العودة إلى الألفية: التنظيمات الإرهابية تعود لاستخدام أخطر الأسلحة
في هذه الأيام التي تحتل فيها جبهة غزة والجبهة الشمالية كل العناوين الرئيسية تقريبًا، فإن هناك جبهة أخرى تقاتل فيها دولة إسرائيل، ونظرًا لبياناتها الموضوعية فهي بالنسبة لإسرائيل أكثر أهمية من الجبهتين الأوليتين – وهي جبهة الضفة الغربية .
إن محاولة تنفيذ العملية التفجيرية في تل أبيب ، والتي لم تحدث لحسن الحظ، ذكّرتنا فقط بأهمية تأثير ساحة الضفة الغربية على روتين الحياة هنا وقدرتها على إلحاق ضرر عميق بالجبهة الداخلية المدنية . وبشكل عام على الرغم من الهدوء النسبي الذي تم الحفاظ عليه من قبل عرب المناطق، نتلقى أحيانًا شظايا معلومات في الأخبار حول عملية تفجيرية بطريقة أو بأخرى، وحول نشاط محدد للجيش الإسرائيلي في قرية أو بلدة، أو بدلاً من ذلك، تنشر في شبكات التواصل الاجتماعي صور ومقاطع فيديو لفلسطينيين مسلحين يلوحون بفخر بأسلحتهم وأعلامهم (بما في ذلك اعلام حماس) أو صور فلسطينيين يعبرون السياج بشكل غير قانوني في طريقهم إلى البلاد .
سكان مناطق خط التماس الذين يشتكون من اطلاق نيران على بيوتهم ومن اصوات يسمعونها قادمة من تحت الأرض يحظون برد سريع نسبيا من جانب الجيش الإسرائيلي الذي سرعان مايجري عمليات تفتيش مفاجئ وعلى الأغلب لايعثر على شيء ، أو بدلاً من ذلك تأتي الاستجابة بعملية ليلية أو غيرها للجيش الإسرائيلي تهدف إلى إزالة تهديدات مباشرة.
وفي الوقت نفسه، نشهد (هذا الأسبوع شهدنا ذلك أيضًا في قرية جيت)، مظاهر عنف صعبة من قبل متطرفين يهود ينفذون مداهمات عنيفة للقرى ويشعلون النار في الممتلكات الفلسطينية ويتعرضون لأي فلسطيني لمجرد أنه فلسطيني وبصورة غير مناسبة ، ولا تتناسب على الإطلاق مع القيم والأخلاق اليهودية . وبعيدًا عن الجانب القيمي وانتهاك قوانين الدولة، فإن هذه الأحداث تحمل في داخلها إحتمالات انفجار عالية جدًا نظرا لاستمرار الحرب وبالطبع تؤثر على واقع العيش معًا في نفس المساحة الجغرافية في اليوم التالي.
هذا الواقع الذي اعتدنا على مركبات كثيرة فيه للأسف في السنوات الأخيرة يحظى بتعريفات من مجال الروتين والأمن الجاري ، وكما ذكرنا، تم دفعه إلى الزاوية نتيجة الجبهات الناشطة الأخرى (الجنوبية والشمالية) .
لكن نظرة منهجية مع قليل من الوعي التاريخي والمعرفة الجغرافية، تطرح تساؤلات صعبة للغاية حول المظاهر التي شهدناها في الضفة الغربية خلال هذه الحرب، وهي أسئلة استراتيجية أساسية حول “اليوم التالي”.
أصبحت الأمور أكثر حدة بالنسبة لي مع اكتشاف صواريخ جاهزة للإطلاق باتجاه بلدات ومدن المنطقة الوسطى في منطقة طولكرم، قبل بضعة أسابيع، ومع نتائج استطلاعات الرأي العام التي يجريها معهد الأبحاث الفلسطيني الذي يديره خليل الشقاقي في المناطق أثناء الحرب ومع المحاولات المستمرة من جانب إيران لإدخال ميليشيات مسلحة إلى الأردن ومن هناك أيضاً لإدخال نشطاء ووسائط قتالية إلى الضفة الغربية عبر الحدود الشرقية الطويلة.
من الواضح الآن أن ما يحدث في الضفة الغربية هذه الأيام ليس له الكثير من القواسم المشتركة مع السياسة الروتينية وسياسة الأمن الجاري التي اتبعها الجيش الإسرائيلي (بالتعاون مع السلطة الفلسطينية) حتى 7 أكتوبر .
كشفت استطلاعات الرأي العام والتوجهات في الضفة الغربية التي أجراها معهد أبحاث خليل الشقاقي عدة مرات خلال الحرب ، عن حقيقة مفادها أن الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية أكثر تطرفا في آرائهم من الفلسطينيين الذين يعيشون في غزة، وأن معظمهم لديهم تعاطف غير مخفي ( لا اريد القول تأييدغير مشروط ) مع منظمة حماس رغم مجزرة 7 أكتوبر . وأظهرت النتائج أنه على الرغم من أن الفلسطينيين في الضفة الغربية يعيشون برفاهية أكبر مقارنة بأولئك الذين يعيشون في غزة، وعلى الرغم من أنهم لم يعانوا من نشاط مكثف وشامل للجيش الإسرائيلي حتى بعد 7 أكتوبر، إلا أن المواقف التي أظهروها كانت أكثر تشددًا فيما يتعلق بالحرب وإسرائيل .
وفي الوقت نفسه، كان أحد أهم ما كشفت عنه الحرب في رأيي هو أن سياسة “جز العشب” التي اتبعها الجيش الإسرائيلي لم تنجح في منع نمو العديد من الجماعات الإرهابية (ليس خلايا ارهابية وليس أوكار ارهابية – ولكن الكثير من الأعضاء) ووجود الكثير من الوسائط القتالية بين أيديهم (ومنها هذا الذي يتجاوز تعريف “الأسلحة الخفيفة ” ويعتبر كاسر للمساواة بالنسبة للواقع في هذه الساحة حتى الآن – الصواريخ المخبأة والموجهة نحو مدن المنطقة الوسطى ) .
ويبرز ذلك ليس فقط في المناطق التي تخضع، بحسب اتفاقات أوسلو، للسيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية، بل أيضاً في المناطق الخاضعة للسيطرة الأمنية المباشرة للجيش الإسرائيلي (المناطق ب و ج) ، ومنها جماعات حماس إرهابية متشددة جدا تطلبت معالجتها ليس بأقل من قنابل من الجو .
وكانت النتيجة على الأرض، ولا تزال، هي اتباع الجيش الإسرائيلي لسياسة قوية أكثر على الأرض في محاولة للقضاء على الإرهاب في مخيمات اللاجئين وفي المدن الفلسطينية .
تخوض قيادة المنطقة الوسطى حربا قوية ، ولأول مرة منذ سنوات، تشارك القوات الجوية في هجمات تشنها الطائرات المقاتلة وطائرات الهليكوبتر الحربية ضد أهداف إرهابية مهمة.
وهكذا فإنه ظاهريا، وفي مقابل الاهتمام الإعلامي النسبي بالتأكيد مقارنة مع الجبهتين الجنوبية والشمالية، يبدو لمعظم الإسرائيليين الذين يواصلون حياتهم اليومية أنه تم احتواء أن ساحة الضفة الغربية .
الجيش الإسرائيلي يواجه وبشكل أكثر قوة الجماعات الإرهابية، ولم يحدث هناك اندلاع لانتفاضة شعبية، أو بدلاً من ذلك، تهديدات إرهابية نظامية، ولكن تحدث فقط هجمات إرهابية “عرضية”. وفي غياب 7 تشرين الأول/أكتوبر، كان من الممكن تجاوز الأمر باعتباره “عنواناً آخر في الأخبار” ونستمر في روتين حياتنا . لكن ليس هذا هو الحال في الواقع – كما أثبت لنا الهجوم التفجيري الذي فشل في تل أبيب.
هنا اقول أنه بعد 7 أكتوبر، من واجبنا أن ننظر إلى تسلسل الأحداث في الضفة الغربية منذ بداية الحرب، وأن نفحصها بعمق وأن ننطلق هذه المرة من نقطة افتراض مختلفة – الجماعات الإرهابية والوسائط القتالية الكثيرة الموجودة في الضفة الغربية إلى جانب اتجاهات التأييد لحماس بين السكان وفي نفس الوقت الموقف السياسي للسلطة الفلسطينية (بالنظر إلى التعاون الأمني معها ) كل هذه ليس علامات “عقلانية” لكيان سياسي مهتم بالرفاهية والاستقلال، وإنما علامات ذات سمات “دينية” وهي مجرد عينة لما يحدث بالفعل تحت السطح في الضفة الغربية .
وبما أن الدولة الفلسطينية لم تعد بديلاً مطروحاً على جدول الأعمال في نظر غالبية الجمهور الإسرائيلي بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر وفي المستقبل المنظور، فمن واجبنا تفسير النشاط الإرهابي الواسع النطاق الذي تم الكشف عنه في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة، تمهيداً للواقع الذي سيكون تحت السطح في اليوم التالي لـ “السيوف الحديدية”.
تحت عباءة الصمت ومظاهر الحياة الطبيعية، ينشأ تهديد مباشر وحقيقي على مدن المنطقة الوسطى داخل حدود الخط الأخضر، وخاصة في منطقة الخاصرة الضيقة لدولة إسرائيل، وهو تهديدعلى المستوطنين وراء حدود الخط الأخضر عند تحركهم على محاور المواصلات الرئيسية (كما ثبت للأسف مرة أخرى في الأسبوع الماضي) والتهديد الرئيسي هو الذي، لسبب ما، امتنعنا حتى الآن عن الحديث عنه بصوت عالٍ – محاولة كهذه أو أخرى من جانب الجماعات الإرهابية في الضفة الغربية تنفيذ تحركات استباقية مستوحاة من أحداث 7 أكتوبر في غلاف غزة، باتجاه المستوطنات اليهودية (وربما أيضًا تجاه المعسكرات الجيش الإسرائيلي ) في الضفة الغربية، كل هذا إلى جانب محاولات ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية.
كل هذا يجبر أصحاب القرار إلى التوقف لحظة وإدراج الضفة الغربية في الترتيبات والتفاهمات التي تخص اليوم التالي للحرب . فالسيطرة الأمنية هي فعلا مركب مهم ولكن مثلما عرفنا فإنه حتى في ظل السيطرة الأمنية للجيش الإسرائيلي تزايدت الصواريخ الموجهة باتجاه مدن المنطقة الوسطى .
إذن ما هو المطلوب فعلا للتفكير؟
على المدى القصير – العزل المادي للضفة الغربية عن الأردن – ويجدر الذكر بأن الحدود البرية بين إسرائيل والاردن هي اطول حدود بين إسرائيل ودولة أخرى . والأردن، على الرغم من جهودها، مكشوفة جدا أمام العمليات الإيرانية ونشاط الميليشيات العراقية التي تحاول السيطرة عليها وتقويض سيادتها، وتحاول أيضًا ادخال وسائط قتالية ونشطاءالى الضفة الغربية عبر خط الحدود الطويل. من المحتمل أنه يجب على الجيش الإسرائيلي أن يغير مفهومه الأمني في هذه الساحة وينشئ فرقة أخرى مخصصة لهذه الحدود، وتتخصص فيها وتكثف الوجود الإسرائيلي الضئيل نسبياً على طولها. وكل هذا كما هو واضح بموازاة عمليات خاصة لتدمير وتنظيف الخلايا الإرهابية في المدن الفلسطينية .
على المدى المتوسط – إزالة مراكز الإرهابيين عن الشريط الجغرافي المتاخم لبلدات ومدن المنطقة الوسطى والطريق رقم 6 – حكم هذه المنطقة ليس كحكم المناطق الاخرى في الضفة الغربية بسبب قربها الجغرافي من مركز البلاد و الخطر المحتمل منها والمتمثل في تعطيل روتين الحياة في البلاد – يجب فحص ما إذا كانت هذه مجرد مسألة سياسةالجيش التي تحتاج إلى تحديث أم أن إسرائيل مطالبة بإعادة فتح المحددات الأمنية في اتفاقيات أوسلو وإعادة تحديد خصائص الأمن وكذلك السيطرة المدنية على هذه المناطق لمنع نمو الخلايا الإرهابية.
على المدى الطويل – الإشراف والسيطرة على المحتويات المتداولة
في أجهزة التعليم ومضامين نقل الرسائل في الضفة الغربية بما في ذلك تلك الموجودة في المساجد . إذا نجحت السعودية في تغيير الرسائل المعادية لإسرائيل في الكتب المدرسية، وإذا كانت هناك دول تراقب عن كثب رسائل رجالات الدين والمؤذنين، فلا مشكلة في البدء بتنفيذ ذلك في الضفة الغربية أيضًا. وينبغي ترسيخ ذلك كإضافة قانونية رسمية ومعترف بها في اتفاقات أوسلو.
لكل من يتساءل – بعد 7 أكتوبر نحن أمام واقع جديد، وعلينا أن نوضح ذلك للطرف الآخر أيضاً. لم تعد هناك “بقرات مقدسة”، لذلك يجب علينا إعادة النظر والتعمق من جديد في سياسة استخدام القوة في الضفة الغربية وتجديد مايحتاج إلى تجديد في الاتفاقات التي تم التوقيع عليها قبل 30 عاما، في ضوء الفجوات التي نشأت على مر السنين وفي السنوات الأخيرة بشكل يتوافق مع روح العصر .
المصدر: موقع معاريف