انتهت مرحلة وبدأت اخرى

انتهت الثورة الفلسطينية التي بدأت رمزيا بانطلاقة حركة فتح عام ١٩٦٥ وعمليا بعد حرب حزيران ١٩٦٧ ، انتهت بالجيل الذي انطلق بها وانخرط فيها ، انتهت باستراتيجياتها وفكرها ومقولاتها ، انتهت بآليات عملها وأساليبها ، انتهت ببنيتها ومكوناتها ، انتهت بكل تفاصيلها ، انتهت قبل أن تحقق أهدافها ، استشهد من استشهد ، شاخ من شاخ ، انحرف من انحرف ، تهمش من تهمش ، مرحلة بكل تفاصيلها قد انتهت ، بيمينها ويسارها ، بالتكوين الديني والوطني والاممي ، بالشمولي والديمقراطي . كل ذلك انتهى وإلى غير رجعة ، بدون تفاصيل فقد انتهت مرحلة وها هي مرحلة تبدأ .
وعندما نقول انتهت الثورة الفلسطينية المعاصرة فذلك ليس شيئ خارج عن المألوف ، القانون الطبيعي ان الحركات السياسية تصل لمرحلة استنفاذ دورها وذاتها لتحل محلها قوى جديدة ، وكما ان ثورتنا المعاصرة هي امتداد لثورة عام ١٩٢٩ وثورة ١٩٣٦ ، وثورة القائد الشهيد عبد القادر الحسيني فان ثورة جديدة ستأتي امتداد لنا ، هذا هو الطبيعي ، هذا هو السياق التاريخي للتطور ، هذا هو قانون علم الاجتماع السياسي ، لا يوجد حركة سياسية صالحة لكل وقت وكل جيل وكل ظرف . من هو حريص على بقاء القديم على قدمه يعمل عكس حركة التاريخ ، عكس التطور ، عكس المستقبل ، كمن يريد ان يوقف الكرة الارضية عن الدوران ، يحارب قوانين الحياة السياسية ، قد يعطل البعض هذا التطور ولكن بالتأكيد لن يوقفونه . ويجدون أنفسهم في لحظة يلهثون خلف التطور السياسي دون أن يلتحقوا به .
نحن في مرحلة ضبابية انتقالية مرتبكة ، لا القديم انتهى تماما ولا الجديد قد ولد تماما ، هي المخاض المشبع بالألم والانتظار . تختلط فيه الألوان والمفاهيم ، القديم يحاول التشبث والجديد يتقدم بخجل . إنها ليست مرحلة ، انها اللحظة التاريخية التي تفصل بين مرحلتين ، انها المسافة الفاصلة بين ماضي يحتضر وجديد يبتعث من رحم المستقبل ….
الجديد الاتى لا تصلح معه مصطلحات المرحلة الماضية ولا طرائق عمله ولا بنيته ولا جيل المرحلة السابقة ، الجديد القادم يكون ذاته بطريقته الجديدة المختلفة ، يبلور مفاهيمه ، يعيد ترتيب اولياته ، يأخذ شكله المفترض ، لا يخضع لاعتبارات المرحلة الفارطة ، ولا يستخدم ادواتها . الجيل القديم لا يعيش اوهام المرحلة السابقة ولا يقرأ ادبياتها ، ولا يغوص في مشكلاتها . يرى دوره بشكل مختلف .
صحيح ان لا وضوح حتى الآن لطبيعة المرحلة القادمة ، ولا قوالب جاهزة ، صحيح انه لا رموز ، لا بنية ، ولا رؤية ، الثورات لا تأتي بقرارات ولكن التراكم يصنع وعيا ويصنع توجها ويصنع رموزا ويصنع بنى ويصنع رؤيا ، السواقي تصنع النهر العظيم ، سقطت آفة الايديولوجيا كرؤية جاهزة ، الآن الثورة احتياج حيوي ، كل شيئ تغير ، في عصر العالم القرية وثورة الانصالات والمجتمع الافتراضي بالتأكيد هناك انعكاس على البنية والشكل والرؤيا للثورة ، نتائج المرحلة السابقة ايضا لها انعكاسات ، البعد الاقليمي والدولي ، والتراجع العربي … كل تلك عوامل مؤثرة .
لا يحتاج هذا الجيل – الجديد – الى اساتذه ليعلموه كيف يشق طريقه وكيف يصنع مستقبله ، معاناته تعلمه ، انفتاح العالم أمامه يعلمه ، تجربة الاجيال السابقة تعلمه ، تعثره وسقوطه ومعاودة الوقوف تعلمه ، هو اقدر على التعلم من جيلنا ببساطة لانه يمتلك ادوات اكثر فاعلية وادوات اتصال اسرع ، وسعة انتشار اوسع ، ومنهجية عملية اكثر ديناميكية .
لا تخافوا عليه ، دعوه يشق طريقه بدون وصاية ، واحتراما للذات ابتعدوا عن مفاهيم الوصاية عليه لانه ببساطة سيرفضها بجرأة قد تعتبرونها وقاحة وقد يهز وقاركم .
التشبث بقيادة المرحلة لا يفيد ، اخلوا الساحة لجيل يمثل المستقبل ، يمثل الأمل ، يمثل الفضاء المفتوح على الحرية . انه جيل متسامح مع اخطاء من سبقوه ولكن حذار ان يفهم هذا التسامح خطأ ، فهذا الجيل الواعد حاسم وحازم في اخذ دوره وممارسة واحبه ولا ينتظر الاذن من احد .
هذا الجيل اصيل ولكنه ليس ساذج ، لا يقرأ كثير لكنه يستوعب الحياة وضروراتها تماما ، متحرر ولكنه يمتلك قيما لا يحيد عنها ، انه جيل يمتلك منهجية علمية لا تستوقفه الشعارات . انه جيل امين لمستقبله ، ” لن يعيش في جلباب الابوة ” ولكنه لن يكون جيل عاق ، سيأخذ من تجربتنا ما يعمق ويطور تجربته الخاصة ويتقدم بشجاعة الى الامام ،
من يعتقد ان هذا كلام نظري ولا وجود له في الواقع ليفتح عينيه على الوضع ليرى لوحة الشطرنج وليس حجارة الشطرنج ، ليرى الاحداث في سيرورتها وليس في سكونها ، حينها سيرى المتغيرات واتجاهها وسيكتشف ان ” الأرض رغما عنا تدور وستبقى تدور ” السياسي الفلسطيني ويقرأ المشهد بشمولية ، ليرى الغابة وليس أشجار الغابة ،
جيلنا ليس ، ثورتنا ، قيادتنا ، لم يكونوا بداية النضال الفلسطيني ، ولن يكون نهايته ، التاريخ ام يبدأ بنا ولن ينتهي بنا .
عن معا