المقاطعة قاعدة وفيها استثناءات

تعود قضيّة المقاطعة العربية وغير العربيّة لإسرائيل من مرّة لمرة لتطفو على السطح. وهذه المرة من خلال حدثين متتاليين في غضون اسبوعيْن. الأول ـ جولة الفنانة التونسيّة آمال المثلوثي في فلسطين المحتلّة من البحر للنهر، والثاني ـ رفض فريق الوحدات الأردني خوض مباراة مع فريق الأهلي الإماراتيّ لأن الأخير كان التقى فريق “طبرية البلدي” في مباراة ودّية.

بدأت فكرة المقاطعة العربيّة لإسرائيل مع إقامتها. وقد أقيم مكتب متخصّص في تطبيق المقاطعة، العام 1951 في دمشق يوم كانت لا تزال في طور تحررّها وقبل أن يقبض على روحها نظام البعث وآل الأسد. ويتضح من دراساتي المبكرة لهذا الملفّ أن المكتب استطاع إلحاق ضررا كبيرا بالاقتصاد الإسرائيلي لعقود. بدلالة أنه منع أكبر 500 شركة في العالم بعد الاتجار والتعامل مع إسرائيل. هذا، ناهيك عن ضبط منع جهات عربيّة من ذلك. وقد وجدت في الأدبيات الإسرائيلية إشارة واضحة إلى حقيقة أن “المكتب” على شحّة تمويله منع أكبر 500 شركة عالمية من الاستثمار المباشر في إسرائيل.

لكننا نعرف ما حصل منذ اتفاقيات كامب ديفيد الأولى وتوقيع اتفاقية “السلام” بين مصر وإسرائيل بعد ذلك. من يومها لم يعد لمكتب المقاطعة أي أثر تقريبًا.

علينا أن ننتبه في أمور المقاطعة في الراهن إلى ثلاثة أمور. الأوّل ـ إنها تتركّز في الناحية الثقافيّة بوصفها حاملة قيَم الخير والجمال والعدل والحقّ وما إلى ذلك. الثاني ـ بينما تتفتّح بدايات مقاطعة عالمية لإسرائيل في المجال الاقتصادي والعلاقات الدبلوماسية، تتوسّع علاقات بعض العرب (الإمارات مثالًا) مع إسرائيل بالذات في هذين المحوريْن بالذات! الثالث ـ هناك فارق في زاوية رؤية المقاطعة بين الفلسطينيين في فلسطين التاريخية وبين رؤية الأشقاء العرب لها، وهو ما ظهر في قضيّة المثلوثي آنفة الذكر.

المقاطعة الشاملة لإسرائيل الرسميّة ضرورية عربيًّا وعالميًّا في إطار التأثير على نظامها الاستعماري وأملي أن تتّسع وتتعمق. وهي سلاح قويّ يقوّض شرعية النظام الاستعماريّ الإسرائيليّ السياسيّة والأخلاقيّة والسياسيّة. ومع هذا أتمنّى ألّا تتحوّل إلى سيف يقطع كل شيء بما فيه الروابط التاريخيّة والثقافية والسياسيّة بين الفلسطينيين تحت نظام الاستعمار وبين الإقليم بوصفه عمقهم الاستراتيجي. هذا يعني أنه من الضروريّ بذل جهد خاص كي لا يُحسبوا مع إسرائيل الرسمية ومعها، فلا يدفعوا هم ثمن سياساتها وعنصريّتها. من هنا مثلًا، كنتُ سأتيح زيارة المثلوثي إلى حيفا خلاف ما فكّر به كثيرون لأنها كانت ستلتقي الفلسطينيين وتطلّعهم إلى التواصل مع أمّتهم وثقافتهم. أما مقاطعة فريق الوحدات للأهلي الإماراتي فسأتفهمّها وأشدّ على يد الأخوة الأردنيين. أما مؤنس دبور ابن هذه الديار الذي يلعب في الفريق الإماراتي فهو جزئيّة لم تدخل في اعتبارات القرار الأردني. المقاطعة ستكون أكثر نفاذا وتأثيرا في حالة اجتهدت واستثنت الحالات التي ينبغي استثناؤها. المقاطعة قاعدة لكن علينا أن نُبقي فيها بابا مفتوحًا للاستثناءات.

في النهاية، أمر المقاطعة ليس سؤالًا على العالم خارج إسرائيل، بل هو سؤال مطروح علينا العرب الفلسطينيين هنا، أيضًا. وسيُطرح بإلحاح كلّما تقدّم اليمين في استكمال مشروعه تطويب إسرائيل نظامًا استعماريًا عنصريًا “كامل الدسم”! وهو ما سأعالجه في مادة قادمة.

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *