الهويّة المتوتّرة
في منعطفات من الحياة والأحداث ينتاب الفرد شعور برغبة في الخروج من جماعة الانتماء أو عليها أو ضدّها. في منعطفات من الحياة قد يصرخ الفرد بأعلى صوته “أنا لا أنتمي”، “أنا لست منكم” أو “لا يشرّفني الانتماء لكم”.
في مثل هذه المنعطفات يحصل قطع للصلة بين الفرد وجماعته المتخيّلة. ويُرافقه أحيانًا انتقال من الجماعة الأصليّة لجماعة أخرى. وهو انتقال في الوعي أو المكان أو اللغة أو السلوكيات، أو جميعها أو بعضها.
يحصل هذا عندما تخيّب مجموعة الانتماء المتخيّلة آمل الفرد وتطلّعاته. عندما تأتي بسياسات لا تعجبه أو مواقف “مُخزية” أو سلوكيات “وحشيّة” أو غير عقلانية.
في حالة الـ “فيك سلام” بين إسرائيل وبعض دول الخليج أو في مسألة أداء أوساط عربية في حالة الكورونا أو في حالة العنف المجتمعي أو التشرذم السياسي يُعبّر أهلنا عن الشعور بـ”القرف” من جماعة الانتماء بأشكال عدّة ينقلها لنا الفيسبوك ببث مباشر وبكثافة. وهي مشاعر طبيعيّة تنتابنا جميعا في ضوء “إخفاقات” جماعة الانتماء. وهو تعبير مفهوم عن “غضب” أو “عدم اتّفاق” أو “خيبة”. فيما يلي ملاحظاتي على هذه الظاهرة:
الأولى ـ أن البعض يأخذ مشاعره الطبيعيّة ويحوّلها إلى موقف استعلائي من جماعته يعكس وجود توتّر في هويّته،
الثانية ـ أن البعض لا يفهم نفسه ولا يراها إلّا من خلال رؤية الآخر وتقييمه لها على ما يعنيه ذلك من تنميط وأفكار مسبقة وشيْطَنَة وتحقير. ظاهرة بارزة عندما يكون مبنى القوة بين هويّتين/جماعتيْن مائلًا لصالح الآخر ـ المركز الإسرائيلي اليهودي مثلا!
الثالثة ـ إن البعض يستعملها حجّة للانتقال إلى خارج الجماعية أو ليبرّر وجوده هناك أو في جماعة انتماء مضادة،
الرابعة ـ إن مفهوم الانتماء والهوية خاطئ من أساسه لدى البعض فهو يعني انتماءً مطلقًا تأتي الخيبات بردود فعل مُطلقة بالاتجاه المعاكس. وهي حركة يعتقد صاحبها أنه تخلّصه من موقع الضعف والتخلّف والخسارة وتنقله إلى موقع الفوز والقوة.
الخامسة ـ إن هوية الفاعلين غير متعافيّة ولا تشمل القُدرة على النقد والحوار مع الذات الجمعية والفردية سعيًا إلى تطويرها وتحسينها،
السادسة ـ قد يحدث هذا عندما يتنازل الفرد عن مفهوم الهويّة على أنه وعي صاحبها وإبداع صاحبها. عندما يتنازل عن حقّه كفرد في أن يكون فعالًا وصائغًا لهويته بنفسه يُعطيها معناها ومضامينها وقيمها وطبيعتها ويرفض أن ينقلها نقلًا عما هو موجود ومُفترض و”مقبول” وأن يكون واحد من قطيع سائر معصوب الأعين!
عندما يكون فهمنا للهويّة تقليديًا فيكون اسمنا مرتبطًا بها، وعلى وجوهنا أو ظهورنا وشمتها أو وصمتها سنظلّ نواجه نوبات إشكالية مع الهوية تشدّ نحو الخروج منها وعليها. سنظلّ أسرى الهويّة التي تطحن الفرد وتمسح شخصيته عندما يكون معنى الانتماء عندنا هو أن تكون برغيًّا صغيرا في “ماكنة” الجماعة و”حروبها” و”عصبيتها” ـ نلاحظ حصول هذا كثيرا في الانتماءات الإيديولوجية عندنا.
أمّا المخرج فهو تبنّي مفهوم الهوية المفتوحة التي يُشارك الفرد في صُنعها بيديه وبجهده وأفكاره ورؤيته ووعيه. المخرج هي في تبني حقيقة أن كلّ جماعة هي جماعة متخيّلة وأنه يحق للأفراد فيها أن يُسهموا في تحويلها وتغييرها وإنتاج مضامينها من جديد في كلّ مرة يرون العطب فيها والقصور.