النقب والشيخ الهذالين…

يوجد تقاطع بين ما يحدث في النقب مؤخراً ومسيرة حياة واستشهاد شيخ المقاومة الشعبية في مسافر يطا سليمان الهذالين…
كلا الحدثين يبددان الصورة النمطية عن البدو وتماهيهم مع المستعمر الإسرائيلي، ويثبتان بالدليل العملي أن جزء كبير من البدو يقاومون التتبيع والتطبيع والذوبان مع الحالة الاستعمارية.
كلا الحدثين في الهامش بعيداً عن المركز ووسائل الإعلام والتنظير للمقاومة الشعبية، وأزعم بأنّه لو وجد شخص كالهذالين في المركز (رام الله) لرسمت صورته على الجدران، ولتم تصويره كرمز للمقاااومة الشعبية…
أثناء إعدادي لأطروحة الدكتوراة أجريت مقابلة مع أحد المزارعين في إحدى “خرب” يطا، قام فيها بسرد الفاعلية الفلسطينية في مواجهة منظومة الاستعمار الاستيطاني….في الحقيقة فوجئت بمستوى التضحية والشجاعة لدى هؤلاء المزارعين، فرغم الإعلان عن منطقة مسافر يطا كمنطقة عسكرية مغلقة إلا أنهم تمردوا على هذا الأمر العسكري وقاموا ببناء القرى في المسافر، وزراعة الأرض، رغم عدم وجود الإمكانيات…كانوا يحمّلون البذور والاشتال والسماد على ظهور البغال والحمير والجمال للوصول إلى المناطق التي سيزرعونها (وذلك لانعدام الطرق الممهدة)، ويخاطروا بحياتهم واحتمالية التعرض لإطلاق النار كونهم يدخلون منطقة عسكرية مغلقة….ورغم ما تعرضوا له من الضرب والأذى وأحياناً الاعتقال على يد الجيش الإسرائيلي استمروا في مقاومتهم الزراعية. فلم تجد المنظومة الاستعمارية حلاً سوى القضاء على المزروعات من خلال رشها بالمبيدات السامة عبر الطيارات، علاوة على اقتلاع المزروعات وتجريف الأرض المزروعة وهدم الآبار.
تكمن المفارقة بين مسافر يطا والنقب في أن المنظومة الاستعمارية ومن أجل السيطرة على الحيز (الأرض) اتبعت آليتين متناقضتين، ففي النقب تمثلت الآلية في زراعة الأرض من أجل الاستيلاء عليها وحرمان البدو (الأصلانيين) منها….وفي مسافر يطا كان اقتلاع المزروعات وإبادتها للاستيلاء على الحيز والسيطرة عليه.
لا تقتصر المفارقة على المنظومة الاستعمارية بل تمتد للمستعمَر، ففي مسافر يطا وقبل فترة من الزمن قام أحد رجال الأمن التابعين للسلطة الفلسطينية بإصلاح بنشر جيب عسكري، وكان المبرر وقتئذ هو تسهيل “الحركة” على المواطنين وتسهيل حياتهم لأن الجيب أوقف “حركة” السير. واليوم استش/ هد الشيخ الهذالين عندما دهسه جيب عسكري إسرائيلي بشكل متعمد، لا نعرف إن كان نفس الجيب أم لا، لكن الأمر لا يخلو من الرمزية….اليوم في النقب تقوم الحكومة الإسرائيلية التي تشارك فيها القائمة العربية الموحدة (كي تسير المركبة) وتسهل حياة الناس، بمحاولة دهس بدو النقب.