الفلسطينيون في إسرائيل ومعنى “إقامة القائمة المُشتركة” ـ الانتقال من الانتظار إلى الاقتدار


تعود استطلاعات الرأي لتؤكّد على الواضح من أمور في حياتنا السياسيّة. وهكذا الاستطلاع الأخير لمعهد “ستاتنت” بإدارة يوسف مقلدة، الذي يتوقّع لقائمة عربية مشتركة 15 مقعدًا في البرلمان عند إقامتها و17 مقعدًا إذا أحسنت العمل الانتخابيّ.
لقد كان “الآباء” المؤسّسون للسياسة الفلسطينية في إسرائيل عرفوا ماذا تعني “وحدة الصفّ” ليس من الاستطلاعات وإنما على جلودهم. “وحدة الصفّ” ليست ضرورة انتخابيّة فحسب، كما يُروّج لها البعض بل تتعدّى معانيها هذا الخطاب بكثير وإن كان البُعد الانتخابي حاضرًا فيها. كما تتعدّى سياق الفلسطينيين في إسرائيل إلى سياقات فلسطينية أخرى كما سنبيّن. صار لزامًا أن نضع لهذه المسألة إطارًا مفاهيميًّا آخر يستعصي على العابثين القابضين أجرتهم. نريد للمشتركة أن تقوم أمس وقبل جولة وجولتين، ومع هذا نعرف المعيقات، أيضًا، أمام إقامتها ومع هذا نسجّل التالي:
- في مستوى المعنى، قائمة مُشتركة منظّمة وتعمل في السياسة بشكل مدروس، لها هيئات وحلقات تنبثق عنها وناطق بلسان وإدارة وميزانية ـ ليس كما في المرّة الأولى ـ هي حضور حيث يُريدون لنا أن نغيب. السياسة هي مورد هام نستثمره هنا كأداة لتوكيد الوجود وتحسينه وليس في مستوى “ميزانيات لمجتمعنا” ولا وظائف لـلمتحلّقين حول “الزعيم” وإنما في مستوى أن يكون الوجود قائمًا على مفهوم الكرامة والعزّة والحياة الكريمة وليس على مفهوم “التابع” الذي يأخذ شرعيّة وجوده من الراب دروكمان مثلًا أو من نفتالي بنيت أو من شلومو ويئير. وجودنا هنا مستمدّ من التاريخ ومن روايتنا ومن الحقّ والعدل ومن أسبقية وجودنا هنا كأهل البلاد وأصحابها.
- قائمة مشتركة تعرف عملها على المستوى الداخلي تعني زيادة التضامن والحصانة الاجتماعيّة، ضد التفكّك والجريمة، ونحن بأمسّ الحاجة إلى هذا التضامن وهذا التعاضد. خاصّة أن التحدّيات لا تنتهي بإسقاط حكومة اليمين الفاشيّة، بل قد تبدأ جولة جديدة منها. مهم جدًّا ما تعنيه المشتركة على صعيد التصوّر الذاتي لكلّ الشعب الفلسطيني، في إسرائيل وخارجها، وهنا المبادرة إلى الفعل السياسيّ والانتقال من الانتظار إلى الاقتدار. هي هنا النموذج الذي يُمكن أن يكون موديلًا للفلسطينيين حيث هم ـ الوحدة على مرمى حجر ولا ينقصنا سوى الإرادة الواعية كي نُمسك بها ونحقّقها.
- قائمة مُشتركة تزيد من الثقل السياسي للفلسطينيين في إسرائيل داخل الدولة وداخل قضيّة فلسطين وفي المحافل الإقليميّة والدولية الحاضرة في المنطقة. وهي قوى ستضطرّ للتعامل مع ممثّلين مُنتَخَبين وقيادة مُنتخَبة. وهي نُقطة في منتهى الأهمّيّة أن يكون لمجتمعنا قيادة مُنتخَبة وإرادة سياسيّة متّفق عليها. ستعزّز قائمة كهذه إمكانية أن ينشأ “مركز سياسيّ” جديد مؤثّر بدوره فيما يجري هنا لصالح الشعب الفلسطيني كلّه. إنها فُرصة أن يستثمر الفلسطينيون في إسرائيل وجودهم ويُبادروا في خدمة أنفسهم وقضيّة فلسطين عامّة لا أن يظلّوا في خانة “ردّة الفعل”.
- قائمة كهذا إذا فازت بكامل طاقتها من المقاعد البرلمانية تعني صدّ توغّل الحكومّة اليمينية الحالية وسدّ الطريق أمام ائتلاف جديد لها. وهذه غاية في منتهى المصيريّة. يُمكنها أن تكون بداية جديدة في السياسة على مستوى البلاد وفلسطين. نقول هذا ونشير إلى نقطتين، الذين سيخلفون الحكومة ليسوا أقلّ عنصريّة لكنهم أقلّ حريّة في ممارستها خاصة بعد الحرب الإبادية على غزّة وردود فعل أوساط في العالم شعبية ورسمية. والنقطة الثانية، هي أن في السياسة نقاط بداية أو أحداث مفصليّة أو منعطفات، قائمة مشتركة بكامل حضورها حدث كهذا.
- قائمة مُشتركة هي بداية لشيء آخر. هي ليست خاتمة أحزاننا بل بداية أفراحنا. ليست الحلّ السحريّ بل هي الأمر العمليّ الذي يُمكن أن نؤسّس عليه.