“المُشتركة” وقلّة التمثيل
تعاني الدمقراطية التمثيلية ـ انتخاب ممثلين ينوبون عن الجماعة ـ في كل العالم من أزمة متدحرجة آخذة بالتعمّق. وهي أزمة أشار الباحثون إلى احتمالات حصولها قبل أكثر من مئة عام. وقد تعمّقت هذه الأزمة بسبب من تحولات عميقة في السياسة والدولة والمجتمع والاقتصاد. تنسحب هذه الأزمة على المُشتركة، أيضًا بسبب من طريقة تشكيلها ومن التصاق القائمين عليها بطرق متقادمة لتسمية أعضائها أو قائمتها للكنيست.
في واقع الحال ـ تمثّل “المُشتركة” بعد يوم من الانتخابات الأخيرة نحو 25% من المواطنين العرب الذين صوّتوا لها بالفعل. في حالتنا كأقلّية أصلانية في دولة تحارب الشعب الذي ينتمي إليه المواطنون ـ تُعتبر هذه النسبة منخفضة جدّا وغير قادرة على التأثير ـ كانت في معارضة سالبة أو في ائتلاف حكومي.
لكن لننظر في طريقة تسمية أعضائها وتشكيلها الانتخابي. سنكتشف أنها تتشكّل وفق أساليب الدمقراطية التمثيلية في بداياتها. الفصيل يختار ممثليه إلى القائمة ثم يتمّ ترتيب التشكيلة النهائية من الفصائل المشاركة. والفصائل، كما رأينا، معسكرات وجماعات يجمعها الإطار أكثر مما يجمها عقيدة وفكرة وبرنامج. وبالتأكيد ليس للمشتركة إلى الآن مشروع سياسيّ لجماعة متخيّلة أو حقيقيّة. لكن كل الفصائل مشتركة لا تمثّل إلّا جزءا قليلا من الجمهور الذي جاءت لتمثّله. وعلى هذا النحو ترى المؤسسة الإسرائيلية إلى “المُشتركة”، وعلى هذا النحو تتعامل معها. تُدرك تمامًا هشاشة” التمثيل الذي تؤدّيه.
حدث هذا كما أسلفنا إلى سياسة الاكتفاء بالحدّ الأدنى، من التمثيل، من الصلة مع الناس، من السياسة ومفهوم أقلية الوطن الأصلانيّة. فبدل أن يتحوّل الحصول إلى 15 مقعدًا قبل سنوات قليلة إلى رافعة نهوض بالقائمة والتمثيل والسياسة جرى العكس تمامًا. تسارعت ديناميكية تفكيك التمثيل والنزول من سقف سياسي مستقلّ إلى ما تحت السقف الإسرائيلي الذي يُريد التعامل مع الفلسطينيين هنا على أنهم جماعة هي أقلّ من مواطنين ناقصة الشرعية مسلوبة الهويّة والتاريخ والرواية لديها على الأكثر احتياجات يومية (التصوّر الذي قبله منصور والموحّدة ويتّضح لهم وللناس أنه لا يشفع). كما أن كل محاولاتي الشخصية ومحاولات مئات غيري الدفع باتجاه تعزيز المشتركة كنواة لتمثيل واسع لوجودنا وليس فقط لمطالبنا اليومية ـ لحضورنا في الصراع وفي تصورات الحلّ، لحضورنا لاعبًا في الإقليم ـ كلّها فشلت على صخرة النزعة العصبويّة الفصائليّة ـ تراجعت فصائل المُشتركة إلى ترتيب بيوتها وإلى خانة التمثيل الهامشي والاكتفاء بالجزء المدنيّ منه. المحصّلة: المشتركة تمثّل الآن الجزء الأقلّ من شعبنا هنا ـ 25% على الأكثر، تمثّل عقائد منهارة وليس برنامجا جامعًا ولا جماعة، تقوم على الفصائليّة التي تتصرّف من “مصلحتها” المقصوصة على مقاس المتنفّذين فيها وليس من مصلحة مجتمع وشعب. أما التباهي بمُنجزات برلمانيّة فهي تأتي في العادة لعدم ترك التفاخر لمنصور عباس وفي منافسة الفصيل الشريك أو لتوكيد “النشاط” وليس التمثيل السياسي.
أضاعت المُشتركة كلّ الفرص للتحوّل إلى نواة لتنظيم العرب الفلسطينيين هنا من جديد. كلّ الجهود لإقناع الفصائل بتوسيع التمثيل خارج حدود الحرس القديم في هذه الفصائل باءت بالفشل. نحترم الذين انتُخبوا لكن في شعبنا آلاف مؤلّفة من نساء ورجال يستطيعون الإسهام في تمثيلنا أفضل ألف مرة. وهم يفعلون ذلك في حقولهم ومواقعهم بشرف.
أشرنا في مرات سابقة إلى الفجوة بين القيادات التي تدّعي تمثيل الجماعة العربية هنا وبين النُخب والناس عمومًا. فجوة آخذة بالتوسّع. يُعبّر عنها بالعزوف الجماعيّ عن المشاركة في الانتخابات. وهو عزوف لا أرى المُشتركة منشغلة به أو تعرف الإجابة على التحدّي الذي تفرضه.
إنّه تراجع من صُنع أيدينا.