شاهدة قبر لرجل مصري يهودي تعود لمنتصف القرن السابع عشر، كُتب عليها شعر في رثاء الميت:

كليمان، إن ترحل، فذكرك لم يزل بقلب تميمٍ، غير راحل

وإن لم تروّيك السماء بمائها رويناك، لكن بالدموع السواجم

وكليمان [كليمنت] هو اسم الميت، بالأحرى الاسم الدنيوي له، أما اسمه “التوراتي” فهو رحميم. ويعلو الشاهدة الوحدة الهندسية الزخرفية المشرقية القديمة المعروفة بالنجمة السداسية* أو “نجمة داود” ويحيطها غصني زيتون، تتقاطع أضلاع النجمة في اثنتي عشرة موضع وهو العدد الذي يرمز لأسباط بني إسرائيل، أما غصني الزيتون فيشيران مجتمعين إلى مملكتي إسرائيل ويهوذا التوراتيتين, كما يشير كل غصن على حدة إلى ملك إسرائيل بوصفه الزعامة المدنية والغصن الآخر يرمز للكاهن الأكبر رمز السلطة الدينية ويتواجد في كل غصن عشرون ورقة، وهو من مضاعفات العدد عشرة الذي يرمز لوصايا موسى العشرة. كما تحتوي الشاهدة على نحت لزهرتين** تحتوي الواحدة منهما على ست بتلات***، بمجموع اثنتي عشرة بتلة وهو عدد الأسباط أيضاً، وترمز كل بتلة على حدة إلى أيام الخلق الستة ومركز النجمة هو اليوم السابع أو السبت هو للرب.

………………..

* استخدم اليهود رمز النجمة السداسية كشعار لهم فيما بين القرنين الثاني عشر م. والرابع عشر م., وعرفت باسم درع داود מגן דוד[ مجن داود], (وتسمى في التراث المسيحي باسم نجمة الكتاب المقدس أو نجمة بيت لحم حيث كانت وضع صورها تقليدياً فناني العصور الوسطى وعصر النهضة في لوحات كُرّست لميلاد المسيح في بيت لحم ووصول الحكماء الأربعة إلى المولود الجديد).

وحسب المرويات اليهودية كانت تُرسم هذه النجمة على دروع جنود الملك داود. أما النجمة الخماسية فكانت تدعى “ختم سليمان”, وليس ثمة ما يؤكد صحة هذه المزاعم (لم يذكر درع داود ولا مرة في التلمود), بل هي مجرد تلفيقات ظهرت في القرون الوسطى، وتحديداً عندما استخدمت الجالية اليهودية في مدينة براغ (وكانت جزء من بوهيميا آنذاك) سنة 1354م. هذا الشعار للمرة الأولى كامتياز منحه لهم الإمبراطور شارل الرابع (1316 – 1378) إمبراطور المملكة الرومانية المقدسة لقتالهم إلى جانبه ضد القوات المجرية وكان الشعار عبارة عن علم أحمر بداخله نجمة سداسية وسمي بـ “علم داود”. ويذكر رؤوبين كاشاني [ Reuven Kashani-The National Flag ] عن حادثة مشابهة وقعت في العام 1648م. عندما تعرضت براغ لهجوم من قبل الجيش السويدي وكان من ضمن المدافعين عن المدينة مجموعة من اليهود فاقترح الإمبراطور فرديناند الثالث (1608 – 1657) عليهم أن يرفعوا راية تميزهم عن القوات الغازية فاختاروا علم أحمر بداخله نجمة سداسية باللون الأصفر. وخلال خلال القرنين السابع عشر م. والثامن عشر م. ، تبنى يهود مورافيا والنمسا النجمة السداسية كرمز خاص بهم وتلاهم يهود إيطاليا ثم هولندة لتنتشر بعد ذلك في عموم الجاليات اليهودية في أوروبا الشرقية, ونظر لها “القوميون” اليهود في القرن التاسع عشر م. كمعادل “قومي” للصليب المسيحي والهلال الإسلامي “بدرجة أدق العثماني” وهو ما دفع المؤتمر الصهيوني الأول (1897) إلى تبني النجمة السداسية كرمز للحركة القومية اليهودية، وظهرت في نفس العام على غلاف العدد الأول من مجلة “دي فيلت” التي أسسها هرتزل في فيينا. ومن الجدير بالذكر أن النجمة السداسية تزيّن غلاف أقدم نسخة من” التناخ” اليهودي الذي عثر عليه في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية والذي يعود للعام 1010م., فضلاُ عن العثور على مخطوطة قديمة من التناخ في طليطلة ترجع إلى العام 1307م وقد تم تزيينها بالنجمة السداسية أيضاً.

** للنبات أهمية خاصة في بعض الاحتفالات الدينية اليهودية مثل عيد المظال סוכות ، وهو أحد أعياد الحج اليهودية الثلاثة حيث يحتفل اليهود بتزيين الخيمة [سوكّة] بباقة نباتية من سعف النخيل وبعض أغصان الآس والصفصاف, ويبقى اليهودي في تلك الخيمة مع “الضيوف” الستة الذين يزورون كل سوكّة يهودية في الأيام الستة الأولى من أيام العيد, وهؤلاء الضيوف هم: إبراهيم، إسحق، يعقوب، موسى, هارون, يوسف, ويوحّدهم جميعا الملك داود الذي يعد “الضيف” السابع.

*** تقدم التأويلات القبّالية معانٍ متنوعة تفترض في مجملها أن “نجمة داود” تتوافق مع الاتجاهات المكانية الستة: الأرض والسماء بالإضافة إلى الجهات الجغرافية الأساسية الأربعة وأنَّ كلمة درع داود التي ترمز إلى النجمة السداسية تتكون من ستة أحرف מגן דוד [ يقابلها بالعربية مِجَنّ داود] وهو ما يشير إلى عدد حواف المثلثات التي تشكلها النجمة, فضلاً عن المعنى الباطني للرقم 6 ومضاعفاته), كما يعتقد البعض (لاسيما التلموديين المعاصرين مثل موشيه فاينشتاين وأوري أوفير) أن رمزية نجمة داود تعود إلى الشمعدان מנורה [ مينورا] الذي كان يوضع في الخيمة أثناء تجوال بني إسرائيل في الصحراء ويعتقد أن ثمة زهرة زنبق بيضاء كانت تحت كل مصباح من مصابيح الشمعدان. وتضم زهرة الزنبق الأبيض ستة بتلات متناظرة تماماً لتعطي شكلاً سداسياً وهي المقصودة في الإصحاح الثاني من سفر نشيد الإنشاد: [1 أَنَا نَرْجِسُ شَارُونَ، سَوْسَنَةُ الأَوْدِيَةِ. 2 كَالسَّوْسَنَةِ بَيْنَ الشَّوْكِ كَذلِكَ حَبِيبَتِي بَيْنَ الْبَنَاتِ.]

 

About The Author

1 thought on “النجمة السداسية

  1. ا. محمود يجب أن توضح إنه تم الاستعانة بكتاب ما لصناعة المحتوي الذي تم سرده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *