الموقف الفلسطيني والعربي من أفكار ترامب: المخاطر والفرص

تقدير موقف:

في اعقاب اعلان نوايا ترامب خلال لقائه مع نتنياهو، حدثَ تغيير في وتيرة ادخال المساعدات الى شمال قطاع غزة، ولإعاقة اعادة الاعمار من خلال منع دخول الاليات والمواد المناسبة لهذا الغرض. عاد نتنياهو ليتحدث عن ارجاء الانسحاب من محور صلاح الدين/فيلادلفي. كما وقام بتغيير جوهري في تركيبة الوفد المفاوض بتحييد الدور الريادي لرؤساء الاجهزة الامنية وتعيين وفد فني وارساله الى الدوحة لمفاوضات تطبيق المرحلة الثانية، وعين الوزير ديرمر المقرب منه ومن ادارة ترامب مشرفا على المفاوضات ليتبين انه يريده حلقة وصل موثوقة لتنفيذ سياساته ونواياه.

قراءة:

–        ترامب معني وفقا لتصريحاته المتتالية بإنجاز الصفقة بكل مراحلها، الا انه ينظر الى الصفقة في سياق التبادل وليس بالضرورة وفقا لتصريحاته الاخيرة بإنهاء الحرب. كما يتضح انه لا مكان للهجرة الطوعية للفلسطينيين وانه من دون العودة للحرب لن يتمكن من تهجير الغزيين سواء مباشرة او من خلال الجيش الاسرائيلي. أذا كان الحديث يتعلق بـ”استلام غزة من اسرائيل” فمعناه إنهاء إطار الصفقة بصيغته المتوافق عليها. واتاحة المجال لإسرائيل للقيام بدورها ثم تسليمه غزة مفرغةً كما تترجم حكومة اسرائسل تصريحاته. اي لا يوجد يوم تالٍ للحرب فلسطينيا ولا مرحلة نهائية من الصفقة.

–        الانقلاب الذي احدثه ترامب في الذهنية الاسرائيلية جوهري وبعد ان كانت الامور تنحو نحو التعقل والتراجع عن مشروع التهجير وانهاء الحرب عادت لتسيطر ذهنية التطهير العرقي في غزة وفي الضفة وهناك من يدعو الى التهجير حتى لفلسطينيي ال 48 مواطني اسرائيل.

–        يترجم نتنياهو اقوال ترامب بإرساله وفدا غير مؤهّل لإدارة مفاوضات تنفيذ المرحلة الثانية ولا يكسب ثقة الوسطاء ومن دون صلاحيات جوهرية، مما يعوق إطار الصفقة ومراحلها، وهو يشبه المعوقات الاسرائيلية الأمريكية امام انجاز الهدنة والانسحاب في لبنان. فالشروط الاخيرة امريكيا حول استبعاد مشاركة حزب الله في الحكومة تعني منع التوافق لبنانيا وتعني أيضا، أن التدخل العسكري الاسرائيلي متواصل في لبنان وان الانسحاب قد يتم تأجيله وابقائه مسألة مفتوحة وغير مؤطرة بوقت وشروط.

–        هناك تفاوت لافت في الراي العام الاسرائيلي بين تأييد انجاز الصفقة بكل مراحلها وبين تأييد خطة ترامب. الغالبية بمن فيهم مصوتو الائتلاف الحاكم يؤيدون انجاز الصفقة بالكامل وبكل مراحلها، والاغلبية تؤيد تصريحات ترامب. واولى الاستطلاعات بعد تصريحاته تبين تعزز قوة كتلة الائتلاف الحاكم. وإذ تتسع حلقة الاصوات الاسرائيلية المحذرة من خطة ترامب، لكن الذهنية العامة تؤيدها.

–        إذا تراجع ترامب في الايام القادمة، ستحدث خربطة في الراي العام الاسرائيلي، والاعلام الاسرائيلي يسلط الضوء وبقوة على المواقف العربية وحصريا مصر والاردن والسعودية، وحتى الامارات وقطر. فعلياً هناك ما قد يكون مؤشرا لتراجعه، في تصريحه يوم السابع من شباط/فبراير بأنه ليس في عجالة من امره وانه يتحدث بلغة العقارات لكن هذا قد يبدو تلاعبا وتراجعا اضطراريا.

–        تأثير الكتلة العقائدية الانجليكانية يبدو قويا، لكنه لا يبدو حاسما في نهاية المطاف اذا ما اضطر ترامب للتراجع. في المقابل الانتقادات والرفض لمواقف ترامب في الحزب الديمقراطي ومن قبل قيادات في الجمهوري له دلالته ايضا.

–        الموقف العربي والدولي الرافض لمخططات ترامب بات بمثابة استفتاء عالمي لصالح الحق الفلسطيني مما يعكس قوة قضية فلسطين المتراكمة في الاذهان ومفهوم المسؤولية الدولية. فيما ان الاصوات المصرية والاردنية المحذرة من مواجهة عسكرية والمهددة بتدخل الجيشين كل على حدة، انما هي لغة عربية جديدة كادت اسرائيل ان تنساها، بعد ان اعتقد سياسيوها بأنهم مُفضِلون على النظام العربي وبأن هذا النظام مدين لهم. فيما ان الموقف السعودي المساند للموقف المصري والأردني قد يكون حاسما بدوره، خاصة وان هناك دعما اماراتيا وقطريا لهذه التوجه.

–        الموقف الفلسطيني والاسناد العربي الحازم يبدوان الاساس للحراك الدولي وتحويل التصريحات الى فرصة تاريخية لصالح دولة فلسطينية. فالموقف الاوروبي ايضا كان حازما وحصريا الالماني والفرنسي والبريطاني. وكذلك الموقف الصيني والروسي، بل ان الصين تسعى وفقا لتصريحات رسمية الى لعب دور في هذا الصدد لصالح الحق الفلسطيني والحل السياسي، كما وترى الصين ان التوجه الصدامي لترامب مع العالم وحتى مع حلفائه في اوروبا وامريكا الشمالية وانعدام الثقة العالمي بسياساته، انما هو فرصة لتعزيز مكانتها الدولية في خلق مصالح دولية بما فيها عربية لمواجهة سياسات الانعزال العدائية التي يقودها الرئيس الامريكي.

–        اللافت أيضا كان مقال للصحفي والكاتب الاسرائيلي البارز اورن نهاري في “واينت” من ان المجتمع الدولي يشهد مسعى امريكيا لتغيير القيم والمفاهيم في العالم، وتصبح جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وحصريا الترانسفير ومساعي هدم النظام العالمي وامكانيات نشوء نظام أكثر عدالة لا يروق لترامب، تصبح كلها متاحة، ويحذر من ان تنفيذ اسرائيل لخطة ترامب ستدفع الجيش ضباطا وجنودا للمساءلة الدولية كمجرمي حرب اكثر مما هو حاصل خلال الحرب على غزة.

–        بعد ان علقت عائلات الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين امالها على ترامب كونه معني بالصفقة، ولا توجد مؤشرات بأنه غير معني بها، الا ان نواياه المعلنة تتنافى واستمرارية الصفقة للمراحل الثانية والثالثة، اذ ان هذه العائلات متنبهة لكيفية ترجمة نتنياهو وحليفيه سموتريتش وبن غفير لتصريحات التهجير من لدن ترامب، وتشكل منعطفا لهذا الثلاثي للعودة الى الحرب المكثفة على غزة وتنفيذ التهجير تحت مسمى القضاء على حماس.

–        في المقابل فإن تصريحات ترامب بصدد السيطرة على قطاع غزة واستلامها من اسرائيل، تعني انه خرج فعليا من إطار الصفقة المتكامل ويسعى الى فرض إطار جديد مجهول المصير. لدرجة اعلان عدد من العائلات بأنها تخشى ان تكون الدفعة الخامسة من التبادل (8 شباط/فبرابر) هي الاخيرة كما تنقل هآرتس.

في الخلاصة:

** لا يجوز التقليل من مخاطر توجهات ترامب على فلسطين وعلى النظام الدولي والمعايير الدولية ولا من تفسيراتها اسرائيليا، لكن وفي المقابل من الاهمية بمكان استغلال الحالة باعتبارها فرصة نادرة وثمينة لصالح الحق الفلسطيني والمساعي والمبادرات لإقامة دولة فلسطينية.

** صحيح ان الحديث الامريكي يجري عن تهجير قطاع غزة الا ان اعين اليمين الاسرائيلي الحاكم منصبّة على الضفة الغربية في مسعى ليكون مصيرها كمصير غزة في حال نجح مشروع ترامب.

** الاصوات الاسرائيلية القلقة من نوايا ترامب هي مؤشر الى ان التأييد الساحق لترامب حاليا قد يتبدل بالقلق وفي انكسار حلم اليمين العقائدي الصهيوني بالضم والتوسع والاستيطان، هذا اذا تحوّل الموقف العربي والدولي الحازم حاليا الى حراك عالمي لحماية وإحقاق الحق الفلسطيني.

عن مركز تقدم للسياسات

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *