انتخابات آخر إمبراطورية

رغم أنها انتخابات محلية لا يصوت فيها سوى السكان المحليون إلّا أن الانتخابات الأمريكية ذات طابع عالمي بحكم كون الولايات المتحدة هي الدّولة المهيمنة على العالم، وهي الإمبراطورية الأخيرة إذا صح التعبير.

صراع المحافظين والليبراليين هو صراع عالمي يأخذ شكلًا خاصًا في الدولة الأولى في العالم، المبدأ العالمي يصدم بهذا الشكل الخاص، أي أنه يصطدم بالثقافات المحلية وحدودها وهنا كان التحدي الصعب للأيدولوجيات العالمية، الماركسية والليبرالية تحديدًا.

العقل النظري الماركسي حاول صياغة نظريات متعددة حول التمايز الثقافي والعرقي وتداخله مع نمط الإنتاج الرأسمالي والرأسمالية كنظام عالمي، أما الليبرالية فلم تحاول الوصول إلى شيء نظرًا لعقمها الفكري واكتفت بشعارات عامة من قبيل “كل البشر أخوة”.

ولكن انتهى الأمر بكلا الطرفين برفع شعار “حق الشعوب في تقرير المصير”، هذا الحل كان مفيدًا في حالات كثيرة ولكنه لا يحل التعارض بين العام والخاص، أي بين المبدأ العالمي والثقافة المحلية.

عودة إلى أهمية الانتخابات الأمريكية، فإن انتخابات آخر إمبراطورية تلقي بظلالها على القضايا العالمية ككل: فلسطين، أوكرانيا، تايوان إلخ. وهنا نجد أن تعارض مواقف الحلفاء اتجاه أمريكا، ففي روسيا يفضلون ترامب (المحافظين) الذي لا تصف بالعداء الهستيري لروسيا كما هو حال الليبراليين، بينما في الصين (وحتى إيران) ترامب يتبع سياسات أكثر تشددًا اتجاه الدولتين المذكورتين سواء ترجم هذا العداء إلى حرب اقتصادية كما في حالة الصين، أو عقوبات واغتيالات علنية كما في حالة إيران.

وحتى التيارات العالمية التي تعنى بالقضايا التافهة مثل المثليين والإجهاض، يهمها أيضًا هوية السلطة الأمريكية التي ستنتخب لمدة لا تقل عن أربعة سنوات. غير أن الليبراليين واليمين في بلدان أوروبا مهما اختلف مع هوية السلطة الأمريكية فإنه لا يستطيع الفكاك منها والخروج من فلكها بحكم ترتيبات النظام الرأسمالي العالمي منذ حقبة مكافحة الشيوعية (خطة مارشال) إلى اليوم.

ولكي لا نقع في الخطأ فإن الليبراليين واليمين لا يمتلكان قيادة عالمية فعلية ورسمية -كما كانت الأممية الشيوعية مثلًا- ولكن ترتيبات الاحداث بتؤدي لأن اليمين بيدعم بعضه بصورة جدلية، وكمثال نذكر فيكتور أوربان المعروف بيمينيته المتشددة ولكن السلطة التي يقودها معنية بسلم مع روسيا والبقاء ضمن الفلك الأمريكي لذلك قال بكل صراحة في مقابلة مع تارك كلارسون: “أعيدوا ترامب – bring back trump”.

الدعم الأمريكي لكل الموجات اليمينية في العالم آتٍ بالأساس من محاولة منع صعود اليسار التحرري الحقيقي الذي سيخرج من فلك التبعية الأمريكية، كحالة فنزويلا ومجمل يسار أمريكا اللاتينية، وفي حالة أوروبا فإن اليمين يفضل صعود الترامبية ولكنه في كل الحالات لن يدخل في صدام جذري مع الولايات المتحدة.

بالمجمل فإن انتخابات الولايات المتحدة هي انتخابات عالمية، انتخابات آخر إمبراطورية، وتكسب تعقيدًا خاصة عند الأعداء والحلفاء ولكن في النهاية فإن الانقسام إلى معسكرين عالميين على أساس “إمبريالية – لا إمبريالية” وإذا شئتم “عالم بلا هيمنة” بات هو المحرك الأساس، خاصة بعد الصراع في أوكرانيا، فروسيا لن تتخلى عن حلفائها المخلصين لصالح اليمين الأمريكي في وضع لا تضمن بقاءه لأكثر من أربع سنوات، ولنقس على ذلك باقي أعضاء المعسكر الجديد.

بهذا المعنى فكل نصر لليسار التحرري في أي بقعة من العالم هو ضربة للإمبراطورية

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *