عوني المشني

سكت الكلام

هو سيأتي، ربما لن يأتي، لكنه قطع الوعد ان يأتي، قد يأتي او لا يأتي ……. وانتظرنا سنوات في طريق مقفرة، ثرثرنا كثيرا، بنينا الوهم قصورا، عقارنا الامل خمرا، وعشنا ترف الانتظار ……

ولكنه لم يأتي …..

هكذا حال شعبنا ….كشخصيات صموئيل بكيت في مسرحيته الرائعة ” في انتظار غودو “.

سكت الكلام

انتهت المراهنات على الاصلاح من الداخل … النقد البناء، والنصح والارشاد، والمشورة والاستشارة، جميعها سقطت، ولم تعد تجدي، فالموضوع ليس خطأ نابع عن جهل او عدم خبرة او تقدير في غير مكانه، الموضوع منهج وعن سبق اصرار ومعرفة مسبقة بأبعاده، الموضوع شبكة معقدة من المصالح، الموضوع تداخل المحلي بالإقليمي بالدولي لتصنيع وتأسيس نظام بأبعاده الادارية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

سكت الكلام

انتهت المراهنات على معارضة اصبحت وجها اخر تكمل النظام، معارضة فقدت ادواتها واليات عملها وخطابها واوتار صوتها، معارضة ” تدجنت ” ودخلت بيت الطاعة بخيارها، معارضة وظيفتها في هذا النظام هي قطع الطريق على نشوء معارضة حقيقية مختلفة.

سكت الكلام

استنفذنا كل التحليلات والتوصيفات والاستنتاجات، قتلنا الامر تحليلا وبحثا، فتشنا تحت كل حجر، أضأنا كل زاوية، استخدمنا المنطق واللا منطق، استهلكنا قدراتنا العقلية ومخزوننا العاطفي، وظفنا التاريخ والجغرافيا والفلسفة والاقتصاد في قراءة الوضع، وصلنا الى النتيجة الاجبارية، وضع خرج عن السيطرة، لم يعد قابلا للاصطلاح، المقاربات لتصحيح المسار تجاوزتها الاحداث.

سكت الكلام

الوضع كالتالي: نحن امام منهج غير قابل للاصطلاح، معارضة فقدت لون جلدها وبريق عينيها واوتار صوتها، ولم يعد التحليل مجدي كون الامر بات بديهيات لا تحتاج الى اثبات كما هي البديهيات العلمية. نحن امام مثلث متساوي الاضلاع ونسبي في مسؤوليته عما آلت اليه اوضاعنا: السلطة وهنا وفي مكان اذكر السلطة اقصد سلطتي غزة والضفة، المعارضة الرسمية وهي تنظيمات اليسار الفلسطيني وحركة الجهاد الاسلامي، والمثقفين والتكنوقراط الفلسطيني ومؤسسات المجتمع المدني. كلا الاطراف الثلاث فشلت في اجراء او دفع الحالة الفلسطينية الى ما هو افضل، واذا كان واضحا دور السلطة والمعارضة في هذا الفشل فان التباسا من نوع ما يكتنف دور المثقفين والتكنوقراط الفلسطيني ومؤسسات المجتمع المدني، الالتباس هنا كون هؤلاء لا يمثلوا شريحة متجانسة اولا وثانيا دورهم الطبيعي ينحصر بكونهم قوة تفكير اكثر من كونهم قوة فعل ، وهذا يقلل الى حد كبير من مسئوليتهم ولكن عندما لا يستطيعون ترجمة افكارهم الى الرائعة الى برامج وادوات تغيير فانهم يتحملون مسؤولية، عندما لا يستطيعون التأثير في القوى السياسية اولا وفي صياغة الرأي العام ثانيا فان هذا يحملهم قسطا من المسؤولية، عندما يختارون منهج السلامة الشخصية بعيدا عن التصدي المباشر للمهمات الفكرية بجدية هذه ايضا تأتي في الحسابات ، اضافة لتقاعس ما في دورهم في تفعيل مؤسسات المجتمع الهمني من نقابية ومؤسسات بحث وفكر مؤثرة . ربما هم حاولوا ويستحقون شرف المحاولة ولكن محاولاتهم لم تكن بالجدية الكافية لإحداث التغيير.

سكت الكلام

هل يعني هذا اننا امام قدر لا مهرب منه، هذا هو حالنا، لنتعايش معه ؟!!!! بالتأكيد الامر ليس كذلك، ولن يكون الركون للإحباط واليأس من التغيير هو النتيجة النهائية، دوما وابدا هناك خيار اخر يفضي الى ما هو أفضل، هناك خيار تشكيل جبهة عريضة بأفكار محدده وواضحة …. جبهة بعيدا عن الشخصيات التي فسدت او ” باعت واشترت ” في شعبنا، بعيدا عن الاحتكار الذي يمتص دم شعبنا ويتحالف مع اعدائه، بعيدا عن مثقفي البلاط ورجال افتاء البلاط، بعيدا عن مزوري التاريخ ومروجي الوهم وقصيري النفس.

جبهة وطنية عريضة وفاعلة، لا حزبية اولا، برنامج انقاذ وطني، التعاطي مع القضايا بتفاصيلها، ليست ضد أحد وليست في جيب أحد، تنأى عن المناكفة والمحاصصة، تعيد صياغة الرأي العام، تتابع كل القضايا، تخرج للشارع إذا ما لزم الامر، تحترم ارادة الجمهور، جبهة مرنة في البنية وثابتة في المواقف، جسورة وغير خجلة. جبهة تلتقي او تختلف مع الاخرين على قاعدة المواقف وليس الشخوص، تلتقي حيث يجب وتختلف حيث لا مفر.

سكت الكلام

بالأمس كان مبكرا، غدا قد يكون متأخرا، اليوم هو الوقت المناسب، طفح الكيل ولم يعد وقت لترف الانتظار، ضاق الزمان علينا والانتظار أكثر سيجعل الزمان يضيق بنا، لا شيء في الافق ننتظره

الذي لا يأتي سنذهب اليه

والذي ننتظره هو بين ايدينا وامام ناظرينا

والوقت من دم، الوقت من وطن

لا وقت للوقت، لا وقت للكلام، ماتت الحروف على شواطئ المعنى.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *