بيت حانون تنهض كالعنقاء من بين الرماد وتنتصر في حرب الإرادات

لم ينل أي طائر شهرة أسطورية تفوق شهرة العنقاء، على الرغم من استحالة رؤيته، تجلت أسطورته في استمرار حياته عبر 500 دورة متعاقبة بنهاية كل دورة، يبني الفينيق عشاً على رؤوس أشجار النخيل باستخدام نباتات المر والقرفة والتوابل الأخرى. ثم تشتعل النار في العش بفعل أشعة الشمس، ويحترق الفينيق في اللهب. لكن من رماده يخرج صغيره، العنقاء الجديدة، لتعيش 500 عام لاحقة. وعندما يشدّ عودة، يحمل رماد أجداده إلى معبد مدينة الشمس. لذلك، كان من الطبيعي أن يضرب به المثل: “كالعنقاء تنهض من بين الرماد”. هذه الصورة تلهم البشرية وتقدم دروساً في التحدي والمقاومة من أجل العيش بكرامة وسلام عادل بين الشعوب.
تُعتبر بيت حانون، مع بيت لاهية وشمال غزة، من أولى المناطق التي اجتاحها الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب، حيث دُمّر الحجر وقتل وهُجّر البشر. ومع ذلك، في كل مرة تنهض بيت حانون كالعنقاء من الرماد، وتعيد تنظيم صفوفها، مُظهِرةً قدرات قتالية أذهلت التقديرات الإسرائيلية. فقد كشفت مصادرها العسكرية والأمنية أن المقاومة الفلسطينية استطاعت إعادة بناء نفسها من جديد، حيث قُدّر عدد مقاتليها في الأسابيع الأخيرة بحوالي 23 ألف مقاتل، بعد أن كانت تقديراتهم في بداية الحرب 30 الف مقاتل.
الملاحظ، ونحن على أبواب اتفاق وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، أن المقاومة صعدت من وتيرتها في الضربات العسكرية بشكل تكتيكي مدروس، حيث اختارت الأماكن الرمزية مثل بيت حانون وبيت لاهية وجباليا. كما استخدمت سلاحاً مدوراً ومصنوعاً من بقايا ذخائر الجيش الإسرائيلي شديد الانفجار ، مما أدى إلى مقتل وجرح عشرات الضباط والجنود، وقصف العمق الإسرائيلي بالصواريخ مجدداً. وهذا يثير استغراب المعلقين والخبراء الإسرائيليين الذين يتساءلون: “ألم ندمر ونهجر بيت حانون في بداية الحرب؟!”
بيت حانون ومعها كل قطاع غزة تؤكد أن المواجهة ليست مجرد صراع عسكري تفوقت فيه إسرائيل عدة وعتاد وبطش وقتل وتدمير، بل حرب إرادات انتصرت فيها المقاومة وفق شروط الاتفاقية غير المعلنة حتى الآن، رغم أن الثمن كان باهظاً وأكبر بكثير مما توقعته المقاومة. نفسها.
خلاصة القول:
كما نهضت بيت حانون المدمرة تماماً في كل مرة كالعنقاء من بين الرماد، ستفعلها كل غزة.. صحيح أنها دفعت الثمن غالياً ولكنها حتى الآن انتصرت في حرب الإرادات. وهذا درس من دروس روح التحدي والمقاومة، ويؤكد على أهمية الإرادة الجماعية في مواجهة الصعوبات، مما يجعل من بيت حانون رمزاً للعزيمة والصمود. ومع هذا عسى أن تكون هذه الحرب ملهماً للاسرائيلين والفلسطينيين معاً أن خير ضمانة للعيش هنا السلام العادل والشامل في دولة ديمقراطية واحدة بين النهر والبحر ولهم أن يختاروا أكثر من نظام فيها يحافظ على خصوصية وهوية كل شعب.