النظام الأبوي في السلطة الفلسطينية
ملخص:
تهدف الدراسة إلى تحليل ودراسة نظام الحكم في السلطة الفلسطينية منذ نشأتها سنة 1994 وحتى 2020. وتسعى إلى الإجابة على سؤال مركزي يتعلق بماهية النظام في السلطة الفلسطينية. تولد عن هذا السؤال عدة أسئلة فرعية، من أبرزها: ما مدى انتماء السلطة الفلسطينية للنمط النيوباتريمونيالي (الأبوية الجديدة). تستعين الدراسة بمنهجية متعددة التخصصات، مع إجراء مسح للأدبيات المتعلقة بالموضوع، وبالرجوع إلى المنشورات الصادرة عن السلطة، وإجراء المقابلات والمشاهدة. بتسلسل موضوعي وليس كرونولوجي. تكمن الأهمية النظرية للدراسة في التأكيد على استمرار النمط النيوباتريمونيالي لنظام الحكم في السلطة الفلسطينية منذ نشHتها وحتى وقتنا الحاضر. تجادل الدراسة بأنّ المأزق الذي تعيشه السلطة هو مأزق بنيوي يمتد لما قبل إنشائها، ناتج عن تغليب النمط السلطوي الذي يعتبر من خصائص نظام الحكم النيوباتريمونيالي.
كلمات مفتاحية: السلطة الفلسطينية، النيوباتريمونيالية، الزبائنية، الحكم الفردي.
1.مدخل:
عقب توافق الحزبين الكبيرين على الساحة الفلسطينية (فتح وحماس) على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، وتأكيد ذلك في المراسيم الصادرة عن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وإقرار معظم الفصائل الفلسطينية الذهاب للانتخابات عقب اجتماعها بالقاهرة في 8/2/2021، ثار جدل بين المهتمين بالشأن الفلسطيني حول إمكانية حل أزمة النظام السياسي الفلسطيني عبر الانتخابات، ذهب البعض لاعتبار الانتخابات مدخل للحل، فيما اعتبر الآخرون بأن أزمة النظام السياسي الفلسطيني بنيوية ولن تساهم الانتخابات في حلها. وبناء عليه جاءت هذه الورقة لتبحث في هذه الإشكالية.
يتفق كثير من الكتّاب والباحثين على وجود “أزمة” في السلطة، لكنهم اختلفوا في تشخيص سبب هذه الأزمة. من خلال مراجعة الأدبيات التي تناولت موضوع “أزمة” السلطة نلمس وجود ثلاث مقاربات. انطلقت أولها من نظريات التحول الديمقراطي لتحليل طبيعة السلطة الفلسطينية والتحولات على صعيد منظمة التحرير الفلسطينية “م.ت.ف”، يجادل ممدوح نوفل في السنوات الأولى لتشكل السلطة؛ بأنّ الأزمة تكمن في عدم تنظيم طبيعة العلاقة بين السلطة ومرجعيتها المتمثلة في “م.ت.ف”[1]. فيما ذهب جميل هلال إلى أنّ الأزمة ناتجة عن محاولة التحول من الحكم الذاتي للدولة[2]، وما رافق ذلك من تهميش لأوساط مهمة في النخبة السياسية[3]، وتفكيك للحقل السياسي الفلسطيني[4]. في حين يدعي عاصم خليل بأنّ الأزمة دستورية، ناشئة عن غموض وتنوع واستمرار تغير الوضع القانوني والدستوري في فلسطين[5]. في المقابل وعقب الانقسام السياسي الذي حصل بعد سيطرة حركة حماس على غزة عام 2007؛ ادعى أحمد سامح الخالدي بأنّ الأزمة تكمن في تآكل شرعية السلطة[6]. يتبنى أحمد مبارك الخالدي[7] الرأي نفسه، ويجادل بأنّ الأزمة تتمثل بفقدان رئيس السلطة (محمود عباس) لشرعيته بانتهاء فترة ولايته[8].
تتناول المقاربة الثانية أزمة السلطة من منظور اقتصادي تنموي. وقد نبّه حمدي الخواجا إلى تبعية السلطة الاقتصادية[9]، يتفق رجا الخالدي وصبحي سمّور[10] مع الخواجا في استنتاجه مستندين إلى التوجهات الاقتصادية النيوليبرالية للسلطة منذ نشأتها، والتي ظهرت بشكل واضح في فترة حكم رئيس الوزراء د.سلام فياض. يحاجج البعض بنيوليبرالية السلطة التي ترسخت عام 2009، وبالتحديد مع إطلاق فياض ما عرف بوثيقة “إنهاء الاحتلال وإقامة الدولة”[11]. من هؤلاء الكتّاب (على سبيل المثال لا الحصر)؛ لين جبري[12]؛ ليندا طبر[13]؛ توفيق حداد[14]؛ آدم هنية[15]؛ ليلى فرسخ[16].
ذهبت المقاربة الثالثة لتناول الأزمة من منظور شكل الحكم وممارساته القمعية، وانتهاج السلطة أسلوب الحكم التسلطي، وما يلحقه من تراجع الشكل الديموقراطي للحكم؛ والحريات العامة، وما يرتبط بذلك من انتهاكات لحقوق الإنسان[17]، والتي تمثلت بالتضييق على وسائل الإعلام[18]، بالإضافة إلى انتشار الفساد وغياب الشفافية[19].
يلاحظ من استعراض الأدبيات المتعلقة ببحث “أزمة” السلطة الفلسطينية، بأنّ بعضها استند على معالجات جزئية، دون استخدام أداة تحليلية شاملة للنظام السياسي، والذي ندعي بأنّه نظام نيوباتريمونيالي (أبوي جديد). بل إنّ بعض الدراسات تخلط بين أسباب الأزمة وأعراضها، وذلك من خلال اعتبار الفساد وانتهاك حقوق الانسان أو انسداد الأفق السياسي وغياب الرؤية السياسية سبباً للأزمة الحالية. في حين ذهب البعض إلى اعتبار منبع الأزمة يكمن في التوجهات النيوليبرالية للسلطة، دون أن يفحص هذه الفرضية امبريقياً، ومدى تطابق سياسات السلطة مع الأجندة النيوليبرالية. في المقابل؛ يجادل آخرون بأنّ أزمة النظام السياسي الفلسطيني تكمن في فقدانه للشرعية السياسية، بانتهاء فترة ولاية كل من الرئاسة والمجلس التشريعي، وبالتالي فإنّ الحل يكمن في إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، على خلاف ما تستنتجه هذه الدراسة.
قام البعض بدراسة وتحليل بنية السلطة الفلسطينية من خلال استخدام المفهوم/ النموذج النيوباتريمونيالي. من أوائل الباحثين الذين استخدموا هذا المفهوم كان Rex Brynen، والذي يجادل بأن البنية النيوباتريمونيالية للسلطة تمتد لما قبل إنشائها، وتعود لبنية منظمة التحرير الفلسطينية “م.ت.ف” النيوباتريمونيالية[20]. يتفق يزيد صايغ معه مشيراً إلى أن النمط النيوباتريمونيالي طغى على بنية “م.ت.ف” تحت قيادة الراحل ياسر عرفات[21]. فيما يعتبر علي الجرباوي بأن الإرث السياسي الفلسطيني قد ارتبط “بشخصية قيادية مركزية وكرزمية وذات استئثار كامل ومطبق على عملية اتخاذ القرار الفلسطيني”[22]. وأن اتفاقية أوسلو انتجت “منظومة سلطوية بطركية منظمة”[23]. في المقابل أّطّرت Helga Baumgarten نظرياَ للنيوباتريمونيالية في الحالة الفلسطينية، وذلك من خلال فحص العلاقة بين النموذج الباتريمونيالي ونموذج الدولة الريعية، كونهما يشتركان بنفس الأسس، بحيث يمكن أن نصطلح عليهما بالنموذج النيوباتريمونيالي[24].
اعتبر Mushtaq Husain Khan النموذج النيوباتريمونيالي غير كاف لتحليل الحالة الفلسطينية، بسبب عدم إعطائه دور مركزي للعامل الخارجي والمتمثل هنا بالاحتلال الإسرائيلي، لذلك يقترح بدلاً من ذلك استخدام نموذج دولة زبائنية محتواة بشكل غير متكافئ Asymmetric Containment Client State[25]. بينما عمد سامر إرشيد إلى اختبار النموذج النيوباتريمونيالي امبريقيا لدراسة الحالة الفلسطينية[26]. في المقابل تناول أنس اقطيط السلطة بواسطة استخدام نظريات الدولة الريعية اللانفطية، بانياً على اعتبار مفهوم الريع غير مقتصر على الموارد الطبيعية، وإنما يتعداه ليشمل أنواع الدخول غير المكتسبة كالتمويل الخارجي. يجادل اقطيط بأنّ السلطة (كدولة ريعية) تتصف بأنّها نظام غير ديمقراطي نيوباترومونيالي مرن[27].
اقتصر Brynen والصايغ على استخدام النيوباتريمونيالية كمفهوم دون اختبارها كنموذج نظري. بينما أطرّت Baumgarten نظرياً للنيوباتريمونيالية دون فحصهاً امبريقياً في السياق الفلسطيني. فيما تعمق Khan في فحص النموذج النيوباتريمونيالي ومدى انطباقه على الحالة الفلسطينية، لكن الإدعاء بأنّ النموذج النيوباتريمونيالي لا يولي أهمية للعامل الخارجي، هو إدعاء مفند، ف Richard Snyder و Jason Brownlee تناولا دور العامل الخارجي[28]. في المقابل ذهب اقطيط إلى اعتبار النيوباتريمونيالية من خصائص الدولة الريعية، بينما يشير الواقع إلى العكس من ذلك، فالدولة الريعية الزبائنية هي من خصائص النمط النيوباترومونيالي. علاوة على ذلك يخلط اقطيط بين الريعية والزبائنية، فهنالك أنظمة ديمقراطية ريعية تتبنى نموذج دولة الرفاه، فيما تتصف الأنظمة النيوباتريمونيالية بريعية الدولة المرتبطة بوجود الشبكات الزبائنية.
يجب الأخذ بعين الاعتبار أنّ السلطة مرت منذ نشأتها سنة 1994 بمرحلتين أو عهدين هما؛ مرحلة الراحل عرفات التي امتدت من سنة 1994 وحتى سنة 2004. ومرحلة الرئيس عباس الممتدة من سنة 2005 إلى وقت كتابة هذه الدراسة. مع ملاحظة أنّ كلا المرحلتين يمكن تقسيمها إلى عدة فترات زمنية. ففي فترة حكم عباس (2005 وحتى 2020) تعاقبت 10 حكومات، وتولى قيادة الحكومة 5 رؤوساء وزارء، وهم على التوالي (أحمد قريع، اسماعيل هنية، سلام فياض، رامي الحمد الله، محمد اشتية). كل منهم له سياساته الخاصة. من حيث المبدأ صحيح أنّ الأزمة اختلف شكلها في كلا المرحلتين إلا أنّ هذه الورقة تدعي بأنّ الأزمة/ المأزق متشابهة من حيث الجوهر والبنية، وهي تمتد إلى ما قبل إنشاء السلطة. اقتصرت الدراسات السابقة على تناول الفترة التي قاد فيها الراحل عرفات السلطة، لكن أيّاً منها لم يتطرق لفترة حكم عباس[29]. بل إن بعض الدراسات التي صدرت في بداية توليه للحكم توقعت تحول نمط الحكم من النيوباتريمونيالية إلى شكل آخر أقرب ما يكون “ما بعد كاريزماتي”[30]. من هنا ظهرت الثغرة المعرفية التي تسعى هذه الدراسة لمعالجتها، وهي السعي لدراسة نظام الحكم في عهد الرئيس عباس في الفترة ما بين 2005 إلى 2020، (بالاستناد على الدراسات التي أشير لها؛ والتي تثبت بأن النموذج النيوباتريمونيالي متحقق في عهد الراحل عرفات). وبالبناء على الافتراض بأن النيوباتريمونيالية متغلغلة في بنية السلطة، سواء في عهد عرفات أو عباس.
تواجه هذه الدراسة عدة إشكاليات في مقدمتها النموذج المعرفي التحليلي الذي يتعامل مع السلطة الفلسطينية على أساس انها “دولة”، على ضوء عدم استيفائها لعنصر السيادة والتي يعتبر من أسس تكوين الدولة، مما يقدم تفسير جزئي لواقع السلطة. وربما كان أفضل وصف لها ما عبر عنه الرئيس عباس “سلطة من دون سلطة”[31]. لذلك سوف نلجأ مع التحفظ لاستخدام تعبير “الدولة” مع إدراكنا عدم انطباق هذا الوصف على واقع السلطة، وإنما نلجأ لذلك بغرض التحليل والمقارنة في سياق دراسة الأنظمة والدول النيوباتريمونيالية، دون إغفال الشرط الاستعماري من جهة وواقع التجزئة والانقسام من جهة أخرى. وهذا يقودنا إلى المنهجية التي تم اتباعها في الدراسة من حيث التركيز على تناول أداء السلطة برئاسة عباس والتي تتمركز في الضفة الغربية، دون التعرض بشكل مسهب إلى واقع سلطة قطاع غزة، وأداء الحكومة المقالة بقيادة حماس، أو اللجنة الإدراية التي شكلتها، فتحليل الواقع الاقتصادي والسياسي لقطاع غزة يحتاج إلى أدوات نظرية قد تكون مختلفة، وإن كانت السلطة في قطاع غزة تتقاطع مع الضفة في كثير من مواصفات النظام النيوباتريمونيالي.
تنتهج هذه الدراسة منهجية متداخلة التخصصات، وذلك من خلال إجراء مسح للأدبيات المتعلقة بالموضوع، والاستناد على المصادر الأولية والتقارير الصادرة عن مؤسسات السلطة، والجريدة الرسمية (الوقائع الفلسطينية). بالإضافة إلى المشاهدة. وإجراء المقابلات الشخصية.
قسمت الورقة إلى عدة أقسام، فبعد المدخل والإطار النظري، يتم فحص مدى انطباق “النموذج” النيوباتريمونيالي على السلطة الفلسطينية، من خلال دراسة علاقة الحاكم بمؤسسات “الدولة”، ورؤوس الأموال، وكذلك النخب والقطاعات الاجتماعية، بالإضافة إلى العلاقة مع القوى الخارجية.
2:الإطار النظري والمفاهيمي:
النيوباتريمونيالية Neopatrimonialism (الأبوية الجديدة)[32]:
يوحي استخدام بادئة نيوneo- للوهلة الأولى بتجديد فكرة قديمة؛ أو استمرار فكرة قديمة بعد حصول فجوة في استخدامها. هذا ما يتم استنتاجه من استخدام neo[33]، كبادئة لكلمة باتريمونيالية “الأبوية”، وليس new التي يوحي استخدامها بشيء جديد تماماً. تتميز النيوباتريمونيالية باحتفاظ الرئيس التنفيذي لسلطة الدولة من خلال شبكة واسعة من المحسوبية الشخصية، وليس من خلال الأيديولوجية أو القانون[34]. بنيت النيوباتريمونيالية على افتراض أساسي؛ وهو أن مؤسسات الدولة الرسمية يتم دمجها بسياسات خاصة غير رسمية للحكام[35]. وبالتالي فإنّ التعريف العملي للنيوباتريمونيالية: “مزيج من نوعين من الهيمنة المتداخلة؛ الهيمنة التقليدية (الباتريمونيالية) والبيروقراطية العقلانية القانونية”[36].
يعتبر Max Weber أنّ الباتريمونيالية تعني ضمناً بانّ الراعي )الحاكم أو الرئيس( (patron) في نظام سياسي واجتماعي معين، يمنح العطايا من الموارد على التابعين من أجل تعزيز الحصول على ولائهم، بحيث يحصل التابعين على مزايا مادية وحماية مقابل حصول الحاكم على دعمهم، وبالتالي يمارس الحاكم هيمنته من خلال النظام الإداري (البيروقراطي)، بحيث يتمظهر المنطق الأبوي (البطريركي) في الإدارة على نطاق أوسع من علاقات القرابة[37]. يستنتج فيبر بأنّ الحكم التقليدي يمكن أن يتعايش مع مجموعة واسعة من النظم الاقتصادية، ولا يقتصر على الرأسمالية[38]. فيما يحاج Pawelka Peter بأنّ النيوباتريمونيالية هي نظام للحكم الفردي، يعتمد على الشرعية من جهة، وعلى البيروقراطية (الإدارية والعسكرية) من ناحية أخرى. تعتمد الشرعية فيها على مزيج من الولاءات التقليدية والمكافآت المادية[39].
يجادل Samuel Eisenstadt بأن دول “الجنوب” التي تحررت من الهيمنة الاستعمارية قد احتذت في الحكم نموذج النيوباتريمونيالية، حيث يستخدم الحكام القوميون (في كثير من الأحيان) أساليب السلطة التقليدية (الباترويمونيالية/ الأبوية)، في مواجهة المشكلات والأزمات المتزايدة في دولهم في فترة ما بعد الاستقلال، بحيث تتشكل النيوباتريمونيالية عن طريق تمفصل الدولة الحديثة مع الأشكال التقليدية للحكم، من أجل التعامل مع مشاكل الحياة السياسية والحكم[40]. وفقاً لEisenstadt فإنّ الاختلاف بين الباتريمونيالية والنيوباتريمونيالية يتمركز حول مستوى المشاكل السياسية التي يواجهها كلا النموذجين، ومن ناحية اخرى في مدى ارتباط هذه المشاكل مع الظروف التي قد تقود إلى استمرارية النظام التقليدي. وهذا بدوره يوضح خصائص النموذج النيوباتريمونيالي وديناميكياته[41]. في هذا السياق يلفت الانتباه إلى الاختلافات في أنماط التنظيم السياسي ما بين الأسرة المالكة في الحكم التقليدي (الباتريمونيالي)، والمنظمات الأكثر تعقيدًا أو البيروقراطية أو الحزبية في المؤسسات الحديثة للدولة النيوباتريمونيالية[42].
3.النموذج النيوباتريمونيالي والسلطة الفلسطينية:
يُفترض بنظام الحكم في السلطة الفلسطينية أن يكون: “نظام ديمقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية وينتخب فيه رئيس السلطة الوطنية انتخاب مباشراً من قبل الشعب، وتكون الحكومة مسؤولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي”[43]، لكن وبفعل الانقسام عام 2007 وتعطيل المجلس التشريعي، تحول النظام إلى الحكم الفردي بشكل كامل.
يوجد سجال بين الباحثين حول وجود نموذج محدد للنيوباتريمونيالية، وإن كان هنالك توافق على مواصفاته الأساسية. لذلك ستستند هذه الورقة في فحصها الامبريقي للسلطة الفلسطينية على نموذج تم استلاله من كتابات Eisenstadt, Pawelka, Baumgarten , Snyder. بني هذا النموذج على فحص علاقة الحاكم الفرد بأهم الجهات الفاعلة في النظام السياسي والاجتماعي؛ والتي تتمحور في أربعة مجالات:
أولاً: علاقة الحاكم بمؤسسات “الدولة”؛ وتتضمن:
- العلاقة مع الجهاز الإداري.
- العلاقة مع السلطة التشريعية.
- العلاقة مع السلطة القضائية.
- العلاقة مع قوى الأمن.
ثانياً: علاقة الحاكم مع رؤوس الأموال.
ثالثاً: علاقة الحاكم مع النخب والقطاعات الاجتماعية.
رابعاً: العلاقة مع القوى الخارجية.
1.3:علاقة الحاكم بمؤسسات “الدولة”:
تحول النظام السياسي للسلطة بعد استحداث منصب رئيس الحكومة في العام 2003 إلى النظام المختلط (رئاسي برلماني)، ثم طرأ تغيير بعد انتخابات 2006 مباشرة وقبل تشكيل الحكومة العاشرة، بسلسلة القرارات التي اتخذها عباس والمجلس التشريعي المنتهي خلال الفترة الانتقالية، تم فيها تحويل الكثير من المؤسسات العامة من تبعية الحكومة أو السلطة إلى تبعية “م. ت. ف”. ليتم بعد الانقسام عام 2007 العودة إلى الشكل الرئاسي رغم بقائه شكلياً مختلط. ومؤخراً تم “تقنين” هيمنة الرئيس على النظام السياسي (في مخالفة للقانون الأساس) من خلال إصدار قرار بقانون ينص على إعطاء صلاحيات واسعة ل”مؤسسة الرئاسة”، تمكنها من فتح مقار فرعية في المحافظات وتمكنها من فتح حسابات بنكية[44]. بحيث تحولت مؤسسة الرئاسة إلى حكومة موازية.
تسعى الأنظمة النيوباتريمونيالية إلى تكوين شبكة من المصالح بواسطة نظام زبائني Clientelism، بهدف ترسيخ سيطرتها. تعمد الزبائنية إلى إقامة علاقة بين راع ورعية، ويتم شراء ولاء الرعية من خلال توفير الموارد المالية والخدمات، وفي محاولة السلطة لبناء نوع من الهيمنة يتم استخدام آليات عديدة، من أهمها التجنيد في أجهزة الدولة العسكرية والمدنية وكذلك الاحتواء بواسطة تحويل العطايا إلى فئات معينة[45]. ضمن هذا الإطار تم استحداث أكثر من 80 مؤسسة غير وزارية في السلطة الفلسطينية، رواتب رؤوسائها تعادل رواتب الوزراء، معظم هذه الهيئات تحمل مسمى وظيفي يمكن أن تقوم به الوزارات ك”هيئة حوادث الطرق”، التي يمكن ضمها لوزارة المواصلات، وبعض هذه الهيئات لا يعرف ما هي الحاجة الماسة لاستحداثها ك”هيئة الاشعاع النووي”[46]. مما يدفعنا للاستنتاج بأن الهدف من استحداث مثل هذه الهيئات والمواقع الوظيفية هو تشغيل وكسب “ولاء” بعض الأشخاص[47].
يمكننا الإدعاء بانّ السلطة في عهد عباس هي امتداد للشكل الذي أسسه الراحل عرفات، وهذا ما سنحاول التعرض له في السطور اللاحقة.
1.1.3:العلاقة مع الجهاز الإداري:
يسعى الحاكم للهيمنة على الجهاز الإداري في الدولة النيوباتريمونيالية. تأسست السلطة من المنتسبين لحركة فتح وبعض منتسبي “م.ت.ف”[48]. عمد عباس بصفته رئيساً للسلطة و”م.ت.ف” وحركة فتح إلى الاستئثار بالصلاحيات الإدارية، من خلال إلحاق المؤسسات المختلفة برئاسة السلطة أو “م.ت.ف”، وذلك على خلفية فوز حماس بالانتخابات التشريعية عام 2006، وتشكيلها للحكومة، بحيث يتم تحويل صلاحيات الحكومة إلى “م.ت.ف”. فتم التراجع عن الخطوات الإصلاحية التي كان من المفترض ان تنهي الخلط بين مؤسسات السلطة و”م.ت.ف”. وأعيدت تبعية كلاً من وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، وهيئة الإذاعة والتلفزيون، وقناة تلفزيون فلسطين، والهيئة العامة للاستعلامات، واللجنة الوطنية الفلسطينية للتربية والثقافة والعلوم؛ إلى “م.ت.ف”. علاوة على ذلك فاقمت رئاسة السلطة من المشاكل في الهيكل الإداري الوظيفي للسلطة، وزادت من الاعباء المالية الملقاة على كاهل السلطة، وذلك من خلال قررات الترفيع والتعيين، حيث أنّ “بعض التعيينات لم يراع فيها الأسس والقواعد السليمة في التعيين”[49].
عقب الانقسام تم تقنين هيمنة الرئاسة عبر إصدار عدة قرارات وسن قوانين تتعلق بالوظيفة العامة، فصدر قرار بقانون ينص على “فصل كل موظف لا يلتزم بالشرعية”[50]، والمقصود هنا بالشرعية هو رئاسة السلطة المتمثلة بعباس. تبع ذلك قرار مجلس الوزراء رقم (18)، الصادر بتاريخ 13/9/2007 والقاضي باعتبار إجراء الفحص الأمني (السلامة الأمنية) شرط للتعيين في الوظيفة العمومية[51]. وبالتالي كل من “تشتبه” الأجهزة الأمنية في انتمائه السياسي المعارض، أو عدم ولائه لرئيس السلطة يتم رفض توظيفه. وبحسب د.عمار الدويك (مدير الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان)؛ كل من يوجد له “ملف” أمني يشير إلى أنه منتمي لحركة حماس (أو لاحقاً تابع لمحمد دحلان، المنافس القوي لعباس داخل فتح والذي تم فصله واتهامه بقضايا فساد) يتم رفضه أمنياً؛ ويحرم من التوظيف. وبالرغم من قرار المحكمة العليا بإبطال العمل ب” الفحص الأمني” إلا أنّ مؤسسات السلطة لم تستجب لذلك، وما زالت “السلامة الأمنية” موجودة[52].
استخدم الرئيس الرواتب كأداة للتحكم والسيطرة، (ولم يقتصر الأمر على رواتب موظفي السلطة بل تعداه للتحكم بمخصصات “م.ت.ف”[53])، حيث تم قطع رواتب بعض الموظفين بذريعة “تمردهم” على الشرعية، كما حدث مع موظفي قطاع غزة الذين لم يلتزموا بقرار عدم الالتحاق بأعمالهم (عقب الانقسام)، في حين دفعت رواتب الذين تخلفوا عن العمل. وفصل حوالي 700 موظف في الضفة بذريعة عدم احترامهم للشرعية، (بحسب الدويك عاد معظمهم لوظيفته فيما بعد بأحكام قضائية). علاوة على قطع رواتب ستين من الأسرى المحررين من سكان الضفة الغربية[54]. وعندما اجتمع الأسرى مع رئيس الوزراء د.محمد اشتية لبحث قضيتهم أجابهم: “الحل لدى اللواء ماجد فرج والرئيس، فذلك يحتاج إلى توقيع الرئيس”[55].
لم يتوقف الأمر عند ذلك؛ بل تم استخدام رواتب الموظفين كأداة للضغط على حركة حماس من أجل إنهاء سيطرتها على قطاع غزة، بالإضافة إلى الضغط على المعارضين في داخل فتح، فكان قطع رواتب موظفي غزة الموالين لدحلان، وتخفيض رواتب باقي الموظفين ما بين 30%-50% من قيمة الراتب[56]. ورغم قرار المجلس المركزي بوجوب صرف كامل الرواتب والتراجع عن هذه الخطوة، إلا أنّ الرئيس بقي متفرداً بقراره، وماطل في الالتزام بقرار المجلس المركزي بذريعة وجود “خلل فني”[57]. تزامن ذلك (في الضفة) مع قطع رواتب نواب كتلة التغيير والإصلاح (المحسوبة على حركة حماس) في المجلس التشريعي سنة 2018، دوناً عن باقي الكتل النيابية[58]. ولم يتم تحويلهم للتقاعد أسوة بزملائهم. بينما قطعت رواتب نواب الكتلة في غزة بعد الانقسام.
2.1.3:العلاقة مع السلطة التشريعية:
يسيطر الحاكم في الانظمة النيوباتريمونيالية على السلطة التشريعية. قام عباس (عقب الانقسام) بتعطيل عمل المجلس التشريعي، وانتهى الأمر بإعلانه حل التشريعي بتاريخ 23/12/2018. تولى الرئيس مهام السلطة التشريعية طوال فترة تعليق عمل المجلس، من خلال إصدار قرارات تحمل صفة القانون، معظمها لا يحمل صفة “الضرورة الملحة” التي توجب إصدارها كما ينص القانون الأساس المعدل، حيث بلغ عددها 284 قرار بقانون في الفترة الواقعة ما بين 2005 وحتى يوليو2020[59]. وتعادل ثلاثة أضعاف القوانين التي أصدرها المجلس التشريعي في الفترة ما بين عامي 1994-2004، والتي بلغت 85 قانون[60]. وبحسب الدويك تم التوسع في إصدار قرارات بقوانين دون ضبط “حالة الضرورة”. فعلى سبيل المثال؛ تم إصدار قانون الاتصالات ولم يطبق، فإذا كانت هنالك حالة ضرورة لماذا لم يطبق. كما أنّ إصدار بعض القوانين جاء بهدف خدمة بعض الأشخاص، كقانون هيئة مكافحة الفساد الذي تم تعديله بحيث يسمح للرئيس بالتمديد لرئيس الهيئة (رفيق النتشة)، وبالفعل تم التمديد له مرتين. ثم تم إصدار قانون آخر يعدل بند يتعلق بالسماح بازدواج جنسية رئيس الهيئة، وذلك لافساح المجال لرئيس الهيئة الجديد د.أحمد البراك بتولي هذا المنصب (كونه يحمل جنسية مزدوجة).
يأتي القراران بقانون 4 و12 لسنة 2020، كمثال إضافي على خدمة القوانين لفئات متنفذة. يتناول القراران تعديل قانون مكافآت ورواتب أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين، وتعديل قانون التقاعد العام، بحيث “أضاف شريحة كبرى من كبار الموظفين العموميين إلى أعضاء المجلس التشريعي وأعضاء الحكومة والمحافظين، الذين منحو امتيازاً غير قانوني تمثل بتخصيص رواتب تقاعدي لهم دون أدنى مساهمة أو اشتراك منهم في صندوق التقاعد، ومنح هذه الشريحة، ممن حصلوا على وظيفة بدرجة وزير إضافة إلى الراتب التقاعدي دون مساهمة، الحق باسترداد اشتراكاتهم في صندوق التقاعد منذ توليهم وظيفتهم العامة”[61]. “في الوقت الذي تعاني فيه الموازنة العامة من أزمة مالية خانقة وعجز خطير نتيجة لإجراءات القرصنة الإسرائيلية وأيضا نتيجة للآثار الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا”[62]. حيث يقدر بأنّ هذا التعديل سيكلف خزينة السلطة اكثر من 25 مليون شيكل[63]. لكن بعد الضجة في أوساط الرأي العام تم التراجع عن القرارين[64].
3.1.3:العلاقة مع السلطة القضائية:
يُهيمن الحاكم في الأنظمة النيوباتريموينالية على السلطة القضائية. بحسب تقرير مؤسسة الحق تعاني المنظومة القضائية الفلسطينية من خلل بنيوي ناتج عن هيمنة وتدخل السلطة التنفيذية[65]. فيما يجادل Robert Terris بأنّ النيوباتريمونيالية وما ينتج عنها من زبائنية؛ تشجع على دمج القانون العرفي والقبلية في السلطة الفلسطينية، على حساب النمط الديموقراطي “القانوني”، بحيث يصبح هنالك تعددية قانونية داخل السلطة الفلسطينية، قانون عشائري مع القانون المعمول به في المحاكم. يعزو Terris عدم رغبة قيادة السلطة في توحيد القوانين إلى مصلحتها في وجود مثل هذه التعددية التي تخلق منافسة بين الأفراد والمنظمات، مما يعزز من هيمنة الحاكم الفرد وولاء الافراد له. فتوحيد المنظومة القانونية يقوي الجهاز القضائي، ويضمن حقوق الأفراد. لكن ذلك سيضعف من دور رؤوساء العشائر والوجهاء في حل الإشكاليات، والذين تربطهم بالحاكم علاقة “زبائنية”، توفر لهم الدعم المادي والمعنوي (في التوظيف والرواتب وغيرها)، في مقابل ضمان الولاء للحاكم، الذي سيعتمد عليهم في تعزيز سلطته السياسية من خلال المنفعة المتبادلة [66].
انتهجت السلطة منذ نشأتها سياسة قائمة على تقوية العشائر وإعطائها شرعية في فرض القانون والنظام، تمثل ذلك بإنشاء ما يعرف بالهيئة العليا لشؤون العشائر. وبحسب المحامي (ع. ف) كثير من الجرائم يتم حلها عن طريق الحكم العشائري، بل إن الجهات التنفيذية (كالشرطة) والقضائية تشترط في حل المنازعات والإفراج عن المتخاصمين وجود صك صلح عشائري[67].
تمظهر تغول السلطة التنفيذية في بداية فترة عباس بإدخال تعديل على طريقة تعيين قضاة المحكمة الدستورية، ففي آخر يوم من أيام المجلس التشريعي من عام 2005 والذي كانت تسيطر عليه حركة فتح، واستباقاً لقدوم المجلس الجديد الذي يحمل أغلبية لحركة حماس، تم إقرار تعديل ينص على تعزيز سلطة الرئاسة وتحكمها بالمحكمة الدستورية، فبموجبه أصبح للرئيس سلطة الانفراد بتعيين قضاة المحكمة (بالتشاور مع مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل). بحيث يتم الانتقاص من سلطة المجلس التشريعي، فسابقاً كان يتم تعيين قضاة المحكمة بترشيح من الرئيس وتزكية من مجلس القضاء الأعلى وموافقة التشريعي[68]. لم يتوقف الأمر عند ذلك؛ بل أصدر الرئيس قرار بقانون بتاريخ 30/10/2012 يتعلق بتعديل قانون المحكمة، فتحولت بموجب هذا التعديل إلى ذراع للسلطة التنفيذية بدل أن تكون ذراع لمبدأ سمو الدستور، فهنالك سيطرة مطلقة لرئيس السلطة في تعيين قضاة المحكمة وحذف أي دور للجمعية العامة للمحكمة، بالإضافة إلى انفراد الرئيس بعملية استبدال أعضاء المحكمة دون أي ضوابط أو معايير وإحالتهم للتقاعد[69].
بلغ التغول ذروته بتاريخ 15/7/2019 من خلال إصداره قرارين بقانون بشأن تعديل قانون السلطة القضائية وتشكيل مجلس قضاء أعلى. يشكل كلا القرارين اعتداء على القانون الأساس، والمبادىء والقيم الدستورية؛ وبخاصة مبدأ سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء. فتم إحالة ربع عدد القضاة إلى التقاعد، ومنح مجلس القضاء الأعلى الانتقالي، (الذي انفرد الرئيس بتشكيله)، صلاحيات واسعة جداً على السلطة القضائية، من قبيل العزل والإحالة على التقاعد المبكر والإحالة إلى وظائف أخرى وإعادة هيكلة السلطة القضائية بأكملها[70].
توج الرئيس عباس هيمنته على السلطة القضائية بإصدار مجموعة من القرارات بقانون والمراسيم (38+39+40) المتعلقة بالسلطة القضائية، وذلك بتعيين رئيس المحكمة العليا رئيس المجلس القضائي، وندب القضاة وانهاء خدماتهم وإحالتهم على الاستيداع والتقاعد المبكر، وهذه القرارات بحسب بيان صادر عن مؤسسات للمجتمع المدني تجعل القضاة “مهددين بأمنهم الوظيفي ويؤثر على حيادهم واستقلاليتهم، في مخالفة واضحة وصريحة لمبدأ عدم قابلية القضاة للعزل. وتزامن صدور هذه القرارات مع إحالة ستة قضاة من القضاة المنتدبين إلى التقاعد المبكر، الأمر الذي يتعبر بمثابة عزل للقضاة خلافاً لأحكام القانون، وهو أمر يضاف إلى جملة من الانتهاكات للقواعد الدستورية والمعايير الدولية والمبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية الصادرة عن الأمم المتحدة”[71].
4.1.3:العلاقة مع قوى الأمن:
يسيطر الحاكم في الأنظمة النيوباتريمونيالية على قوى الأمن من خلال تجنيد أشخاص موالين. يُفترض وبحسب القانون الأساس ان تتبع بعض الأجهزة الأمنية لوزارة الداخلية. لكن مع فوز حماس بانتخابات 2006 وقبل تشكيل الحكومة تم تغيير النظام، “فالمخابرات هي تابعة للرئيس من أصله، ولكن الأجهزة الأخرى تتبع وزير الداخلية. فاستحدثوا منصبا أسموه مدير عام الأجهزة الأمنية، ويكون بين الأجهزة والوزير فأصبح الوزير بدون سلطة على الأجهزة”[72]. مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ الأمن بمجمله يتبع للرئيس.
ينتسب معظم أفراد وقيادات الأجهزة الأمنية لحركة فتح، بل إن هنالك بعض الأجهزة الأمنية كالأمن الوقائي (بحسب رئيس الوزراء الحالي اشتية) قد تم تعيينه بالكامل من قبل أعضاء حركة فتح[73]. وكما أسلفنا يتم توظيف الأفراد بعد اجتيازهم فحص “السلامة الأمنية”، بحيث يتم ضمان التزامهم ب”الشرعية”، او بلغة أخرى: الولاء للرئيس.
يحتكم قادة الأجهزة الأمنية لتعليمات وأوامر الرئيس، ولا توجد أي قيمة فعلية لقرارات الأطر القيادية الفلسطينية الأخرى فيما يتعلق بعمل الأجهزة. تمظهر ذلك وبشكل واضح عقب تنسيب المجلس الوطني والمجلس المركزي ل “م.ت.ف”؛ بوقف التنسيق الأمني مع الإسرائيليين[74]. وعدم التزامها بهذا القرار.
تنقاد الأجهزة الأمنية بشكل كامل لأوامر الرئيس، الذي يهتم بالمقابل بتمييزهم على مستوى الرواتب، فمتوسط الأجر الشهري لموظفي القطاع الأمني يزيد عن متوسط الأجر لموظفي القطاع المدني بحوالي 15%[75]. في مقابل هذه الرعاية والتمييز يضمن الرئيس ولاء الأجهزة. كمؤشر على ذلك نشاهد يافطات على واجهات مباني بعض الأجهزة تحوي صورة الرئيس مسطور عليها كلمة “بايعناك”[76]. في المقابل يتم معاقبة من يُشك في ولائه من أفراد الأجهزة الأمنية، كما حصل مع حوالي 200 عسكري، تم قطع رواتبهم بذريعة مناصرتهم دحلان[77].
2.3: العلاقة مع أصحاب رؤوس الأموال:
تمتاز الأنظمة النيوباتريمونيالية بريعية[78] اقتصادها. بحيث تقوم العلاقة بين الحاكم ورؤوس الأموال على السعي وراء الريع (التربح) Rent-Seeking، باستخدام سلطة الدولة لإعادة توزيع الثروة بين مجموعات مختلفة دون خلق ثروة جديدة[79]. ترسخ في عام 2007 التحالف بين رؤوس الأموال الفلسطينيين من جهة وحركة فتح وقادة الأجهزة الأمنية من جهة أخرى. بحيث تمأسست رأسمالية فلسطينية قائمة على المحسوبية والزبائنية، تولدت عن العلاقة بين الحاكم والرأسماليين المقربين من السلطة، الذين يتم منحهم الأفضلية لكسب عوائد أعلى من غيرهم، مقابل التماهي مع السلطة الحاكمة[80].
استفاد الرأسماليون الفلسطينيون من العديد من الإصلاحات المؤسسية والقانونية التي نفذتها السلطة، ومن خلال اتباع اسرائيل لسياسة “السلام الاقتصادي” القائمة على تسهيل التجارة، وتعزيز فرص الشراكات الاقتصادية الإسرائيلية الفلسطينية. ففي عامي 2008 و2010 نظمت حكومة فياض مؤتمر الاستثمار الفلسطيني في بيت لحم. حضر المؤتمر (بتسهيل من الإسرائيليين) مستثمرون فلسطينيون وعرب وإسرائيليون ودوليون، وقد أسفر عن عدة مشاريع اقتصادية واسعة النطاق تشمل رأس مال فلسطيني وعربي وإقليمي بمشاركة ضمنية من المصالح التجارية الإسرائيلية. بدأ ذلك في إنشاء مدينة “روابي”، وتطوير المناطق الصناعية القائمة، بالإضافة إلى تطوير القطاعين المصرفي والمالي وتحفيز الاستثمارات في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات[81]. علاوة على ذلك تم في عامي 2011 و2014 بموجب مراسيم رئاسية تعديل “قانون تشجيع الاستثمار في فلسطين”، بحيث منحت الشركات الكبيرة مزايا عديدة، مثل الإعفاءات من ضرائب أرباح رأس المال وغيرها من الحوافز الضريبية وغير الضريبية، وذلك دون الرجوع إلى مجلس الوزراء أو حتى التشريعي (المعطل أصلاً)[82].
3.3: علاقة الحاكم مع النخب والقطاعات الاجتماعية:
تقوم الأنظمة النيوباتريمونيالية ببناء شبكة من المصالح تضم النخب الاجتماعية والسياسية. بحسب هلال تتمظهر الزبائنية في علاقة السلطة مع النخب في عدة مجالات، من أهمها توزيع الموارد وفق الحسابات السياسية بهدف تحصيل الولاء، وتحييد أو احتواء المعارضة السياسية للسلطة بحيث تصبح “الدولة” مستخدماً رئيسياً في المجتمع، بما في ذلك احتكار الوظائف ذات الامتيازات العالية، وضم شريحة واسعة من الانتلجسنيا داخل مؤسسات السلطة، وغض السلطة الطرف عن تلقى بعض مؤسسات المجتمع المدني تمويل خارجي[83].
تشكلت في عهد عباس شبكة زبائنية تضم النقابات والاتحادات المهنية. حيث توجد سيطرة شبه مطلقة عليها من تنظيم فتح. كما تم إغلاق كافة الجمعيات والمؤسسات الاجتماعية التي لا يسيطر عليها التنظيم عقب الانقسام، وأعيد تنظيم بعضها من خلال تعيين لجان إدارية تم تزكيتها من الأجهزة الأمنية. وكنتيجة لإجراء انتخابات في ظل الانقسام، وما يتضمن ذلك من ملاحقة نشيطي حماس واقصاء مناصري دحلان في الضفة الغربية، تمت الانتخابات في كثير من الهيئات النقابية دون وجود منافس حقيقي لقائمة فتح، والتي فازت في بعض المواقع بالتزكية.
تهتم الأنظمة النيوباتريمونيالية ببناء شبكة رعاية اجتماعية مرتبطة بالحاكم، وبدل أن ينسب الفضل في هذه الرعاية للدولة ومؤسساتها، يتم نسبته للرئيس أو لحزبه. يتمظهر ذلك في السلطة بالمنح التي ترتبط بالرئيس. كمنح الرئيس للطلبة المتفوقين، والأسرى المحررين، والحج. يضاف إلى ذلك “مساعدات” باسم الرئيس لبعض الأسرالمحتاجة، أو توزيع الطرود الغذائية (كما حدث في مواجهة وباء الكورونا)[84]، وكذلك تبرعه بأجهزة طبية لبعض المستشفيات[85]. أو المنح المالية التي يتحكم فيها حزب الرئيس، كمنحة المتضررين من الكورونا[86]. من خلال لجان الطوارئ والتي تعتبر “لجان حركية تابعة لتنظيم فتح”[87]. فمنحة أل 700 شيكل والتي يُفترض توزيعها على العمال المتضررين من الكورونا، وزعت على أساس الزبائنية. أوضح ذلك رياض كميل رئيس لجنة الطوارئ في وزارة العمل والاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، بتصريحه أن قائمة المستفيدين (35 ألف) من مساعدات صندوق “وقفة عز” تضم اسماء لتجار برأس مال كبير، وموظفين لم يتوقفوا عن العمل، وأسماء لأفراد من نفس العائلة[88].
4.3:العلاقة مع القوى الخارجية:
يجادل Snyder بأنّ الأنظمة النيوباتريموينالية (في أغلب الحالات) تستفيد من الرعاية الأجنبية، التي تقدم مساعدات عسكرية ومادية تساعد في تغذية الشبكات الزبائنية المحلية[89]. تعتمد السلطة في بنيتها على الرعاية الأجنبية، حيث تأسست برعاية الدول “الغربية” والمانحة، مقابل توفير الأمن و”الهدوء”. فبحسب د.حسن أبو لبدة (عضو الوفد الفلسطيني المفاوض) “اجتمعت الدول المانحة في 1/10/1993، وقررت تمويل السلطة الفلسطينية الوليدة بمبلغ 2.4 مليار دولار، الثمن الذي كان مطلوب دفعه (في المقابل) ان يكون هنالك هدوء واستقرار”[90]. يرتبط التمويل الغربي بغاية أساسية وهي الحفاظ على استقرار إسرائيل، فيتم التعمية من خلال رفع شعار “تنمية فلسطين” وبالإدعاء أن الهدف هو تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة، وفي حقيقة الأمر الهدف هو ضمان أمن واستقرار إسرائيل[91].
تجسد تأثير القوى الخارجية على السلطة بشكل واضح عقب فوز حماس بانتخابات 2006؛ عندما اشترطت الرباعية الدولية[92] ثلاثة شروط سياسية للاعتراف بأي حكومة فلسطينية واستمرار دعمها، وهي: الاعتراف بإسرائيل، نبذ العنف، الالتزام بالاتفاقيات الموقعة بين “م.ت. ف” وإسرائيل[93]. بحسب د.عمر عبد الرازق أعطيت حماس مهلة ثلاثة شهور بعد تشكيلها للحكومة، التي بدورها رفضت هذه الاشتراطات، فنتج عن ذلك توقف تحويل إسرائيل لأموال الضرائب، ووقف المساعدات الأجنبية[94]، كما أوقفت البنوك الحسابات التشغيلية للحكومة خشية من العقوبات الأميركية، مما تسبب في توقف رواتب موظفي السلطة[95]. وهذا ما دفع حماس لإعلان “احترامها” الاتفاقيات الموقعة ومشاركتها في حكومة “وحدة وطنية” عقب اتفاق مكة في شباط 2007. إلا انّ إسرائيل ومعظم الدول المانحة واصلت مقاطعة حكومة الوحدة، بذريعة رفضها مشاركة حماس بأي حكومة فلسطينية. وبالتالي عجزت حماس عن توفير الرواتب، فتولت الجامعة العربية صرف مبالغ جزئية من الرواتب عن طريق مكتب الرئيس[96]، وبالتالي ساهم العامل الخارجي في تعزيز صلاحيات الرئيس.
في سياق متصل؛ تعتمد السلطة في ميزانيتها على عوائد الضرائب التي تجبيها إسرائيل من خلال سيطرتها على المعابر، والتي تصل إلى ثلثي (67%) ايرادات السلطة[97]. وبدون هذه العوائد لن تستطيع دفع الرواتب. يدرك الاحتلال الإسرائيلي ذلك؛ وهذا ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للعمل بنصيحة مستشاريه الأمنيين وتحويل أموال الضرائب التي احتجزها، بعدما قررت السلطة الانضمام للمحكمة الدولية عام 2015. أعلن نتنياهو بأنّه قبل توصية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والتي تنص على تحويل أموال الضرائب التي حجزها “حفظًا لمصالح إسرائيل”. في هذا السياق ضغطت الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي ومؤسسات دولية وعالمية بشكل كبير على إسرائيل لإعادة ضخ أموال الضرائب، خوفًا من تدهور الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية الذي يمكن أن يتطور إلى فوضى عارمة تهدد أمن السلطة وإسرائيل أيضًا. وبالتالي أوصت أجهزة الأمن الإسرائيلية بتحويل أموال الضرائب حتى لا تنهار السلطة وينهار معها أمن إسرائيل[98].
تعاني السلطة من “مأزق” بنيوي؛ يحول دون نجاح كل محاولات إصلاحها. مما يدفعنا للاستنتاج بأنّ هذا المأزق أعمق من أنّ يحله إجراء الانتخابات، فإجراءها سيعيد انتاج المأزق، ولن ينهيه. فالمأزق غير مقتصر على فقدان الشرعية السياسية، بل يتعداه إلى شكل النظام السياسي، الذي يغلب عليه صفة النيوباتريمونيالية، وما نلمسه من فساد وانتهاك لحقوق الإنسان وتآكل للشرعية هو أعراض لمعضلة نيوباتريمونيالية السلطة.
توجد عوامل ذاتية وموضوعية تؤثر على بنية النظام السياسي للسلطة الفلسطينية. من هذه العوامل ما وقّعت عليه السلطة من اتفاقيات، وما التزمت به من شروط دولية، والتي تحول دون انعتاقها من الشكل النيوباتريمونيالي. فلو افترضنا توفرالإرادة عند الفاعلين السياسيين للتحول الديمقراطي وتبني النظام الدستوري القانوني، فلن يتمكنوا من ذلك، بفعل العامل الخارجي (كمؤشر على ذلك: عدم تعاطي الدول الغربية مع نتائج انتخابات 2006؛ وتجسد ذلك بشروط الرباعية، واعتقال الاحتلال لنواب حماس).
بنيت السلطة الفلسطينية للقيام بدور وظيفي وهو حفظ الأمن “والهدوء”، وتم تقييدها باتفاقيات والتزامات تتضمن “التنسيق الأمني”. ولأنّ تحقيق “الهدوء” هو الهدف الأسمى للدول التي رعت إنشاءها، تم التغاضي عن الحكم الفردي للرئيس عباس، وذلك لحاجتهم إلى شريك يعمل بموجب شروط الرباعية. إنّ أي محاولة للتحلل من هذه الالتزامات ستصطدم بحقيقة اعتماد هذه السلطة في مواردها على عائدات الضرائب (المقاصة) التي تتحكم فيها إسرائيل. و من ثم لا تستطيع مرجعية السلطة المتمثلة ب”م.ت.ف” اتخاذ أي خطوة في اتجاه تغيير “نهج” السلطة أو “دورها الوظيفي” طالما أنها تخضع للشروط التي تكونت بموجبها السلطة.
تحولت السلطة عن الهدف الذي أنشأت من أجله وهو إقامة “الدولة”، وتحقق ما كان يخشاه مهندس اتفاقية أوسلو وهو الرئيس عباس؛ بقوله: “هذا الاتفاق هو عبارة عن قاسم مشترك بين عدوين، وهو يحمل في أحشائه إمكانية إقامة دولة مستقلة، إلا انّه قد يتحول إلى تكريس للاحتلال لسنوات أخرى”[99]. وبالفعل تحولت السلطة وأجهزتها الأمنية من مؤسسات أنشأت لتحقيق هدف “الدولة” المستقلة، إلى مؤسسة تهدف للحفاظ على بقائها، حتى لو كان الثمن تكريس الاحتلال. فهي تناضل بالدرجة الأولى كي تبقى حية، تدافع بكل قوة عن وجودها وعن استمرارها، بالرغم من عدم تحقيق الهدف الذي أنشأت من أجله، لأن هنالك شبكة من المصالح والمنتفعين من وجود هذه المؤسسة. لقد تم “تصميم” هذه السلطة كي تحافظ على موظفيها الذين يعدون بعشرات الآلاف وارتبطت مصالحهم وأمورهم المعيشية بوجودها، بغض النظر عن “دورها الوظيفي”. فمن يريد الخروج من المأزق، وتغيير “نهج” السلطة عليه أن يغير “بنيتها” وهذا أمر قد يكون صعباً، وربما كان الأقرب للتحقق أن يغير من بنيته ليعود مرة ثانية حركة تحرر وطني، لايتقيد بأي التزامات، فالتجربة أثبتت صعوبة إن لم يكن استحالة الجمع بين “نهج” السلطة و”نهج” حركة التحرر الوطني.
[1] ممدوح نوفل، “إشكالية العلاقة بين السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، وسبل حلها”، الدراسات الفلسطينية، العدد 22، 1995.
[2] جميل هلال، الطبقة الوسطى الفلسطينية (رام الله، بيروت: مواطن، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2006).
[3] جميل هلال، تكوين النخبة الفلسطينية منذ نشوء الحركة الوطنية إلى ما بعد قيام السلطة الفلسطينية، رام الله: مواطن، 2002.
[4] جميل هلال، “تفكك الحقل السياسي الفلسطيني”، الدراسات الفلسطينية، العدد 107، 2016.
[5] عاصم خليل، “إشكاليات السلطة الدستورية في ضوء الواقع الفلسطيني”، الدراسات الفلسطينية، العدد 63، 2005.
[6] أحمد سامح الخالدي، “المأزق الفلسطيني الراهن: كيف وصلنا إلى هنا وما العمل؟”، الدراسات الفلسطينية، العدد 74-75، 2008.
[7] رئيس لجنة صياغة الدستور الفلسطيني، ووزير العدل السابق، وأستاذ القانون الدستوري والنظم السياسية في جامعة النجاح في نابلس.
[8] موقع الجزيرة.نت، شرعية رئيس السلطة الفلسطينية بعد انتهاء ولايته، برنامج “بلا حدود،” 6/10/2008، ينظر: https://bit.ly/1PPfn7F
[9] حمدي الخواجا، “مأزق الاقتصاد الفلسطيني والأمل بالبعد العربي،” الدراسات الفلسطينية، العدد 37، 1999.
[10] رجا الخالدي وصبحي سمّور، “النيوليبرالية بصفتها تحرراً: الدولة الفلسطينية وإعادة بناء الحركة الوطنية”، الدراسات الفلسطينية، العدد 88، 2011.
[11] Rafeef Ziadah, What Kind of Palestinian State in 2011? Neoliberalism and World Bank Diktats, Global Research, April 13, 2010. https://bit.ly/2VBjcbF
[12] لين جبري، “”روابي”: “أول مدينة فلسطينية مخطَّطة” تستوطن تلال الضفة الغربية”. الدراسات الفلسطينية، عدد 90، 2012.
[13]ليندا طبر، نحو اقتصاد سياسي للتحرر: قراءات نقدية للتنمية في السياق الإستعماري . رام الله: جامعة بيرزيت، مركز دراسات التنمية، 2013.
[14] توفيق حداد، “الليبرالية الجديدة والتنمية الفلسطينية: تقييم وبدائل.” في نحو اقتصاد سياسي للتحرر: قراءات نقدية للتنمية في السياق الاستعماري، تحرير ليندا طبر، 99-123. رام الله: مركز دراسات التنمية/ جامعة بيرزيت، 2013.
[15] آدم هنية، “التنمية كأداة للنضال: مواجهة واقع الهيمنة في فلسطين”. في نحو اقتصاد سياسي للتحرر: قراءات نقدية للتنمية في السياق الاستعماري، تحرير ليندا طبر، 30-48. رام الله: مركز دراسات التنمية- جامعة بيرزيت، 2013.
[16] ليلى فرسخ، “ماهية التنمية الاقتصادية الفلسطينية”. الدراسات الفلسطينية، عدد 101، 2015.
[17] إياد السراج، “حقوق الإنسان في ظل السلطة الفلسطينية،” الدراسات الفلسطينية، العدد 30، 1997.
[18] أمل جمال، “تشكُّل الدولة وإمكانات الديمقراطية في فلسطين”، الدراسات الفلسطينية، العدد 40، 1999.
[19] عزمي الشعيبي، الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية/ الحالة الفلسطينية، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 2004.
[20] Rex Brynen, The Neopatrimonial Dimension of Palestinian Politics, Journal of Palestine Studies, Vol. 25, No. 1 (Autumn, 1995).
[21] Yezid Sayigh, Armed Struggle and State Formation, Journal of Palestine Studies, Vol. 26, No. 4 (Summer, 1997).
[22] علي الجرباوي، البنية القانونية والتحول الديمقراطي في فلسطين، رام الله: مواطن، 1999، ص: 26.
[23] المصدر نفسه، ص: 52.
[24] Helga Baumgarten, Neopatrimonial Leaders Facing Uncertain Transitions, in “Political Transitions
in Arab Word” , Part Three, Edited by Roger Heacock, Ibrahim Abu-Ludhod Institute of International
Studies (IALIIS), Birzeit University, Palestine, 2002.
[25] Mushtaq Husain Khan, George Giacaman and Inge Amundsen, State Formation in Palestine, London and New York, RoutledgeCurzon , 2004.
[26] سامر إرشيد، تأثير اتفاق أوسلو والانتفاضة الثانية على حركة فتح والسلطة الفلسطينية، رسالة ماجستير، جامعة بيرزيت، 2007.
[27] أنس اقطيط، السلطة الفلسطينية والدولة الريعية، مجلة سياسات عربية، أيار/ مايو 2017.
[28] ينظر:
Richard Snyder, “Explaining Transitions from Neopatrimonial Dictatorships.” Comparative
Politics 24 (October 1992).
__________, “Paths Out of Sultanistic Regimes: Combining Structural and Voluntarist Perspectives.”
Pp. 49-81 in Sultanistic Regimes, eds. H. E. Chehabi and J. Linz. Baltimore: Johns, Hopkins University Press, 1998.
Jason Brownlee, …And Yet They Persist: Explaining Survival and Transition in Neopatrimonial Regimes, Studies in Comparative International Development, Fall 2002, Vol. 37, No. 3, 2002.
[29] توجد بعض المقالات الصحفية والأوراق السياساتية تصف حكم عباس بالنيوباتريمونيالية، دون فحص ذلك امبريقيا، على سبيل المثال:
Marwa Fatafta, Neopatrimonialism, Corruption, and the Palestinian Authority: Pathways to Real Reform, Alshabaka, 20\12\2018. https://bit.ly/2VZopYK
[30]Ali Jarbawi and Wendy Pearlman, Struggle in a Post-Charisma Transition: Rethinking Palestinian Politics after Arafat, Journal of Palestine Studies , Vol. 36, No. 4 (Summer 2007).
[31] وكالة وفا، الرئيس يدعو المجلس المركزي لإعادة النظر بالاتفاقات الموقعة بين منظمة التحرير وإسرائيل، 14/1/2018. https://bit.ly/39J42Fa
[32] يستخدم مصطلح الأبوية الجديدة في بعض الأدبيات كتعريب لمصطلح Neopatriarchy، لكن يوجد اختلاف بين Neopatrimonialism و Neopatriarchy، فالثاني يستخدم في سياق الدراسات النسوية لتحليل السلطة الذكورية في المجتمعات، بينما النيوباتريمونيالية تستخدم كوصف لنظام الحكم الفردي.
[33] Collins English Dictionary, Definition of ’neo-‘, 2020. https://bit.ly/2Hz7c2x
[34] Samuel Noah Eisenstadt, Revolution and the Transformation of Societies: A Comparative Study of Civilizations (New York: The Free Press, 1978), pp. 277-89.
Michael Bratton ; van de Walle, Nicolas, Democratic Experiments in Africa. Regime Transitions in Comparative Perspective. Cambridge: Cambridge University Press, 1997, p: 274.
[36]Gero Erdmann and Ulf Engel, Neopatrimonialism Reconsidered: Critical Review and Elaboration of an Elusive Concept, in: Commonwealth and Comparative Politics, 45 (1), 2007, p: 105
[37] Christian von Soest, What Neopatrimonialism Is – Six Questions to the Concept, Background Paper for GIGA-
GIGA German Institute of Global and Area Studies Hamburg, 23 August 2010, p: 4.
[38] Helga Baumgarten, Neopatrimonial Leaders Facing Uncertain Transitions, p: 49.
[39] Ibd, p: 54.
[40] Shmuel Noah Eisenstadt, Traditional Patrimonialism and Modern Neopatrimonialism. Beverly Hills/London: Sage Publications, 1973, p: 10-12 .
[41] Ibd, p: 50.
[42] Ibd, 60.
[43] الوقائع الفلسطينية، المادة (5) القانون الأساسي المعدل لسنة 2003، العدد 0، 19/3/2003.
[44] الوقائع الفلسطينية، قرار بقانون رقم (5) لسنة 2020، العدد 165، 19/3/2020.
[45] Joshua Stacher, Adaptable Autocrats: Regime Power in Egypt and Syria, Stanford, California: Stanford University Press, 2012.
[46] ماجد العاروري، هيئات عامة يرأسها أباطرة.. رواتب خيالية ولا خدمات، موقع الترا فلسطين، 30/4/2020. https://bit.ly/2SVIK1p
[47] مؤخراً صادقت الحكومة الفلسطينية على دمج وإلحاق وإلغاء أكثر من 25 مؤسسة رسمية غير وزارية، ، وذلك لتحسين الخدمات ورفع مستوى التنسيق ومنع الازدواجية وترشيد النفقات. (المصدر: العربي الجديد، الحكومة الفلسطينية تصادق على دمج وإلغاء أكثر من 25 مؤسسة رسمية، 29/12/2020. https://bit.ly/3qGpDao).
[48] لكن ذلك لا يعني عدم وجود موظفين من حركة حماس، فبحسب رئيس الوزراء رامي الحمد لله: 70% من المعلمين هم من حركة “حماس”. (المصدر: صحيفة الحدث، الحمدالله : السلامة الأمنية غير موجودة بالتوظيف و70% من المعلمين حماس، 13/3/2016 ، https://bit.ly/3aQWljK)
[49] الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن، التقرير السنوي الثاني عشر، رام الله: اليئة المستقلة، 2006، ص: 8.
[50] الوقائع الفلسطينية، قرار مجلس الوزراء رقم (80) لسنة 2007م بشأن الموظفين غير الملتزمين بالشرعية، العدد 77، 9/10/2008.
[51] الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ديوان المظالم، 30/1/2020. https://bit.ly/39icN8U
[52] مقابلة شخصية مع د. عمار الدويك في رام الله بتاريخ 25/2/2020.
[53] في حزيران 2018 تم ايقاف مخصصات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين على إثر اعتراضها على تفرد الرئيس عباس بالمنظمة وعدم تنفيذه القرارات الصادرة عن المجلس المركزي والوطني . https://bit.ly/2W2xfpu. وحتى وقت كتابة هذه الورقة ما زالت المخصصات متوقفة https://bit.ly/2y03wpn.
[54] الجزيرة نت، السلطة تفض بالقوة اعتصاما برام الله يطالب بإعادة رواتب أسرى، 26/11/2019. https://bit.ly/2OSaSjI
[55]مقابلة شخصية مع علاء الريماوي(الناطق باسم الأسرى المحررين المقطوعة رواتبهم)، بتاريخ 15/2/2020.
[56] وكالة صفا، نقيب الموظفين: قطع رواتب موظفين وتكرار “جريمة” الخصم للباقين، 10/5/2017. https://bit.ly/39pDtop
[57] وكالة معا، قرارات المجلس الوطني، 4/5/2018. https://bit.ly/38qZX8o
[58] الصفحة الشخصية للنائب عبد الرحمن زيدان، 29/4/2020. https://bit.ly/3f2sll6
[59] المقتفى، قرار بقانون في الفترة ما بين 2006-2020. https://bit.ly/3iCQxw9
[60] المقتفى، قوانين السلطة الوطنية الفلسطينية في الفترة ما بين 1994-2004. https://bit.ly/394yGZU
[61] المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء “مساواة”، مساواة تطالب بإلغاء القرارين بقانون 4 و12 لسنة 2020، 28/4/2020. https://bit.ly/3cYeri8
[62] الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، في رسالة عاجلة إلى الرئيس ورئيس الوزراء، 28/4/2020. https://bit.ly/2YjCAeL
[63] الصفحة الشخصية للوزير السابق شوقي العيسة، 28/4/2020. https://bit.ly/3bMdFVf
[64] الصفحة الشخصية لرئيس الوزراء محمد اشتية، 29/4/2020. https://bit.ly/2YceRND
[65] عصام عابدين، ملاحظات على قرار بقانون بتعديل قانون المحكمة الدستورية العليا، رام الله: مؤسسة الحق، ط2، 2014، ص: 5.
[66]Robert Terris and Vera Inoue-Terris, A Case Study of Third World Jurisprudence – Palestine: Conflict Resolution and Customary Law in a Neopatrimonial Society, 20 Berkeley J. Int’l Law. 462 (2002).
[67] مقابلة مع المحامي ع. ف من مدينة الخليل بتاريخ 5/2/2020.
[68] أنيس قاسم، تعديلات سيئة للنظام الدستوري الفلسطيني، صحيفة الحياة الجديدة، 1/3/2006.
[69] عصام عابدين، ملاحظات على قرار بقانون…، ص: 6+7.
[70] عصام عابدين، قراءة قانونية في القرارين…، ص: 5.
[71] مساواة، مؤسسات المجتمع المدني تدعو لإلغاء كافة القرارات بقانون والمراسيم المتعلقة بالشأن القضائي وانهاء آثارها، 16/1/2021. https://bit.ly/3sdtg7W
[72] مقابلة مكتوبة مع وزير المالية السابق في الحكومة العاشرة (حكومة هنية) عمر عبد الرازق، بتاريخ 28/5/2020.
[73] سامر إرشيد، مصدر سابق، ص: 76.
[74] وكالة وفا، بيان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، 5/3/2015. https://bit.ly/2SEfQ4H
[75] نصر عبد الكريم، فجوة الرواتب في الوظيفة العمومية “الواقع والإجراءات المقترحة لردمها”، رام الله: أمان، 2017، ص: 5.
[76] يندرج تحت هذا الإطار محاولة مؤسسات السلطة “ترميز” عباس من خلال بعض النشاطات؛ كإصدار وزارة التربية والتعليم كتاب ليتم تدريسه بعنوان: “قدوتنا رئيسنا”، الذي يتضمن بعض مقولات الرئيس عباس. كذلك بث تلفزيون فلسطين اوبريت “ملاك السلام” المتضمن ذكر مناقب الرئيس.
[77] القدس العربي، السلطة الفلسطينية تقطع رواتب عسكريين من مؤيدي دحلان بغزة، 21/1/2015. https://bit.ly/2SnlPfm
[78] هي العائد الناتج عن نشاط غير اقتصادي، وقد يكون هذا العائد ناتج عن مساعدات ومنح خارجية أو مصادر طبيعية كالبترول أو عوائد ضريبية.
[79] John A. C. Conybeare, The Rent-Seeking State and Revenue Diversification, World Politics Vol. 35, No. 1 (Oct., 1982), pp. 25-42.
[80] Tariq Dana, Crony capitalism in the Palestinian Authority: a deal among friends, Third World Quarterly, 41:2, 2020, p: 249.
[81] Palestine Investment Conference. “Success Stories.” 2010 https://www.pipa.ps/files/file/publication/
Success%20Stories_PIC2010.pdf.
[82] Palestine Economic Policy Research Institute. “Evaluation of the 2014 Amendments to the Investment Promotion Law.” Palestine Economic Policy Research Institute (MAS). Background Paper: Roundtable (7), 2014, p:6.
[83] جميل هلال، النظام السياسي الفلسطيني بعد أوسلو: دراسة تحليلية نقدية. رام الله: مواطن، 2006، ص: 24.
[84] قدس نت، قافلة مساعدات من الرئيس عباس الى مدينة بيت لحم، 12/3/2020. https://bit.ly/3d0Q4Rs
[85] دنيا الوطن، الكيلة تتحدث عن الأجهزة الطبية التي تبرع بها الرئيس عباس لوزارة الصحة، 17/1/2020. https://bit.ly/3bAufHZ
[86] النورس نت، صندوق “وقفة عز” الواسطة هي المعيار والمستفيدون كوادر فتح فقط، 19/5/2020. https://bit.ly/3bWX4go
[87] الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ورقة موقف 2 حول: لجان الطوارئ المحلية المشـكلة في سـياق مواجهة جائحـة فايروس كورونا المسـتجد فـي الضفة الغربية، 15/4/2020، ص: 5. https://bit.ly/3c4BxTq
[88] موقع اليوتيوب، مخزي – هذا ما قاله رياض كميل من الاتحاد العام لنقابات عمال حول قائمة المستفيدين من مساعدات صندوق عز، 17/5/2020. https://bit.ly/2A5ntvC
[89] Richard Snyder, Paths Out of Sultanistic Regimes, p: 58.
[90] مقابلة شخصية مع د. حسن أبولبدة في رام الله بتاريخ 18/11/2018.
[91] خليل نخلة، أسطورة التنمية في فلسطين: الدعم السياسي والمراوغة المستديمة، ترجمة: ألبرت أغارزيان، رام الله: مواطن، 2004، ص: 24.
[92] لجنة مكونة من الأمم المتحدة، الولايات المتحدة الاميركية، الاتحاد الأوروربي، وروسيا. شكلت عام 2002 بهدف دفع عملية السلام.
[93] U.N, STATEMENT BY MIDDLE EAST QUARTET, Secretary-General, 30\1\2006. https://bit.ly/2HJO023
[94] بحسب عبد الرازق، “بالمجمل أوقفت الدول المانحة التعامل مع الحكومة وتوقفت عن تحويل الأموال التي كانت قد التزمت بها. فالولايات المتحدة استرجعت مبلغ 50 مليون دولار كانت قد دفعتها للسلطة قبل تشكيل حكومتنا. أي أنها سحبتها بعد وصولها. روسيا تبرعت ب 10 مليون دولار للقطاع الصحي وتم صرفها من خلال مكتب الرئيس. ليبيا القذافي دفعت 50 مليون دولار. قطر والجزائر والكويت ودول عربية كثيرة (غير نفطية) سددت جزءا من التزاماتها الشهرية تجاه السلطة. السعودية سحبت ودائعها من حساب لها في بنك في القاهرة (أو طلبت من البنك أن لا يدفع) ورجع شيك الحكومة السعودية بمبلغ 25 مليون دولار. الدول الأوروبية بعد شهرين تقريبا أتوا (ومن خلال مدير عام العلاقات الدولية) وطرحوا أن يدفعوا رواتب (على شكل منح ومساعدات تحسب لاحقا من الرواتب) القطاعين الصحي والتعليمي ومدفوعات الشؤون الاجتماعية، وأرادوا منا أن نوفر لهم القوائم ونقوم بعملية الرصد. فشرطت عليهم أن يدفعوا للأمن (هم أرادوا أن يدفعوا للصحة خوفا على إسرائيل من تفشي الأوبئة، وأرادوا أن يدفعوا للمدرسين حتى تنتظم العملية التعليمية ولا يقوم الطلاب برشق قوات الاحتلال بالحجارة)، فقلنا لهم إذا لم يقبض الأمن راتبه فإنه سيطلق النار وليس الحجارة. فوافقوا؛ وهنا تقريبا انحلت مشكلة الرواتب”.
[95] مقابلة مكتوبة مع د. عمر عبد الرازق (وزير المالية في حكومة هنية)، بتاريخ 27/5/2020.
[96] وزارة التخطيط، خطة الاصلاح والتنمية الفلسطينية 2008-2010، ص: 14.
[97] مؤسسة أمان، التقرير النصف سنوي للموازنة العامة 2018، رام الله: أمان، أيلول 2018، ص: 8.
[98] موقع عرب 48، إسرائيل تنوي تحويل أموال الضرائب المحتجزة للسلطة الفلسطينية، 27/3/2015. https://bit.ly/2OQshJF
[99] أحمد قريع، الرواية الفلسطينية الكاملة للمفاوضات من أوسلو إلى خريطة الطريق: مفاوضات أوسلو 1993، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، ص: 295.
يمكن قراءة أو تحميل الدراسة عبر الرابط التالي:
النظام الأبوي في السلطة الوطنية الفلسطينية
المصدر: عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات