الموقف الأمريكي من الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة


اتسمت السياسة الخارجية الأمريكية في العديد من القضايا الدولية بالمواقف المزدوجة، وتباينت المواقف ما بين موقف الإدارات الأمريكية سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية من العديد من الملفات الدولية، ولكن في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فإن موقف الإدارات الأمريكية المختلفة سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية فهناك إجماع ما بين الحزبين على موقف أمريكي موحد وهو موقف داعم و مؤيد لدولة الاحتلال الإسرائيلي ، بمعنى قد يختلف الحزبان الديمقراطي والجمهوري في بعض القضايا الداخلية أو الخارجية ولكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل فإن هناك إجماع بين الحزبين على دعم إسرائيل والوقوف الى جانبها، أي أن مسألة دعم إسرائيل هي مسألة فوق حزبية في الولايات المتحدة الأمريكية ، وفيما يتعلق بالاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة فتارة تعبر الولايات المتحدة الأميركة عن موقفها من خلال البيت الأبيض أو وزارة الخارجية عن موقف علني بالإدانة أو القلق أو الأسف، وتارة أخرى عندما يطرح الموضوع في مجلس الأمن الدولي فإن الولايات المتحدة الأمريكية ترفض التصويت لصالح القرار أو دعمه، وهذا يعبر عن الازدواجية السياسية الحقيقية ضمن سياسة المعايير المزدوجة التي تمثل النهج التقليدي الكلاسيكي للسياسة الخارجة الأميركة في العديد من القضايا الدولية ، ويأتي الموقف الأمريكي من الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة كمثال على ذلك.
يتمثل الموقف الأمريكي من الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة في شقين أساسين ، الشق الأول التصريحات العلنية الرافضة للاستيطان، إذ تؤكد الإدارة الأمريكية أن الاستيطان يعتبر عقبة أمام السلام وخطوة أحادية الجانب ويمنع قيام دولة فلسطينية، ومن جانب آخر ترفض الولايات المتحدة الأمريكية إدانة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو اتخاذ أي قرار سياسي ضد الاستيطان سواء كان هذا القرار على الصعيد الداخلي الأمريكي في التعامل مع الشركات الأمريكية العاملة في المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في ممارسة ضغط سياسي حقيقي على الحكومات الإسرائيلية لوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هذا الموقف الأمريكي الذي يتجلى بحالة من الدعم و التأييد الضمني للاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة يعود الى عدة أسباب وعوامل داخلية و تكوينية في الولايات المتحدة الأمريكية من أهمها الحصول على الدعم والتأييد من رجال الأعمال اليهود الأمريكيين في الانتخابات الأمريكية سواء كان الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية من خلال حملات التبرع وجمع الأموال للمرشحين، إضافة الى كسب تأييد اللوبيات والجماعات الضاغطة في الولايات المتحدة الأمريكية في الانتخابات، وتأتي قضية تشابه البنى الكولنيالية بين الولايات المتحدة والأمريكية وإسرائيل كدول قامت على الاستعمار الاستيطاني الإحلالي كأهم العوامل التي تجعل الولايات المتحدة الأمريكية تسير بحالة الدعم والتأييد الضمني للاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ أن كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل هي عبارة عن كيان قائم على أنقاض شعب آخر وتمثل ذلك بعمليات التهجير والتدمير والقتل والإبادة التي تم ممارستها كلتا الحالتين لسكان البلاد الأصليين في الولايات المتحدة ضد السكان الأصليين وفي إسرائيل ضد السكان الفلسطينيين أصحاب الأرض.
لقد ذهب الموقف الأمريكي الرسمي في فترة رئاسة الرئيس الأسبق دونالد ترمب الى شرعنة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة من خلال مبادرة سياسية أمريكية والتي عرفت بصفقة القرن والتي تضمنت مشروع ضم الأراضي والمستوطنات الإسرائيلية الى إسرائيل و يعتبر هذا تطورا كبيرا في الموقف الأمريكي في الدعم الضمني للاستيطان وخروجا عن الموقف الأمريكي التقليدي الذي يعتبر الاستيطان عائقا أمام عملية السلام ويقوض حل الدولتين، الى موقف معلن ومن خلال مبادرة سياسية، ولكن تبقى الحالة الوحيدة التي تميز فيها الموقف الأمريكي في معارضة الاستيطان هي في ديسمبر من العام 2016 في نهاية فترة الرئيس الأسبق بارك اوباما عندما امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على القرار رقم (2334) والذي يعتبر الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنه غير قانوني وغير شرعي ويجب وقفه.
أما إدارة الرئيس الأمريكي الحالي جوزيف بايدن فإن موقفها من الاستيطان قد انسجم مع الموقف الأمريكي الكلاسيكي في التعبير عن القلق من الاستيطاني وأنه يشكل عقبة في طريق السلام وبالدعم الضمني وغير المعلن للاستيطان ورفض إدانته في مجلس الأمن الدولي، وقد توسع الاستيطان في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية أي في عهد الرئيس بايدن أضعاف كثيرة عما كان عليه سابقا، أضف الى ذلك أن إدارة الرئيس بايدن لم تقدم أي مبادرة سياسة لتحريك عملية السلام المتوقفة بين الإسرائيليين والفلسطينيين وهي الإدارة الأمريكية الوحيدة التي لم تقدم مبادرة سلام منذ انطلاق المفاوضات وعملية السلام وتوقيع اتفاق أوسلو بين الإسرائيليين والفلسطينيين في العام 1993م، وان ما يصدر عن الإدارة الأمريكية الحالية من استنكارها لبناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة و وقف الدعم عن المؤسسات التعليمية و الأكاديمية في المستوطنات ما هو إلا موقف رمزي خجول وقد يتم الالتفاف عليه بوسائل عديدة.
وعلى الصعيد الآخر تقوم الحكومة الإسرائيلية اليمينة المتطرفة بضم الضفة الغربية وتعزيز الاستيطان وفق خطط مدروسة ومعدة مسبقا، فبعد أن كانت المسؤولية المباشرة للضفة الغربية تتبع لوزارة الحرب الإسرائيلية اصبح هناك وزير مدني في وزارة الحرب وهو سموتريتش والذي صوت داخل حزبه على مشروع ضم الضفة الغربية وتعزيز الاستيطان وطرد السكان الفلسطينيين، وقام بإعداد خطة لتعزيز الاستيطان من خلال رفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية الى مليون ونصف مستوطن، ومنذ تولي الحكومة الإسرائيلية الحالية قامت ببناء ثمانية عشر الف وحدة استيطانية جديدة في مستوطنات الضفة الغربية.
على الرغم من أن الاستيطان هو انتهاك صارخا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة وانتهاك جسيم لاتفاقية جنيف الرابعة والتي تحرم الإبعاد الفردي والجماعي للسكان الأصليين وتحرم توطين مواطني دولة الاحتلال في الأراضي المحتلة، إلا أن إسرائيل تقوم بانتهاك القانون الدولي بشكل يومي سواء بترحيل السكان الفلسطينيين من أرضهم و بتوطين مستوطنين إسرائيليين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا يحدث على مرأة ومسمع العالم والمجتمع الدولي الذي لا يحرك ساكنا لوقف هذه الانتهاكات.