“اللقاء في أرض المعركة”… بين التشكيك والتفاؤل

رغم أن التحالف الصهيوني – الأميركي أغلق كل الأبواب، ولم يُبق كسرة خبزٍ لمن وضع كل بيضاته في سلة هذا التحالف منذ 30 عامًا، يظل التشكيك قائمًا عند الكثيرين في إمكانية أن يُحدث لقاء جبريل الرجوب وصالح العاروري، أول من أمس الخميس، تغييرًا جديًا في الحالة الفلسطينية الرثة الراهنة، وهذا أمر مفهوم بسب تكرار فشل المحاولات المتكررة للمصالحة، لكنه في نظر آخرين كثر أيضًا، هو نافذة أمل وانطلاقة جدية باتجاه “اللقاء في أرض المعركة” وهو العنوان الذي أطلقه الاثنان في اللقاء، على الفعل القادم المفترض.

 

كل فلسطيني يتوق لرؤية التغيير، والخروج من حالة الهوان ويتمنى أن تكون ساعة العمل قد دقّت. ولكن القرار كان قد سُلب من المواطن الفلسطيني، أو من أطره التمثيلية الوطنية الجامعة منذ فترة طويلة، إذ لم يعد القرار وطنيًا صرفًا، بل تحكم به المستعمر الصهيوني وقوى خارجية متحالفة معه. ويأتي التشكيك من كون هذا التحكم الخارجي بالقرار الفلسطيني، قد أنتج تحالفًا محليًا طبقيًا ومصلحيًا معيقًا للتحرر الوطني، يصعب الفكاك منه سوى بعملية ثورية متدرجة وطويلة. سيظل عنصر التساؤل والتشكيك وعدم اليقين سيد الموقف لأسابيع مقبلة حتى تنجلي الأمور، سيما وأن من لا يزال يتحكم بالقرار الفلسطيني هو مسؤول عن الفشل، وبالتالي ينظر إليه بأنه غير مؤهل لقيادة ثورة وطنية.

 

ما الذي يمكن المراهنة عليه في هذا اللقاء، ولماذا يرى بعض آخر فيه احتمالا لتحوّل قد يحصل؟

 

لم يأت القرار الجديد الوحدوي نتاج نزول روح ثورية مفاجئة على رأس القيادة، ولا مراجعة ضميرية ومحاسبة للذات على ما سببته هذه القيادة من إضرار وطني ومجتمعي عميق، رغم أن رئيس الحكومة الفلسطينية، محمد إشتية، ولأول مرة، يتحدث في لقاء مطول مع معهد كارنيجي في واشنطن، عن خمسة أخطاء ارتكبتها القيادة الفلسطينية، هي نفسها التي يتحدث عنها جميع نقاد ومعارضي مدرسة أوسلو منذ زمن طويل، وكلها مهمة. ولكن ما لفت نظري بصورة خاصة، هو الاعتراف بخطأ قبول القيادة الفلسطينية بفصل فلسطينيي 48 عن القضية الفلسطينية. إن سبب هذا اللقاء الأخير بين الرجوب والعاروري هو ببساطة تجريد القيادة من كل الامتيازات التي حظيت بها خلال حقبة أوسلو. لقد جعل التحالف الصهيوني الأميركي الإمبريالي القيادة الفلسطينية عارية تمامًا أمام شعبها، وجردها مما تبقى من أوهام، من خلال “سرقة القرن” و”خطة الضم”، وهما وجه واحد لشرعنة المشروع الاستعماري الاستيطاني الذي يترسخ منذ عقود طويلة، تحت بصر وسمع سلطة الحكم الذاتي.

 

إذًا هل هذا السبب، أي الظروف الموضوعية، كافية لإقناعنا بأننا أمام مرحلة طلاق كامل من الأوهام، أم أننا أمام تكتيك مناورة وتخويف لإسرائيل، أو لدفع المجتمع الدولي لإعادتنا إلى قفص عملية السلام، لنبدأ الملهاة من جديد بشروط أفضل، أم أمام واقع جديد؟

 

عمومًا، تشكل الظروف الموضوعية المتمثلة في حالة قهر غير محتملة شرطا للثورة ولكن ليس حتميًا، والدليل أننا نعيش هذه الحالة منذ زمن طويل من دون أن تشكل صاعقًا لانفجار ثوري او انتفاضة شعبية، إذ إن البنى الفلسطينية الرسمية حالت دون تحول الهبات الشعبية المحدودة إلى انتفاضة شعبية، أو إلى عملية بناء تحتي مؤسساتي شامل، يكون قاعدة الاستناد لانتفاضة شعبية مستقبلية.

 

لكن هل يصح اكتفاء القوى الناقدة للحالة الفلسطينية البائسة والتواقة للتغيير الحقيقي، بالتحليل، أم أن عليها أن تنظر في ما يمكن أن يولّده هذا اللقاء الثنائي من أبعاد تفاعلية، ومن بداية لتعديل في المناخ أو المزاج الشعبي. ليس صحيحًا النظر إلى هذا اللقاء باعتباره مجرد لقاء آخر بين “فتح” و”حماس”، مثل لقاءات المصالحة السابقة الفاشلة والمُحبطة، ولا أيضا النظر إليه وكأنه المُفجر لتغيير جذري حتمي، ولكنه يوفر فرصًا أفضل من السابق.

 

يجب أن تقتنص قوى التغيير، والتي لا تملك حتى الآن قوة مادية وازنة على الأرض، الفرصة الجديدة وتدفع إعلاميًا ومعنويًا وثقافيًا بهذه المبادرة الجديدة، نحو الغايات المطلوبة وبسط رؤيتها الوطنية والإصلاحية الشاملة أمام الرأي العام، خصوصًا وأن الطرفين قررا ترك مسألة المصالحة خلفهما، والذهاب إلى التنسيق الميداني. نعم، يمكن أن يولد هذا اللقاء أو الاتفاق الجديد حراكًا شعبيًا وحدويًا محدودًا أو واسعًا، قصير المدى أو طويل المدى. لا أحد يعرف. بطبيعة الحال، أن يكون نشاطًا ميدانيًا وحدويًا في مواجهة الضم الإسرائيلي حتى من دون اتفاق مصالحة شامل، أفضل من الوضع السابق، لأنه قد يفتح أفقًا لتغيير المزاج العام، ويولّد ديناميات غير مقصودة من الطرفين، أو لأحد الطرفين.

 

ومن أجل زيادة الفرص وتعزيزها وتوليد فرص متتالية، ومن أجل عدم استفراد الحركتين، “فتح” و”حماس”، في توجيه السفينة، يقع على جميع الأطر المستقلة؛ الشعبية، والأكاديمية، والثقافية، والشبابية، والطلابية والنسائية، أن ترفع أكثر صوتها ورؤيتها لعملية الانتقال الإستراتيجي الجذرية، من خلال الممارسة الميدانية المشتركة، وبالتوازي مع إعلاء صوتها أكثر في المنابر الإعلامية والشعبية المختلفة.

 

هذا الفعل المطلوب ينطبق على كل تجمعات الشعب الفلسطيني؛ في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة، في الجليل والمثلث والنقب، وفي الشتات والمهجر. ومما يساعد على هذا التلاقي الوطني الشامل في الميدان، هو كون التوجه نحو نموذج الانتفاضة الأولى أي مقاومة شعبية مدنية، تسمح لكل فلسطيني أينما وجد بالمساهمة والمشاركة في إعادة بناء الحركة الوطنية، من أجل إنهاء الظلم وتحقيق التحرر والحرية.

 

فقط عبر هذا الحراك، يمكن أن نصبح أمام عملية توحيد ومطابقة الشعب مع الأرض ومع القضية باعتبارها قضية تحرر وطني وديمقراطي لعموم الشعب الفلسطيني. وهي أيضًا الفرصة التي يمكن من خلالها إعادة تشييد وتوطيد العلاقة مع الشعوب العربية وأحرار العالم.

(المصدر: عرب 48)

About The Author

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *