة رمزية، لا تترجم حالياً إلى تأثير سياسي حقيقي . أيضاً سياسة إسرائيل تجاه إيران ــ التي تدعو إلى التحرك النشط في ضوء ضعفها الإقليمي ــ تتعارض أيضاً مع مصالح دول الخليج، المهتمة بالحفاظ على الاستقرار، وليس المواجهة.
ملخص: دفع هادئ لكنه عميق :
لايتعلق الأمر بسياسة متعمدة لاستبعاد إسرائيل ــ ولكن دفعها بعيداً عن المركز أمر ملحوظ. والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل الحكومة الإسرائيلية متيقظة لذلك ؟ هل هناك إستعداد دبلوماسي استراتيجي للتعامل مع هذا الاتجاه ؟ أذا كان الجواب لا فإن هذا يعني أننا أمام خطأ فادح.
في نظام التحالفات المتغيرة، ما لم يتم دفعه يتم إهماله . وما لايلقى صدى يتم دفعه إلى الهامش. قد تكون زيارة ترامب المقبلة إلى دول الخليج بمثابة لحظة اختبار ليس فقط للسياسة الخارجية الأميركية، وإنما أيضاً لقدرة إسرائيل على التكيف مع واقع جيوسياسي جديد لم تعد فيه اللاعب الرئيسي الوحيد على الساحة.

موقع N12

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *