الغرب وفلسطين: عودة الى عنصريات الجنس الأبيض – عارية وفجة
لم يعد بإمكاننا، نحن من يزعم قدرة ما على التحليل السياسي والمنطقي، وندرس ذلك لطلابنا في الجامعات، ان نقدم أي منظور معقول لتحليل المواقف الغربية، الامريكية والأوروبية الراهنة، سوى المنظور العنصري، القروسطي، والصليبي. في حرب الإبادة على غزة وفلسطين يكشف الغرب الرسمي وحكوماته ومؤسساته السياسية والعسكرية العميقة عن وجه عنصري بشع وهمجي صدم الكل.
فجأة، تنحتْ جانبا كل القيم البراقة التي أشبعنا الغرب محاضرات بشأنها حول حقوق الانسان والمساواة وكرامة البشر، وعلى رأسها حق الحياة وحق الأطفال والابرياء ان يعيشوا بأمان، الى جانب قائمة لا تنتهي من القيم. أُلقي بكل تلك القيم في سلال المهملات، وانتصب في وجهنا الغرب الاستعماري العنصري القديم المُتجدد الذي اباد شعوبا اصلية واجناسا عن بكرة ابيها، في الامريكيتين، في افريقيا، في آسيا، في استراليا، والآن يعود ذلك الغرب نفسه ليكرر محاولة الإبادة في فلسطين. ليس هناك أي منظور تحليلي آخر يوفر لنا فهم الموقف الغربي المتحالف عضويا في حرب الإبادة ضد قطاع غزة، والذي انتقل من مرحلة المتفرج التي تعودنا اليها، الى مرحلة تزويد الكيان العنصري بالسلاح والعتاد وحاملات الطائرات في عز حرب الإبادة الفاشية.
سياسيا وثقافيا، تواصل الحرب الهمجية التي يقودها الغرب وإسرائيل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة بهدف تدميره وتهجيره، مُنقادة انفجار العنصريات الأوروبية القروسطية المتحالفة مع ادعاءات التفوق الاثني الصهيوني على بقية الشعوب والاجناس. اعلامياً، انحدرت كل وسائل الاعلام الغربية الكبرى وقد كانت لعقود تزعم المهنية والصدقية وتتعجرف على العالم بكونها الادق والأفضل، الى انحياز فج الى جانب دولة الإرهاب على نحو يثير الغثيان والتقيؤ. غير مسموح لأي فلسطيني او مناصر لفلسطين ان يتحدث على منابر هذا الاعلام بما هو مُناقض لهمروجة الأكاذيب التي صنعتها دوائر خداع الرأي العام وتشويه الاخبار في تل ابيب وسلمتها الى غرف التحرير في وسائل الاعلام تلك.
دينيا، القى كثير من السياسيين الغربيون، وعلى رأسهم وزير الخارجية الأمريكي بلينكن، قناع التحضر المزعوم، وعادوا الى خطابات دينية غريزية تنسخ إعلانات وتهديدات من خطب الحروب الصليبية على فلسطين والقدس والمنطقة. ماذا يعني ان يقول الوزير الارعن انه يتحدث في تل ابيب كيهودي وليس فقط كوزير امريكي؟ ماذا لو صرح وزير خارجية عربي او مسلم يزور منطقة عربية او مسلمة منكوبة بأنه في ذلك المكان ليدافع عنه وعن شعبه بكونه مسلم قبل ان يكون وزيرا تابعا لهذه الدولة او تلك؟ أعضاء كونغرس لبسوا البزة العسكرية الإسرائيلية في ولاياتهم في أمريكا، وهددوا وتوعدوا. هذا فضلاً عن الخطابات الإسرائيلية الدينية العنصرية المتتالية التي ترى الفلسطينيين “جنسا شريرا” واطفالهم لا يتساوون مع الأطفال الإسرائيليين، وتحتاج وحدها كتبا لرصدها وتوثيقها.
انفجر في وجهنا غرب مُدهش لا يرى ان فينا مدنيين، ولا يرى أكثر من مليوني انسان يعيشون في غزة. لا يستحق هؤلاء، حتى لو قصفت إسرائيل مستشفاهم وابادت الفاً من مرضاهم دفعة واحدة وفي دقيقة واحدة، اصدار بيان ادانة ولو لفظي. أكثر ما يمكن منحه لمن ماتوا هو “التأسف” السخيف الذي يحيد الفاعل ويبني الفعل للمجهول، وكأن المريخ هو مصدر الصاروخ الذي ابادهم، لأن من ماتوا ليسوا من الجنس الأبيض! وبعد كل الهولوكوست الراهن الذي تقوم به إسرائيل ضد غزة لا يتزحزح سياسيون كثر واعلاميون أكثر وأكاديميون تافهون في الغرب (ومثلهم كثير في الشرق) عن موقف تأييدها، قولا وفعلا ام سكوتا، في استكمال المذبحة اليومية التي تبث على الشاشات.
الموقف الاجرامي لقادة الغرب واعلامهم المتحالف مع المؤسسات الحاكمة تجاه فلسطين وغزة أعاد العالم الى نقطة الصفر، حيث الغرائز هي تقود، ونظريات التفوق العرقي تندفع الى الصدارة، ومعادلة “نحن” و”هم” التي انتجتها حروب أمريكا تصبح هي الإطار الذي يحدد السياسة الدولية. بكلمة واحدة، هذا التعري الأخلاقي والقيمي في الغرب ينهي مرحلة، ويفتتح أخرى، أكثر قتامة واعمق عنصرية.