الفنان التشكيلي الراحل عبد العزيز إبراهيم وأيقونة البرتقال المر
ابتكر الشعب الفلسطيني؛ أساليب عديدة لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وسياساته العنصرية إزاء الشعب الفلسطيني، فمن الحجارة والكتابة على الجدران والملصق السياسي، والمظاهرات السلمية، مروراً بالأدب بكافة فنونه، وصولاً إلى الفن التشكيلي الفلسطيني، الذي يرصد تاريخ الشعب الفلسطيني ونشاطاته المختلفة ؛ حيث أنه نتاج حضاري وتعبير ثقافي يدحض الرواية الصهيونية حول فلسطين أنها أرض قفراء؛ ولهذا يعتبر الفن التشكيلي أحد أهم وسائل الحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية ووحدة الشعب الفلسطيني وإرثه الإنساني؛ وهنا يبرز إسم الفنان الفلسطيني التشكيلي الشهيد عبد العزيز إبراهيم ؛ الذي كان ومازال أحد أيقونات هذا الفن؛ وهو صاحب ملصق البرتقال المر.
الفن في خدمة القضية
وصل الفنان الشهيد عبد العزيز إبراهيم من موسكو الى تونس بعد تخرجه من جامعة دمشق عام 1983؛ وخلال وجوده التحق بقسم التوجيه السياسي والمعنوي لمنظمة التحرير الفلسطينية؛ حيث كان يرتبط والصديقين الشهيد تيسير الشهابي، وشحادة شهابي أمدّ الله في عمره ورعاه؛ بعلاقة وطنية وتماس يومي يجمعهم العمل بمكتب القائد العام للثورة الفلسطينية الرمز الراحل ياسر عرفات ابوعمار. وقد كان عبد العزيز إبراهيم غزير الانتاج الفني من خلال رسوماته ولوحاته المميزة عن الهوية الوطنية الفلسطينية ؛ وكان من أبرز أعماله إضافة إلى ملصق البرتقال المر؛ جدارية الثورة التي كانت تزين مدخل معسكر قوات الثورة الفلسطينية في تونس ، وكانت الجدارية من أكبر الجداريات في مجال الفن التشكيلي على مستوى فلسطين والوطن العربي والعالم آنذاك؛ حسب ما صرح به حينها وفد تضامني إسباني زار تونس، وضمّ مجموعة من الفنانين التشكيليين الإسبان ؛ الذين ما إن تعرفوا على الراحل الشهيد الفنان عبد العزيز إبراهيم حتى اقترحوا عليه متابعة دراسته الأكاديمية في إسبانيا؛ وهذا ما تحمس له الشهيد صلاح خلف “أبوإياد” ووعد عبد العزيز بتحقيق هذا الحلم.
ولم يتحقق الحلم المذكور، حيث قام الطيران الإسرائيلي بغارة غادرة على مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في منطقة حمام الشط في تونس؛ في الأول من تشرين أول /أكتوبر 1985؛ واستشهد الفنان عبد العزيز إبراهيم وصديقي تيسير الشهد أثناء الغارة الثانية وهما يحاولان إنقاذ الجرحى الذين أصيبوا في الغارة الأولى في مكتب القائد العام والمكتب الصحافي لقائد الصورة الفلسطينية .
وقد سقط خلال الغارتين الإسرائيليتين (64) شهيداً من بينهم (16) شهيدا من قوات الأمن التونسي والعاملين في المكاتب؛ إلى جانب (12) شهيدا سوريا من المنتمين للثورة الفلسطينية. وقد ترك الفنان الشهيد إضافة لجدارية الثورة؛ إرثاً هاماً وزاخراً من لوحات فنية تؤكد على الهوية الوطنية الفلسطينية.
الواقع الفلسطيني والعربي
وارتكز الفنان الشهيد عبد العزيز إبراهيم في موضوعاته الفنية على الواقع الفلسطيني والعربي؛ وخاصة هموم الشعبه وحتمية انتصاره على عدو سلب الوطن وشتت النسبة الكبرى من الشعب الفلسطيني، فرسم الخيل وشموخه الدّال على الفدائي وانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة واستمرارها حتى النصر والتحرير؛ كما رسم الكوفية في أعمال فنية عديدة ؛ فضلاً عن الشمس الساطعة على بطاح فلسطين وزهورها وجبالها الشامخة؛ التي تشي إلى الأمل والحرية من المحتل الصهيوني العنصري، وأكدّ في أعماله على الزخارف الكنعانية، للدلالة على الجذورالتاريخية للشعب الفلسطيني في وطنه الوحيد فلسطين، واستمد الفنان الراحل موضوعات ملصقاته من الواقع الفلسطيني، والتي كان من أهمها ؛ ملصق البرتقال المر التي أصبحت تزين كل بيت فلسطيني على امتداد فلسطين التاريخية وفي المهاجر القريبة والبعيدة، ومن الملصقات التي رسمها الفنان الشهيد عبد العزيز إبراهيم؛ ملصق يوم الأرض، صبرا وشاتيلا، نموت واقفين ولن نركع، وملصق انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة؛ ويهذا يعتبر الشهيد الفنان من أهم صانعي الملصقات التي تؤرخ للقضية الفلسطينية.
رحلة الرحيل القسري
إثر نكبة عام 1948 ، وإنشاء إسرائيل على القسم الأكبر من مساحة فلسطين التاريخية، تمّ تهجير (850) ألف فلسطيني ، لجأ إلى سوريا نحو (85) ألفاً، ومنهم عائلة الفنان الراحل عبد العزيز إبراهيم، التي تنحدر من بلدة جب يوسف في قضاء مدينة صفد الجليلية، ولتقطن فيما بعد في مخيم خان الشيخ إلى الشرق من العاصمة دمشق، الذي تمّ إنشاؤه خلال عام 1949.
وفي المخيم المذكور عام ولد الفنان الراحل عام 1961، وقد درس المراحل الدراسية الأولى في مدارس الأونروا، وحصل على الثانوية العامة عام 1979، ليلتحق في كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق ويتخرج منها عام 1983. استشهد في تونس خلال الغارة الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في الفاتح من تشرين أول /أكتوبر من عام 1985، وكان عضواً في الاتحاد العام للتشكيليين الفلسطينيين ـ فرع سوريا؛ وطبعت له العديد من الملصقات والبطاقات البريدية وأغلفة الكتب، وقد اختار فن الملصق ليكون انطلاقته الاولى نحو تجربة فنية زاخرة بالعطاءات واللوحات التي تؤكد تاريخ وهوية الشعب الفلسطيني ووطنه الوحيد فلسطين، وسيبقى الفنان التشكيلي الشهيد عبد العزيز إبراهيم حاضراً وبقوة من خلال ملصقه الأيقونة “البرتقال المر”.