الغرب وواحته الديمقراطية في الشرق الأوسط!
تماهياً مع المقولات الصهيونية المزيفة حول فلسطين وشعبها، يحاول الغرب الاستعماري صانع الدولة المارقة إسرائيل بين فينة وأخرى نعتها بالدولة الديمقراطية النموذج في منطقة الشرق الأوسط ضارباً بعرض الحائط الصورة الحقيقية للدولة العنصرية والفاشية المارقة والمائلة للعيان على مدار الساعة، فمن اعتقال وتقتيل الفلسطينيين واغتيال الطفولة الفلسطينية من المسافة صفر مروراً بمصادرة أراضيهم وبناء المستعمرات عليها وصولاً إلى محاولة تهويد المكان والزمان الفلسطينيين.
حقيقة الواحة
في عبارته الشهيرة “إن الوضع في فلسطين سيسوى بالقوة العسكرية ” اختزل ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء إسرائيلي، أهم المنطلقات الاستراتيجية لإسرائيل والحركة الصهيونية لاحتلال فلسطين، وتهويدها في نهاية المطاف وتالياً حقيقة الدولة الوليدة على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه الوحيد فلسطين.
فكانت المجازر المنظمة من قبل التنظيمات الصهيونية والجيش الإسرائيلي ضد أهالي القرى الفلسطينية، أبرز عنوان للتوجهات الصهيونية والإسرائيلية، من أجل حمل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين على الرحيل عن أرضهم وإحلال اليهود مكانهم. وبينما كان عرب فلسطين غير مستعدين للحرب على الإطلاق وغير مسلحين في الغالب، وفي وضع دفاعي، شنت منظمات «الهاغانا» و «الأرغون» و «شتيرن»، ضربات هجومية منسقة ضد المدنيين العرب في المدن الرئيسية الثلاث، حيفا والقدس ويافا، وكذلك في الريف الفلسطيني. فتمت المجازر المنظمة وحدث تدمير المنازل، لحمل العرب على الرحيل.
لم تبدأ المجازر في عام 1948كما يشاع، ففي ليلة 15 تموز /يوليو 1947، دخلت قوة للـ «هاغانا» بستان الحمضيات الذي يملكه رشيد أبو لبن، ويقع بين يافا وبتاح تكفا. وكانت عائلة من سبعة أشخاص نائمة داخل منزلها وتسعة عمال آخرين نائمين خارجه. ووضعت القوة المهاجمة عبوات ناسفة، وأطلقت النار، فقتلت 11 عربياً بينهم امرأة وبناتها الثلاث اللواتي كانت إحداهن تبلغ من العمر سبع سنوات، والثانية ثماني سنوات، والابن ثلاثة أعوام. وفي 29 أيلول /سبتمبر 1947، هاجمت «الهاغانا» أيضاً، سوق حيفا فدمرت متجر أحمد دياب الجلني بعبوات ناسفة، وفي 12 كانون الأول /ديسمبر1947، دخلت قوة من «الأرغون» ترتدي بدلات عسكرية بريطانية، بلدة الطيرة في قضاء حيفا، وقتلت 12 عربياً وجرحت ستة آخرين.
وبعد يوم من هذه المجزرة ألقت عصابة «الأرغون» قنابل على تجمعات عربية عند باب العمود في القدس، فقتلت أربعة من العرب، وفي اليوم نفسه هاجمت تلك العصابة الصهيونية مقهى عربياً في مدينة يافا، في شارع الملك جورج، وقتلت ستة من العرب، وتبعاً لأرقام إحصائية، استشهد في 13 كانون الأول / ديسمبر في كافة المدن الفلسطينية من جراء المجازر الصهيونية المنظمة 21 مدنياً عربياً.
وتابعت العصابات الصهيونية مجازرها المنظمة في القرى الفلسطينية المختلفة. لكن المجزرة الأكبر كانت في 30 كانون الأول / ديسمبر1947، حين رمت جماعة من “الأرغون” صفيحتي حليب تحويان قنابل على مجموعة من نحو مئة عامل فلسطيني، كانوا واقفين أمام مصفاة النفط في حيفا لتسجيل أسمائهم للعمل، وقتل في الهجوم ستة من العرب وجرح 46 آخرون، وفي الاشتباكات داخل المصفاة قتل العرب دفاعاً عن النفس 41 يهودياً وجرحوا 48.
أنقاض وطن
سبق الإعلان عن إنشاء الدولة المارقة إسرائيل على أنقاض الوطن الفلسطيني في ايار /مايو 1948، ارتكاب العصابات الصهيونية أثناء فترة الاحتلال البريطاني لفلسطين 12 مذبحة، في حين ارتكبت 13 مذبحة بعدها، ضد الفلسطينيين العزل.
وتابعت هذه العصابات مجازرها وتدمير المنازل، والضغط على الفلسطينيين في القرى والمدن الفلسطينية كافة خصوصاً خلال الفترة من كانون الثاني /يناير 1948 وحتى أيار /مايو من العام ذاته، وكان الهجوم يتم من ثلاث جهات، في حين تترك الجهة الرابعة كمنفذ وحيد لهرب الفلسطينيين الناجين من المجازر، حاملين معهم أخبار ما حدث إلى القرى القريبة، حتى ينتشر الرعب في قلوب الأهالي.
وتوجت المجازر الصهيونية بقتل الوسيط الدولي السويدي الكونت برنادوت في القدس في 18 أيلول / سبتمبر1948، على يد العصابات الصهيونية وكان من بينها رئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير، بعدما حمّل الوسيط الدولي في تقريره إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل مسؤولية بروز قضية اللاجئين.
وأكد أن أي تسوية لا يمكن أن تنجح من دون عودتهم إلى ديارهم. وبناءً على تقريره، صوتت الجمعية العامة على القرار 194 بتاريخ 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948.
وبشكل عام أدت المجازر الصهيونية في ما بعد إلى التهجير القسري لنحو 60 في المائة من الشعب الفلسطيني، وكان سبب تهجير 25 في المائة من سكان نحو 532 قرية عربية يعود إلى الطرد المباشر إثر المجازر التي ارتكبتها القوات اليهودية، في حين هُجّرَ 55 في المائة من سكان تلك القرى، (التي دمر منها 400 قرية)، بعد هجوم عسكري عليها، كما هُجّرَ (10) في المائة من سكان القرى العرب تحت وطأة هجوم عسكري قادم كما أشار المؤرخ الفلسطيني الدكتور سلمان أبوستة في بحوثه؛ أي أنه تمّ طرد (90) في المائة من المهجرين الفلسطينيين خارج وطنهم الوحيد فلسطين تحت الضغط العسكري ، في حين هُجّرَ تحت وطأة الحرب النفسية أو الإيحاء للأهالي بهجوم قادم (10) في المائة.
ديدن الدولة الماaرقة
لم تتوقف المذابح الصهيونية وتدمير المنازل وعمليا الترانسفير بعد عام 1948، فخلال عام 1967 هجر الجيش الإسرائيلي (460) ألف فلسطيني من الضفة وقطاع غزة وأصبحوا نازحين خارج ديارهم.
وفي سياق مجازرها المنظمة، ارتكبت السلطات الإسرائيلية مجزرة كبيرة في ساحة المسجد الأقصى عام 1990، ذهب ضحيتها ثلاثة عشر فلسطينياً، كما ارتكب مستوطن صهيوني مدفوع من الأحزاب الإسرائيلية، مجزرة في الحرم الإبراهيمي، ذهب ضحيتها في عام 1993 ستون فلسطينياً من المدنيين العزل، ولم تكن المجازر الإسرائيلية محصورة في فلسطين، بل تعدت ذلك إلى المناطق العربية الأخرى، وكان من أهم فصولها قصف الطيران الإسرائيلي لبلدة قانا في جنوب لبنان واستشهد نتيجة ذلك نحو مئة من النساء والشيوخ والأطفال اللبنانيين، في مقر لقوات الطوارئ الدولية في الجنوب اللبناني؛ فضلاً عن ذلك ارتكب «الموساد» الإسرائيلي مجازر عدة داخل فلسطين وخارجها، ناهيك عن الاغتيالات المنظمة للعديد من سفراء فلسطين ومثقفيها في الخارج.
ولم تنته فصول الاغتيالات والمجازر الصهيونية والإسرائيلية، فخلال 1948-2019، استخدمت إسرائيل العسف والمجازر كأدوات أساسية للحفاظ على البقاء، بخاصة أن مشكلة الأمن الإسرائيلي كانت ولا تزال الشغل الشاغل لأصحاب القرار في إسرائيل، التي قامت قبل أكثر من خمسة وسبعين عاماً في ظروف دولية وإقليمية استثنائية على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه.
والسؤال المطروح بعد انكشاف صورة الدولة المارقة العنصرية والفاشية إسرائيل، هل هي واحة ديمقراطية كما يزعم الغرب أم أنها الدولة النموذج للإرهاب المنظم في العالم؟
عن القدس العربي