العملية العسكرية ضد الحوثيين ترمز إلى فشل السياسة الأمريكية

يشكل الهجوم الأمريكي على الحوثيين تغييرًا مرحبًا به في السياسة الأمريكية، المسماة حاليا بسياسة الضغط الأقصى، وأيضًا يعبر عن استيعاب أمريكي سريع نسبيًا لفشل عقيدة الصفقات السريعة من مدرسة ترامب . فهل سيكون لهذا تأثير بعيد المدى لعدة أجيال على إسرائيل؟
يؤمن العالم الغربي الحديث إلى حد كبير بأن البشر هم المسؤولين عن تغيير بيئتهم المادية والاجتماعية لدرجة تغيير الطبيعة البشرية نفسها.
وإن الثورات التكنولوجية الهائلة في القرن العشرين، والتي إحداها ثورة الذكاء الاصطناعي، ستؤدي فقط إلى تعزيز الافتراض الغربي بأنه سيكون من الممكن التلاعب بسلوك الأفراد في المجتمع بواسطة الوسائل التكنولوجية من أجل خلق عالم متقدم، قائم على السلام والازدهار الديمقراطي، عالم سيوفر الراحة الاقتصادية والرفاهية غير المحدودة تقريبا بطريقة تخفف تماما من حدة المشاعر الوطنية والدينية. ولكن الواقع أقوى من النظرية، فمؤرخون أجرو حسابات ووجدوا أنه طوال آلاف السنين الماضية بدءًا من العصر الحجري، لم يكن هناك سوى بضع مئات من السنين دون حروب.
وفي العالم الحديث حتى يومنا هذا، يميلون إلى نسب جذور الصراع المسلح إلى أسباب متغيرة ومرتبطة بالزمن، فمرة السبب هو الطبقة الأرستقراطية، ومرة أخرى السبب هو الحرب الطبقية، ومن ثم الإمبريالية، والتحالفات الدولية، والدين كعامل حاسم لا يقبل المساومة وما شابه ذلك. ولكن أفضل الباحثين في مجال الحرب وصلوا إلى أهم مولد للحروب، وهو للأسف طراز قديم، ناتج تمامًا عن التقاليد الإنسانية الممزقة غير المتقدمة في الواقع وهو التنافس على السلطة.
نتائج التفكير الغربي المنطقي جدا ظاهريا في منطقها الداخلي ، خبرتها إسرائيل على نفسها في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ولكن يخيل أنه في الغرب حتى عهد ترامب لم يكن هناك أي جديد .
واستمرت سيطرة الفهم الذي يقول بأن كل ما بقي هو أن نوضح بشكل أفضل للمتطرفين في الشرق الأوسط ما هو الجيد بالنسبة لهم فعلا . كم من خيبات الأمل التي شعروا بها في واشنطن على ضوء حقيقة أن العرب جميعهم، حتى أولئك الذين يعتبرون حلفاء للولايات المتحدة وقريبين من طاولتها، رفضوا خطة الرئيس في غزة رفضا قاطعا، مهما كان الثمن المرتبط بذلك .
بدأ ترامب بالترويج لأفكار لا أمل منها مثل خطة نقل سكان غزة إلى الخارج، ونهاية بفكرة مفاوضات منفصلة من وراء ظهر إسرائيل مع الشيطان بلحمه وشحمه ، حماس. وتجنباً للشك، أقول إنه في نظري لا توجد مشكلة في إجراء مفاوضات مباشرة مع حماس والحوثيين وحزب الله سوية بقدر الضرورة، لكن اتضح أنه حتى ملياردير من نوع ترامب لم يتعلم بعد ما نسيه منذ زمن طويل أولئك الذين نشأوا في أزقة قصبات مخيمات اللاجئين أو في البازار الفارسي.
يرمز الهجوم على الحوثيين إلى أنه تم أتخاذ قرار ما في واشنطن وأن ترامب بدأ يدرك أنه لا توجد حلول متسرعة لمشاكل معقدة. وانطلاقا من سياسة انفصالية أمريكية معلنة في الشرق الأوسط، شرعت الولايات المتحدة بحملة حرب على اليمن، وهي منخرطة حتى الرقبة في السياسة الداخلية لسوريا ولبنان ودول الخليج، ومن الصعب أن نرى كيف ستسحب قواتها من سوريا والعراق في الوقت الحالي.
يجد المنطق الأميركي، ولا سيما الترامبي، مثل سابقيه في السلطة، صعوبة في فهم كيف يرفض طرف في أي صراع التوقيع على صفقة ذات فوائد اقتصادية، واستثمارات دولية واعدة، ووعد بحياة أجمل في أبراج فاخرة مطلة على البحر.
بالتأكيد أنه يتساءل في نفسه ما الذي يريده هؤلاء الأولاد ، كما كان يُطلق عليهم في حينه خلال فترة الإمبريالية ، ولماذا يفضلون الاستمرار في تناول كسرة الخبز مع الطوب بدلاً من الخضوع لأي إملاءات خارجية. ولذلك، فإن التجديد خلال فترة ولايته حتى الآن يبرز للأسف في الجانب العملي.
وعندما يدرك مبعوثيه ذهابا وإيابا بأنه يوجد للايرانيين ولحماس والحوثيين والسوريين والأتراك الذين يصرون على الاستمرار في التلويح بسيوفهم رغم وضعهم الموضوعي المتواضع، رؤى أخرى في مسائل الشرف الوطني والدم والأرض والطائفية والانتقام، فإن ترامب يرد بالقوة بسرعة نسبية ويهدد باستخدام المزيد من القوة في المستقبل كما هي العادة في المكان .
فهل سيكون لسياسة الضغط الأقصى عواقب استراتيجية على مدى أجيال بالنسبة لإسرائيل ؟ .
مع مزيد الأسف سيظل الشرق الأوسط بؤرة لانعدام هدوء عالمي ولاعباً رئيسياً في صراع الكتل الثلاثة الحالي . هذه الإدارة الأميركية أو تلك سوف تأتي وتذهب، وأحياناً ستكون مؤيدة لإسرائيل، وأحياناً أقل، أحياناً صقرية ، وأحياناً حمائمية .
ولكن في نهاية المطاف، وعلى الرغم من الدعم الأمريكي الحالي المتحمس لإسرائيل بالسلاح والمال، فإنه من الممكن في مرحلة ما في المستقبل، وعلى ضوء ادراك الفجوة القيمية الثقافية غير القابلة للتجسير بينها وبين دول الشرق الأوسط وإيران، ستقرر مرة أخرى اتباع مبادئ عقيدة مونرو الشرق اوسطية ، لفصل إسرائيل والتخلي عنها من أجل الراحة.
إن إيران النووية الآن أو في المستقبل، إلى جانب لبنان وسوريا ومصر والأردن وبالطبع الفلسطينيين، سيظلون أولا وقبل كل شيء مشكلة إسرائيلية غير قابلة للحل.
ملاحظة : الكاتب خبير في شؤون الشرق الأوسط، ومحاضر سابق في جامعة بار إيلان في برامج لأفراد قوات الأمن وفي كلية نتانيا.
المصدر: موقع واللا