الهجوم على رفح إمعان في جريمة الإبادة


تعتبر إسرائيل معركة رفح حلقة حاسمة في حرب الإبادة التي تشنها على الشعب الفلسطيني.
يقول وزير الحرب غالانت إنه مصمم على تفكيك كتائب حماس في رفح استكمالاً لتدمير قدراتها العسكرية وإعادة الردع، ويعتبر ذلك أولوية استراتيجية عليا لإسرائيل.
موقف الحسم العسكري تتبناه حكومة نتنياهو التي رفضت وقف الحرب وسحب قواتها من القطاع مقابل الإفراج عن الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين.
ثمة تعارض محدود بين الموقف الإسرائيلي والموقف الأميركي.
فإدارة بايدن تدعم أهداف إسرائيل في الحرب لكنها ترى أن إبرام صفقة التبادل لا يتعارض مع تحقيق الأهداف الإسرائيلية. وهي ليست مع إنهاء الحرب لكنها مع اتفاقات هدنة، وتدعو إلى تقليل الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين وإيجاد «أماكن آمنة» لأكثر من مليون مواطن في رفح قبل اقتحامها، والانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب.
الموقف الأميركي لا يمنع إسرائيل من دخول رفح مع الأخذ بعين الاعتبار المخاوف المصرية.
ويدعو إلى نقل المدنيين من رفح. ولكن يهم إدارة بايدن مواءمة الحرب مع الأهداف الإسرائيلية ومع خفض التوتر الإقليمي، و»الوعد «بدولة فلسطينية، واستكمال اتفاق التطبيع السعودي الإسرائيلي. وكل ذلك عناصر مهمة في الدعاية الانتخابية للرئيس بايدن.
يلاحظ أن اللاعبين الرئيسيين في الحرب هما بايدن ونتنياهو وما عداهما من دول عربية وإقليمية وأوروبية ودول عظمى كالصين وروسيا والهيئات الدولية الأخرى، لا تأثير لها في قرار وقف الحرب أو استمرارها.
الموقف الإيراني بدوره ليس مع تصعيد التوتر الإقليمي كما يقول وزير الخارجية الإيراني، وينعكس هذا الموقف على الميليشيات التابعة أو التي تدور في الفلك الإيراني.
هذا الواقع يسمح لدولة الاحتلال الإسرائيلي بغزو رفح وقد بدأت تعد العدة لذلك، بالحديث عن نقل المهجرين – حوالى مليون – من رفح إلى منطقة المواصي في خان يونس على بعد 4 كيلو مترات من مدينة رفح. تبلغ مساحتها 16 كيلو متراً مربعاً وستكون الكثافة السكانية فيها 62.500 شخص للكيلو متر المربع الواحد.
هذه المنطقة لا توجد فيها مياه جارية ولا وسائل للعيش ولا كهرباء ولا مستشفيات وسيصبح المكان الآمن فخاً إسرائيلياً للموت كما تقول عميرة هاس في هآرتس، وتضيف: سيعطي الجيش أمره بالإخلاء فجأة وخلال ساعات يتعين على الناس المغادرة سيراً على الأقدام، مسيرة من الجائعين والخائفين والمصابين وكبار السن والأطفال. ومن يبقى في رفح لا يستطيع الحركة وفي حالة محاولته الحصول على المياه والخبز والدواء تطلق عليه النيران فضلاً عن تعرض البيوت للقصف تحت أي ذريعة.
معظم التقديرات تتحدث عن مأساة قد تلحق بالمواطنين في رفح، فلا يمكن الركون إلى الوعود الإسرائيلية التي حولت كل «مكان آمن» أو قالت إنه سيكون آمناً، إلى جحيم لا يطاق.
أصبحت حماية المواطنين من فصل الإبادة الجديد مسؤولية فلسطينية وعربية ودولية، وأصبح الأمر الاحترازي لمحكمة العدل الدولية بمنع حرب الإبادة وتوفير الاحتياجات الإنسانية للمواطنين على المحك أيضاً.
وقف نزيف الدم وقطع الطريق على مأساة وفاجعة جديدة لمليون ونصف المليون مهجر فلسطيني يقيمون الآن في رفح، وقف أي تدمير لمدينة رفح وأي تدمير إضافي للمستشفيات وما تبقى من منازل في المدن والمخيمات الأخرى، واجب وطني لا يضاهيه واجب للسلطة والمنظمة والفصائل والمؤسسات والأفراد.
ليس من الصعب معرفة قدرة دولة الاحتلال على التدمير والقتل ولا تجريبها مرات إضافية، ولا تستطيع هذه الدولة تسجيل إنجاز تتفاخر به وتسجله كانتصار على شعب أعزل بصيغة حرب إبادة، وانتصار على مقاومة بصيغة الأرض المحروقة، مقاومة لا تملك غير أسلحة محدودة وشجاعة مقاتليها في ظرف اقتصاد مدمر وببنية تحتية مدمرة وحصار أكثر من خانق.
المهمة المطروحة الآن استثمار الثمن الفادح الذي دفعه الشعب الفلسطيني والذي أخذ يتفاعل إقليمياً ودولياً وبدأ يتمخض عن التراجع عن سياسة تجاهل القضية الفلسطينية وحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، باعتباره مفجراً للصراع في عموم المنطقة، وإعادة الاعتراف بأحقية الشعب الفلسطيني في دولة وتقرير مصير، والذي يمكن أن يحقق إنجازات سياسية على طريق الخلاص من الاحتلال المزمن.
البداية بتجنيب رفح الفصل الأخطر من حرب الإبادة، وثانياً: تقديم رؤية وطنية فلسطينية تعبر عن مصالح الشعب الوطنية والحقوقية وعن وحدة الحركة السياسية تغلب مصلحة الشعب والمنكوبين على وجه التحديد على مصلحة الفصيل. ثالثاً: وضع مهمة وقف الحرب وانسحاب المعتدين والشروع في إعادة الإعمار وتضميد جراح المواطنين الجسدية والنفسية والتعويض عن الخسائر، والاستنهاض السياسي الذي من شأنه الحفاظ على وحدة المجتمع.
في الخطاب السياسي والإعلامي ما نزال نراوح في خطاب إنكار الواقع وإسقاط الرغبات السائد، الذي يتحدث عن فشل وهزيمة إسرائيل وانهيار ردعها وتفوق سلاح المقاومة المحلي على سلاحها الحديث، وعدم تمكن جيش الاحتلال من السيطرة على مدينة غزة وخان يونس والشمال واستمرار المقاومة في تلك المناطق، والشعب يحتضن المقاومة ويدعمها.
واكتشاف الغرب أن إسرائيل ستخرج من الحرب مهزومة، لكنها ستحاول الدخول إلى قلب مدينة رفح لتفادي الهزيمة. يقول البعض من أصحاب الخطاب المنفصل عن الواقع.
إما أن القيادة الإسرائيلية قد فهمت أنها هزمت وأنها مستعدة للمغامرة بكل شيء، أو أنها تراهن على وهن وتردد العرب ومخاوف جو بايدن وهواجس الغرب من امتداد الحرب لكي يتم إنقاذها، ولم يعد أمامها سوى أن تتسول ومن تحت الطاولة مثل هذا الإنقاذ».
هذا التوصيف الجزئي المبالغ فيه يتناقض مع الواقع على الأرض، مع حقيقة السيطرة العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة مع استمرار مقاومة الاحتلال واستمرار وجود الأسرى والرهائن في قبضة المقاومة.
يستطيع مئات المقاومين الاستمرار في مقاومة الاحتلال سنة سنتين وأكثر. ولكن هل هذا يعني هزيمة إسرائيل. وماذا يعني تدمير المجتمع وبنيته التحتية واستمرار الدمار والتحكم في الغذاء والدواء وتعطيل المدارس والمستشفيات والمزارع والمصانع والبنوك والاتصالات.
إلى متى يستطيع الشعب التعايش مع هذا الواقع المدمر؟ إن تجاهل الكارثة التي يعيشها 2.3 مليون فلسطيني في القطاع وتجاهل واقع السيطرة العسكرية على كل مفاصل القطاع يضعنا ليس في موقع متكافئ مع دولة الاحتلال، بل في موقع المنتصر.
قراءة واقع الحرب بين الاحتلال والمقاومة لا تختلف عن قراءة تفاعل الخارج مع العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. فمصر أمام خيارين إما الموافقة على التهجير أو رفض مطلق للعملية العسكرية ووقفها بالقوة وإنهاء الاتفاقية إن لزم الأمر.
واقع الحال أن مصر ترفض التهجير ولديها تحفظات على العملية العسكرية. والقول إن حرب إسرائيل في رفح ستوسع الحرب شمالاً وحزب الله سيعتبر الانتصار الإسرائيلي ممنوعاً وهزيمة فصائل المقاومة ممنوعة. وواقع الحال أن إيران لا تريد الدخول في حرب وقد انتقلت من وحدة الساحات إلى الإسناد وهو أضعف الإيمان.
عن الأيام