انتفاضة القدس: لا لصواريخ غزة، لا لسياسة رام الله


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

المقاومة ووسائلها كالحكمة في العمل، هي الفعل المناسب في الوقت المناسب والزمن المناسب والمكان المناسب. لا تكون وسيلة المقاومة مُقدسة في كل زمان ومكان وظرف من دون تقدير الاعتبارات والمعطيات والحيثيات. الهدف والغاية اهم من المقاومة التي هي قبل كل شيء وبعده وسيلة. فلسطينيا، تشهد تجاربنا القديمة والحديثة ان المقاومة الأكثر فعالية ونجاحا وانجازا على الأرض داخل فلسطين هي تلك الاشكال التي ابدعت في جذب عشرات ومئات الوف الجماهير الى الشوارع والساحات، منذ ثورة واضراب ال 1936 الى الانتفاضة الأولى ووصولا الى انتفاضات القدس المُتتالية. في سياق جغرافية مُحاصرة وتفوق عسكري إسرائيلي كبير، تكون صور المقاومة الشعبية وكما نراها هذه الأيام في ساحات القدس هي الانجع والأكثر تأثيرا ونجاحا. والعمل العسكري سواء عبر إطلاق الصواريخ او غيره سوف يربك الحراك الشعبي، ويخيف الناس، ويرجعهم الى بيوتهم، فضلا عن انه سوف يشتت الاهتمام الإعلامي وغيره. اذا اطلق مائة صاروخ الآن باتجاه بلدات غلاف غزة وغيرها فقد تجرح واحد او اثنين من الإسرائيليين سوف يحتلون جزءاً كبيرا من التغطية الإعلامية الغربية وغيرها، وبالتالي تشرخ الاهتمام الإعلامي وتبعده عن القدس، وعمليا لن تخدم انتفاضة المقدسيين. حرب التغطيات الإعلامية وإظهار وحشية الاحتلال جزء لا يتجزأ من الحرب الكلية.

من زاوية اعرض ومنذ مشروع أوسلو 1993 الذي دمر البوصلة الفلسطينية واحال الشعب الفلسطيني بغالبيته الى متفرجين وليس مشاركين في المشروع الوطني، شهدنا انقساما بين منطقي “التسوية” و”المقاومة”، وهو الذي انعكس على الأرض سنة 2007 على شكل انقسام جغرافي وسياسي ودموي. احد جوانب الخطورة في هذا الانقسام، وربما الأخطر، هو تحييد الشعب نفسه بسبب سيادة نوعين من الاحتكار: احتكار السياسة من قبل السلطة في رام الله، واحتكار المقاومة من قبل السلطة في غزة. تحول الجوهر السياسي للصراع بمكوناته الكبرى مثل التحرير، السيادة، الاستقلال، القدس، اللاجئين، الحدود، المستوطنات، وسوى ذلك، الى موضوعات تفاوضية تنخرط فيها السلطة السياسية (حتى بعيدا عن منظمة التحرير الفلسطينية)، ونوع الانخراط هو المفاوضات التي لا تنتهي. بطبيعة الحال لا مكان في هذا النوع من السياسة للناس العاديين وللشعب، ومع العقود الطوال العجاف لأوسلو نمى خليط مؤسف من الحياد السلبي واللامبالاة والعجز عن الفعل لدى غالبية الناس، الذين انكفأوا لمتابعة شؤون حياتهم العادية اليومية. أوسلو فرغت الطاقة الثورية للشعب واجهزت عليه ليس فقط من ناحية ممارسة المقاومة، بل وأيضا من ناحية ممارسة السياسة. احتكار السياسية وخصخصتها من قبل السلطة لم يترك أي فضاء صحي لممارسة سياسية تحاسب السلطة السياسية على اخطائها حتى في المجال الاحتكاري الذي استولت عليه. الخلاصة هنا هي ان الشعب تم إخراجه من المعادلة الوطنية، وحُصرت السياسة في يد الطبقة المُتنفذة والمُتكلسة.

في المقابل، تم إزاحة طبيعة المقاومة من شكلها الشعبي الى العسكري، وتلاه احتكار المقاومة العسكرية سواء في غزة جغرافيا او من قبل حماس كطرف فاعل، وهذا أنتج آلية مشابهة لما انتجته آلية الاحتكار السياسي وهي تحييد الناس واخراجهم من ساحة الفعل. احتكار السياسية اخرجهم من دائرة الفعل السياسي، واحتكار المقاومة اخرجهم من دائرة الفعل المقاومي. انتقلت المقاومة من سمتها الشعبية في الانتفاضة الأولى الى سمة عسكرية مسلحة لا يستطيع ان يمارسها الافراد العاديون. وعندما نزلت هذه المقاومة العسكرية الى الشارع بثقلها وأسلحتها، وعملياتها، ثم بصواريخها، فإن النتيجة الطبيعية كانت خروج الناس من الشارع وعودتهم الى بيوتهم. أصبحت المقاومة، العسكرية هنا، ممارسة بالغة الصعوبة والتعقيد ومحتكرة من قبل التنظيمات القادرة عليها، وأحيل الشعب الى التقاعد المُبكر أيضا. تولد وعي ولو متأخر لهذه المسألة، أي حياد الناس في مشروع المقاومة، ونتج عن ذلك مشروع مسيرات العودة التي شهدت بداية واعدة وشاملة ونجحت في إعادة الشعب الى الشارع وساحة النضال في قطاع غزة. لكن مرة أخرى لم تستطع مظاهر العسكرة كبت جماح ذاتها فتسللت الى تلك المسيرات فقادت الى اضعافها ثم انهائها. كلما زاد تسلل العسكرة كلما اضمحلت المقاومة الشعبية وتشتت البوصلة.

السياسة والمقاومة كلاهما وسائل لأهداف كبرى، وفي حال تحولت الوسيلة الى هدف بحد ذاته فإن ذلك يعني الوقوع في سيرورة تآكل لا واعي لمن يقع في تلك الممارسة، سواء أكان فردا ام جماعة. وهذه ظاهرة شبه بيولوجية مشهورة تلاحق الجماعات والأحزاب والهيئات التي يتم تأسيسها بغية تحقيق هدف سام معين، لكنها مع مرور الزمن واستعصاء تحقيق الهدف تتحول هي ذاتها الى الهدف وتصبح المحافظة عليها هي الغاية السامية.

المفارقة المُؤلمة حاليا، ان ساحة المقاومة الشعبية التي يُتاح فيها للفلسطينيين كشعب وناس عاديين عُزل مقاومة المحتل انتفاضيا وشعبيا هي القدس حيث لا توجد سلطة فلسطينية. في الضفة الغربية وفي قطاع غزة حيث تتواجد سلطتان فلسطينيتان هناك حياد وتحييد للشعب بسبب احتكار السياسة هنا واحتكار المقاومة العسكرية هناك. في المكان الوحيد الذي لا تطاله السلطتان، القدس، المطلوب منهما كف يد التدخل السياسي وكف يد التدخل العسكري حتى لا يتم اجهاض الفعل الشعبي باكرا. في ظل بشاعات الرسميات الفلسطينية التي انتجت اليأس والإحباط لدى الناس، لتُترك انتفاضة القدس بيد شبابها وشاباتها من دون تدخل سياسة رام الله او صواريخ غزة.

 

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *