بشارة: بايدن وضع لمساته وتفسيراته على ورقة التفاوض الإسرائيلية

قال المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عزمي بشارة إنّ هناك قناعة أميركية بضرورة إنهاء الحرب في غزّة، وتوقّف عند دلالات إطلالة الرئيس الأميركي جو بايدن، الجمعة، للحديث عن ضرورة وقف الحرب، لافتاً إلى أهمية أن يعرض بايدن بنفسه من البيت الأبيض في كلمة له المبادرة الإٍسرائيلية على العرب، وعلى الإسرائيليين أنفسهم، مشتملة على لمساته وتفسيراته. وقال عزمي بشارة في حديث مع تلفزيون العربي من مدينة لوسيل في قطر، مساء الجمعة: “نحن نعرف أن هناك مبادرة إسرائيلية وأن حركة حماس لن تتعاطى معها بجدية لأنها رأت أن هناك تكتيك (بنيامين) نتنياهو نفسه بطرح الأفكار ثم التنصل منها خلال المفاوضات لكسب الوقت واستمرار الحرب، وهذا النهج امتد طوال الأشهر الماضية وكل أفكار المفاوضات كانت على هذا النحو، يرسل فريقاً أمنياً ليفاوض ثم يتنصّل من الاتفاقات التي يصل إليها الفريق أو يضع عليها ملاحظات. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، هذه المرّة، وبعد إلقاء بايدن الكلمة، لا يستطيع أن يتنصّل من الأفكار المطروحة”.

وقال المفكّر العربي عزمي بشارة إنّ الأهم أن بايدن استغل أنه من يطرح الفكرة/ المبادرة الإسرائيلية لكي يضفي عليها تفسيرات أميركية قد لا تعجب نتنياهو، من قبيل قوله إنه آن الأوان لوقف الحرب، وهذا لن يقوله نتنياهو، خصوصاً أن هذه الكلمات ليست مكتوبة في المبادرة. وشدّد بشارة على أن المراحل الانتقالية الثلاث التي جاء عليها بايدن باعتبارها محطات في الورقة الإسرائيلية شبه حتمية، ولن تكون خاضعة للتفسيرات الإسرائيلية بنجاح مرحلة أو أخرى، فالانتقال عملياً شبه فوري، وإذا لم يكن فورياً، يحدُث اتفاق ليكون كذلك، وليبقى وقف إطلاق النار مستمراً. ووفقاً لبشارة، أخذ بايدن المبادرة الإٍسرائيلية وأضفى عليها لمساته في طريقة عرضها، من ضمنها الانتقال من مرحلة إلى مرحلة يكون بوقف إطلاق نار شامل. ومن ضمنها أيضاً إذا نجحت المرحلة الثانية والتزمت حماس بالتزاماتها فننتقل إلى وقف إطلاق شامل.

وأوضح عزمي بشارة أن المقاومة الفلسطينية رفضت التعاطي مع المبادرة الإسرائيلية في اليومين الماضيين، أولاً لأن نتنياهو دخل إلى رفح وجباليا، وثانياً لأنه رفض المبادرة التي وافقت عليها حركة حماس في المرّة السابقة وتنصّل مما وافق عليه وفده الأمني. وأشار إلى أن المقاومة تشك في نوايا نتنياهو بأنه يستخدم المفاوضات لاستمرار الحرب ولا يتعهد بوقف إطلاق النار. ولفت إلى أن حماس تطالب بوقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، إلى جانب إعادة الإعمار. وأوضح أن هذه المبادئ لم تتوفر في الخطاب أو المبادرة الإسرائيلية، لكن المختلف هذه المرّة، من وجهة نظره، أن بايدن قال إنه هكذا يفهم المبادرة الإسرائيلية: إنها تقود إلى وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيلي وبداية الإعمار.

وأعرب بشارة عن اعتقاده بأن المقاومة سوف تتعامل مع هذه اللهجة بإيجابية. وقدّر أنها ستقول إن كلام بايدن نتعاطى معه بإيجابية ونريد أن نسمعه من إسرائيل، أي أن تؤكّد موافقتها، لكنه لفت إلى أن الإسرائيليين لم يتحفظوا على كلام بايدن، إلا أنهم قالوا إن الانتقال من مرحلة إلى مرحلة سيكون بالحفاظ على المبادئ الإسرائيلية.

وقال المفكر العربي إن بايدن استغل أنه هو الذي يعرض المبادرة الإسرائيلية، وهذه خدمة كبيرة لإسرائيل، وفي تأمين التفاف الشارع الإسرائيلي حولها، للقول عكس ما أدلى به نتنياهو قبل أسبوع، عندما حديثه عن الاستمرار في الحرب حتى لا يتكرر ما جرى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ومن وجهة نظر بشارة، تضمّنت مبادرة بايدن ما مغزاه أن نتنياهو ضمن ذلك من الآن، لأن وضع حماس لا يسمح لها بتكرار 7 أكتوبر، بمعنى أنه لا يوجد سبب لاستمرار الحرب، لأنه إذا كان الهدف القضاء على قدرات “حماس” فقد تحقق ذلك، بمعنى أنها لن تكون قادرة على تنفيذ 7 أكتوبر جديد. ولفت بشارة إلى أن بايدن عرض المبادرة بشكل تكون مقبولة لدى العرب ولدى المعارضة الإسرائيلية.

تفاصيل المراحل

وبشأن بنود المبادرة التي عرضها بايدن والتي تتضمن جزءاً رئيسياً مما كانت تطالب به المقاومة، لفت المدير العام للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أنه بموجب الاقتراح الإسرائيلي، الذي وصل إلى الوسيطين المصري والقطري ولم تستلمه المقاومة، طرح الانسحاب من محاور شارعي رشيد وصلاح الدين على أن يتم ذلك بين اليومين الثالث والسابع، على أن تبقى القوات الإسرائيلية في نتساريم، ويُنسحب من هذا المحور في المرحلة الأخيرة. وتوقف عند حقيقة أن الإسرائيليين حالياً لا يبقون في أي منطقة مأهولة أكثر من المدة اللازمة لإجراء العملية العسكرية، إذ ينفذون العملية وينسحبون، ما عدا نتساريم ورفح.

وذكّر بأن مطلب المقاومة، ربما ليس بالمرحلة الأولى، أن تنسحب إسرائيل من غزّة. وفي ما يتعلق بالمرحلة الثانية، التي قال بايدن إنها تشكل إطلاق سراح جميع المحتجزين جميعاً وانسحاب القوات الإسرائيلية، واذا احترمت “حماس” التزاماتها، فعندها يصبح وقف النار المؤقت هو وقف دائم للأعمال العدائية. وقال بشارة إن ما تطرّق إليه بايدن في هذا الخصوص، وبحسب تقديره، غير موجود في الورقة الإسرائيلية، لكنها تفسيراته. وأوضح أن بايدن، ومنذ مدة طويلة، كان يقول للقادة العرب إنه يضمن، بعد المراحل الثلاث، أن الحرب لن تعود، لكنه انتقل من قول ذلك في أحاديث خاصة إلى قولها علناً على شاشات التلفزة. وفيما قدّر أن المقاومة لن تسلم جميع الجنود والمحتجزين قبل وقف النار الدائم والشامل وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، اعتبر أن كلام بايدن يعزّز موقف المقاومة، لكن يحتاج أن توافق عليه إسرائيل.

وقال عزمي بشارة إن واشنطن اغتنمت وجود مبادرة إسرائيلية جاءت بضغط منها، على قاعدة أن هناك فرصة ذهبية لا تريد الإدارة الأميركية تفويتها لتحصل على ما تريد، خصوصاً ما يتعلق ببدء محادثات تطبيع سعودي إسرائيلي علني قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية تشكل إنجازا لإدارة بايدن من دون أن تنجز مقاصدها بالكامل بالضرورة. وبرأيه أن بايدن يعتقد أنه ربما إذا حدث وقف إطلاق النار فقد يخفف هذا ضغط التظاهرات المناوئة للحرب في غزة خلال فترة الانتخابات. وشدد على أن ظهور بايدن العلني يكبّل نتنياهو لجهة عدم قدرته على الخروج والانسحاب مما وافق عليه، وإضافة تفسيرات تقود هذا الاتفاق إلى وقف النار إذا التزم به الجميع.

وفيما اعتبر أن تعامل المقاومة مع ما صدر من بايدن في خطابه حكيماً، بعد إعلانها أنها تنظر بإيجابية إلى دعوته إلى إنهاء الحرب، لفت عزمي بشارة إلى أن المهم كيف ستتعامل الحكومة الإسرائيلية مع تفسيرات بايدن. وأعرب عن اعتقاده أن المسؤولين الإسرائيليين سيحاولون أن يخرجوا للرأي العام مقولات تهدئ روْع اليمين على وجه الخصوص، ولذلك من المبكّر الحديث عن اتفاق.

وتطرق إلى العملية العسكرية في رفح لافتاً إلى أن أياً من الأهداف التي أعلنها نتنياهو من العثور على محتجزين أحياء والقضاء على قادة المقاومة لم تتحقق، وهو ما يدفع لبدء العد التنازلي بالنسبة إليه. وفيما شدد على أن الإسرائيليين لم يضمنوا وقف إطلاق النار في مبادرتهم، إلا أنه خلص إلى أنه لا يمكن تجاهل تفسير الرئيس الأميركي للمبادرة الإسرائيلية. وأعرب بشارة عن اعتقاده أن نتنياهو لا يزال مصراً على الاستمرار في الحرب، وهو ما دفع مستشاره للأمن القومي للحديث عن الحاجة إلى 7 أشهر للحرب.

نتنياهو لا يملك أي تصور لليوم التالي

وأوضح عزمي بشارة أنه ليس في جعبة نتنياهو أي تصوّر لليوم التالي للحرب، وهذا أمر كارثي بالنسبة له، لأنه إذا انسحبت إسرائيل الآن أو خلال 90 يوماً، فلا توجد قوة منظمة تسيطر على غزّة الآن غير حركة حماس، وهو يعتقد أنه إذا انسحب من دون ترتيب قوى عربية أو دولية أو حتى السلطة الفلسطينية لتستلم غزة، فسيبقى هناك حكم عسكري في غزّة، وبالتالي يفقد الانسحاب معناه. وتوقف عند سؤال من سيدير حياة السكان في القطاع في ما يتعلق بالخدمات الضرورية، والاضطرار لحكم غزة عسكرياً يخشاه الجيش الإسرائيلي لأنه ليس جاهزاً لهذا ولا يريده.

عن العربي الجديد

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *