بالمناسبة…عن فهمنا للمقاومة…

المقاومة هي مقدس الكل الفلسطيني, ليس لأنه شعب يعشق الدم, إنما لأنه مظلوم.

الشعب الفلسطيني مارس المقاا ومة قولاً وفعلا قبل أن تُخلق كل الفصائل.

هذه الحقيقة يجب ألا تغيب عن ذهن أحد, فلا يزايدن أحدٌ على أي فلسطيني بشعارات المقاا ومة, لكن المقاا ومة لم تكن في يوم من الأيام غاية في ذاتها, إنما وسيلة, بل وسيلة نذهب إليها مكرهين ومضطرين, لأننا ببساطة نحب الحياة, كأي بشر على هذه الأرض, ولو لم يتم الاعتدء علينا لما لجأنا إلى طريق من شأنه أن يعرض حياتنا للخطر, ولأنها وسيلة وليست غاية فمن حق الشعب الفلسطيني, بل من حق كل فلسطيني يشارك في دفع الثمن أن يعيد تقييم وسائله, ليس لرفضها من حيث المبدأ, ولا لشطبها إلى الأبد, إنما ليبحث في جدوى بعض أدواتها, وحجمها, وتوقيتها, وشكلها, خاصة إن تيقن أنها لن تستطيع تحقيق ما انطلقت لأجله.

مشكلتي مع هذه المسألة أنني أعرف يقيناً أنني أمس ما يُراد له أن يكون مقدساً في ذاته, كما يمس إلى حد كبير عواطفنا الجياشة, التي في كثير من الأحيان تخلو من الاحتكام إلى العقل, وتخضع لمزايدات, وشعارات لا تترك لحديث العقل مساحة كافية لأن يعيد ترتيب أوراقه.

مثلاً:

نحن نزعم الآن بأننا نراكم القوة, وبأننا فرضنا على الاحتلال قواعد اشتباك مُشرّفة, وأن مراكمتنا للقوة تأتي على طريق التحرير الكامل, للوصول إلى هدف التخلص التام من إسراا ئيل, ومثل هذه المصلحات, والشعارات الكبيرة من شأنها أن تدغدغ عواطف التواقين إلى الحرية, وإلى استعادة حق مسلوب, ووطن لا ينفك عنا, ولا ننفك عنه, مهما طال الزمن أو قصر.

لكن, هل فعلاً هناك مصداقية حقيقية للشعارات السابقة, بمعنى أنها تعبر حقيقة عمّا نفعله, وما يمكننا فعله؟

أعرف مسبقاً أن حديثاً كهذا يعرضني للمزايدة, فأنا هنا تجاوزت حدود المنطقة الآمنة التي يحصر الكثيرون كتاباته داخلها, خوفاً وهرباً من أي ثمن, واسترضاءً لعواطف خالية من التعقل, وبالمناسبة أيضاً ليست المنطقة الآمنة محصورة في السياسة, فيما هو ديني أيضاً يمكنك مواصلة تجنب قول الحقائق المرة, والظهور كمتدين مدافع عن الدين, وأنت تعرف يقيناً أنك تخفي على الناس ما تعرفه, وما تقوله سراً في جلساتك المغلقة, لكنك لا تريد صداماً مع العواطف الدينية, والسياسية, فتقول ما يرضي الطيبين, فيهللوا لك, وتعرف أيضاً أن من يعرفون ما تعرفه ليسوا خطرين, ولا مانع إذن لو قسوت عليهم إرضاءً للطيبين..!

بالعودة إلى سؤالنا عن حقيقة تلك الشعارات.

إن ما نسميه نحن قواعد اشتباك هو في الحقيقة هدوء مقابل هدوء, دون أي ثمن سياسي أو وطني حقيقي, فنحن لا نعرض هدوءاً مقابل القدس, ولا هدوءاً مشروطاً بإلغاء الضم, نحن فقط نسعى لإخراج الحمار والنعجة والدجاجة التي أُدخلت إلى غرفتنا الضيقة, التي كنا نطالب بتوسيعها قبل معادلة قواعد الاشتباك..!

نحن نطالب بقضايا حياتية بسيطة كانت في أيدينا حتى قبل دخول السلطة, وحصلنا عليها بعد دخولها, ثم ماذا؟ إنه هدوء في 1,3% من مساحة فلسطين, بينما 99% من فلسطين صارت خارج معادلة قواعد الاشتباك.

وماذا عن مراكمة القوة؟

هل نحلم فعلاً بأننا في هذه البقعة الحزينة سنراكم قوة ستدمر إسراا ئيل؟!

ليس هناك عاقل واحد يزعم أننا سنزيل إسراا ئيل بقوانا الذاتية, والمقاا ومة لم تكن إلا لهدف واحد هو الحفاظ على جذوة الصراع مشتعلة, وإبقاء المظلومية الفلسطينية حاضرة في الوعي العربي, والإسلامي, والعالمي أيضاً, أملاً في الوصول إلى تغييرات جذرية حقيقية في المنطقة لصالح فلسطين.

وباختصار: فإن هذه التغييرات ليست بادية في الأفق, وعكسها هو الواضح لكل ذي بصيرة, ثم ما هي هذه التغييرات؟ إنها- باختصار أيضاً- أن يملك محيطنا العربي والإسلامي قوة تفوق قوة إسراا ئيل, وحلفاءً أقوى من حلفاء إسرئيل, هذا طبعا إن كان هدف إزالة إسراا ئيل عسكرياً لا يزال مطروحاً على أجندة أصحاب نظرية مراكمة القوة, وقواعد الاشتباك.

نحتاج إلى شيء من الصدق مع أنفسنا, ومع شعبنا, ليس لندفعه تجاه التخلي عن أحلامه, إنما لنعيد البحث من جديد عن وسائل ممكنة, وقادرة بالفعل على تحقيق أهدافنا الوطنية المشروعة.

أطلت كعادتي.

وللحديث بقايا.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *