بنتي شيماء !

لم أكن أدري وأنا أحدّق في عينيها المغمضتين في مستشفى الجامعة الأمريكية في بيروت ، حين حملتها لي ممرضة لبنانية كقطعة ” مارتديلا ” لتمنحني مرتبة أب .. لأغادر قسم الولادة الذي دخلته خالد عيسى وأخرج منه أبو شيماء ..
لم أكن أدري أن هذه ” الفلعوصة ” التي هذبت طيش شبابي ومنحتني وقارا مبكرا ، وأنا أعدّ على أصابعها الصغيرة سنوات العمر التي تراكمت منذ أبوتي الأولى في بيروت الى شيخوختي الأخيرة هنا في السويد .. لم أكن أدري ان بنتي التي نمت على أكتافي في رحلة المنافي الكثيرة ستصبح هنا في السويد أمي تربي شيخوختي وتدلّع سعال وقاري ، وتضع في كفي المجعدة بعروقها الزرقاء حبات الدواء حبة حبة ..
وتجرجر شيخوختي من طبيب الى طبيب في لعبة تغير الأدوار حين يفتك الزمان بزمانه ، ويزدحم العمر بالفعل الماضي في خريف الفعل المضارع ..

بنتي هي الآن أمي .. تمارس أمومتها عليّ بنزق الأمهات من مشاكسة الأبناء ” كثيرو الغلبة ” عندما تحاول ضبط أب عجوز عاش حياته في فوضى ، يكره الحياة ” المعقمة ” وحكمتها ” بدرهم وقاية خير من قنطار علاج ” ..
وتبذل المسكينة كل جهودها لإنقاذ أب مفلس من أي ” درهم وقاية ” لشيخوخة آمنه لا تجعلها تمضي كل وقتها أمام غرفة الإنعاش ..
وعلى هذا الطفل ” الستيني ” المشاكس الانصياع لابنته الكبرى في أصول التربية الحديثة في طاعة الآباء لبناتهم في لعبة تغير الأدوار حين تصفّر أوراق العمر قبل ان ” يصفر ” الحكم بانتهاء المباراة ..
ورب بنت لك صارت أمك !