
محمد في بركة رئيس لجنة المتابعة العربية في فلسطين التاريخية، داخل الخط الأخضر، عضو الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وعضو في الكنيست الإسرائيلي عن الجبهة لغاية عام 2015. كان رئيسا لاتحاد الطلبة العرب في الجامعات الإسرائيلية وشكل مع نشطاء يهود لجنة مناهضة الحرب في لبنان عام 1982. وهو من بين الذين نظموا مظاهرات يوم الأرض 30 آذار/مارس 1976. ولد في مدينة شفا عمرو لوالدين مهجرين من بلدة صفوريا. يرأس، منذ خروجه من الكنيست، لجنة المتابعة للجماهير العربية الفلسطينية في الداخل. تحاوره «القدس العربي» عشية الانتخابات الإسرائيلية التي ستنطلق يوم 1 تشرين الثاني/نوفمبر المقبل والتي يتنافس فيها العديد من الكتل الصهيونية وخاصة حزب الليكود الذي يرأسه بنيامين نتنياهو والذي يعد جماهيره بتشكيل الحكومة المقبلة. وحسب رأي بركة فإن انشقاق القائمة المشتركة للأحزاب العربية قد يساهم في نجاح نتنياهو بسبب انكفاء العرب عن التصويت وإصابتهم بالإحباط بسبب الانقسام إلى ثلاث كتل رئيسية. كما أن القائمة الموحدة برئاسة منصور عباس (الحركة الإسلامية الجنوبية) قد تكون من بين المستفيدين من وضع القائمة المشتركة. هنا نص الحوار:
■ كيف ترى الخريطة الانتخابية داخل المجتمع الفلسطيني في فلسطين التاريخية؟
□ الخريطة الانتخابية للمجتمع الفلسطيني في الداخل مقلقة جدا. عملنا على مدى سنوات من أجل إقامة القائمة المشتركة التي شملت جميع مكونات الطيف السياسي التي تشارك في الانتخابات البرلمانية. وهذا المشروع حقق إنجازات كبيرة. تعرض لانتكاسات ثم نهض مرة أخرى. لكن انفضاض القائمة المشتركة هو حدث سياسي منافٍ للمصالح الوطنية والسياسية لشعبنا في الداخل. نحن عشية الانتخابات في وضع صعب، بمعنى أن القوائم الثلاث تتراوح حول نسبة الحسم. طبعا هذا الأمر يلقي بظلاله على الناس، على الجمهور، على المصوتين. ولذلك نسبة التجاوب مع الانتخابات هذه المرة ستكون أكثر انخفاضا من المعدل العام. طبعا هناك عدد من المواطنين لا يشاركون في الانتخابات من ناحية مبدئية. هؤلاء نعرفهم ونحترم خياراتهم، لكن عدم المشاركة في الانتخابات يحدث بسبب الإحباط.
مشاكل تافهة
أعتقد أن هناك صناعة إحباط تقوم بها المؤسسة (الرسمية) بالإضافة إلى عوامل ذاتية طبعا تؤدي إلى عدم مشاركة الفلسطينيين في الانتخابات وعدم إلقاء وزنهم السياسي كاملا في الانتخابات المقبلة.
■ تفكك القائمة المشتركة أحد أسباب هذا الإحباط. هل ممكن أن تحدثنا عن أسباب هذا التفكك بعد إنجازاتها في انتخابات 2015 و2019؟ حيث التف العرب حولها بشكل واسع.
□ أنا مطلع على تفاصيل الأمور وأعتقد أنه لا يوجد أي مبرر سياسي أو موضوعي لهذا التفكك. المشكلة، وقد يكون هذا الكلام خطيرا، أن هناك من لديه نزعة قبلية من ناحية، بمعنى أن مصلحة القبيلة تصبح فوق مصلحة الشعب، وهذا أمر أدى إلى التسريع في عملية التفكيك، بالإضافة إلى، كما أعتقد، أن هناك جهود من داخل المؤسسة واختراقات من داخل المؤسسة من خلال خلق رأي عام في المجتمع العربي يؤدي إلى التنافر والتنابذ، وهذا أمر ينعكس على وسائل التواصل الاجتماعي وينعكس على وجود أسماء مستعارة حتى على لافتات في الشوارع يقوم بها اليمين، مثل لافتة أطلقت في بداية الحملة تضع الأحزاب الأربعة في لافتة واحدة تقول «إذا لم تتحدوا لن نصوت»، وتبين فيما بعد أن اليمين المتطرف هو الذي يمول هذه الإعلانات من أجل خلق حالة من الردة والإحباط. لكن يجب أن نكون في مستوى المسؤولية والشجاعة ونقول إنه ما كان بإمكان اليمين المتطرف أن يقوم بهذا الدور دون الثقوب الموجودة في حالتنا السياسية.
■ هل ترى أن لجنة المتابعة العربية التي ترأسونها تتحمل جزءا من المسؤولية؟ لماذا لم تقوموا سلفا بلعب دور الجسر الذي يجمع كل هذه الأطياف من أجل المصلحة العربية الفلسطينية في الداخل؟
□ يجب فهم طبيعة وتركيبة لجنة المتابعة العربية. هي تشمل كل الأحزاب العربية العاملة في المجتمع الفلسطيني في الداخل بما فيها الأحزاب التي تقاطع الانتخابات من ناحية مبدئية.
وكذلك تشمل رؤساء البلديات أو السلطات المحلية والمجالس المحلية. جزء كبير منهم غير حزبيين وغير مشاركين في الانتخابات، ولذلك نحن لا نستطيع أن نأخذ دورا انتخابيا. لكن بالمفهوم الوطني كل عثرة تعرضت لها القائمة المشتركة كنا نلعب دورا بما في ذلك اجتماعات عقدناها هنا في بيتي مع رؤساء القوائم.
وحتى في الانتخابات الأخيرة حاولت حتى اللحظة الأخيرة أن أقوم بدور تيسير بين الأحزاب المختلفة. لكن للأسف الشديد كانت المشاكل العالقة تافهة والوقت كان قصيرا جدا. فمشكلة انفضاض المشتركة المكونة من الأحزاب الثلاثة، الجبهة والحركة العربية للتغيير والتجمع، أن الخلافات بدأت قبل ربع ساعة أو نصف ساعة قبل الموعد الأخير لتقديم القوائم. بدون شك إن لجنة المتابعة تستطيع وعليها أن تلعب دورا وحدويا لأبناء شعبنا في كل مجال لكنها لا تستطيع أن تكون عنصرا في العملية الانتخابية بسبب تركيبتها.
■ ألا ترى أن هناك خطأ في الطرح، عندما تقول بعض الأحزاب إن المهم هو إسقاط حكومة يرأسها نتنياهو المتطرفة وتذهب إلى أحضان غانتس؟ وغانتس ليس أقل صهيونية من نتنياهو أليس هذا خطأ في الطرح؟
□ أولا هناك تجنٍ في صياغة السؤال. لا أحد ذاهب إلى أحضان غانتس. ربما في مرحلة لاحقة عندما تأتي مرحلة التوصية عند رئيس الدولة بعد الانتخابات بين هذا وذاك.
وأعتقد أن هناك خطأ ارتكب في هذا الموضوع وقد أعلن هذا الموقف. لكن لا يوجد حزب في المجتمع العربي يضع نفسه في أحضان غانتس. نحن أيضا لسنا عبثيين، لنقول إن حكومة فيها غلاة الفاشيين وغلاة العنصريين في مواقع أمنية ومواقع مسؤولة عن المجتمع العربي هذا أمر لا يهمنا. نحن لسنا خائفين من هذا الخيار أو ذاك في الحالة السياسية في إسرائيل. هناك عناصر تثير القلق مثل حزب إيتمار بن غفير، وانا أعرف أنهم يخافون في إسرائيل من هذا المصطلح، لكنه أقرب إلى طرح النازية الجديدة، فنحن لا نستطيع أن نكون محايدين في هذا الموضوع. أما أن يقال هذا الحزب في حضن فلان أو حضن علان فلا وغير صحيح. هذه مفاضلات سياسية ترتكب فيها الأخطاء أحيانا.
■ هل ترى أن انقسام المشتركة سيصب في صالح الحركة الإسلامية الجنوبية بقيادة منصور عباس؟
□ دون أدنى شك. هذا ممكن. لكن الأمور مفروزة إلى حد كبير. الحركة الإسلامية الجنوبية أو «القائمة الموحدة» محصورة في محيط انتخابي معين، نحن نتكلم عن نسبة مئوية محددة، يعني لا يمكن أن تقفز مثلا من نسبة 25 في المئة إلى 40 في المئة، هناك بعض الهوامش التي قد تلعب دورا. ما من شك أن انقسام المشتركة لن يؤدي إلى أذى انتخابي فحسب بل أذى سياسي وأذى وطني.
■ هناك قضايا مشتركة كان يجب أن تشكل قواسم مشتركة لكافة الأحزاب العربية، مثلا القرى العربية غير المعترف بها، ما يجري في العراقيب وهدم القرى، موضوع القدس والتدخلات، الموقف الوطني من القضية الفلسطينية والموقف من حل الدولتين، أليست هذه قضايا مشتركة يجب أن يكون هناك التفاف حولها؟
□ قلت في البداية إن المشكلة ليست في عدم إمكانية الوصول إلى قواسم مشتركة سياسية، إنما المشكلة تكمن في نهج أقرب ما يكون إلى القبلية السياسية. القائمة المشتركة عندما قامت في 2015 ثم نهضت أكثر في 2019 وحققت 15 مقعدا، وهذا غير مسبوق، استندت إلى مشروع سياسي، استندت إلى برنامج مشترك يجري فيه التوفيق بين المطالب المدنية والحياتية للمجتمع الفلسطيني من جهة، ومن جهة أخرى يجري التوفيق مع قضية سياسية وهي الانتماء للشعب الفلسطيني.
للأسف الشديد هناك من يقول نحن متحيزون فقط للانتماء الفلسطيني ولا نريد أي علاقة مع إسرائيل ولا مع حقوقنا المدنية، وهذا نوع من العبث لأن هذا يضرب في الصميم في حقوق شعبنا، حقه في التعليم وحقه في الخدمات وحقه في البنى التحتية وما إلى ذلك.
نتنياهو أو انتخابات جديدة
وفي المقابل هناك من يقول، وهذا ما تمثله الحركة الإسلامية الجنوبية، القائمة الموحدة، دعونا من قضية فلسطين، دعونا نتحدث فقط عن الحقوق المدنية وتحسين ظروف المعيشة. هذا شكل من أشكال تحويل المجتمع الفلسطيني في الداخل إلى قفص دجاج يعلف من حين إلى آخر، لا هوية ولا انتماء. هذا كلام خطير جدا. مشكلتنا مع إسرائيل ليست على شق شارع أو خدمة هنا أو خدمة هناك.
مشكلتنا مع إسرائيل على وطن، وعلى انتماء وعلى قضية وعلى شعب مشرد وعلى قدس تنتهك وعلى شعب يتعرض للقتل. أنا لا أستطيع أن أفهم أن يجلس أي حزب عربي في حكومة إسرائيلية، أيا كانت تلك الحكومة، لأن أي حكومة إسرائيلية تستند إلى قواسم الإجماع القومي الصهيوني ولا يمكن أن تقوم حكومة في المدى المنظور خارج هذا الإجماع، لذلك الانضواء تحت خيمة أي حكومة معنى ذلك أنك تبصم بالعشرة على كل ممارساتها القمعية مقابل أوهام فيما يتعلق بخدمات أو ميزانيات. نحن لا يمكن أن نكون جزءا من اليد التي ترفع على شعبنا أو على حقوقه. الأمور لدينا واضحة. ولجنة المتابعة حددت مهمتها بوضوح وحِدّة من موضوع انضمام حزب عربي للائتلاف الحاكم. لذلك عندما أقول هذا الكلام أنا أمثّل لجنة المتابعة.
■ هل نتكلم في السؤال الأخير عن النتائج المتوقعة؟
□ اقول لك النتائج من الآن: إما حكومة يشكلها نتنياهو أو انتخابات جديدة. لا يوجد خياران، إما أن يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة مع شركاء من هنا ومن هناك، وإلا فلا أحد غيره قادر على تشكيل حكومة. وإن لم يتمكن من تشكيل حكومة فستبقى الحكومة الحالية كحكومة انتقالية ثم تجري انتخابات جديدة في فترة قصيرة.
عن القدس العربي