القرار الفلسطيني المستقل بين الأمس واليوم
في منتصف سبعينات القرن الماضي، وبسبب التدخل الدموي لنظام حافظ الأسد في الشأن الفلسطيني، أصبح القرار الفلسطيني مهددا بالسيطرة عليه من قبل النظام السوري، ففي داخل سوريا، وفي مخيمات الفلسطينيين المقيمين هناك، وبعدها في لبنان في الثمانينات، كان للنظام السوري الدور الأبرز في اشعال حروب المخيمات في لبنان، ناهيك عن تشكيله لتحالفات مع القوى اليمينية اللبنانية الانعزالية بهدف ضرب الوجود الفلسطيني وإخضاع القرار الفلسطيني لرغباته. فقام بخلق منظمات فلسطينية بالاسم مثل القيادة العامة والصاعقة وغيرها الكثير.
تدارك ياسر عرفات خطر هذه السياسة ورفع حينها شعار ” القرار الوطني الفلسطيني المستقل”، كردة فعل على سياسة الأسد الأب، وأخذها للجامعة العربية، وحصل على تأييد كبير واصبحت هذه الاستراتيجية متلازمة الفعل الفلسطيني المحلي والعربي والدولي.
ولكن هذا الشعار كان له مردود عكسي، ايضاً، حيث أبعدنا عن حاضنتنا العربية الشعبية، ومن جهة أخرى كان سببا لعزل القضية الفلسطينية من البعد العربي القومي.
تبين ان المشكلة في هذا الشعار وكأننا نقول إننا لوحدنا وظهرت شعارات من نوع ” يا وحدنا” إلخ.
أخذ أو فهم هذا الشعار في لحظتها بالطريقة الخاطئة حيث اصبح يشمل كافة علاقاتنا منذ ذلك الوقت ولغاية اليوم.
اصبحنا نقول ان فلسطين هي البوصلة ومركز القضية العربية في المقام الأول، وبدون ادراك ان هذا موقف متعالٍ ونرجسي في الوقت نفسه، لأنه لا يأخذ بالحسبان هموم الشعوب العربية المغلوب على امرها ولا يدرك مدى القهر والفقر والتخلف الذي تعيشه هذه الشعوب حيث اصبح همها الوحيد لقمة العيش قبل أي شىء آخر .
كثيرون منا فرح لنجاح الثورة السورية، حيث أنهت حكم عائلة الأسد، هذا الحكم الذي استمر 54 عاما هجر خلاله ملايين السوريين في بلدان الشتات ناهيك عن فظائع سجونه ومعتقلاته، اعتبرناها فرحة سورية، فلسطينية وعربية ايضاً، لكن كثيرون وللأسف، بدل التأييد والفرحة لهذا الحدث الكبير، بدأوا بالتشكيك من اليوم الأول لنجاح الثورة، وراحوا يتحسرون على خسارة الأسد كونه كان يشكل قطبا رئيسا من أقطاب ما يسمى بـ ” محور الممانعة”، وان الذي حدث هو فيلم ومؤامرة وهذا مؤسف جداً.
إذا لم نرَ ارتباط حريتنا بحرية الشعوب العربية وتأييد مطالبها واهتماماتها المعيشية المختلفة ونضالاتها من اجل يوم افضل، وإذا لم نرَ ذلك فنحن نساهم باضعاف قضيتنا الفلسطينية.
فإذا كان هم إسرائيل والأنظمة العربية محاصرتنا وتصفية قضيتنا فالأحرى بنا ان نبني استراتيجيتنا على مبدأ التآخي والتعاضد مع الشعوب العربية ومدّ يد العون لها أينما امكن ونفرح لفرحتها بحريتها ونصرها وتحقيقها انجازات تاريخية.
ليكن اليوم قرارنا المفتاح والتضامن مع الشعوب العربية، وليس الاستقلال عنها والعمل قدر المستطاع لانجاح نضالاتها، سواء كان في سوريا، لبنان، مصر، الأردن، اليمن، ليبيا وتونس وغيرهم من البلدان العربية.
بدون دعم وتأييد الشعوب العربية لقضيتنا الفلسطينية نبقى عاجزين لوحدنا عن إنجاز تحررنا، وهذه عملية ديناميكية بيننا وبين الشعوب العربية لأجل تحقيق أمالنا في الحرية وتقرير المصير. علينا أن نعاضد ونؤيد حرية الشعوب العربية في التحرر من الديكتاتوريات العربية الفاسدة والمستبدة، ونسعى بالوقت نفسه للتحرر من الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.