المحكمة العليا تمكين للفصل العنصري في إسرائيل
عذرا جدعون ليفي. سيسجل التاريخ أن المحكمة العليا الاسرائيلية منذ إنشاؤها تشرعن الاستعمار والاستيطان والفصل العنصري في كامل فلسطين الانتدابية ، وليس فقط في الأراضي المحتلة منذ العام 1967.
لفتني مقال نشره الكاتب التقدمي الاسرائيلي جدعون ليفي (31/7/2022 ) في صحيفة هآرتس في إطار تعليقه على قرارالمحكمة العليا بإلغاء قرار إخلاء البؤرة الاستيطانية “متسبيه كراميم” وعنوانه ” ستسجل المحكمة العليا الاسرائيلية في التاريخ على أنها تمكين للفصل العنصري” .
وعلى الرغم من المواقف الشجاعة والجريئة لجدعون ليفي التي عكستها عشرات المقالات ومواقفه الصريحة ضد الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وضد التوسع الاستيطاني فيها، وضد سياسات الفصل العنصري التي تنتهجها إسرائيل ضد أبناء الشعب الفلسطيني على امتداد أرض فلسطين الانتدابية ، والتي أحرص على متابعتها وترجمة العديد منها للغة العربية .
كان من المتعذر عدم التوقف عند مقاله الأخير الذي يحصر سمة الفصل العنصري الاسرائيلي بسياسات وممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية التي جرى احتلالها عام 1967، وتجاهل ما جرى وما يزال يجري ضد الشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1948 ، في النقب والجليل والمثلث والمدن المختلطة .
صحيح أن السيد جدعون ليفي قد أشار إلى أن قرار شرعنة البؤرة الاستيطانية “متسبيه كراميم” ليس سابقة أولى في تاريخ المحكمةالاسرائيلية العليا . فقد سبقه عشرات القرارات التي تشرعن الاحتلال والاستيطان . إلا أنه تغافل عن أن المحكمة العليا في إسرائيل – أعلى سلطة قضائية – قد تأسست على أن دولة إسرائيل تحتكم لقانون خاص ينطلق من وعد إلهي حصري للشعب المختار ، ما يضعها فوق القوانين الوضعية الدولية والإنسانية التي توافق عليها سكان كوكب الأرض لتنظيم العلاقات بينهم ، ويستثنيها بالتالي من نفاذها .
وأن جهاز القضاء الاسرائيلي، منذ إنشائه تأسس لشرعنة الوجود الاستعماري الاستيطاني الصهيوني فوق أنقاض الشعب الفلسطينى ،وإجازة قتل وطرد السكان الفلسطينيين الأصلانيين الذين سكنوا أرض فلسطين منذ آلاف السنين المتصلة، وملاحقة من تبقى منهم على أرض وطنهم . والمصادقة على قرارات هدم منازلهم ، وعلى أوامر اعتقالهم دون محاكمة- بما في ذلك الأطفال-، وعلى قرارات ملاحقة تجمعات سكانية فلسطينية بأكملها – بما في ذلك مواطنيها -، وحرمانهم من الخدمات الأساسية وترحيلهم قسريا، ومحاصرتهم وتضييق سبل عيشهم .
وأن القضاء الاسرائيلي الذي يتسم بعدالة نسبية تقتصر على المستوطنين اليهود ، يعمل بالتوازي على شرعنة تجاوز الاتفاقات والقوانين الدولية وحقوق الإنسان في كل ما يتصل بالسكان الفلسطينيين، بما في ذلك الخاضعين منهم للاحتلال بالأراضي التي تصنفها الشرعية الدولية كأراض فلسطينية محتلة، والتي تمنع اتفاقية جنيف الرابعة إحداث أي تغييرات جغرافية وديموغرافية فيها. والمصادقة على احتجاز مليوني فلسطيني في قطاع غزة لأكثر من خمسة عشر عام متصلة . واستهداف المدنيين العزل . وإقامة جدار الفصل العنصري . والاعدام الميداني للصحفيين والفتية الفلسطينيين والاعتداء على مواكب المشيعين ، واحتجاز جثامين الشهداء ، وتوفير الحماية لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من يهود إسرائيل التي تتواصل ضد أبناء الشعب الفلسطيني للعقد الثامن على التوالي، ومنع إخضاعهم للمساءلة القانونية والمحاسبة الجزائية .
وفيما يلي ترجمة لمقال الكاتب جدعون ليفي في معرض نقده للحكم القضائي الذي أصدرته المحكمة العليا الاسرائيلية الأسبوع الماضي بعدم إخلاء البؤرة الاستيطانية متسبيه كراميم ، ما يتعذر معه الدفاع عن المحكمة والجهاز القضائي الاسرائيلي .
عنوان المقال:
“ستسجل المحكمة العليا في إسرائيل في التاريخ على أنها تمكين للفصل العنصري“
بعد المعركة حول الموضوع الوحيد الذي يجذب الانتباه في السياسة الإسرائيلية ، بين فريق “أي شخص غير بيبي” وفريق ” بيبي فقط ” ،هناك قضية واحدة ما تزال متبقية غير ذات صلة، أصبحت مسألة مبدأ.
إنها الحرب بين أولئك الذين يقدسون القضاء الإسرائيلي وبين أعدائه ، وموقف المرء من الموضوع يعتمد كليا على المعسكر السياسي الذيينتمي له .
إذا كنت مؤيدا لـ ” بيبي فقط” ، فأنت ضد المحاكم . وإذا كنت مؤيدا لـ “أي شخص غير بيبي” ، فأنت تبجل القضاء.
من المغري الانضمام إلى المعسكر الثاني الليبرالي المستنير، الذي يحاول حماية القضاء من التهديدات العنيفة الموجهة إليه من اليمين. مغرو لكنه مستحيل .
إن حكم المحكمة العليا الاسرائيلية الأسبوع الماضي ، الذي قررت فيه عدم إخلاء البؤرة الاستيطانية “متسبيه كراميم” ، يوضح فقط مدى عدم إمكانية الدفاع عن المحكمة – ومدى عدم ملاءمة سيناريوهات الرعب المخيم ، وتنبؤات الهلاك التي ينشرها الليبراليون. عندما يتعلق الأمر بما سيحدث، إذا طارد اليمين هذه المؤسسة الموقرة .
المعسكر الليبرالي يتمسّك بدعمه للقضاء حيث يمسك المرء ببوصلة لولاها سيفقد طريقه.
لكن طريق البوصلة ضاع منذ فترة طويلة. إنه معطل ، أو إذا أردنا الاعتراف به ، فلن يعمل بشكل صحيح أبدا .
يزعم أن القضاء هو الراية التي يعتنقها المعسكر المستنير ، لكن هذه الراية في حالة مزرية.
إن الاختبار الأسمى للقضاء، الذي يتجاوز أي قضية أخرى- أكثر من تعامله مع قضية نتنياهو المصيرية- هو تعامله مع الاحتلال ، وهي القضية التي تعرف إسرائيل أكثر من أي قضية أخرى ، والتي يعتبر سلوكها فيها مخزيا وجبانا. إن التعرف على لصوص الأرض من البؤرة الاستيطانية ميتسبيه كراميم، والمكافأة التي حصلوا عليها ، هي مجرد أحدث حلقة في سلسلة لا نهاية لها من القضايا .
لا يمكن دعم محكمة تنحاز بشكل منهجي إلى جانب السفاحين والمجرمين، والتي تمنح الموافقة على جرائم الحرب وتحتقر القانون الدولي.
لا يمكن حتى أن ينزعج المرء من تهديدات الخصم بتوجيه جرافة إلى المحكمة. فماذا سيحدث بالضبط للدولة إذا تم تدمير المحكمة ، بخلاف الأضرار التي تلحق بالعقار؟
هل تصبح إسرائيل دولة تتجاهل القانون الدولي؟
هل تصبح دولة تتغاضى عن الفصل العنصري؟ تبيض جرائم الحرب؟ تغذي التفوق اليهودي؟
ماذا سيحدث بالضبط إذا تم استبدال هؤلاء القضاة المستنيرين والمتعاليين بقضاة أقل عظمة واستنارة؟
حتى افتراض ، أن قضاة المحكمة العليا هنا منقسمون بين ليبراليين ومحافظين – كما هو الحال في الولايات المتحدة -مضلل.
في كلا البلدين، المحافظون لديهم أغلبية. غير أنه في إسرائيل ، حتى الليبراليون ليسوا ليبراليين .
من أيد سرقة الأرض في متسبيه كراميم؟ نعوم سوهلبيرغ بالطبع ، ولكن أيضا أولئك الليبراليين دافني إيريز باراك وإسحاق أميت. لقداعتقدوا أيضا أنه تم السماح لليهود بالسرقة من العرب. هم أيضا يعتقدون أن المستوطنين مسموح لهم بكل شيء لأنهم يهود.
عندما يتعلق الأمر بالمحكمة العليا ، هناك شيء واحد لا يمكن إنكاره: لا يوجد شيء مثله في كشف وجه إسرائيل الحقيقي. هناك ليبراليون في ميرتس ، حزب العمل ويش عتيد ، بالإضافة إلى المحكمة العليا. كلهم يتحدثون بلطف أكثر من المتوحشين اليمينيين.
إنهم خائفون من تهديد جرافة تستهدف المحكمة. يعتقدون أن “أخطبوط الفساد” ، كما أسماه الصحفي مردخاي غيلات في “هآرتس” (الطبعة العبرية ، 29 يوليو) ، هو عضو الكنيست ديفيد بيتان ، وفوقه بالطبع ، بنيامين نتنياهو ، وهو أفظعهم جميعا .
لكن ليس قضاة المحكمة العليا هم الذين يمنحون الموافقة لعائلات الجريمة، ويشجعون إقامة أحياء الجريمة في الأراضي المحتلة.
عندما تُكتب سجلات الوقت الحاضر ، وتلك التي سبقتها ، سيتم تسجيل المحكمة العليا في إسرائيل في الجانب السلبي المخزي من التاريخ، كمؤسس وممكّن لدولة الفصل العنصري.
عندها ستبدو جرائم نتنياهو وجرائم بيتان مقارنة بها، نقية مثل تدفق الثلج .