العكر: انفجارات الشارع الفلسطيني نتيجة للاحتقان وانسداد أفق التغيير السلمي عبر الانتخابات
يُعرف الدكتور ممدوح العكر ناشطا حقوقيا أكثر من كونه طبيبا، فهو الشخصية الفلسطينية الوطنية الوازنة التي يظهر اسمها فور الحديث عن العقلاء والحكماء في المجتمع الفلسطيني، ورغم ممارسته مهنة الطب إلا إنه جزء أصيل من الحالة النضالية الفلسطينية، فيحضر في اللقاءات والنقاشات والحراكات والمظاهرات فاعلا ومتفاعلا. وإلى جانب ذلك يتحرك في مجموعة من المناصب في أهم المؤسسات الفلسطينية التي يشار إليها بالبنان، في جامعة بيرزيت، و«مؤسسة التعاون» و«المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات/ مسارات» وهو العضو المؤسس والمفوض في «الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق الإنسان» منذ عام 1993، وهو إلى جانب ذلك عضو المجلس التنسيقي للحراك الوطني الديمقراطي.
ولا يمكن الحديث عن رؤية شاملة للمرحلة الحرجة التي تمر بها القضية الفلسطينية إلا بطرق بابه، وهو في هذا الحوار مع «القدس العربي» يؤكد أن الرهان الفلسطيني مثلما يرتبط بحراك المجتمع المدني وقوى المجتمع الفلسطيني الحية، يرتبط بالمخاض داخل حركة فتح للانفكاك عن السلطة وأجهزتها المدنية والأمنية.
كما أشار إلى أن النظام السياسي أوصلنا إلى مرحلة يمكن أن نطلق عليه فيها «نظاما استبداديا/ بوليسيا» وتساءل العكر في حديثه: كيف يمكن لشعب مقهور ويعاني الاستبداد والقمع من سلطته الوطنية أن يقاوم ويصمد أمام مشروع استعماري عنصري كالمشروع الصهيوني؟
فيما يلي نص الحديث:
■ ما هي قراءتك لدلالات حركة الاحتجاج في الشارع الفلسطيني منذ حادثة مقتل الناشط السياسي نزار بنات؟
□ لا يمكن فهم هذا الانفجار الشعبي سوى أنه تعبير عن حالة الاحتقان المتزايد في الشارع الوطني الفلسطيني خاصة بعد إلغاء الانتخابات تحت ذرائع واهية لإخفاء الخشية الواضحة من التغيير الذي يمكن أن تأتي به الانتخابات سواء على صعيد تصويب البوصلة بعيدا عن اتفاقيات أوسلو الكارثية، أو على صعيد تجديد البنية القيادية.
ولم تكن واقعة مقتل شهيد الرأي نزار بنات على أيدي أجهزة الأمن إلا بمثابة الشرارة أو الصاعق التي فجرت ذلك الاحتقان وسبقتها شرارة أخرى هزت الشارع الفلسطيني ومست بشعوره بعدم الأمان الصحي، وهي فضيحة تبادل اللقاحات (لقاحات فايزر) مع إسرائيل.
عندما ينسد أفق التغيير السلمي وتداول السلطة ينفجر الناس، وهذه تجارب الشعوب عبر التاريخ، ومما يزيد الطين بلة أن النظام السياسي الفلسطيني أخذ يتجه عبر السنوات الماضية بشكل متسارع نحو نظام استبدادي بكل مواصفات الاستبداد.
■ ماذا تعني بتحول النظام السياسي الفلسطيني نحو نظام استبدادي؟
□ واقعيا أصبح نظام السلطة الوطنية الفلسطينية يمتلك كل مقومات ومواصفات النظام الاستبدادي وأهمها حل المجلس التشريعي منذ سنتين بعد أن تم تجميده بشكل إرادي منذ عام 2007 بفعل الانقسام السياسي بين فتح وحماس، هذا أولا. وثانيا، تغييب دور الانتخابات في الحياة السياسية الفلسطينية كنموذج للتداول السلمي والدوري للسلطة سواء بالنسبة للمجلس التشريعي أو بالنسبة للمجلس الوطني بصفتهما أعلى سلطة تشريعية ورقابية للشعب الفلسطيني.
أما النقطة الثالثة التي أوصلتنا للنظام الاستبدادي فترتبط بتقويض استقلالية القضاء والسطوة المتزايدة للسلطة التنفيذية عليه (سواء بشقها المدني أو الأمني). ورابعا، تقويض مبدأ الفصل بين السلطات، حيث أصبح مجتمعنا يدار بقوانين يتوالى صدورها من الرئيس محمود عباس دون سند دستوري لهذا السلوك ودون أدنى تشاور مع ذوي الشأن والذين تعنيهم هذه القرارات الرئاسية.
يضاف إلى ذلك النقطة الخامسة التي تتمثل في الاستهداف المتواصل لمؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأهلية بهدف تقييدها والسيطرة عليها، وترافق ذلك مع النقطة السادسة التي تتمثل في انتهاك الحريات العامة وخاصة حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي والاعتقال السياسي.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد حيث ازدادت مؤشرات الفساد وزيادة التدخل المتزايد للأجهزة الأمنية في شتى نواحي حياتنا، وتنامي الشعور بمدى وجود أو عدم وجود مرجعية رقابية مدنية لهذه الأجهزة. وأبرز الأمثلة على ذلك عندما ينفي رئيس الوزراء، وهو وزير الداخلية أيضا، علمه أو أي صلة له بمقتل نزار بنات بتلك الصورة الوحشية، وعندما يؤكد رئيس الوزراء وزير الداخلية صباح يوم الاثنين (الموافق 6 يوليو/تموز) في اجتماع مجلس الوزراء على التمسك بالحريات وسيادة القانون بينما يكون سلوك أجهزة الأمن في مساء اليوم ذاته مزيدا من الاعتقالات والتنكيل الوحشي بالمعتصمين والمعتصمات سلميا أمام رصيف مركز الشرطة في مدينة رام الله، وكذلك عندما أصدر لاحقا فجر يوم الثلاثاء أوامره بالإفراج عن جميع المعتقلين والمعتقلات على خلفية التجمع السلمي في الليلة الماضية لكن الأجهزة الأمنية أبقت على 7 معتقلين لديها. والحقيقة المرة هنا كيف يمكن لشعب مقهور ويعاني الاستبداد والقمع من سلطته الوطنية أن يقاوم ويصمد أمام مشروع استعماري عنصري كالمشروع الصهيوني، وبينما تصبح سلطته الوطنية حائلا أمام تمكينه من ذلك بل وجزءا من منظومة الاضطهاد التي يواجهها.
■ ما هي مطالب حركة الاحتجاج الشعبي، هل يمكن تلخيصها وتحديدا تلك التي قدمت لرئيس الوزراء محمد اشتيه مؤخرا؟
□ مطالب حركة الاحتجاج الشعبي طرحناها في اليوم الأول لمقتل نزار بنات، وهي تتمثل بمطالبة الرئيس بإقالة الحكومة الحالية فورا لفتح الباب أمام تشكيل إطار قيادي مؤقت يشكل حكومة وطنية انتقالية تشرف على انتخابات متزامنة خلال 6 شهور، إقالة رؤساء الأجهزة الأمنية ومحاسبة من أصدر الأوامر ونفذ جريمة اغتيال نزار بنات، ومناشدة حركة فتح بفك ارتباطها بالسلطة وأجهزتها القمعية، ودعوة جماهير الشعب الفلسطيني إلى النزول إلى الشوارع والساحات حتى تحقيق مطالب الحراك، والوقف الفوري لكل أشكال التعدي على الحريات وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، واعتبار الوحدة الوطنية والسلم الأهلي أهم شرطين لانتصار أي حركة تحرر وطني.
■ ما هو مآل حركة الاحتجاج الشعبي الفلسطيني الأخيرة؟
□ كما ذكرت سابقا فإن حركة الاحتجاج الشعبي هذه تعبر عن توق شعبنا للتغيير، تغيير البوصلة بعيدا عن مسار أوسلو الذي أعطى المشروع الاستعماري الصهيوني التعمق والتوسع وتشديد آليات سيطرته على وطننا. وتوقه لتجديد البنية القيادية لحركته الوطنية بعد أن تكلست البنية الحالية وفشلت فشلا ذريعا في إنجاز ما يمكننا من الاقتراب من تحقيق حقوقنا الوطنية في تقرير المصير والاستقلال والعودة.
وفي الواقع هناك مخاض بين صفوف شعبنا منذ سنوات عديدة وبشكل متجدد لبلورة تيار وطني ثالث يشكل قوة ضاغطة تنهي حالة الاستقطاب والثنائية الانقسامية المدمرة في الحياة السياسية الفلسطينية ثنائية فتح/ حماس.
أعتقد أن الانفجار الشعبي الحالي شكل مناخا وحاضنة للإسراع في بلورة هذا التيار الثالث. وأكثر من ذلك اجرؤ على القول إن حركة الاحتجاج الشعبي الحالية خلقت مناخا مواتيا لمخاض داخل حركة فتح عبر عن نفسه أثناء مداولات المجلس الثوري لحركة فتح قبل أسابيع قليلة باتجاه التساؤل عن ضرورة الانفكاك عن السلطة بشقيها المدني والأمني من أجل استعادة حركة فتح دورها الطليعي للحركة الوطنية الفلسطينية.
وبكلمة أخيرة أقولها إن من أهم نتائج حركة الاحتجاج الشعبي الحالية أنها كسرت حاجز الخوف أمام سطوة أجهزة السلطة، وإذا لم تتمكن حركة الاحتجاج الشعبي حاليا من تحقيق كل مطالبها فإنها ستعود عاجلا أم آجلا للخروج للشارع والإصرار على تحقيق كل مطالبها المشروعة. هكذا يعلمنا التاريخ لمن يفهم حركة التاريخ وإرادة الشعوب.
عن القدس العربي