بعد أكثر من خمسة عشر شهراً من الحرب، هل حققت إسرائيل أهدافها المعلنة في قطاع غزة؟
وقف الإعلامي ألون بوكر من القناة 12 برفقة ضابط على مشارف مستوطنات غلاف غزة المطلة على مدن وقرى شمال القطاع، وقارَن بين بيت لاهيا، وبيت حانون، والشجاعية، وغيرهم قبل وبعد الحرب. تساءل: “أين هم الآن؟” وأجاب متشفياً: “اختفوا”، بينما كانت الكاميرا تسلط الضوء على بيت حانون والشجاعية المدمرتَين بشكل شبه كامل. نعم، هناك دمار وتسطيح يُتيح لمستوطني الغلاف مشاهدة مياه بحر غزة الزرقاء، على حد تعبير ألون بوكر.
ومع ذلك، لا تزال المقاومة تحارب في بيت حانون وبيت لاهيا والشجاعية، وكل قطاع غزة يتساءل إعلامي إسرائيلي آخر مشيراً بدهشة واستغراب إلى أن بعد خمسة عشر شهراً من الحرب، وبحسب القناة 12 ومصادرها العسكرية، لا يزال بين 20,000 إلى 23,000 مقاتل يحاربون في قطاع غزة، ويستخدمون كافة أساليب القتال من حرب العصابات إلى المجموعات المنظمة وحتى الأفراد الانتحاريين. تجدر الإشارة إلى أن نفس المصادر العسكرية قدرت قوة المقاومة الفلسطينية المنظمة في بداية الحرب في أكتوبر 2023 بـ 20,000 إلى 30,000 مقاتل.
إذا كان الأمر كذلك، غير الدمار الهائل والإبادة الجماعية المؤلمة والخسارة الكبرى لأهل غزة، هل حققت إسرائيل أي من أهدافها المعلنة بعد خمسة عشر شهراً من الحرب التي لم يشهد التاريخ مثل وحشيتها ؟
من بين الأهداف الإسرائيلية المعلنة القضاء على قدرات المقاومة العسكرية. بناءً على المعطيات المقدمة، يبدو أن القوة العسكرية للمقاومة لم تُسحق بالشكل المطلوب. فإذا كانت التقديرات العسكرية الإسرائيلية تشير اليوم إلى بقاء 20,000 إلى 23,000 مقاتل بعد 15 شهراً من الحرب الطاحنة، فإن هذا يُشير إلى أن قدرة “حماس” وباقي الفصائل على المقاومة والتجديد ما زالت قائمة. وبالتالي، يمكن القول إن الهدف لم يتحقق حتى الآن.
أما بالنسبة للهدف الثاني، المتعلق بإزالة الحكم المدني لحماس، فهذا الهدف يرتبط بشكل مباشر بقدرة إسرائيل على السيطرة على قطاع غزة وفرض حكومة بديلة. لكن إذا استمرت حماس في الحفاظ على قوّتها العسكرية وقدرتها على المناورة، فإن الحكم المدني للحركة قد يستمر، مما يعني أن هذا الهدف أيضاً لم يتحقق.
ولكن الفشل الأكبر الذي تواجهه إسرائيل بإحراج كبير هو عدم قدرتها على استعادة الأسرى ، وهو السبب الحقيقي في انشقاق الساحة السياسية والاجتماعية الإسرائيلية. كما أن الهدف الرابع المعلن في بداية الحرب، وهو ترحيل سكان القطاع إلى سيناء، قد فشل أيضاً، لأن مصر، بدعم أمريكي، رفضت هذا الاقتراح.
خلاصة القول:
باختصار، بالنظر إلى المعطيات، يبدو أن إسرائيل لم تحقق أهدافها رغم الدمار شبه الكامل في غزة. وعليه، يُفهم زجها بقوات أكبر وتوسيع الحرب، خصوصاً قبل استلام رونالد ترامب رئاسة أمريكا، وهو الذي هدد المقاومة مجدداً وطلب منها إطلاق سراح الأسرى قبل استلامه الحكم في هذا الشهر الجاري. مطلب يثير السخرية والاستهجان، ويرد عليه مثلنا الشعبي: “قالوا للقرد ودنا نسخطك، رد: أكثر من هالسَّخطة مافي.” وغزة، أكثر من هذا الدمار والوحشية، لن يكون.