الفلسطيني- وليد مسعود- لايكرر تجربة


اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

مصطفى الولي- خاص ملتقى فلسطين

خلال تفكيري بأوضاع الفلسطينيين، الشعب، والحركة الوطنية الفلسطينية، بتنوعاتها وتناقضاتها ومشكلاتها، وبحالتها المومسومة ، كما هو رأي الكثيرين، بأنها في وضع انسداد جعلها أقرب إلى التيه، حضرني العمل الروائي المميز للكاتب المبدع، الراحل جبرا إبراهيم جبرا، وعنوانه: ” البحث عن وليد مسعود”.
ولأن جبرا قدم شخصيته الروائية باسم وليد مسعود، وبناها على محمولات ثقافية وفكرية وتاريخية،( تعرف تاريخ العالم وثقافاته وفنونه وصراعاته). وانتمائها مولدا لفلسطين، وانخراطها في العمل الوطني الفلسطيني منذ تأسيسه1964، 1965، ثم تغييبها- غيابها، وفشل أصدقاء وليد مسعود في العثور عليه، ولا حتى في الاتفاق على تقدير واحد عن مصيره ووجهته التي ذهب اليها، الأمر الذي جعل نقاد الرواية، بعددهم الأكبر، يرون في وليد مسعود شخصية سوبرمانية، قدمها جبرا بقدرات خارقة، بعيدة عن الواقع، وليست مقتعة .
من ناحيتي وصلني من الرواية، أن وليد مسعود الفلسطيني المتفوق والمتميز بقدراته، بقي في الرواية غائبا ومجهول المصير، فوجدت في هذه اللعبة الفنية الروائية إحالة على شخصية ” منشودة” لكنها غائبة.
الأمر الآخر الذي وصلني واضحا جدا في حوارات أصدقائه التي تخللت السرد، قول أحدهم: إن وليد لا يكرر تجربة، رداَ على صديق آخر كان اعتقاده أن وليد ربما عاد إلى القدس، لينشئ خلايا سرية للمقاومة.
ومن وحي هذا الحوار بين الشخصيات، في رحلة بحث كل منها عن مصير وليد مسعود، كانت صياغتي لعنوان هذه المقالة. معتبرا أن وليداَ يرمز إلى الفلسطيني الواقعي، التائه في الوصول إلى الخيارات المطلوبة والمتاحة بالطبع، في هذا الوقت الذي يواجه فيه الفلسطينيون كشعب، ومعه القيادة السياسية برمتها، مخططات الضم، المتوافقة مع، أو المرتكزة إلى مايدعى ” صفقة القرن”.
في لاغضون ذلك تبرز بقوة مسألة الوضع الذاتي الفلسطيني” منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع”، لأن أي كلام عن مواجهة مخططات الضم يحيل مباشرة إلى دور السلطة والمنظمة، ومصيرهما، وأولا قدرتهما على منع إسرائيل من تنفيذ قرار الضم.
قبل مشروع الضم، وصفقة القرن، كانت الحالة الفلسطينية بكافة مكوناتها ومرجعياتها، تدور في حلقة مفرغة أمام حالة الاستعصاء الكامل في ميدان الصراع من أجل تحقيق حل” الدولتين” على أرض فلسطين. في الواقع هناك دولة واحدة” إسرائيل” أما الدولة الفلسطينية فهي سراب، وكل كلام عنها هو كقبض الريح. ويترتب على مشروع الضم تقويض مرتكزات هامة، جغرافية وديموغرافية، تدمر حيزا جديدا لإمكانية تحقيق حل الدولتين.
ولقد أقرت النخب الفلسطينية، ومنها تلك الهيئات المستقلة، أن حل الدولتين انتهى، ويمكن الإضافة إلى غير رجعة، وفق المعطيات الواقعية المتوفرة، في فلسطين وفي الإقليم المحيط، وعلى المستوى الدولي. وعليه راحت تلك الهيئات، وعدد من النخب، من خارج السلطة، ومن خارج إطار منظمة التحرير، تبحث عن بديل لحل” الدولتين”، فاجتهدت كل منها في طرح أفكار لاجتراح حل مثل:
الدولة الواحدة، الدولة ثنائية القومية، الدولة الديمقراطية، دولتان في بلد واحد.. إلخ. وتبقى هذه الأفكار ذهنية وفي الرأس، فالمطلوب الحوامل التي تستطيع مراكمة المقومات المطلوبة لحل يمكن ان يقع عليه الاختيار، اختيار من جهة تمثل الشعب الفلسطيني، حقا وفعلا، وهو ما يدخلنا في السؤال:
هل يمكن لأي من المقترحات المطروحة للحل، أن تستوعب وتحتضن مصالح الفلسطينيين في كل مكان( في أرض 1948، وفي الضفة والقطاع، وفي مناطق الشتات). وماهي طبيعة المصالح الواقعية الراهنة لتشكيلات الفلسطينيين المختلفة، ومتنوعة الظروف، والتباينة في قدراتها على الاستجابة العملية للفعل الملموس في ظل المعطيات المتوفرة؟
بهذا الخصوص، طرحت أوراق ملتقى فلسطين، وعدد من الفعاليات الفكرية والأكاديمبة، اقتراحات تهدف إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى هذا الطريق المقترح، هناك فكرة : انتخاب مجلس وطني جديد، يمثل الفلسطينيين في الثلاث أماكن( الداخل 1948، الضفة والقطاع، الشتات المتعدد والوزع في أرجاء العالم).
لست متأكدا من إمكانية إعادة بناء منظمة التحرير، بشكل سلس ومرن. فالمنظمة اليوم، رغم اختلافها كبنية وتشكيل عن السلطة الفلسطينية، لكن مكوناتها، وبنيتها، ومصالح الفصائل المنخرطة فيها، تمانع بشكل قاطع، إحداث إعادة بناء للمنظمة إلا إذا جاء شكليا لا يمس وجود الهياكل القائمة. والأكيد أن أفراداَ قلائل فيها يمكن أن يستجبوا لإعادة البناء المنشودة، غير أنهم أضعف من أن يستطيعوا فرض إعادة البناء المقصودة والمنشودة.
في تاريخ منظمة التحرير، منذ تأسيسها سنة 1964، جرت عملية إعادة بناء واحدة في العام 1968، حين تمكنت فتح أولا، مدعومة من بقية الفصائل، من إزاحة قيادة الشقيري والاستيلاء على إطار المنظمة، والمضي به وصولا إلى أوسلو، وثم إفراز ما يسمى السلطة الوطنية الفلسطينية. وهنا أعود لشخصية وليد مسعود في رواية جبرا، لأتبنى أن لا مجال لتكرار التجربة، تلك التيمة التي تميزت بها شخصية بطل رواية جبرا. فلا اعتقد أن بناءا جديدا لمنظمة التحرير الفلسطينية ممكنا. إصلاح ممكن لكنه سيكون شكليا وفارغا من أية مضامين تعيد الاعتبار للحركة السياسية الفلسطينية.
ربما سيفهم البعض، مما ذكرت أعلاه، أنني أدعو لشن هجوم على المنظمة يستهدف إنهاءها، وليعذرني من يراني بهذا الموقع، فما أوردته ليس أكثر من محاولة تفكير ربما تسهم في اجتراح حلول بجهود واسعة من الحريصين على مستقبل شعبهم، بدءا من حاضره البائس جراء تباين مصالحه الراهنة والقريبة. ثمة ظروف موضوعية لا تسمح اليوم بقيام المنظمة بإعادة بناء ذاتها، وقياداتها لا تسمح بتقدم صف جديد من النخب والقيادات، ليكون صاحب القرارات المغايرة لتوجهات الفصائل المنضوية في هياكل المنظمة.
برأيي، وبصياغة مكثفة ومختصرة، إن كنا جادين في إعادة بناء حركتنا الوطنية الفلسطينية، لابد أن تكون أشبه بتأسيس فكري جديد للمشروع السياسي الفلسطيني المنشود، وبموجبه تتم مواءمة الأدوات والبنى المطابقة لديناميات هذا المشروع. والقضية ليست محدودة بصفقة القرن ولا بمشروع الضم، إنها تتعلق بكامل أبعاد قضية فلسطين، ولا مانع من إعادة تأسيس الرواية الفلسطينية بصياغة جديدة، متجاوزة للشعارات الصارخة، ومبنية على جاهزية قصوى لنقد الذات فيما يتعلق بالتناقض الفلسطيني الإسرائيلي، والعربي الصهيوني. وفي الغضون إعادة الوقوف حيال المسألة اليهودية، التي شكلت منطلق التناقض على يد الحركة الصهيونية.
أختم مستعيرا من رواية جبرا، في بحثه روائيا عن وليد مسعود: فلنذهب الى البحر، ونعيد قراءة أوراق وليد، ونكرر الإصغاء للكاسيت الذي عثرنا عليه في سيارته !

اشترك معنا في قناة تلغرام: اضغط للاشتراك

حمل تطبيق الملتقى الفلسطيني على آندرويد: اضغط للتحميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *